لم يندم
الفنان حسين فهمي في حياته علي قرار اتخذه، قدر ندمه علي قراره بالاستقالة
من رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وطوال ست دورات منذ اتخذ قراره
المتهور إلا ويستعيد ذكريات التألق الإعلامي الهائل الذي تمتع به خلال
توليه رئاسته. وهي للحقيقة مرحلة تاريخية ومهمة من مراحل حياته الفنية حيث
اختاره الفنان فاروق حسني وزير الثقافة لرئاسة المهرجان بعد أن اعتذر
الفنان عمر الشريف عن رئاسة المهرجان خلفا للكاتب الكبير سعد الدين وهبة
الذي رحل عن دنيانا بعد أن عبر بالمهرجان من النفق المظلم وأعاد له صفته
الدولية التي كان قد افتقدها إبان رئاسة مؤسسه الراحل كمال الملاخ بسبب بعض
الأخطاء والمخالفات للائحة الاتحاد الدولي للمنتجين الذي يقام المهرجان تحت
رعايته.كان خوف المثقفين من تولي عمر الشريف لرئاسة المهرجان وما يستتبعها
من تسهيل عملية التطبيع مع إسرائيل التي كان سعد الدين وهبة من أشد
الرافضين لها.كان هذا الاعتذار هو البوابة التي دخل منها حسين فهمي إلي
عالم المهرجان الذي كان منتهي أمله أن يتم اختياره لعضوية لجنة تحكيمه
فأصبح رئيسا له، وكان أول تصريحاته الإعلامية التي ضمن بها تأييد المثقفين
رفضه مشاركة أفلام إسرائيلية في المهرجان، رغم أن هذا الموقف ليس موقف سعد
الدين وهبة فقط، ولا موقف المثقفين فقط، ولكنه موقف مبدئي لوزير الثقافة
الفنان فاروق حسني الذي يرفض التطبيع قبل عودة الأرض المحتلة وإقرار السلام
العادل.كان حسين فهمي علي موعد مع مرحلة جديدة من حياته الفنية حيث جاءته
رئاسة المهرجان بعد مرحلة تجاهل إعلامي كبيرة تزامنت مع أفول نجوميته بعد
أن أدارت له السينما ظهرها بفعل تقدمه في السن، حيث كان ـ وقتها ـ قد تجاوز
الستين من عمره، ولم تكن قدماه قد عرفتا بعد الطريق إلي الشاشة الصغيرة،
فكان التوهج الإعلامي الذي صنعه له المهرجان، مع بداية عصر الفضائيات
يشكلان بداية حياة جديدة لموهبة فنية متوسطة كانت الوسامة هي طريقها إلي
عالم الشهرة والنجومية من خلال الشاشة الفضية، رغم أن دراسته كانت تؤهله
للوقوف فقط، خلف الكاميرا لا أمامها، ومن هنا فقط احتل مكانا علي الشاشة
حتي مرت سنوات الشباب، فأخذت الأضواء في التراجع والخفوت، بل كادت أن
تتلاشي نهائيا قبل أن يعيدها الوزير الفنان فاروق حسني إليه باختياره له
رئيسا للمهرجان.أربع سنوات من المجد والشهرة والمهرجانات الدولية والسفريات
كللها حظه السعيد باختياره سفيرا للنوايا الحسنة، ولأنه صدق الحكاية، وفي
خطوة لم يحسبها جيدا أقدم علي تقديم استقالته من المهرجان ظنا منه أن
الوزير لن يقبلها، وكان ظنه خاطئا.فقد قبلها الوزير، ومن يومها لم يغفرها
له حسين فهمي وظل يترقب موعد المهرجان كل عام حتي يستعيد بعض الوهج
الإعلامي ويصب جام غضبه علي الوزير ورئيس المهرجان أيا كان اسمه، حيث يري
أنهما كانا السبب في خروجه من جنة الإعلام والسفريات والمهرجانات من كان
إلي برلين، ومن فينيسيا إلي كارلو فيفاري إلي نانت، هذا بالإضافة إلي
الراتب الكبير وبدلات السفر وغيرها.الطريف أن حسين فهمي أقلع مؤخرا عن
الحديث حول حكاية امتناع وزير الثقافة عن دعم المهرجان خلال رئاسة فهمي له
مرددا أنه لم يدعم المهرجان بأكثر من أربعمائة ألف جنيه بعد أن اتضح كذب
هذه الادعاءات، وأن مرتبه ومكافآته وبدلات سفره، من واقع كشوف وأوراق
المهرجان الرسمية تجاوز الستمائة ألف جنيه له وحده.ومن يومها توقف عن
الحديث في حكاية الدعم هذه ولكنه بحث في دفاتره عن حكاية تجعله ضيفا علي
الصحافة والفضائيات فلم يجد سوي الهجوم علي رئيس المهرجان الفنان عزت
أبوعوف بحجة انشغاله الدائم، وعدم تفرغه لإدارة أعمال المهرجان وكأنه نسي
أو ربما لا يعلم أن رئيس المهرجان مهمته الأساسية وضع السياسات والخطوط
العريضة ويترك التنفيذ لمساعديه ومعاونيه الذين اكتسبوا خبرات كبيرة خلال 3
عاما هي عمر المهرجان.وفي غمرة انشغاله بالهجوم نسي الواد التقيل أبوعيون
زرقا أن رئيس المهرجان الذي يهاجمه صديق عمره وزميل دربه، وربيب مهنته.ولكن
يبدو أن كل هذا الأشياء قد سقطت أمام النهم الإعلامي، والرغبة في الظهور،
والحصول ولو علي جزء بسيط من كعكة سيدي المهرجان التي تنازل عنها في لحظة
تهور ظن يومها أن الوزير لن يقبلها، وخاب ظنه!.
جريدة القاهرة في 18
نوفمبر 2008
|