يقول
مخرجو السينما والدراما التلفزيونية أن أعمالهم تتضمن على
الدوام مشهداً يأتي ضمن تصنيف القمة. أو هو يُصنف في خانة المشاهد التي
تربط مفاصل
هذا العمل وتشد بها إلى الأهداف والمقاصد المرسومة من قبلهم
وبالطبع من قبل الكتاب.
هذا صحيح، بالطبع عندما تكون عين المشاهد متابعة بدقة لكل تفصيل يمر على
الشاشة
سواء كانت كبيرة أو صغيرة. لكن هل يمكن أن يتفق المشاهد مع المخرج في
إختيار هذا
المشهد؟ أم لكل منهما موقف مناهض للآخر ينطلق من قناعات ورؤية
كل منهما للظاهر
والمخفي في مشهد معين؟ بإعتقادنا أن اختيار هذا المشهد لا بد من أن يتمتع
بالحرية
التامة لكل فرد من المشاهدين. كذلك لا بد أن يكون على صلة بحركية ثقافته
وتقبله أو
رفضه، أو حتى توقفه للنقاش أمام ما يمليه هذا المشهد من أفكار
ومواقف ترتبط بالطبع
بالمشاعر الإنسانية. خاصة وأن الدراما أو السينما بمختلف أنواعها هي تعبير
عن مواقف
بشرية تختزن مشاعر وصراعات نفسية وإجتماعية وسياسية كذلك.
ربما
خرجنا في هذه
الفقرة كثيراً عن الموضوع الأساسي، لكن يمكن إعتبار ما ورد تمهيداً لما
سيرد.
فالمشهد القمة الذي من شأنه أن يهزّ المشاعر بقوة في مسلسل 'أهل الراية'
السوري
تمثل في موت رجل جليل من الحارة، بحيث بقي في منزله زوجته الثانية وإبنه من
زوجته
الأولى المتوفاة، والذي تربى ونشأ في رعاية الزوجة الثانية
وعنايتها الفائقة. بحث
أعيان الحارة في وضع ذلك المنزل المتواضع والمحترم بساكنيه من قبل الجميع،
فكان
القرار بضرورة أن يتزوج ذلك الشاب إمرأة أبيه التي أنشأته كما ولو كان
إبنها
بالتمام والكمال. إستكبر الشاب ذلك القرار، وتساءل كيف له أن
يتزوج من يناديها
بأمه، ومن يشعر حيالها بصدق وشفافية وتجرد كاملين على أنها والدته. لكن
قرار أعيان
الحارة لا يمكن الرجوع عنه خاصة وأنه أُتخذ بناء على مشورة وحكمة شيخ
الحارة.
أُخبرت المرأة من قبل الأعيان بأنها في عيونهم وبحمايتهم ورعايتهم إلى ما
شاء الله،
إنما
الأحكام، أحكام وضرورة.
أما مشهد
القمة بنظرنا فيتمثل في ذلك اللقاء الذي
جمع الإبن وأمه في التربية والرعاية إثر عقد القران. ففي بيت متواضع راح كل
منهما
في ذكريات عادت بهما لعقود خلت. تذكر الإبن والدموع تترقرق من
مقلتيه، ذلك الصدق
والتفاني الذي وجده من زوجة أبيه منذ فتح عينيه على الحياة. تذكر كيف أنه
لم يشعر
يوماً أن أمه التي أنجبته فارقت الحياة. راح الإبن يسرد مواقف مؤثرة من
حياته،
والأم ـ المربية أرملة الأب تختنق حيناً بدموعها وتتركها تنساب
بحرارة حيناً آخر.
وفي نهاية المشهد قام الإبن بتقبيل يد والدته طالباً منها السماح. وإذا
بالأم ـ
المربية تجيب من أعماق أعماقها: 'مسامحتك يا أمي أنت ما معملتلي شي يغضب رب
العالمين'.
بالطبع
مشاهدة هذا اللقاء بين إبن وأمه بالتنشئة والتربية ليس كما
وصفه. خاصة وأن من أديا الدور كانا في غاية الإتقان لكل لحظة من لحظاته.
لكنه في
الحقيقة مشهد يدفعنا للتساؤل إن كانت القوانين والنظم
الإجتماعية والدينية وضعت
لخير الإنسان ولصالحه؟ أم أن الإنسان هو من يجب أن يُقونِن ويُقولِب مشاعره
وفقاً
لتلك النظم والقوانين؟ وبما أن الإنسان وخيره وصلاحه هو فوق كل إعتبار في
أية نظم
وقوانين، فلماذا تبقى متحجرة جامدة ومعلبة، ما دمنا في عصر غير
ذلك الذي وصلتنا
فيه؟
مشهد مؤثر
جداً. وجوده ليس حشواً ولا إطالة في زمن النص. انه مفصل من مفاصل
حياتنا الحاضرة والماضية، ولا بد من التفقه به وأخذ العبر فيما
يتعلق بالنظم
والقوانين التي ترعى حياة البشر.
