قبل خمسة
أيام من بداية رمضان، نشرت جريدة الجمهورية في صفحتها الفنية خبرا احتل صدر
الصفحة بأنه قد تم استبعاد برنامج تليفزيوني جديد هو «وزارة ما تمت»
بتعليمات من المسئولين في ماسبيرو حتي لا يغضب الوزراء ورئيسهم لأن
البرنامج الذي يستضيف في كل حلقة فنانا أو فنانة يوكل إلي ضيفه القيام بدور
رئيس الوزراء لمدة نصف ساعة يختار فيها معاونيه من أهل المهنة وفقا
لقدراتهم علي مواجهة مشاكل الجماهير وحلها.
كان السبب
المباشر لاستبعاد البرنامج «قبل أن يعود ويعرض» هو القَسَم الذي يقوله
الضيف في بداية الحلقة باعتباره رئيسا للوزراء وهو «أقسم بكل ما في الجيب..
مافيش سرقة ولا تهليب»، ولأن البرنامج فات من «لجنة البرامج» باعتباره
برنامجاً إعلانياً لإحدي الوكالات الإعلانية الكبيرة وما أدرانا ما هي قوة
هذه الوكالات التي اشترت منذ سنوات ما شاء لها من مساحات في خريطة رمضان،
والآن أصبحت قوتها علي فرض المسلسلات التي تدعمها فوق كل القوي الأخري، فقد
عاد البرنامج إلي خريطة رمضان، علي شاشة قناة المنوعات بعد أن ارتدت برنيطة
وأصبحت النايل لايف إحدي قنوات شبكة
NTN
الجديدة «المتخصصة سابقا».. جذبني الاسم فانتظرت البرنامج للبحث عن الجديد
فيه من بين مجموعة برامج، أغلبها قديم رأيناه مرارا وتكرارا، من برامج
التدليل أي أن يدلل ممثل مذيعه المفضل والعكس، إلي برامج استضافة النجوم
بحجة اختبار معلوماتهم، إلي برامج الاستهبال الشهيرة بالكاميرا الخفية
والتي انتشرت في القنوات العربية كلها.
قضايا
حقيقية
كانت سمية
الخشاب ضيفة الحلقة في «وزارة ما تمت» أمام مقدم البرنامج عزت أبوعوف وقد
فوجئت بها حقا تتحدث عما يعانيه الناس في مصر، وما تعانيه النساء برغم كل «الزواق»
في الحقيقة وليس في مانشيتات الأخبار.. وقالت «رئيسة وزراء» الحلقة إنها
سوف تضيف وزارة جديدة إلي الوزارات الموجودة في مصر هي وزارة الإنسانية..
مهمتها تتبع طريقة معاملة المواطن المصري من قبل كل الجهات التي يتعامل
معها وحل مشاكله، خاصة الأساسية مثل المسكن والمأكل وغيرهما وأيضا قضايا
كبار السن ومن لا عائل لهم.. قدرت لها أنها ليست فقط وجهاً وجسماً جميلاً
وإنما كيان متفاعل مع الواقع.. بعد ثلاثة أيام من هذه الفكرة الرومانسية،
أي وزارة الإنسانية، رأيت علي شاشة رمضان برنامجين لم يخرجا من فم أي وكالة
إعلانية أو شركة لإنتاج الدراما، وإنما من قلب الواقع.. فقد انهارت مساكن
الدويقة صباح السبت الماضي وسقطت صخور جبل المقطم علي مساكن وعشش المواطنين
وتجاوزت الإثارة في المشهد التليفزيوني كل ما يحدث في المسلسلات والبرامج..
ظلت الصورة ساكنة علي شاشة النيل للأخبار عليها خريطة مصر ومربع صغير لصورة
المراسل أحمد نوير، وكالعادة، كانت قناة الجزيرة أول من وصل بكاميراته إلي
موقع الحدث في الثانية عشرة ظهرا وبعد نصف ساعة وصلت قناة مصر الإخبارية.
اقتناص
المعلومات
مع
الجزيرة ذهب مدير مكتبها الجنرال حسين عبدالغني الذي قدم مسحا شاملا
للموضوع، ما حدث منذ شهور ومنذ شهر والدراسات التي أجريت، والاحتجاجات التي
قدمها أهالي المنطقة وشكاواهم ووصف محاولات الإنقاذ البدائية بالأظافر
والفئوس انتظارا لحضور الأجهزة الكبري مثل شركة عثمان ثم القوات المسلحة،
استطاع عبدالغني بخبرته وقدراته اقتناص المزيد من المعلومات من طرف مهم ثان
هو حيدر بغدادي عضو مجلس الشعب عن المنطقة في حوار شاركت فيه قارئة النشرة
من قطر بالأقمار الصناعية وليذكر بغدادي قصصا حزينة عن تعامل الحكومة
بوزراتها ومحافظيها ورجال مع الناس في المنطقة.
