حدوتة
مصرية.. إذا كان هو الوصف المعتمد لشاهين فى السينما المصرية فإن نور
الشريف هو الحدوتة الأهم فى سينما يوسف شاهين، ليس فقط لأنه أهم أبطاله على
الإطلاق بل لأن نور قبل وبعد شاهين هو نور كما أنه ليس من «دراويشه»، وفى
الوقت نفسه تحصن من اللعنة الشائعة والجميلة التى غالبا ما تصيب أبطاله.
فى كواليس
فيلم «حدوتة مصرية» حواديت من نوع تانى مدهشة ننفرد بنشرها فى حوارنا مع
النجم الكبير نور الشريف.. فوقت أن رشح شاهين نور الشريف لبطولة «حدوتة
مصرية» كان مرتبطا بتصوير المسلسل الشهير «أديب»، ولشاهين قاعدة لا تقبل
استثناء وهى تفرغ أبطاله لفيلمه ولا أحد غيره، يكشف نور تفاصيل أكثر بقوله:
- عندما
هدد شاهين باستبعادى وترشيح بديل لى لبطولة الفيلم عدت للمنزل، لم أكن
أتصور أحدا غيرى وأن يكون هناك بديلا لحلم عمرى الذى سيتحقق فى فيلم «حدوتة
مصرية» فأمسكت بسماعة الهاتف واتصلت بشاهين وقلت له: أنا عندى رخصة سلاح
وامتلك ثلاثة مسدسات، ولن أتردد لحظة واحدة بقتلك بأى مسدس منها لو سحبت
منى الدور، ثم أغلقت الهاتف، شاهين وقتها أصيب بالرعب والفزع، خاصة أن نبرة
صوتى كانت حادة وجادة، لكن فى صباح اليوم التالى اصطحب معه سيف عبدالرحمن
وتوجها إلى استوديو مصر حيث كنت أصور المسلسل، لاحظ ملامح الغضب والغيظ وفى
نفس الوقت مشاعر الرغبة فى الحفاظ على هذا المكسب الرائع بالتعامل معه لأول
مرة والحرص على عدم الحرمان من هذه الفرصة، ابتسم لى وعلى طريقة حسين رياض
- أو المايسترو جاديللو وعبد الحليم حافظ «عبدالمنعم دى صبرى» فى فيلم
«شارع الحب» إنت اللى هاتغنى يامنعم - قال شاهين لى بالحرف الواحد: إنت
اللى هاتعمل الدور يانور، ووعدنى بعدها بمحاولة تضبيط الأوضاع والوقت بين
العملين، لكن شاهين لم يبدأ تصوير «حدوتة مصرية» إلا بعد ستة أشهر بسبب
حدوث خلافات بينه وبين شريكه فى السيناريو يوسف إدريس.
ويسترجع
نور الشريف قصة اللقاء الأول بينهما على الشاشة بقوله: عندما رشحنى شاهين
لفيلم «حدوتة مصرية» وعرفت أن د.يوسف إدريس سيشاركه كتابة السيناريو وجدت
أنه من حسن حظى كفنان أن أعيش وسط اثنين مجانين و عباقرة بجد لمدة ستة أشهر
هى مدة تحضير السيناريو الذى كنا نلتقى أسبوعيا فى بيت شاهين لتنفيذ الفكرة
العبقرية التى ابتكرها، وهى فتح الكاسيت والتحدث عن حياته بكل جرأة وحرية
عن أدق التفاصيل، وكذلك إدريس وكانت الجلسة تمتد من 4-5 ساعات فى كل مرة،
ثم يأخذ مساعده فى ذلك الوقت علاء كريم - رحمة الله عليه - شريط الكاسيت
ويفرغه ليبدأ شاهين صياغة هذا الكلام فى صورة سيناريو وتحويله إلى مشاهد،
وكنت أساهم أنا أيضا فى الاعترافات الخاصة بما يتاح لى من تفاصيل شخصية وإن
كانت قليلة بالنسبة لما قاله شاهين وإدريس.
