في ساعة
مبكرة من صباح الأحد 27يوليو 2008رحل المخرج السينمائي
المصري يوسف شاهين عن 82عاماً، تاركاً مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية
المتميزة
التي أسهمت في صناعة التاريخ السينمائي المصري والعربي، والتي
رسخت لجمالية
سينمائية ذات أسلوب خاص على مستوى المضمون، والرؤية، واستثمار العناصر
السينمائية
البصرية والإنتاجية المتنوعة. مثّل يوسف شاهين في السينما العربية مدرسة
ذات نسيج
خاص، فأفلامه ترتكز بالأساس على ما هو تجريبي في حقل الإخراج
السينمائي، وعلى ما هو
إشكالي، فسينما يوسف شاهين سينما موقف، وسينما رؤية سواء في مستواها الأولي
أم على
أساس البنى العميقة لأفلامه.
نوعية
الاختيار
إن
المرتكزات الأساسية في سينما يوسف شاهين تتمثل في نوعية الاختيار بداءة، من
حيث اختيار الموضوع المتميز، واختيار نوعية الممثلين والفنانين
الذين سيقدمون هذا
الموضوع، واختيار آليات التصوير السينمائي والحبكة السينمائية التي هي نتاج
عمل
متواصل وشاق. فيوسف شاهين لم يلجأ كثيراً إلى الأفلام التجارية، أو أفلام
الموضة
والموسم السينمائي، ولم يقدم سينما تجارية على الأغلب، بل قدم
سينما تجريبية
إشكالية تنهض على طرح السؤال، وإيقاظ المشاهد والابتعاد عما هو سطحي وعابر،
من هنا
فإنه لم يقدم سوى 37فيلماً سينمائياً فقط على الرغم من مسيرته الطويلة
الحافلة في
حقل الإخراج السينمائي، بدأها بفيلم (بابا أمين) في العام
1950م واختتمها بفيلم (هي
فوضى) في العام 2007م.
كانت
المحطات الأساسية في مسيرة يوسف شاهين تتمثل أولاً في استلهام الواقعي، وفي
التعبير عن المكان، من هنا جاء فيلمه ( ابن النيل) في العام
1951الذي لعب بطولته
شكري سرحان مع فاتن حمامة لينقل أجواء الجنوب القروي المصري حيث الحياة
البسيطة
الفقيرة وما يمثله الشمال (القاهرة) من أحلام للبسطاء، ثم الصدمة بعالم
المدينة
والعودة تارة أخرى لفطرية الريف وبساطته، وهو الموضوع الذي
تناوله يوسف شاهين في
أفلام أخرى أكثر تشويقا وجمالا كما في (صراع في الوادي) لعمر الشريف وفاتن
حمامة في
العام 1954ثم في فيلم (الأرض) في العام 1970م الذي لعب بطولته محمود
المليجي وعزت
العلايلي ونجوى إبراهيم ويحيى شاهين، حيث البطولة الجماعية،
وكأنها بطولة مكان لا
أشخاص فحسب.
واقعية
متأزمة
الواقعية
المتأزمة، التي يتلازم معها الإسقاط الرمزي والسياسي لم تغادر قيم
سينما يوسف شاهين كما في ( باب الحديد) لهند رستم وفريد شوقي
(1958) و(صراع في
الميناء) لعمر الشريف وفاتن حمامة، ثم في (هي فوضى) آخر أفلامه الذي عرض في
العام
الماضي. ومثلت هذه الواقعية محطة أساسية لديه نوع عليها كثيرا في عدد من
أفلامه
الأخرى.
واحتلت
السينما التاريخية جانباً مهماً في سينما شاهين، حيث تمثل ذلك في عدد من
الأفلام من أبرزها: (الناصر صلاح الدين) 1963، (وداعا بونابرت)
1985و( المهاجر)
1994و(المصير)
1997، وقد كان الإنتاج السينمائي في هذه الأفلام نوعياً، وحققت هذه
الأفلام حضوراً، وأثارت جدلاً وصخباً في الحياة الثقافية أعادت عبرها
مساءلة بعض
الوقائع التاريخية وبعض الأفكار التي جاءت بها هذه الأفلام،
بيد أن التركيز الواضح
فيها كان يتمثل في إشاعة التسامح، واحترام قيم الآخر، وعلى الرغم من الهجوم
الذي
تعرض له شاهين من جراء إنتاج هذه النوعية من الأفلام التاريخية والجدل الذي
صاحبها
وخصوصاً فيلمي: المهاجر والمصير، إلا أنها تركت أسئلة حادة حول
إعادة قراءة
التاريخ، وكيفية استلهامه، وهو الأمر الذي جعله يحصد عن فيلمه (المصير)
الذي تناول
فيه الأندلس وحياة المفكر ابن رشد، وعن مجمل أعماله جائزة
السعفة الذهبية في مهرجان
كان السينمائي للعام
1997.
طاقة
المكان
ولعل
المحطة الأبرز في سينما يوسف شاهين تتجلى في أفلامه التي تعيد قراءة الواقع
السياسي -إذا صح التعبير- وهي أفلام أكثر جدلاً وصخباً، ويتسم
بعضها بتجريبية
متوحشة بالنسبة للمشاهد العربي على الأقل مثل فيلمه (عودة الابن الضال)
1976، أو
يتسم بعضها بالحدة في مناقشة الوضع السياسي مثل فيلم (العصفور)، أما فيلمه
(جميلة
بو حيرد) فكان من الأفلام المعبرة عن الحقبة الاستعمارية
الفرنسية للجزائر.