وعن مشروع
إسكان سوزان مبارك المبني بمساعدات دولية من أجل سكان المنطقة ووحداته
الخالية التي رفضت الهيئة العمرانية التابعة لوزارة الإسكان ورفضت محافظة
القاهرة انتقالهم إليها لأنهم ليسوا في حالة «خطر داهم».. قال عضو المجلس
ما يمكننا اعتباره «فضيحة» علي الهواء ضد الوزارة من أول رئيسها الذي لم
يذهب إلي موقع الكارثة إلي مسئوليها، بالطبع توسعت الجزيرة في الاتصال بقوي
عديدة لتسألها آراءها مثل رئيس كتلة الإخوان ورئيس كتلة المستقلين، وأيضا
العديد من المواطنين بينما طالب النائب بحضور وزير الإسكان الذي يملك
القرار بتسكين الذين نجوا من الموت وحملوا أمتعتهم ووقفوا يصرخون لأن
بقيتهم مازالوا تحت الصخور يتصلون بهم عن طريق الموبايلات.. ولا من مغيث..
لا توجد دراما أعلي من هذا في كل المسلسلات، أكرر، ولا توجد مفارقة أكثر من
هذا بين نجمة سينما تحلم بوزارة للإنسانية.
المساكن
لغير مستحقيها
وبين حدث
حقيقي بعد 36 ساعة يقدم لنا الوجه الآخر لتعامل الوزارة مع الناس العاديين،
واتهام نائب برلماني وزراء ومسئولين حدد مواقعهم، بأنهم يعطون المساكن لغير
مستحقيها وكان ناقصاً أن يذكر في الفضائيات بأن الأمر يحتاج رشة أو رشوة لا
يملكها سكان عشش الدويقة.. بالطبع لم أستطع متابعة برامج رمضان الأخري في
يوم الدويقة، بما فيها برنامج «وزارة ما تمت».. فقد اكتشفت أنه برنامج غير
رومانسي ولكنه ملطف للقهر الذي يفترس المشاهدين وهم يرون الإعلانات عن
المنتجعات الجديدة تقفز من كل القنوات، وبين المسلسلات، تبشرهم بالجنة
المليئة بالحدائق وحمامات السباحة وغيرها من وسائل الرفاهية، وأن القهر ليس
فقط الذي وقع علي سكان الدويقة وهم يتركونهم يموتون حتي تتحقق شروط
«الخطر»، ولكنه أيضا الذي يقع علي غيرهم من الناس، عن بعد، حين يدركون أنهم
في نفس الكفة، يتفرجون علي مآسي قاعدة وقادمة ودائمة علي كل الشاشات..
ويتفرجون علي «رجال الإنقاذ» الإعلامي ينتشرون بعد كل كارثة.. فلا يبقي
أمامهم إلا أهل التمثيل.. فهم الوحيدون الصادقون هنا.. لأنها مهنتهم.
الأهالي المصرية في 10
سبتمبر 2008
سبــــــوت
في الحديث
عن الشرف
فاطمة خير
يلعب
"يحيي الفخراني " من جديد دور المدافع عن القيم ، بعد أجازة عن لعب هذه
النوعية من الأدوار لمدة عام ، قدم خلاله مسلسله الاجتماعي الأقرب إلي
الكوميدي " يتربي في عزو" والذي لاقي نجاحاً كبيراً .
في "شرف
فتح الباب" ، يعاد طرح قضية الشرف مع الجوع ، أم المال الحرام والعيشة
الهنية ، وهي القضية التي أصبحت تلعب دوراً رئيسياً في الأعمال الدرامية
خلال الأعوام الماضية ، وتظل فرصة تميز كل عمل عن الآخر ، في قدرته علي
تقديمها بطريقة تغازل مشاعر جمهور المشاهدين ، وهي القضية نفسها التي قدمها
"الفخراني" في أكثر من عمل ، لكنه هذا العام يبدأ بمداخلة غير متوقعة ، حيث
قبل الرجل الشريف ، الرشوة ، مقابل أن يضمن مستقبل أبنائه ، لذا فإن
الأحداث تبدأ ساخنة منذ اللحظة الأولي ، ويبدو هذا سلاحا ذا حدين ، فإما
تتمكن الحبكة الدرامية من تقديم تبعات مقنعة تترتب علي قرار الرجل بالتضحية
لسمعته لأجل المستقبل المالي ، أو تتسلسل الأحداث في سذاجة تتشابه مع أحداث
الأفلام التي لا بد أن تختم أحداثها بانتصار الخير علي الشر .
المأزق
الذي وضع "شرف فتح الباب" نفسه فيه ، هو سر تميز العمل حتي الآن ، لكنه في
الوقت نفسه قد يكون مسمارا في نعش نجاحه ، وهذا ما سترينا إياه الأيام
القادمة .
الأهالي المصرية في 10
سبتمبر 2008
|