اهتمت
وسائل الإعلام الإسرائيلية بمختلف توجهاتها أو أشكالها سواء المسموعة أم
المقروءة أو حتي المرئية بوفاة'جو' وهو الاسم الذي يطلقه الإسرائيليون
علي المخرج المصري العالمي يوسف شاهين, وهو الاهتمام الذي بات يخرج من
نطاق التغطية الإخبارية التقليدية إلي ما يشبه حالة الرثاء والحزن اللذين
سيطرا علي المحللين الإخباريين والفنيين في تل أبيب.
ومن أبرز
هذه التحليلات ما كتبه المحلل والخبير الفني في صحيفة معاريف مائير شنيتسر
الذي قال إن السينما العربية بل والعالمية خسرت واحدا من أعظم المخرجين,
مشيرا إلي أهمية جو الفنية والتي تعدت كونه مخرجا إلي مؤرخ سينمائي يرصد
بعدسته الإخراجية الحالة المصرية والأوضاع في القاهرة سواء علي الصعيد
السياسي أم الاجتماعي أم الفكري.
وأشار
شنيتسر إلي أن أفلام جو تعكس الواقع المصري بل وتقدم تفصيلا ورصدا لما يحدث
في مصر, سواء من خلال فترة ما بعد الثورة التي شهدت تألق جو وحتي الآن.
ويرصد
المحلل قصة ما أسماه بـ'الصراع' بين جو والرئيس عبد الناصر شخصيا حيث
رفضت السلطات في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عرض أفلام جو بسبب
تضمنها العديد من المشاهد والأحدث التي تنتقد نظام الحكم في مصر, ومع هذا
فإن شنيتسر يري أن هذا الحظر علي عرض أفلام جو في مصر انتهي مع وفاة الرئيس
الراحل وسماح الرئيس الراحل أنور السادات بعرض أفلامه بصورة عادية بلا
رقابة أو تهديد.
ومن أعظم
الأفلام التي رصدها شنيتسر في تقريره والتي رأي أنها من أهم الأفلام
لـ'جو' والتي تعكس الحالة المصرية فيلم باب الحديد الذي أخرجه
عام1958, والذي ألقي الضوء علي ما يحدث من صراعات في واحد من أهم المواقع
المصرية التي يستخدمها المواطنون للسفر وهي محطة مصر, وكذلك الناصر صلاح
الدين عام1963 الذي يدعم الهوية العربية للقدس, والأرض عام1969 الذي
يصور تمسك الفلاح المصري بأرضه.
وعلي
الرغم من اعتراف شنيتسر بأن جو كان من أشد المعارضين لاتفاقية السلام مع
إسرائيل, بالإضافة إلي مطالبته الدائمة برد الحقوق المغتصبة من
الفلسطينيين فإنه يعترف بدوره بأن هذا لا يقلل من الاحترام لجو الذي كان
ومازال من أعظم المخرجين في العالم وستبقي أعماله الفنية بارزة للعيان
وتعكس التطورات التاريخية في واحدة من أهم الدول في المنطقة وهي مصر.
بدورها
أشارت إذاعة صوت إسرائيل إلي عظمة جو وهي العظمة التي تجلت أيضا في العديد
من المواقف السياسية التي اتخذها علي الساحة المصرية والتي كان من أهمها
دعمه للمصريين البسطاء ممن كادت أراضيهم أن تسلب منهم في مواجهات مع الجهات
المسئولة بالإضافة إلي بروز رؤيته السياسية والفكرية مع انتقاده الصريح
للحكومة المصرية في العديد من المواقف أو السياسات التي تنتهجها أو
تتخذها, حيث لم يخش من شيء وبات يقول هذا علانية غير خائف من أن يعرضه
هذا لمشكلة أو أزمة مع أي جهة مسئولة أو سيادية في القاهرة.
البارز أن
هذه النقطة اهتم بها بعض من الصحف الإسرائيلية باللغة العربية مثل صحيفة
الصنارة التي أشارت وعبر موقعها علي الانترنت إلي أن جو عبر عن هذا
الانتقاد ولو بصورة غير مباشرة في آخر الأعمال الفنية المصرية الجادة التي
انتقدت الحكومة والتي كان أبرزها فيلم'هي فوضي' الذي أخرجه وتلميذه
خالد يوسف وهو ما مثل أهمية كبيرة في عرض المشاكل التي يتعرض لها المجتمع
المصري بسبب سلطة الأمن.
اللافت
للنظر أن الإعجاب بجو لم يتوقف عند المخرجين أو المحللين الفنيين
الإسرائيليين بل تعداه إلي المخرجين الآخرين في الساحة الإسرائيلية مثل
سيجاليت بناي التي تدأب علي الحضور إلي القاهرة بصورة دورية من أجل متابعة
العروض الفنية بها والتي تقول إن لـ'جو' سحرا خاصا, حيث دأبت علي
التفوق علي نفسه في عرض الحدوتة المصرية تماما كما هي, كما تعكس أعماله
الواقع الذي تعيشه مصر علي العديد من الأصعدة سواء السياسية أم الاجتماعية
أم الفكرية المختلفة.
اللافت للنظر أن العديد من الطلبة والمخرجين في المعاهد السينمائية
الإسرائيلية المختلفة باتوا يعتمدون علي'جو'في الرسائل العلمية التي
يعدونها والخاصة بهم, حيث إن هناك عددا كبيرا من هؤلاء الطلبة أعد
أطروحته لنيل الدكتوراه أو الماجستير عن طريق أعمال جو ورصد ما بها من
تطور, حتي إن عددا من هؤلاء الطلبة والدارسين يحرصون علي الحضور للقاهرة
من جهة أو أي دولة أخري في العالم تقوم بعرض الأعمال الفنية الخاصة
ب'جو'في أوروبا أيضا.
ومن هنا
أجبر جو الإسرائيليين حتي عند موته علي احترامه, وعلي الرغم من انتقاداته
الحادة لهم ورفضه الصريح لاتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب بسبب
استمرار اغتصاب الإسرائيليين للحقوق الفلسطينية إلا أن هذا الرفض والانتقاد
لم يمنع أشد, الإسرائيليين تطرفا وعنصرية من الاشادة به*
الأهرام العربي في 2
أغسطس 2008
|