تلّذ
الناس مشاهدة
مسلسل »اسمهان«. ويقول متفرّجون محنّكون انه جيد. يقول ذلك ايضا خبراء
ومحترفون، ما
عليّ اذن الا ان اساير، خاصة وان لا غرض لي بعد في تحدي الذوق العام. ثم ان
المسلسل
لا يشط كثيراً وبالمقارنة مع سواه يمكننا ان نغض عنه ولا نتناوله بشرّ او
بخير.
الفن الرمضاني وَلودٌ وبعض ما ينتجه أحق بالمحاكمة. للمسلسل، فضلاً عن ذلك
اسباب
تخفيفية،
انه اول مسلسل عن اسمهان بعد أن تنكّب عن ذلك الجميع تجنبا لغضب أسرتها
وممانعتها. رفض آل الأطرش كل سيناريو عن حياة اسمهان وجدوه غير لائق،
والارجح ان ما
لا يليق بالأسرة هو حياة اسمهان ذاتها من اي جهة تناولتها. لا تليق حياة
اسمهان
بالأسرة ولا بأي أسرة اخرى لا تزال عند نفسها أسرة. لكن هذا بالتأكيد سر
قوة
اسمهان، انها منذ ٦٤ عاماً مضت على وفاتها لا تزال تتحدى الأسر ولا تزال
بالطبع
مستعصية عن ان تكون وصفة عائلية او ان تتحول درساً اجتماعياً. يمكننا عندئذ
ان
نسائل الـ٦٤ عاماً المنقضية عن ذلك، فبعد كل هذا الوقت لا تزال اسمهان تخيف
الأُسَر
وتخيف الاصطلاح الاجتماعي وتخيف التقليد الاخلاقي والديني. لكن ٦٤ ايضا وقت
كاف
لتقديم اسمهان بدون مصالحتها مع التقليد والاصطلاح والعائلة. لقد بقيت
اسمهان بعد
اكثر من نصف قرن فيما لم تطق ذاكرتنا القصيرة عادة اسماء كثيرين سواها،
صمدت ضد
كسلنا ومياومتنا وفقدان سياقاتنا وتكويمنا الثقافي والتاريخي. وان تصمد
بدون إرادة
ولا اجتهاد من احد يعني ان حضورها فوق طاقتنا على النسيان وانها موجودة
فيما يتعدى
الذاكرة. غناء اسمهان من الاشياء التي تكوّن متحفنا الغنائي والموسيقي، او
توعز
بتراث حديث. كان لهذا الصوت ان يغلبنا على تراخينا، ان يبقى ليس ضد
ذاكرتنا، ولكن
ضد سيرة اسمهان نفسها وأماني أسرتها. لقد بقيت طوال ٦٤ عاماً مصدر قلق لهذه
الأسرة
وفخر مر ولا تزال هذه من ٦٤ عاماً تدافع عن نفسها ضد ذكرى الفتاة التي غرقت
في
ربيعها السابع والعشرين. لا بد ان نحيي المبادرة الى مسلسل عنها ولو اننا
نحسب ان
من المهازل ان تنتظر كل هذا الوقت ومن المخاجل ان يبقى النزاع نفسه على
سيرتها
وحياتها. ان وقتاً بهذا الطول لجدير بأن يخرج امرأة من عائلتها وزمانها.
نحيي ان
يقوم فيلم عنها لكننا نأمل ان يكون بحجم انتظارنا، ان يكون في مستوى امرأة
زاد
الزمن حضورها قوة ومستوى. لا يكفي النجاح الجماهيري فأن تكون اسمهان من
حواضر رمضان
وموائده امر غير مستكره، لكن ان ينتهي الأمر هنا فهذا ليس محموداً.
مسلسل
اسمهان
يجمع ممثلين من لبنان وسوريا ومصر وهذا مطابق لشخصياته. الأم علياء المنذر
من لبنان والأسرة درزية سورية والتربية مصرية، هذا التنوع كان ينبغي ان
يكون له
ميزان دقيق وان يؤدى بحرفة. لكننا وجدنا أنفسنا امام بابل لهجات: فريد
يتكلم
المصرية وحدها، وفؤاد بدأ بلهجة الجبل السوري ثم جرى على المصرية، بينما
ترددت
اسمهان بين اللهجتين واحتفظت الأم بلهجة محيرة بين الجبل السوري واللبناني.
