كثر
الحديث العام الماضي عن ذلك السطو العربي على الدراما التليفزيونية المصرية
من قبل عدد كبير من الممثلين العرب ممن أسندت إليهم بطولات مطلقة على
الشاشة الصغيرة، وعلى إثرها فتحت النار عليهم من كل حدب وصوب.
إلا أن
الأمر جاء مختلفا هذا العام فبجوار تواجد هؤلاء الممثلين وبقوة يحل عدد لا
حصر له من المخرجين العرب على المسلسلات التليفزيونية فارضين نهجا مختلفا
من حيث التعامل بكاميرا واحدة، الأمر الذي اعتبره الكثيرون مخالفًا لطبيعة
التليفزيون المصري وتغييرا في طابعه بما يؤثر وبشكل واضح على الريادة
المصرية في فن الدراما.
هذا من
جانب.. ومن جانب آخر تأتي تساؤلات فرضت نفسها على بعض القائمين على صناعة
الدراما، أولها: ما الجديد الذي سيضيفه مخرج عربي وما الذي تفعله الجنسية
المغايرة في الارتقاء بالدراما المصرية؟ وماذا فعل من قبل تواجد الممثلين
والممثلات العرب كممثلين في هذه الدراما؟ وهل حقا أنها ارتقت بأسلوب
الصناعة التليفزيونية المصرية بالفعل؟
الشوام
مرة أخرى
هذا وبعد
الضجة الواسعة النطاق التي أثارها إسناد إخراج مسلسل الملك فاروق للسوري
حاتم علي لكون هذا الملك مصريا فإنه من المتوقع أن يثير إسناد إخراج مسلسل
(ناصر) -والذي يجسد حياة شخصية الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر-
للسوري باسل الخطيب نفس هذه الضجة وأكثر، كذلك يشارك المخرج زهير قنوع
ولأول مرة في الدراما المصرية من خلال مسلسل (طيارة ورق) مع الممثلة ميرفت
أمين في حين تشارك السورية رشا شربتجي للمرة الثانية بعد أولاد الليل في
إخراج مسلسل (شرف فتح الباب) للممثل يحيى الفخراني.
وبعد
مشاركته العام الماضي بالعمل الدرامي عيون ورماد يعود بمسلسلين دفعة واحدة
المخرج اللبناني تيسير عبود الأول هو (بنات فوق الثلاثين) للكاتبة منى نور
الدين، والمسلسل الآخر هو (قمر) مع فيفي عبده، أما شوقي الماجري فيقوم
بإخراج مسلسل (أسمهان) ويواصل اللبناني أسد فولادكار تواجده بقوة من خلال
الجزء الثالث من مسلسل السيت كوم (رجل وست ستات)، وللمرة الثانية على
التوالي نلتقي الأردني محمد عريزية مع الممثلة يسرا بعد نجاحه في مسلسل
قضية رأي عام وذلك في مسلسل (في أيد أمينة)، وفي الجزء الثاني من مسلسل
(الدالي) يواصل اللبناني يوسف شرف الدين تواجده على الشاشة المصرية.
ريحة
الوحدة
رغم موجة
الغضب التي ترتفع على صفحات الجرائد ضد تواجد العرب على الشاشة المصرية
تظهر بعض الأصوات التي تنظر إلى الجانب المملوء من الكأس.. يقف في أول الصف
السيناريست أسامة أنور عكاشة الذي يرى فيها شكلا من الوحدة العربية قائلا:
"إننا فشلنا بجدارة في تحقيق الوحدة العربية الفعلية؛ لذا علينا أن نتشمم
رائحتها من خلال تلك الوحدة الثقافية التي يصنعها الفن ومعها تذوب الحدود"،
ويتساءل عكاشة: "منذ متى والفن له وطن؟"، مضيفا: إن أي تواجد لعربي في
الدراما المصرية سواء أكان تمثيلا أو إخراجا يعد إضافة، وهو ما لمسته بنفسي
حينما تعاونت مع المخرج هيثم حقي من خلال مسلسل "أحلام في البوابة" فله
رؤية مختلفة، ويكفي أن كل الممثلين الذين تعاونوا معه في هذا العمل أشادوا
به وبرؤيته الجديدة، ومن هنا أدعو لمزيد من الإقبال العربي في جميع
المجالات في مصر.
وحول ما
يقال بشأن زهد أجور المخرجين العرب مقارنة بالمصريين أشار المنتج عصام
شعبان -والذي استعان هذا العام بالمخرجة رشا شربتجي في إخراج مسلسل "شرف
فتح الباب"- إلى أن ما يقال ليس له أساس من الصحة، ولم يحدث على الإطلاق
أننا استعنا بهم بسبب انخفاض أجورهم؛ لكن السبب أولا البحث عن ضخ دماء
جديدة وفكر جديد على الشاشة وجزئية التصوير بكاميرا واحدة أحيانا كثيرة ما
تكون في صالح الممثل؛ لثبات تركيزه بجانب واحد فحسب، وعليه يركز في لغة
الحوار بشكل أكبر.
وحول
تواجده على الساحة المصرية أكد المخرج اللبناني أسد فولادكار أنه تم
استقباله بترحيب شديد من قبل القائمين على صناعة الدراما المصرية، وإذا حدث
بعض الهجوم فكثيرا ما يتحول إلى ثناء بعد مشاهدة العمل، وأوضح فولادكار أن
الممثلين وكل المبدعين المصريين يدركون جيدا أن الفن ليس له هوية، وأن
الإبداع ليس له مكان ليحلق فيه؛ فكل بلاد العرب وطن واحد؛ لأنه المستفيد في
النهاية، والإضافة تكون للصناعة الدرامية نفسها.
أمريكا
تفعل ذلك
هذا ويشير
الناقد لويس جريس إلى أن كل من يبحث عن التقدم في أي من المجالات عليه أن
يستعين بآخرين من دول أخرى حتى يحدث تمازج ثقافات، وهنا أحب أن أشير إلى أن
السينما الأمريكية نفسها بكل ما تحمله من طاقات فنية وإنتاجية لا تتهاون
على الإطلاق في الاستعانة بمخرجين ومبدعين من آسيا والصين فقط؛ لمعرفة ما
يحملونه من جديد في جعبتهم، واستطرد جريس موضحا أن الدراما المصرية تعاني
من حالة إغماء منذ سنوات بعيدة، وقد تساهم هذه العقول الوافدة في إفاقتها
من كبوتها؛ لذا علينا أن لا نضع أسوارا بيننا وبين أي وافد خارجي.
أخيرا
يجتذب أطراف الحديث المخرج خالد بهجت قائلا: إن الحديث عن استقطاب المخرجين
العرب إلى مصر والهجوم عليهم أخذ أكثر من حجمه.. وأكمل: إن أي شيء إذا زاد
عن حدود المقبول فسيؤدي حتما إلى نتيجة عكسية، ويجب أن يقتصر استيرادنا لأي
مبدع عربي على حالة الاحتياج إليه (أي ليس في عمل يمكن لمخرج مصري القيام
به) وهنا سيحدث التوازن الفني الذي نبحث عنه.
إسلام أنلاين في 10
سبتمبر 2008
|