وعقب
انتهاء شاهين من كتابة السيناريو سلم نسخة منه إلى إدريس لقراءته لكنه فزع
عندما ذكر على لسانه من اعترافات شخصية جدا واكتشف أنه تورط فطلب من شاهين
حذف كل المشاهد المتعلقة به، وإلا سيقوم بإقامة دعوى قضائية ضده، وتسلل
الخلاف وقتها إلى صفحات الجرائد، كان شاهين يفضل أن يقرن اسمه باسم إدريس
فى سيناريو واحد، لولا خوف إدريس وانسحابه وكاد الموقف يتأزم بينهما لولا
تدخل بعض الأصدقاء الذين أقنعوا شاهين بحذف كل ما كان يراه إدريس شخصيا ولا
يجوز كشفه، وفعل شاهين ذلك.
·
معظم الذين عملوا مع شاهين سعوا إليه؟ إلا
نور الشريف فيوسف هو الذى سعى إليك؟
ـ السعى
كان مشتركا، هو سعى إلىَّ فعلا وأنا سعيت إليه بالحلم والرغبة والتمنى،
فكنت دائما أتمنى العمل معه منذ أن بدأت حياتى حتى جاءتنى الفرصة والتى
تمسكت بها وحاربت من أجلها، خاصة أن أى فنان فى حياته عدد محدود من الأدوار
المميزة التى لا تعوض، وكنت أشعر وهو ما تأكد لى بالفعل أن «حدوتة مصرية»
واحدة من هذه الفرص.
·
فيلمان فقط من إخراج يوسف شاهين فى تاريخ نور
الشريف الذى وصل إلى 178 فيلما!! ماذا يمثلان فى مشوارك الفنى؟
ـ أنا
عملت مع شاهين ثلاثة أفلام، اثنان روائيان وآخر تسجيليا بعنوان «أحداث 11
سبتمبر» وهذا الفيلم أنتجته فرنسا من خلال عشرة من أهم مخرجى العالم لمعرفة
وجهة نظرهم السينمائية فى أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وكانت مدة الفيلم 11
دقيقة و9 ثوان باعتبار أن الحدث وقع فى 11/9 فأرادوا أن يطابقوا بين
التاريخ ومدة الفيلم، المهم أن وجهة نظر شاهين فى الفيلم خيبت آمال
الأمريكان والأوروبيين الذين كانوا يريدون أن يلصقوا التهمة فى الإسلام
والمسلمين، إلا أن شاهين صدمهم عندما أوضح فى الفيلم أنهم إذا اعتبروا بن
لادن هو الذى نفذ الحادث وفجر البرجين فهو من صنعهم، المهم بسبب وجهة النظر
هذه تعرض لهجوم أمريكى وغربى شرس، لأنه كشف حقيقتهم التى أرادوا من خلالها
تضليل العالم، وهذا الفيلم أعتبره نقطة فنية مهمة فى مشوارى لا يقل عن
«حدوتة مصرية» و«المصير» والذى أراهما أهم فيلمين فى حياتى لأن العمل مع
شاهين متعة حقيقية تشعر معه أنك تلتحق بمدرسة أو أكاديمية لمدة سنة هى مدة
عمل الفيلم ما بين التحضير والتصوير والمونتاچ والعرض، إلى جانب أن شاهين
من بين المخرجين الذين عملت معهم يعرف كيف يضبط أوتارى فيعزف عليها صح،
ومعه أشعر أننى مختلف عن أفلامى الأخرى، شاهين أثناء العمل إذا حدثت ألفة
بينه وبين الممثل يبقى بيحبه بجد، وهذا حصل مع اثنين فقط - كما جاء على
لسانه فى أحد أحاديثه للتليفزيون الفرنسى - أنا ومحمود المليجى، لأنه بيشعر
بمتعة وهو يقودنا ونحن نستجيب لما يطلبه منا ونستفيد ونضيف من داخلنا ما
يريده دون أن يطلب، أى نفهم بعض بالإحساس.
