«أسمهان»
و«ناصر» و«الملك فاروق» و«أم كلثوم». أربعة مسلسلات دار جزء أساسي من
أحداثها في حقبة الأربعينيات: فهل نجحت أعمال السيرة الذاتية في تقديم
الوقائع ذاتها عن رموز الفن والسياسة؟ وأين يقف الجمهور من كل هذه القراءات
المختلفة للتاريخ؟
عندما
بدأت المخرجة إنعام محمد علي التحضير لمسلسل «أم كلثوم» منتصف التسعينيات،
أرسل ورثة الفنانة أسمهان تحذيراً رسمياً لفريق العمل، مطالبين بعدم ظهور
المطربة السورية في أحداث المسلسل. أما اليوم، فقد أصبح لأسمهان عمل دراميّ
مستقلّ، وذلك بعد هزيمة الورثة في المعركة، ليخرج المسلسل إلى النور بعد 64
عاماً من وفاة الأميرة آمال الأطرش.
ولكن،
لماذا خاف أهل أسمهان من «أم كلثوم»؟. قد يفكر بعضهم في شائعة وقوف «الست»
وراء مصرع الأميرة، لكن ذلك لم يكن في الحسبان، وخصوصاً أن هذه الشائعة لم
تصمد طويلاً، بسبب تعدد المتهمين بقتل أسمهان. من هنا، قد يعود السبب إلى
الخوف من «الصورة الملائكية» لأم كلثوم التي ستظهر في أحداث المسلسل، وإلى
تقديم غريمتها بشكل سلبي، كما حدث مع منيرة المهدية. هذه الصورة الملائكية
لأم كلثوم، أقرَّ بها الكاتب محفوظ عبد الرحمن مراراً، متوقفاً عند تجاهله
الجانب الخفي من شخصية «كوكب الشرق».
والانطلاق
من رسم الصورة المشتهاة للبطل ـــ لا الصورة الواقعية ـــ لدى تقديم
مسلسلات السير الذاتية، تكرر مع «السندريلا» و«العندليب». لكن ضعف المستوى
الفني للعملين، لم يثر جدلاً طويلاً حولهما، بخلاف ما حدث مع «الملك فاروق»
العام الماضي. مسلسل
mbc
أحدث ضجة كبيرة، وصلت إلى حد اتهام الفضائية السعودية بالترويج للملكية عبر
إنتاج هذا العمل. ذلك أن الجمهور تعاطف مع أخطاء الملك، فيما الصورة
السلبية لوالدته الملكة نازلي لم تكن سوداء تماماً كما تردد عن «الملكة
العاشقة» في كتب التاريخ. كذلك حاول المعجبون بالمسلسل إقناع الجيل الجديد
بأن ما قرأوه عن سيئات الملك وأمه، كان في معظم الأحيان مبالغات، احتوتها
كتب المدارس أيام جمال عبد الناصر!
ثم جاء
رمضان 2008، ولم تعرض
mbc
«أسمهان» أو «ناصر»، لكن قوة العملين أوصلتهما إلى الجمهور: «ناصر»، وعلى
رغم طابعه التوثيقي، أعاد عيوب وخطايا أسرة محمد علي إلى الصدارة، من دون
تجميل كما حدث في «الملك فاروق»، سواء عبر توضيح كيف أثّرت الوزارات
والأحزاب الضعيفة على الحكم، أو تراجعت قوة حزب «الوفد». كذلك، تحدث المؤلف
يسري الجندي بالتفصيل عن حرب 48، فيما مرَّ عليها «الملك فاروق» مرور
الكرام، وخصوصاً أن الحلقات العشر الأخيرة من هذا المسلسل، ضمّت أحداثاً
جساماً، تعدّ الأكثر سلبية في تاريخ الملك، لكن سرعة المعالجة ساعدت على
تخطي هذه السلبيات، بخلاف الحلقات الأولى التي رصدت بإسهاب طفولة الملك
وشبابه. كذلك بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين الذي أعلنوا أخيراً غضبهم
على مسلسل «ناصر». إذ ابتعد «الملك فاروق» عن انتقاد الجماعة، واكتفت
المؤلفة لميس جابر بإظهار محاولات الوفد الحثيثة لعدم نزول الجماعة إلى
الشارع السياسي، مع سرد تاريخي تقليدي للوقائع المرتبطة بالإخوان مثل
اغتيال النقراشي باشا والردّ باغتيال حسن البنا.
أما
«أسمهان»، فمع الحرص على الصدقية، أحرج صنّاع «الملك فاروق» و«أم كلثوم».