الخليط
صحيح لكنه بدا في احيان اختلاطا وخلطاً، ولم يقف الأمر عند حد اللهجة
فالاغلب ان
بضع مدارس في التمثيل التلفزيوني تجاورت بدون ان تندمج. كانت هناك بابل
تمثيلية
ايضا، الدراماتيكية السورية والعواطفية المصرية والحيرة التمثيلية
اللبنانية التقت
جميعها بدون ان تتفاعل او تتشابك. لكن المسألة ليست في الحيرة الفنية الا
بمقدار ما
تعكس هذه حيرة السيناريو والأداء. لا تزال اسمهان لغزاً بحسب شريفة زهور
كاتبة
سيرتها المكتوبة بالانكليزية والمترجمة الى العربية عن دار المدى. لا بد
اننا لا
نعرف بدقة سر هجرة الأسرة الدرزية العريقة الى مصر وابتعادها عن الأب
والزوج
وارتضاء الأم بمهنة غسل الثياب والخياطة والحياة في القلة والتنكر تحت اسم
عائلي
آخر. انه المسار الذي ستسلكه اسمهان عكساً. فهي الأخرى ستتزوج حسن الأطرش
في اشهار
للعائلة وعود إليها وانفصال مجدد عنها. لا نعرف على وجه التحديد سر علاقتها
بمحمد
التابعي ولا زواجها من أحمد بدرخان وأحمد سالم ولا صلتها بمحمد حسنين
والملكة نازلي
وأم كلثوم، ولن نفهم على وجه التحديد علاقتها بالانكليز والجنرالين سبيرز
وستيف
والجنرال كاترو وعملاء المحور الألماني. كل هذه معروفة وغير معروفة ولا
تزال مدفونة
تحت ركام ٦٤ سنة. واذا كانت خلاصاتها غير مجهولة الا ان الملابسات والدواخل
لا تزال
في الكتمان، اما السر الذي لن نفك فهو لغز موتها، قذف السائق بنفسه ونجا
تاركا
اسمهان وصديقتها تغرقان. هل كانت هذه جريمة مدبرة ام انها صدفة غريبة،
ألغاز لكنها
ليست اوهاماً فهذه المرأة التي رحلت عن ٢٧ عاماً لم تخرج فحسب من الشرط
العشائري
والنسائي بل فعلت ذلك بجرأة طبيعية تمت ببساطة مذهلة وقفزت بسلاسة كاملة عن
تقليد
دهري بدون معركة تقريباً. هجرت زوجاً هو زعيم قومه ومحافظ الجبل فلم يزد عن
ان يكون
رهن إشارتها واستعادها حين شاءت، ضد الشرع، وطلق امرأته الجديدة في سبيل
ذلك،
بالبساطة ذاتها لعبت بجنرالات الانكليز والفرنسيين مرة مع هؤلاء ضد اولئك
ومرة مع
اولئك ضد هؤلاء وغامرت بالخفة ذاتها والعلن ذاته مع جماعة المحور، ولم يزد
الثمن
الذي دفعته عن منعها من الوصول الى اسطنبول لمقابلة السفير الالماني. ثم
انها غامرت
بزواجين لم يدوما سوى اسابيع وكان ذلك في المرتين اقرب الى التنكر واللعب
وانتهى
ثانيهما برصاصة وجرح. كان لها ما تريد لكنها فعلت كل شيء لاهية غير مهتمة
حتى حين
نافست الملكة على عشيقها وملكة الغناء على عرشها. في قمة شهرتها ذهبت
لتزاول مهنة
اقرب الى الجاسوسية، كانت مستعدة لكل تكليف تاركة نفسها للريح والطرق، ومع
ذلك
فإنها حاولت مرتين او ثلاثا ان تنتحر وانتهت حياتها بما يشبه الجريمة. انها
سيرة
امرأة ذللت كل شيء ودجنت الخطر واتسعت لملابسات عصرها كلها فاشتملت على
لعبة الدول
ودهاليز البلاط وأسرار الحكم وعلاقات الفن والثقافة ناهيك عن الملاهي
والمرابع
والفنادق والقصور وعن البذخ والقلة والقمار والشرب والتبذير الى حد السرف،
فكانت
الاميرة والجاسوسة والمحظية والزوجة والأم في آن معاً.