·
وهل ابتعادك عنه بعد «حدوتة مصرية» ترك
تأثيرا بداخلك؟
- يوسف
شاهين الوحيد الذى كنت أحب التعامل معه دون قيد أو شرط، وكنت أوقع له على
بياض دون شروط فى الأجر، رغم أنه كان يعطينى نصف أجرى أو يزيد قليلا، ولم
أناقشه فى ذلك، لأن حب العمل مع شاهين للاستفادة من خبرته وعبقريته كمخرج
ولحرصه على التعامل مع أدق التفاصيل وفى العمل، لدرجة أنه أحيانا كان
يوقظنى من نومى ويطلب منى الحضور فورا إلى منزله، وكنت أتوقع أنه يريدنى فى
أمر مهم وعاجل، إلا أننى أفاجأ به يريد أن يأخذ رأيى فى مقطوعة موسيقية
تصلح لمشهد معين لى فى الفيلم، هذا هو «شاهين» الذى يجد أى فنان يعمل معه
نفسه متعايشا مع الشخصية بكل تفاصيلها قبل أن يقف أمام الكاميرا، كذلك
«شاهين» كان يحب من يتعامل معه ألا يتركه وأن يستأثر به حتى لو كان الدور
غير مناسب.
كان يرفض
أن يقول له أحد لا، سواء لدور ما أو عمل ما، وقد تعرضت شخصيا لهذا عندما
رفضت فيلم «الآخر»، وهذا ما أغضبه منى جدا، ومارس على ضغوطا شديدة للقيام
بالبطولة، إلا أننى أصررت على رفضى لأننى لم أجد شيئا فى الدور يناسبنى،
هذا الرفض تسبب فى حزن «شاهين» لابتعادى عنه بعد «حدوتة مصرية».
·
لماذا اختارك «شاهين» لتجسد شخصيته الحقيقية؟
- علاقتى
بشاهين علاقة صداقة كنا نتقابل كثيرا، ونتحاور ونتناقش، وكانت تعجبه أفكارى
وعقليتى، كما كان إعجابه بى كممثل يفوق الوصف - وهو ما كان يصارحنى به
دائما - ولكن السبب الحقيقى وراء اختياره لى لتجسيد شخصيته، أنه وجدنى
الأقرب من أبناء جيلى شبها له، وقد يكون هذا الدور هو الأصعب فى حياتى لعدة
أسباب منها: أن «شاهين» - صاحب الشخصية - هو كاتب السيناريو وهو المخرج،
ولذلك كان لدى رعب شديد من كونه سيمارس ضغوطه علىَّ لتقليده، وأنا ضد
التقليد، لأنه إحساس مزيف، وليس حقيقيا، ونجحت فى الإفلات من هذا المأزق،
لدرجة أنك تجد «شاهين» - فى الحقيقة - كان «يتهته» فى الجملة الواحدة 6
مرات، لكنى «تهتهت» فى الفيلم كله 6 مرات فقط، ورغم ذلك تشعر وكأنى «أتهته»
طوال الفيلم.
الجميل فى
الأمر أننى بعد عرض الفيلم فوجئت بزوجة «شاهين» تقول لى: «نور».. «أنا
اتلخبطت بينك وبين «شاهين».. قلت لها: «دى أحسن جايزة فى حياتى» السبب أننى
تخلصت من ملامح «شاهين» واحتفظت بروحه فى الشخصية، وهذا ما كان يشغلنى
بصورة كبيرة كيفية الوصول إلى روحه وساعدنى فى ذلك هو شخصيا سواء خلال فترة
التحضير أو داخل البلاتوه، فكان داخل البلاتوه يهمس لمدير التصوير «محسن
نصر» ليدير الكاميرا فى صمت حتى لا تخرج من الإحساس بالشخصية، خاصة فى
المشاهد التى تتطلب إحساساً خاصا، وتعاملا فنيا خاصا مثل المشهد الذى استمع
فيه لأم كلثوم، هذا المشهد طلب منه «شاهين» خروج الجميع من الاستوديو، وطلب
منى الجلوس للاستماع إلى أم كلثوم، وظل يراقبنى حتى لمح فى عينى الإحساس
الذى يريده، فهمس لـ«محسن نصر» ليدير الكاميرا ليفوز بمشهد عالى الإحساس،
وهذا المشهد من أهم المشاهد التى مثلتها فى حياتى، وكان «شاهين» يرسم
مشاهده على الورق قبل تصويرها لتخرج كما يقولون «ما تخرش الميه»، كما أنه
كان دقيقا فى وضع ميزانية أفلامه - بالمليم - فكان يملك عقلا اقتصاديا
جبارا، ويستحيل أن يحيد عن هذه الميزانية مهما حدث، لدرجة أنه فى فيلم
«المصير» فاجأنى من خلال السيناريو أن أول مشهد فى الفيلم أظهر أنا
والخليفة فى حمام القصر، فقلت له: المشهد ده مش مريحنى، فقال لى: ليه، قلت
له: الخليفة فين ؟! قال لى: فى بيت أخوه فى إسبانيا بعد انتصاره فى الحرب.