اعتمد
شاهين كثيرا على إبراز جمالية المكان، مستخدما الطاقة السينمائية
التصويرية في التعبير عن ذلك خاصة في فيلمه (الأرض) وفي أفلامه
التي يحتفي فيها
بالإسكندرية كمكان شهد قدرا من التسامح والتعايش بين طوائف وجاليات أجنبية
مختلفة،
وشهد من التعدد الثقافي ما لم تعد تتمثله الإسكندرية اليوم، وهي المكان
الذي ولد
فيه وشهد فيه نشأته الأولى. من هنا جاءت أفلامه (اسكندرية..
ليه) 1979و(اسكندرية
كمان وكمان) 1990و(اسكندرية - نيويورك)
2004.
مواصفات
معينة
إن سينما
يوسف شاهين سينما مختلفة متميزة، وهي سينما إشكالية ونوعية، تعتمد على
وجود مواصفات معينة في فكرة الفيلم ورؤيته، وأبطاله، وعلى
رؤيته التصويرية، فأبطال
أفلام يوسف شاهين متميزون، حتى إن المشاركة في أفلامه مثلت حلما لدى أغلب
الفنانين
والفنانات، وهو يعتمد كثيرا على سبيل المثال على استخلاص
الطاقة القصوى لدى أبطاله،
كما يعتمد أسلوبا تصويريا يتمثل في مقاربة الكاميرا كثيرا لأوجه أبطاله
بصنع لقطات
مقربة جدا (الكلوز - أب) تركز على شكل العينين واتساع الحدقات، (من عمر
الشريف مثلا
إلى نور الشريف إلى محسن محيي الدين، ومن خالد صالح إلى هاني
سلامة) وعلى التعبير
بالوجه (كما لدى المليجي في فيلم الأرض)، وعلى الحركة المفاجئة لأبطاله
وشخصياته
وسرعة إيقاع هذه الحركة، مع تلازم الانتقال السريع من مشهد لآخر، مع تكوين
مشاهد
مفارقة لا تتسم بالسلاسة السردية السينمائية كما في (عودة
الابن الضال) أو (وداعا
بونابرت) أو (الآخر). إنها بإيجاز سينما إشكالية تجريبية تعد نسيجا وحدها
في فضاء
السينما المصرية والعربية بوجه عام.
إضاءة
زيوسف
جبريل شاهين ولد لوالدين مسيحيين مصريين من الطبقة الوسطى، في 25يناير
1926،
نشأ بمدينة الإسكندرية ومثل معظم الأسر التي عاشت في الإسكندرية في تلك
الفترة فقد كان هناك خمس لغات يتم التحدث بها في بيت يوسف شاهين. وعلى
الرغم من
انتمائه للطبقة المتوسطة كانت دراسته بمدارس خاصة منها مدرسة
كلية فيكتوريا Victoria College
حتى حصل
على الشهادة المدرسية الثانوية. بعد سنة في جامعة
الإسكندرية، انتقل إلى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في دار َاسادينا
المسرحي
(َاسادينا َلاي هاوس
- Pasadena Play House)
يدرس
صناعة الأفلام والفنون الدرامية.
بعد رجوع
شاهين إلى مصر، ساعده المصور السينمائي ألفيز أورفانيللي
(Alvise Orfanelli)
بالدخول في العمل بصناعة الأفلام. كان أول فيلم له هو
بابا أمين (1950).
وبعد عام
واحد شارك فيلمه ابن النيل (1951) في مهرجان أفلام كان. في 1970حصل على
الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاُ. حصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن
فيلمه
إسكندرية ليه؟ (1978)، وهو الفيلم الأول من أربعة تروي عن
حياته الشخصية، الأفلام
الثلاثة الأخرى هي حدوتة مصرية (1982)، إسكندرية كمان وكمان (1990)
وإسكندرية
-
نيويورك (2004). في 1992عرض عليه ُاك لاسال
(Jacques Lassalle)
أن يعرض
مسرحية من
إختياره ل- كوميدي فرانسيز (Comژdie
Franچaise).
اختار شاهين أن يعرض مسرحية
كاليجولا لألبير كامو والتي نجحت نجاحًا ساحقًا. في العام نفسه
بدأ بكتابة المهاجر
(1994)،
قصة مستوحاة من الشخصية الدينية يوسف ابن يعقوب. تمنى شاهين دائمًا صنع هذا
العمل وقد تحققت أمنيته في 1994.ظهر شاهين كممثل في عدد من الأفلام التي
أخرجها مثل
باب الحديد و إسكندرية كمان و كمان. في 1997، وبعد 46عامًا و 5دعوات سابقة،
حصل على
جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده ال 50عن فيلمه
المصير (1997)، منح
مرتبة ضابط في لجنة الشرف من قبل فرنسا في 2006.
أهم
الجوائز التي حصل عليها يوسف شاهين
التانيت الذهبية مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم الإختيار عام
1970
الدب الفضي مهرجان برلين السينمائي عن فيلم إسكندرية... ليه؟
عام 1979
أفضل تصوير مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلم إسكندرية كمان
وكمان عام 1989
مهرجان أميان السينمائي الدولي عن فيلم المصير عام
1997
الانجاز العام مهرجان كان السينمائي عن فيلم المصير عام
1997
فرنسوا كاليه مهرجان كان السينمائي عن فيلم الآخر عام
1999
اليونيسكو مهرجان فينيسيا السينمائي عن فيلم 11- 9- 01عام
2003@
المعلومات
من موقع الويكيبيديا - الصور من الموقع الرسمي ليوسف شاهين
الرياض السعودية في 7
أغسطس 2008
|