انها سيرة
نووية كما
نرى، هي اقرب ما يكون الى سيناريو سينمائي. اتجهت دائما الى قلب الحدث ولم
تتشتت في
المقدمات والمواربات والنسج البطيء. لقد كانت نوعاً من دراما متصلة، دراما
متصلة
انتشرت على نحو بانورامي بدون ان تغادر المركز والواجهة وبدون ان تبتعد عن
المحور.
انها
سلسلة مفاجآت وانفجارات وقفزات هوائية. ليست سيراً تدريجيا زمنيا، انها
تقريبا
ذات زمن
خاص، لذا يبدو السرد الكرونولوجي غير ملائم لحياة كانت تدور في الوقت نفسه
في اتجاهات عدة ومتضاربة. كان على السيناريست والمخرج منذ البداية ان يفكرا
بتقديم
مختلف، بتقديم تبدو فيه السيرة اكثر من سير أفقي وتسلسل تدريجي، كان ينبغي
التفكير
بشيء شبه تيار الوعي، بنوع من التشظي الزمني، بلعبة تقديم وتأخير متصلتين،
بتركيب
محوري ينتشر في اتجاهات عدة وفي موازاة وتناظر اكثر منهما تتابعا
كرونولوجيا. ففي
سيرة اسمهان اكثر من حياة، انها سياقات عدة تتم في الآن نفسه، انها حياة
ستتم على
محاور عدة، لذا فإن التسلسل الكرونولوجي يشي بادئ بدء بضيق الخيال، مثل
سيرة اسمهان
لا تروى على طريقة »كان يا ما كان« ولا على شكل حكاية تقليدية، اننا امام
طاقة لا
يمكن حصرها في تسلسل افقي، انه زمن مركب ومتعدد وعلى الرواية ان تتناوله في
تعدده
وتركيبه.
سيرة خارج
الشرط الاجتماعي، لكنها ايضاً فوق طاقة الزمن اليومي لذا
تبدو الى
حد ما فانتازية وعجائبية وكأنها تحدث في الخيال. انها لذلك جنوح وانفلات
لا يمكن حسابهما وحصرهما وكان ينبغي ان يظل الشريط هنا. لكن المخرج
والسيناريست
تعاملا مع الحكاية من محل آخر، لقد حاولا »تطبيع« السيرة إذا جاز التعبير،
أراداها
قصة ككل القصص، أرادا لها سياقاً تقليدياً، وذهبا ضمنيا الى مصالحة شبيهة
مع
التقليد الروائي والتقليد الاجتماعي ايضاً. المرأة التي كانت لعبتها لعبة
بالدول
والانظمة والبيئات والعلاقات والمجتمعات والطبقات والمراتب أريد لها ان
تعود الى
محيط ملابسات نشأتها وان تغرق في المحيط الأطرشي. كان علينا ان نقضي حلقات
مطولة مع
ثورة سلطان الأطرش والسياسة الفرنسية في السويدا وفي سوريا، وكان علينا ان
نسمع
أثناء ذلك الى جبل من الخطب الوطنية والنضالية. بعد ٦٤ عاماً ليس لنا من
برستيج
يذكر سوى النضال الاستقلالي ضد الاستعمار الفرنسي ولا يزال هذا، وربما
وحده،
ملحمتنا الكبرى وأسطورتنا الوطنية. كان على المسلسل ان يضيّع حيزا لا بأس
به في
ملابسات سياسية لا يتضح تماما موقع اسمهان منها، لكنها ضريبة لا بد منها
للمصالحة
مع الارتياب الأطرشي والرفض المبدئي لاي شريط عن حياة اسمهان. ضريبة وربما
تطمين،
انما هذا ليس كل شيء فلا بد ان السيناريست والمخرج ليسا بريئين من العقل
السياسي
الذي أنتج هذا الخطاب. مع عقل كهذا ستكون كل حياة اسمهان التي تجاوزت
بعيداً جداً
الحيز الأطرشي ودخلت في لعبة بلاط ولعبة مخابرات ولعبة دول، ستكون هذه
الحياة كلها
بحاجة الى تخفيف وتنقيح والى مصالحة مع الخطاب الوطني الذي بدا وكأنه مقدمة
سياسية
للمسلسل. مع مقدمة كهذه ستكون سيرة اسمهان السياسية بل والفنية وجميعها
مشتبكة
بالبلاط والمتنفذين والاجانب محرجة، وسيسعى السيناريو بالتأكيد الى تطبيعها
والى
الاعتذار عنها والالتفاف عليها. ستكون هذه مدانة ولن تكون مغامرة حرة
وجنونية
ومذهلة بقدر ما ستكون مدانة مسبقاً وبحاجة الى أعذار، لن تُتناول فنيا
بوصفها
جموحاً وخسارة وابداعاً بل ستُتناول سياسياً وربما اخلاقياً بوصفها
انحرافات
واغلاطاً. سنتذكر هنا افلاماً مماثلة عن فنانين اوروبيين لم تكن حياتهم في
الغالب
الا سقوطا ذريعا، لكن صانعي الافلام وجدوا في هذا السقوط المقابل المأسوي
لعظمة
روحية وإنسانية وفنية. هل سيرى صانعو المسلسل في »سقوط« اسمهان هذا المقابل
المأسوي؟ هل سيتركون لسواهم الحكم السياسي ليروا بدلا عنه الخيال والجرأة
والحرية
والشرط المأسوي ايضا في هذه الحياة الطيارة الفالتة؟ هل سيرونها كما رأى
الفرنسيون
اديث بياف في فيلم ليس بعيداً، لم نصل بعد تماماً الى ذلك؟ لكن المقدمات لا
تبشر.