فقلت له: أنا ضد أن يكون أول ظهور للخليفة فى بيت أخوه مباشرة، الناس
هاتفتكر أن ده بيته مش بيت أخوه. قال لى: قصدك إيه، قلت له: قصدى إن إحنا
نصور الخليفة، وهو راجع منتصر وأخوه بيرحب بيه وبيأخده ويدخل بيه بيته!!
فانزعج «شاهين» لأن مشهدا إضافيا كهذا سيتكلف أكثر من 100 ألف جنيه، وهو
بند غير مدرج فى الميزانية، فأبدى استياءه وبوادر رفضه وعدم قبوله للفكرة،
وكنا فى سوريا لبدء التصوير، وفوجئت به فى صباح اليوم التالى يطرق باب
حجرتى ليقول لى «دقدق».. أنا اقتنعت بفكرتك وهأنفذها، بس خد السيناريو احذف
مشهدين مناسبين تكلفتهم توازى تكلفة مشهد موكب الخليفة منتصرا إللى انت
اقترحته، وإللى هايتكلف حوالى 100 ألف جنيه، وكان مشهد البداية المقترح هو
مفتاح شخصية الخليفة. «شاهين» كان يحيد عن الميزانية للضرورة القصوى.
·
لماذا لم تستمر فى تجسيد شخصية «شاهين» فى
الجزئين الثالث والرابع من سيرته الذاتية «إسكندرية كمان وكان» و«إسكندرية
- نيويورك»؟!
- شاهين
لم يكن يتصور أبدا أنه سيعيش ليقدم حتى الجزء الثانى، ولذلك تجده فى نهاية
الجزء الأول «إسكندرية ليه» بعد مشهد النهاية، يظهر تمثال الحرية على هيئة
امرأة لعوب «تمضغ» اللبانة وتغمز بعينها، وفيه اختزل «شاهين» كل ما بداخله
عن أمريكا، وعندما سألته عن ذلك، أجاب أنه كان يقصد ذلك ليقول كل ما يريده
عن أمريكا أنها مجرد امرأة عاهرة وفارغة، وقال أنه كان يخشى ألا تتاح له
فرصة تقديم كل أجزاء سيرته، وكان بداخله هاجس أنه سيموت قبل تقديم بقية
الأجزاء فاختزلها فى هذه اللقطة، ولما قدمت أنا الجزء الثانى وراح يجهز
للجزء الثالث فأبلغنى برغبته فى تمثيل الجزء الثالث، فقلت له: ليه تحرمنى
من إكمال مسيرتك، كفاية عليك إنت تخرج وأنا أمثل، ولأنه يحب التمثيل بجنون،
فقد أصر على تمثيل الجزئين الثالث والرابع، إن حبه الشديد للتمثيل وجنونه
الشديد أيضا كانا سيدفعانه للعب شخصية « ابن رشد» فى «المصير»، وذلك عندما
رشحنى لدور «الخليفة» على أن يقوم هو بـ«ابن رشد» فرفضت بشدة وقلت له: يا
ابن رشد يا مش شغال!! ولأنه يكتب السيناريو الواحد، ثم يقوم بتغييره أكثر
من 11 مرة فى أغلب الأحيان، فكان فى كل مرة يرسل لى على دور الخلفية وكنت
أرفض، وفى يوم قلت له: يا چو.. ملامحك وهيئتك لاتتناسبان مع «ابن رشد»
وأخذته إلى المرآة وألبسته عباءة فوجدته يضحك بشدة على منظره وقلت له: أيضا
من الصعب عليك نطق اللغة العربية والآيات القرآنية والأحاديث، وبعد أن حاول
المكابرة نظر لى وقال: خلاص اقتنعت بكلامك و«إنت اللى هاتعمل ابن رشد».
