في إطار
مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، كانت المشاركة السورية بفيلمين: الأول "
حسيبة" للمخرج ريمون بطرس، والثاني:" أيام الضجر" للمخرج عبد اللطيف عبد
الحميد.فيلم حسيبة مأخوذ عن رواية الكاتب السوري خيري الذهبي، وكتب
السيناريو له ريمون بطرس. يحاول الفيلم أن يرصد الواقع النسائي الدمشقي
بالإضافة إلى التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الفترة الواقعة
ما بين 1927 – 1950 .وعبر شخصية حسيبة التي أدتها باقتدار الفنانة سلافة
فواخرجي، وعبر شخصية خالدية التي أدتها الفنانة جيانا عيد باقتدار أيضاً،
وعبر شخصية مريم التي أدتها الفنانة مانيا نبواني، نطل على نماذج مختلفة من
النساء الدمشقيات.
فحسيبة
التي ترافق الثوار في الجبل، تأخذ من تجربتها هذه قوة الشخصية، ومحاكاة
طاقات الرجال، سواء في القرار ، أو في العمل، وفي الوقت عينه تترك لمساحة
الأنثى فيها أن تتجلى من خلال علاقتها بزوجها أبو عمر الذي يؤدي دوره
الفنان سليم صبري، والذي سبق له أن تزوج، لكنه لم يرزق بأولاد.
وحسيبة هي
ابنة صادق الثائر الذي يترك غزل الحرير ليلتحق بالثورة والذي أدى دوره
الفنان طلحت حمدي.
بينما
يعمل أبو عمر بالتجارة.
في بيت
أبو عمر، تلتقي حسيبة بخالدية التي تفشل في زواجها المتعدد، والتي تحب عبده
الشاب الذي يصغرها بسنوات. هذا الشاب الذي يترك فيها جرحاً لا يندمل من
الرجال.
ولعل
متتبع الفيلم سيجد أن كاتب السيناريو كان أميناً للرواية، ولم يرتق عبر
المشاهد البصرية والأحداث إلى ما يتجاوزها كما حصل في فيلم العطر المأخوذ
عن رواية العطر.
بل لعل
الأذان الذي شكل لازمة في الفيلم، لم يرتق إلى مقولة لكل وقت أذان، بل كان
يأتي في وقت لا يكون فيه تحولاً درامياً، سواء على المستوى الإنساني، أو
السياسي، أو الاجتماعي.
ولم يفد
المخرج من لعبة الفانتازيا الموجودة في الرواية والمتمثلة بشيخ البحرة، ما
خلا تلك اللعنة التي تلاحق حسيبة لأنها كانت مع الثوار في الجبل، والتي أدت
إلى موت كل مولود ذكر لها، فهي لا تحظ من زواجها بأبي عمر إلا بابنتها
زينب.
يموت أبو
عمر في دكانه، ولا يبق لحسيبة إلا ابنتها، وخالدية التي تسكن في بيت ثان.
والتي تشكل لحسيبة الملجأ من وحدتها.
ماهر
صليبي الذي يمثل أحد أقارب أبو عمر، لا يظهر إلا إثر وفاة أبو عمر، ونعرف
من خلال مظهره أنه مثقف. ويسعى لإيجاد مخبأ لفياض، الصحفي الذي يتهم بقتل
الشهبندر، والمعارض للفرنسيين في مقالاته.
يلجأ فياض
عن طريق ماهر صليبي إلى بيت حسيبة للتواري، فتقع زينب في حبه، كذلك تقع
حسيبة في حبه، تطلق زينب حبها إلى علنه، بينما تعيش حسيبة حالة صراع داخلي
نتيجة هذا الحب، يتجلى في رفضها زواج ابنتها من فياض، ثم وبعد أن توافق
يتجلى هذا الصراع، في تلمس كل ما يمت لفياض بصلة، بدءاً من الملعقة التي
يأكل بها، إلى شم قميصه، إلى الصراخ على ابنتها وفياض وهما يتسامران
ويضحكان.