صراع عربي
مستجد
على جاري
عادته في
القضايا السياسية التي يطرحها للنقاش تابع الإعلامي فيصل القاسم في برنامجه
'الإتجاه
المعاكس' من قناة 'الجزيرة' حتى في طرحه للدراما العربية على طاولة النقاش
أسلوبه في الوصول إلى التصادم لا الحوار. ومما هو ظاهر لنا أن مدير حلقة
النقاش
يختار ضيوفه من أُولئك المتعصبين المتزمتين في آرائهم. ضيوف
لديهم عن سابق تصور
وتصميم رغبة دفينة بخوض صراع حياة أو موت حتى على أمور لا تستحق أن يرهق
أحدهم
عضلات قلبه من أجلها.
أراد فيصل
القاسم أن يضع على طاولته ما أسماه تراجع
الدراما المصرية في مقابل الدراما السورية، طبعاً في شهر رمضان، شهر
العاصفة
الدرامية التي تهب على كافة أقنية التلفزيون دون أن تستثني
منها شاشة واحدة. وقبل
أن
ندخل في سياق الحلقة وذلك التقاصف المدفعي الذي شاهدناه بين ضيف مصري وآخر
سوري
نشير إلى الإحصاء الذي طُرح على المشاهدين وكانت نتيجته أن 86.3 من
المشاهدين
يلمسون تراجعاً في الدراما المصرية.
أما في
سياق الحوار الذي بَعُد مسافات
ومسافات عن المنطق الثقافي والأدبي الذي تُصنف ضمن خانته الأعمال الدرامية.
فهو كان
تراشقاً عالي النبرة، ولم يكن في صالح الدراما المصرية ولا
الدراما السورية. أما
الضيفان 'الفهيمان المثقفان' فكانا المخرج السوري يوسف رزق، ونائب رئيس
تحرير صحيفة
'الأهرام' ... الحزين. 'أما النقاط الثلاث فهي إعتذاراً من القراء لأنه
فاتني الإسم
الأول للضيف المصري'.
لم يكن اي
من الضيفين في حال من الهدوء والمنطق الحواري
بحيث يسمح لنا بأن نناصره أو نشد على يده. فالضيف المصري كان غارقاً في
فوبيا
الغيرة التي وصف بها كل العرب من أي نجاح مصري حتى في 'الكورة'
كما قال. وبالحرف
الواحد قال بأن العرب مصابون بعقدة مصر. فمن قال لك ذلك أيها الصحافي
الزميل؟
أما الضيف
السوري فقال بأن وزير الإعلام المصري يروج للدراما المصرية في
الخليج العربي، وهو يفرض على كل شاشة أن تشتري ستة مسلسلات
بينها واحد له عنوان 'الضارب'.
كما إتهم مصر بأنها تُجبر بعض الأقنية التلفزيونية على عدم شراء الدراما
السورية إن كانت ترغب بالدراما المصرية، وهذا ما تفعله قناة 'المستقبل' كما
أوضح.
الضيف
المصري يصف الدراما المصرية بأنها في حال من التثاؤب وبأنها ستعود
وستسترد عرشها. أما الضيف السوري فيصرِح بأن الزمن قد فات، وأن
الدراما المصرية
الناجحة هي التي تضم مخرجاً أو ممثلين سوريين، كما في مسلسل 'حدائق
الشيطان' مع
جمال سليمان، وكما في مسلسل 'الملك فاروق' مع تيم حسن.
الاتهامات
المتبادلة
والأوصاف
المشينة المتطايرة في جوانب الإستديو لم تكن حكراً على الضيف المصري دون
السوري. حوار ربما يُشرِّف ويجذب المشاهد الفئوي الضيق الأفق، لكنه
بالتأكيد ليس في
صالح الدراما سواء كانت مصرية أو سورية.
ما تحتاجه
الدراما المصرية والسورية
والخليجية على حد سواء هو تخليصها من بيت العنكبوت الرمضاني بكافة مقاييسه،
كي ينجو
كثيرها من الحريق الذي يصيبها رغماً عنها. وما تحتاجه الدراما العربية بشكل
عام حتى
تصبح أكثر ألقاً وأهمية وفائدة في عصر الفضائيات أن تتحول إلى
ورشة تعاونية
وتكاملية بين مختلف الخبرات العربية. لا أن تتناطح وتتقاتل بعيداً عن
المنطق
الثقافي.
صحافية من
لبنان
zahramerhi@yahoo.com
القدس العربي في 19
سبتمبر 2008
مسلسلات رمضان المصرية لهذا العام:
اداء هند صبري واحمد رزق مفاجء... والفخراني ليس بمستواه
هشام بنشاوي
لا أحد
ينكر وجود حمّى منافسة على الفضائيات العربية بين
الدراما المصرية ونظيرتيها الخليجية والسورية، فيحس المتابع أن الإلمام
بهذا الزخم
الدرامي يتطلب أكثر من 24 ساعة في اليوم الواحد. وبعيدا عن
نظرية المؤامرة، وحصار
الدراما المصرية، ومحاولة تقزيمها، في ما يلي انطباعات سريعة عن بعض
المسلسلات
الرمضانية.