·
لماذا كانوا يطلقون على «شاهين» مخرج
«الكادر»؟
- النفس
البشرية هى هى.. سواء فى مصر أو العالم، فبعض الحاقدين عندما يفشلون فى
محاربة فنان موهوب ليس به أى عيب فيطلقون شائعات تبدو أنها مدح وهى فى
حقيقة الأمر ذم، فقالوا إن «يوسف شاهين» أحسن واحد يعمل كادر سينمائى، وهم
يقصدون بذلك أنه لايجيد سوى تكوين الصورة السينمائية فقط، وهم يعلمون جيدا
مدى موهبته وكفاءته كمخرج سينمائى عبقرى، بدليل أن مخرجا عظيما مثل «عزالدين
ذو الفقار» عندما مرض لم يرشح أحدا سوى «شاهين» ليحل محله فى إخراج
الفيلمين اللذين تعاقد عليهما وهما: «الناصر صلاح الدين» و«جميلة بوحريد»،
ولكن كان شرط «ذو الفقار» الوحيد ألا يتدخل «شاهين» فى الورق الذى استقر
عليه «عزالدين»، أى السيناريو، كما أن دراسة «شاهين» للإخراج المسرحى فى
أمريكا جعلت كادراته السينمائية بحثية، حيث تبحث كاميراته عن شخوص فى
الأحداث، وتذهب هى إليهم بخلاف كثيرين دارسين سينما يجعلون الشخوص هى التى
تأتى إلى كاميراتهم على الطريقة المسرحية، فشاهين كان يصنع أحداثه من خلال
الصورة أكثر من الحوار وليس على طريقة شرشر المملة التفاصيل، فالصورة عنده
أهم من الحوار.
·
ما تعليقك على ما تردد أن البسطاء يبتعدون عن
أفلامه؟
- من
الممكن أن نقسم سينما «شاهين» إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل «العصفور»
و«الأرض» ومرحلة ما بعد «العصفور» و«الأرض»، فما قبل «العصفور» و«الأرض»
كانت سينما «شاهين» تتجه إلى الواقعية مثل أفلام «بابا أمين» و«ابن النيل»
و«صراع فى الوادى» و«نداء العشاق» و«أنت حبيبى» و«الأرض» و«الناصر صلاح
الدين» و«العصفور»، وهذه السينما الواقعية، أى المرتبطة بالواقع حتى لو
كانت تاريخية أو سياسية هى الأقرب للمشاهد سواء كان بسيطا أو مثقفا، وهى
الفترة التى كان يفكر فيها «شاهين» كأى مخرج، أما مرحلة ما بعد «العصفور»
و«الأرض» فهى سينما فلسفية، استخدم فيها «شاهين» لغة مختلفة عن السائد
وتحول إلى «الشيطان الثورى» أو «الثورى الشيطانى» - كما أطلق على «يحيى» فى
«حدوتة مصرية» وهى المرحلة التى عمل فيها مع «عبدالرحمن الشرقاوى» فى
«الأرض» و«لطفى الخولى» و«حسن فؤاد» فى «العصفور» حيث تعلم منهم كيف يكون
سياسيا ومن هنا أصبحت أعماله خاضعة لقناعاته الشخصية.
·
وهل ترى أن لجوء «شاهين» للإنتاج كان لعزوف
المنتجين عنه لغرابة لغته السينمائية؟
- كان من
الممكن أن يختفى شاهين من الساحة السينمائية لو لم يلجأ إلى الإنتاج لنفسه،
لبقائه لفترة طويلة بلا عمل لعزوف المنتجين عن أفكاره المجنونة والغريبة
والتى من الصعب أن يستوعبها أى منتج، وبالتالى لايستوعبها المشاهد، حدث
العزوف مع اثنين من كبار مخرجينا وماتا قهرا وهما «حسين كمال» و«كمال
الشيخ».