وإذا ما
أردنا التوقف عند المشهدية البصرية سنجد أن الصورة لم تتجاوز نمطيتها عن
البيئة الدمشقية، وإن شكلت البحرة التي تتوسط ساحة الدار في البيت الدمشقي
جزءاً من بطولة فالبحرة تنجدل بالجسد وأحاسيسه، وتأخذ بعداً أسطورياً، عند
اللجوء إلى التعاويذ التي تلجأ لها حسيبة وخالدية وأبو عمر للخلاص من لعنة
شيخ البحرة، وعلى الرغم من الاشتغال على أبعاد متعددة لتلك البحرة إلا أنها
لم تكن كافية لأن يتحول المكان في الفيلم إلى بطل كما جاء على لسان المخرج.
كما أن
متتبع الفيلم لا يستطيع أن يجد مبرراً درامياً للتحول الذي يصيب حسيبة ابنة
الثائر الذي يذهب إلى فلسطين ويستشهد هناك، وابنة الجبل الثائرة، ذلك
التحول الذي يجعل منها ليس تاجرة فحسب بعد موت زوجها، بل تاجرة مستغلة
لظروف الحرب، وما يرافقها من غلاء وفقدان للسلع.
فهي تخزن
السكر لتبيعه بأضعاف مضاعفة. وتثور ثائرتها على فياض الذي يستلم مقاليد
الأمور في الدكان، لأنه يشفق على الفقراء ويبيع بالدفع المؤجل لهم.
يسافر
فياض إلى فلسطين، بعد أن يرزق بابنه هشام بسنوات، مما يدخل زوجته زينب في
حالة من الغياب عن زمنها، بل إن زينب تحول جام غضبها على أمها حسيبة،
وتحملها مسؤولية سفر زوجها، الذي لم يذهب إلا هرباً من كونه دكنجي. وكان
أداء الفنان عامر علي، متميزاً، فقد استطاع أن يعطي شخصية فياض أبعاداً
حقيقية لتحولاتها من صحفي إلى دكنجي.
يعود فياض
من فلسطين، لكنه لا يعود لأسرته، ولا يبرر لنا المخرج سبب عزوف فياض عن
عائلته، بل لعل هجمة الغضب من زينب على أمها حسيبة، ولازمة: دكنجي، لا تشكل
مبرراً لعدم عودة فياض، خاصة وأنه رفض العودة إلى الصحافة إثر الاستقلال
وآثر البقاء في الدكان.
بل لعلي
أجرؤ وأقول أن الصورة التي سيطرت على الفيلم هي صورة تلفزيونية، لم تصل إلى
رحابة الصورة السينمائية إلا في لقطات الفيلم الأولى حيث الجبل وامتداده،
كذلك ثمة جماليات بصرية نشهدها في بيت خالدية الدمشقي، الذي عبر عن خصوصية
من خلال الدرج وأصص النبات التي اصطفت على درجات السلم.
على أننا
وعلى مدار الفيلم لم نشهد تحولاً لشخصية خالدية، فقد بقيت العمة التي تعيش
على ذاكرة عبده، كذلك هو الحال بالنسبة لشخصية مريم" مانيا نبواني" التي لم
يطلها التحول إلا بعد قتل زوجها لخرقه حظر التجول، حيث لجأت للعمل في البيت
مثلها مثل أي إمرأة تعيش نفس ظروفها.
فأي
تحولات للمرأة تلك التي رصدها الفيلم؟
وهل يكفي
أن تدخن خالدية النارجيلة في البيت حتى يشكل ذلك مساحة تحرر لها؟
ولعل من
نافلة القول أن فيلم حسيبة هو من إنتاج 2005 ، ولم ير النور إلا في مهرجان
أبو ظبي أول مرة، ودمشق السينمائي للمرة الثانية، مما يعني أن المؤسسة
العامة للسينما التي قالت أن إنتاجها يتراوح ما بين فيلمين أو ثلاثة، لم
تنتج عام 2008 سوى فيلماً واحداً: هو أيام الضجر لعبد اللطيف عبد الحميد.
أخيراً
يمكننا القول أن فيلم حسيبة، لم يستطع أن يتجاوز تجارب سينمائية سابقة،
سواء على صعيد المشهدية البصرية، أو على صعيد المعالجة الدرامية والفنية،
بل أجرؤ على القول أن فيلمي الطحالب والترحال للمخرج ريمون بطرس، هما علامة
في المشهد السينمائي السوري أكثر من فيلم حسيبة الذي لم يشكل إضافة لا
لتجربة المخرج ولا للتجربة السينمائية السورية.
موقع "إيلاف" في 9
نوفمبر 2008
|