من مفاجآت
هذا الموسم البطولة التلفزيونية الأولى لنجمين سينمائيين
شابين: أولهما الممثلة التونسية هند صبري في مسلسل 'بعد
الفراق'، بتجسيدها دور
الخادمة المكافحة الصبورة التي تضحي بحبها من أجل سعادة من تحب.. يوسف
الصياد
الصحافي (خالد صالح)، والذي أثبت أنه سلطان الغرام و نجم الصحافة أيضا،
بأدائه
المتميز، والمسلسل يتطرق إلى كفاحه في مهنة المتاعب، وقصة الحب
الرومانسية التي
تجمع بينهما، وعدم إعلان زواجه بها، بسبب وضعها الاجتماعي كخادمة في البيوت.
دون أن
ننسى الأداء الآسر لهند صبري بتعابير ملامحها، نظراتها وابتسامتها
الطفولية، والذي جعلنا ننسى غم عجائز السينما المصرية اللواتي
يستعرضن في المسلسلات
التلفزيونية أناقتهن، وشبابهن الدائم، حتى لو كن قريبات من الخمسين.
عمل آخر
قريب من
نبض المجتمع، من الطبقات المسحوقة، حيث كان بمصاف روعة أداء هند صبري جمالا
ورقة، دور ريهام عبد الغفور، مجسدة شخصية الصحافية المنحدرة من الطبقة
البورجوازية،
المتعاطفة مع العالم السفلي المهمش(نساء جزيرة الوراق)، والتي
ترفض أمها الاختلاط
بهن، وغالبا ما يكون حديثها معها عن الزواج، وما جعل دورها قريبا من القلب،
شاعرية
الموسيقى التصويرية التي تصاحب مشاهدها وهي حزينة أو غارقة في
وحدتها، للموسيقار
الكبير عمار الشريعي.
أعتقد أن
مسلسل هيمة (أيام الضحك والدموع) قد أساء إليه
اسمه نوعا ما ، وليت المؤلف اقتصر على عنوانه الثانوي، إذ يجعل المشاهد
يعتقد أنه
مجرد عمل كوميدي أقرب إلى مسلسلات السيتكوم، فينفر منه.
المفاجأة
الثانية هي
النجم الكوميدي أحمد رزق، مجسدا شخصية الشاب الفقير الطموح التي تتوالى
انكساراته و
إحباطاته.. الجميل في مسلسل هيمة أنه بعيد عن عالم المجتمع المخملي،
واستعراض
السيارات والقصور.. قريب من الطبقات المسحوقة ومعاناتها، أحلام
الشباب المغتالة رغم
بساطتها، والعنوسة من خلال مشهد مؤثر لأخت هيمة وهي تبكي في الحمام، هروبا
من تعمد
زميلتها الموظفة التباهي بخطبتها، و في مشهد آخر يمزق الموظف السامي الشاب
صورة أخت
هيمة، حين لجأ إلى حيلة وضع صورة ابنته (حسن حسني) على مكتبه،
فيرميها ممزقة بالقرب
منهما، وهو ينطلق بسيارته على طريقة المشاهد الأمريكية.
المسلسل
يميل إلى
التراجيكوميديا أو الكوميديا السوداء، وقد قدم مخرجه ،وباحترافية عالية،
جمال عبد
الحميد متعة بصرية من خلال المشاهد البانورامية للقاهرة من فوق الجزيرة
وللنيل، دون
أن ننسى الأداء الرائع للممثلة القديرة عبلة كامل البارعة في
الدراما والكوميديا،
مثل النجم حسن حسني، وظهور رجاء الجداوي في دور امرأة متواضعة طيبة، وهي
التي غالبا
ما تجسد أدوار المرأة الارستقراطية المتكبرة، كما في 'بعد
الفراق'.
مسلسل
'شرف
فتح
الباب' رغم أهمية الموضوع الذي تطرق إليه (الفساد الاداري)، لكن النجم يحيى
الفخراني، لم يكن في مستوى أعماله السابقة، إذ لا يقارن بدور سليم البدري
في 'ليالي
الحلمية' أو في 'نصف ربيع الآخر' مع نفس المؤلف (محمد جلال عبد
القوي)، أحرص على
متابعته تعاطفا مع شرف فتح الباب لا غير، دون أي استمتاع، لأن المسلسل وقع
في (التمطيط)..
أحداث كثيرة وحوارات يمكن الاستغناء عنها. محمد جلال عبد القوي كاتب
كبير، لكنه لم يكن في المستوى.. إضافة إلى عزفه على وتر الشخصية المثالية،
وتحويل
بعض المشاهد إلى حلقة للوعظ والإرشاد، لهذا لم يرقَ عمله إلى
رائعته الخالدة 'المال
والبنون'.
القدس العربي في 19
سبتمبر 2008
|