·
ولكن لم ينتج بأمواله الخاصة؟
-
«لشاهين» الفضل فى أنه فتح نافذة للسينما المصرية فى أوروبا، صحيح أن البعض
انتقده، ولكن من الظلم اتهام «شاهين» أن فرنسا كانت تموله من أجل الإساءة
لمصر، وأنا أتحدى أن يكون هناك فيلم واحد لـ «شاهين» فيه إساءة لمصر، كما
أن شاهين يعتبر من المخرجين القلائل الذين لم تفلح معهم أية ضغوط لإثنائه
عن أفكاره أو التخديم على أفكاره مغايرة لمبدئه، مثلما حدث مع كثير من
مخرجى شمال أفريقيا. فيلم وحيد فقط هو «إسكندرية ليه» الذى ظهرت فيه فتاة
يهودية مصرية أحبت شابا مصريا عدا ذلك لم تجد ما يشوب أفلام «شاهين».
·
بحكم صداقتك القوية به ما الحلم الذى مات مع
«شاهين»؟
- أن يقدم
فيلما استعراضيا ضخما، فكان محبا للاستعراض منذ بدايته، عندما قدم واحدا من
أهم أفلام فريد الأطرش «إنت حبيبى» والذى جمع ما بين الاستعراض والكوميديا،
خاصة فى دويتو «يا سلام على حبى وحبك» كذلك تجد الاستعراض شريكا أساسيا فى
معظم أفلام «شاهين» فتجده فى «حدوتة مصرية» و«المصير» و«الآخر»، و«سكوت ها
نصور».
روز اليوسف المصرية في 2
أغسطس 2008
يوسف شاهين يوقع بين إدارة موقع إخوان أون لاين وحبيب!
محمد مشعال
الموقف من
المخرج يوسف شاهين كان أحدث المواجهات الداخلية فى الصفوف الإخوانية والتى
كشفت عن اختلافات بين القيادات فى هذا السياق.. حيث نفى نائب المرشد العام
د.محمد حبيب الاتهامات التى وجهها موقع الجماعة الإلكترونى التى وضعت «جو»
فى القفص بتهمة إثارة الفتنة الطائفية والجنون والعمل ضد الإسلام.. ولم
يشفع ليوسف شاهين وفاته عندهم حتى يرحموه حيث تعرض شاهين لنقد حاد واتهامات
غير مبررة وإن كان المبرر الوحيد لها خلق حالة من البلبلة بين الناس خصوصا
إن كانت تتعلق بالعقائد.
وأفادت
الاتهامات الإلكترونية التى كان حبيب آخر من يعلم بها أن أفلام شاهين
وآراءه قد آثارت الكثير من المشاكل، خاصة عندما كان يهاجم الحجاب وينتقد
صوت الأذان الذى كان يود أن يواجهه بصوت الموسيقى، وأرجع كثيرون السبب فى
ذلك إلى بلوغ الرجل مرحلة أرذل العمر، مما جعله يخرج عن وعيه كثيرا وفق
إدعاء الموقع الإخوانى.
ثم تابعت
المحظورة بزعم أن أفلام المخرج العالمى أثارت كثيرا من الجدل والرفض، مثل
«المصير» و«المهاجر» اللذين رأى فيهما النقاد خروجا عن المألوف وعن ثوابت
التاريخ والثقافة.. كما كان تناوله الفنى للأنماط الإنسانية يتسم بروح
غربية مرفوضة فى المجتمعات العربية والإسلامية أدت إلى النظر بتحفظ إلى
معظم الأفلام التى قام بإخراجها على مدى تاريخه الطويل - من وجهة نظر
الجماعة المحظورة.. التى اعترض عليها إخوان آخرون .
وتابع
الإخوان فى نقدهم واتهاماتهم الغريبة لشاهين بأنه يربط بين أعماله الفنية
ورؤيته الخاصة للحياة، الأمر الذى دفع كثيرين إلى اتهامه بأنه أراد
الانتقام من رافضى فيلمه «المهاجر» بعمل فيلم «المصير» ليتهم رافضى فيلمه
الأول بالعنف والتطرف، مما أدى إلى هجوم واسع من كل النقاد لفيلم المصير،
وانكشفت حقيقة المخرج العصبى الذى يحارب خصومه الفكريين باتهامهم وسبابهم
من خلال أعماله الفنية وفق وصف الموقع الإخوانى!
روز اليوسف المصرية في 2
أغسطس 2008
|