هكذا، ظهرت الملكة نازلي في «أسمهان» كما قرأ عنها الناس، ليفهموا بشكل أدق
سبب غضب ابنها منها. في مسلسل سلاف فواخرجي، تطلب الملكة نازلي من أحمد
حسنين باشا استعادة علاقتهما العاطفية، فيما هو يأبى إقامة علاقة معها بعد
اليوم، من دون زواج! وفي مشهد ثان، يظهر الملك فاروق، حاملاً المسدس بعد أن
يعلم بوجود حسنين باشا في جناح والدته، قبل أن يفاجأ بحسنين يقرأ للملكة
القرآن... كل هذه الروايات الثابتة تاريخياً، تجاهلها حاتم علي ولميس جابر،
فلماذا ظهرت بهذه القسوة في المسلسل الجديد؟. الإجابة بسيطة، وهي أن سيرة
«أسمهان» قدِّمت كما قرأ عنها الناس، لا كما أرادت أسرتها تقديمها. كيف لا،
وقد أطلت المطربة السورية وهي بحاجة ماسّة إلى الشهرة والمال، وإلى أن
تستمد قوتها من محبيها الرجال، بعد طلاقها من زوجها حسن الأطرش واستقلالها
عن شقيقيها؟... تفاصيل عدة أسهمت في تقدم الشخصية كما كانت، لا كما يريدها
صناع العمل أن ترسخ في أذهان مشاهدي القرن الواحد والعشرين. علماً أن
حكايات الأربعينيات كانت تؤكد على غيرة أم كلثوم فنياً من أسمهان، وغيرة
الملكة نازلي من منافستها على قلب أحمد حسنين باشا.
كل ما سبق
يضع «أسمهان» في مكانة متقدمة بين مسلسلات السير الذاتية في الدراما
العربية، بل إنه قد يدشّن لمرحلة جديدة تحذِّر من تقديم صور ملائكية
للشخصيات التاريخية، لدى تناولها في الدراما. ويبقى السؤال أخيراً: هل
يتنبّه المشاهد إلى اختلاف الروايات عن التاريخ نفسه في مسلسلات السير
الذاتية؟ الأرجح لا، لأن معظم التعليقات تتمحور حول أداء مجدي كامل،
وجاذبية سلاف فواخرجي ووسامة تيم حسن!
الأخبار اللبنانية في 23
سبتمبر 2008
ولكن،
من يشاهد الدراما الخليجية؟
منار ديب
في مقاله
في صحيفة «الحياة» يوم 21 الحالي، يضع داوود الشريان الدراما الخليجية،
والسعودية تحديداً، على قدم المساواة مع الدراما السورية، كمنافسين تفوقا
على الدراما المصرية. وبكل براءة، يقحم دراما لا يشاهدها أحد مع دراما
متفوقة، وهي الأكثر انتشاراً عربياً... فمن يعرض دراما خليجية سوى المحطات
الخليجية، ومحطات تضع نصب عينيها المشاهد الخليجي الذي قد يفضل «باب
الحارة»؟ وبمعزل عن كون العديد من الطاقات الأساسية في الدراما الخليجية
ليست خليجية، وأنه صار هناك من يصنع العمل الخليجي وهو من خارج الخليج، إلا
أن إقحام الدراما السعودية يبدو أشبه بنكتة... فأين هي الدراما السعودية؟
هل هي برنامجان كوميديان أو ثلاثة برامج، تحظى بترويج هائل لا يتناسب
مطلقاً مع تواضعها الفني؟!
هل تجرؤ
الدراما الخليجية، لا السعودية بحال من الأحوال، على طرح قضايا حقيقية من
واقع بلاد النفط، كالعمالة الوافدة ومكانة المرأة ودور الدين. وحين تصدى
بعض العاملين في الدراما العربية لصناعة أعمال عن ماضي الخليج كان مصير هذه
الأعمال المنع.
المسلسل
الخليجي لا يزال مسلسلاً منزلي مصطنع، مملوء بالبكائيات، والنقلات
المتواضعة التي تحققها بعض الأعمال، علماً بأن العمل الخليجي يحظى بفرص
ترويج وعرض لا تقارن مع أي مسلسل عربي. وعلى رغم ذلك، لن تجد مشاهداً خارج
الخليج يتابع أحد هذه المسلسلات.
أي نتاج
خليجي لديه مزايا تفضيلية مهما كان متواضعاً، رغم أن لا شيء يمنع خروج
أصوات فردية موهوبة من هذه المجتمعات. وهي في هذه الحالة، أصوات نقدية، لن
تلقى الترحيب من الذين يريدون الحفاظ على الوضع القائم. (هل يفخر الإعلام
السعودي بعبد الرحمن منيف مثلاً؟!).
وبالعودة
إلى الدراما السعودية التي لم نسمع بها (كما لا نعرف أياً من ممثلات الشاشة
السعودية إن وجدن)، فإن الشعور الانتصاري بأنه يمكن صناعة كل شيء مع توافر
المال الغزير، أصبح يقترب من الهذيان!
الأخبار اللبنانية في 23
سبتمبر 2008
|