أولى
ركائز جودة العمل الدرامي هو النص، الذي يضم القصة والسيناريو والحوار. هذا
النص، تتبناه الجهة المنتجة، وتخصِّص له موازنة معينة، وتطرحه على مخرج
ينتقي الممثلين، على مقاس العمل الدرامي وشخصياته، بالتنسيق مع الجهة
المنتجة. وبدهي، ان يكون الممثِّل خاضعاً لمزاج وأسلوب إخراجي معيَّن،
تمليه خصوصيَّة مخرج العمل. لكن، حين يندمج الإنتاج والإخراج، أو ينشأ
بينهما شكل من أشكال التحالف، سواء في مؤسَّسة واحدة، أو شخص واحد، بدهي
أيضاً أن جرعة الضغط على الممثلين، ومدى خضوعهم لهذا الضغط، ستكون مضاعفة.
أطلَّ
علينا مسلسل «باب الحارة» لمخرجه بسَّام الملا وكاتبه مروان قاووق، بنسخته
الثالثة، في أول أيام شهر رمضان المبارك، بمشهد «مختلق»، يسعى لتبرير
«غياب» أو تغييب أحد أعمدة العمل، الفنان عباس النوري الذي كان يلعب دور
«أبو عصام». وقد كتب الكثير على هذه الصفحة حول طبيعة أو خلفيات غياب
النوري عن «حارته»، وردود الفعل الجماهيريَّة حول هذا الغياب. واللافت في
ذلك المشهد، أنه سبق شارة المسلسل، عدا عن شحنة الافتعال والإقحام البادية
عليه. وقد يكون لاطلاع المُشاهد على خلفيَّة غياب النوري عن العمل، دوره
البارز في عمليَّة «عسر هضم» ذلك المشهد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا
لو لم تكن تلك «الأزمة»، ولم يغبْ النوري عن العمل؟!. بالتأكيد، لما كان
اضطرَّ كاتبه ومخرجه لإيجاد توليفة جديدة للسيناريو، حتى ينسجم وغياب
النوري. ولكن، ماذا لو كانت دائرة الأزمة أكثر اتساعاً، وشملت الفنان سامر
المصري الذي يلعب دور «عكيد»، وهو أيضاً أحد أعمدة العمل، ماذا كان فعل
كاتب العمل ومخرجه في السيناريو، حتَّى ينسجم مع «غياب» الـ «عكيد» عن
المسلسل؟ طبعاً، أفضل وأسهل وسيلة يلجآن إليها للخروج من هذا المأزق، هي
إماتة هذا البطل أيضاً، كما أماتا «أبو عصام» شهيداً! وبذلك، يكون الكاتب
والمخرج قد لاذا بإماتة بسَّام كوسا الذي لعب دور «الايدعشري» في نهاية
الجزء الأوَّل، لأنه رفض الاشتراك في الجزء الثاني. ولجآ إلى إماتة
«الزعيم» الذي لعب دوره عبدالرحمن آل رشي، غدراً، على يد «صطيف»، في الجزء
الثاني. وكذلك، تندرج «توليفة» الموت اســتشــهاداً لشــخصيَّة «أبو
عــصام»!
وفي
النسخة الثالثة من «باب الحارة»، نحن أمام قضايا حساسة، أقلها، ما هو
متعلِّق بالإبداع والتصنُّع والافتعال والطارئ عليه في الدراما، وكيف يمكن
أن يكون الإبداع في العمل الدرامي خاضعاً لمشيئة أزمة، تستوجب تغيير
السيناريو ليكون على مقاس الأزمة! ثمَّ إنَّ تعاطي كاتب العمل الدرامي
ومخرجه مع مسألة تبرير «تغييب» أحد أبطاله، دراميَّاً، كما حدث في «باب
الحارة»، قد يفتح الباب على مصراعيه، لكلِّ مخرج أو منتج، تتأزَّم علاقته
مع أحد أبطال العمل، فيلجآن إلى نفيه، عبر إماتته دراميَّاً. وهكذا، تصبح
وسيلة إماتة أبطال المسلسلات، مستساغة، وعادة دارجة في حقل الدراما
العربيَّة، والسورية منها على وجه الخصوص! وبذا، يفقد الممثل حصانته.
عبَّاس
النوري، كان تناول في شكل لاذع الانتقادات التي واجهها المسلسل، في حوارٍ
أجري على هذه الصفحة، قال فيه: «إسرائيل سعت إلى دراسة هذه الظاهرة، (يقصد
ظاهرة انتشار مسلسل «باب الحارة»)، واكثر من صحيفة أميركية تناولت الموضوع،
بينما ينبري كتابنا ونقادنا، مشكورين، إلى تحطيم هذا النجاح، وهم بذلك
اثبتوا أنهم أصلاء إذ لم يخرجوا عن العادة العربية في مهاجمة النجاح». من
هنا السؤال: كيف له اليوم أن يدافع عن توليفة «تغييبه» عن «باب الحارة»،
هذا المسلسل الذي استنفد مبررات وجوده كعمل درامي إبداعي، عبر تكرار نسخه،
والمغزى واحد؟ والطامَّة الكبرى، أن تكون هنالك نسخة رابعة لـ «باب
الحارة»، ربما يلجأ أو يضطرُّ كاتب العمل ومخرجه إلى إماتة شخصيَّات
أخرى... وهكذا دواليك، حتَّى تُفرَّغ الحارة من قاطنيها، عبر افتعالات
دراميَّة ركيكة، تُضفى على سيناريو العمل، لزوم التغطية على الأزمة.
الحياة اللندنية في 5
سبتمبر 2008
|