ها
هو فؤاد شرير على طول الخط وها هو فريد »فنان« يقطر عاطفية ورقة على طول
الخط.
اما الأم
فهي دائماً الأم والأم وحدها (أليست لها حياة اخرى؟). اما اسمهان فبعد ان
غرق صناع المسلسل في تركيب صورة تقليدية لها (الزوجة والوطنية والابنة) بدا
صعبا
عليهم الانتقال الى مهاوي حياتها بدون ان يحصل ذلك بقدر من التجنب والبهوت
والمداورة. ضرب كهذا فيه قدر من الاحتياط والتعليق على سلوكها مذ هجرت
بيتها وزوجها
ولا بد ان هذا سيكون ازيد كلما اقتربنا من حياتها المخابراتية وعلاقاتها مع
الضباط
الفرنسيين والانكليز. لا بد ان الصفحة الأطرشية ستكون هنا مغدورة مهدورة،
ولا بد ان
الخطاب الوطني الذي صحبها سيكون قاضيا صارما لما صارت إليه اسمهان. لا نعرف
كيف
سيخرج صناع الفيلم من هذا الحرج الكبير، لكننا استناداً الى ما شاهدناه لا
نراهم
إلا قد ضاعوا فيه.
السفير اللبنانية في 26
سبتمبر 2008
فراس إبراهيم: ممدوح
الأطرش يرتكب خطأ
أكد
الممثل والمنتج
السوري فراس إبراهيم أن لديه الرد المناسب على اعتراض آل الأطرش في سوريا
على
مسلسل»أسمهان«. وكان المخرج السوري ممدوح الأطرش قال قبل أيام (أنظر »صوت
وصورة«
الأربعاء
٢٤ أيلول)، إنه سيقاضي فراس إبراهيم والقنوات التي تعرض المسلسل، بسبب ما
اعتبر انه تشويه لسمعة أسرته وقريبته أسمهان ووالده فؤاد الأطرش شقيق
أسمهان.
ورفض
إبراهيم الرد على ما قاله ممدوح الأطرش، مضيفاً أن الأطرش »يرتكب خطأ
كبيراً
وأنا لا أريد أن أخطئ معه أيضاً«. وتابع أنه في حال تقدم الأطرش بدعوى
قضائية كما هدّد »فإن لديَّ الرد المناسب الذي سيعجبه ويعجب الناس أيضا«،
رافضا
الكشف عن أية معلومات.
ويلعب
فراس إبراهيم دور فؤاد الأطرش في المسلسل كما أنه
أحد المنتجين له. وكان مسلسل أسمهان أثار اعتراض آل الأطرش قبل انتهاء
تصويره، ولم
تعرضه القنوات التلفزيونية السورية (بهدف ان تشاهده لجنة خاصة قبل عرضه)
بناء على
مذكرة من وزير الإعلام السوري بعد طلب من آل الأطرش، إلا أن المسلسل الذي
تم تصويره
في سوريا ومصر يعرض حالياً على عدة قنوات عربية.
)د
ب أ(
السفير اللبنانية في 26
سبتمبر 2008
|