"جوكر:
جنون مشترك".. فوضى سردية تفقد شخصية الجوكر بريقها
عبدالرحيم الشافعي
محاولة مكشوفة لتأنيث شخصية الجوكر في الأجزاء القادمة.
بعد نجاح الجزء الأول منه شغل الجزء الثاني من فيلم
"الجوكر" محبي السينما، منتظرين ما ستؤول إليه الأحداث المبهرة، إلا أنه
جاء مخيبا لآمال الكثيرين، حيث يعتمد سيناريو غير متماسك ويبدو أن صنّاعه
يمهدون لتأنيث شخصية البطل التي منحت خواكين فينيكس جائزة الأوسكار عام
2020.
الرباط
- تدور
أحداث فيلم “جوكر: جنون مشترك” للمخرج الأميركي تود فيليبس حول قصة ممثل
كوميدي فاشل يُدعى آرثر فليك، والذي يلتقي بحب حياته هارلي كوين أثناء
احتجازه في مستشفى أركام بعد خروجهم من السجن، يخوض الثنائي مغامرة
رومانسية مليئة بالتحديات في مدينة جوثام التي تعاني من الفساد، لكنها
مغامرة محكومة بالفشل. والفيلم من سيناريو تود فيليبس، وبطولة خواكين
فينيكس، ليدي غاغا، زازي بيتز، بريندان جليسون، كاثرين كينر، وكين ليونج.
من البداية، يظهر الفيلم ضعفا واضحا في سرد القصة، حيث تبدأ
الافتتاحية بمشاهد كرتونية باهتة لا تضيف قيمة حقيقية للأحداث، ما يجعلها
تبدو كإضافة عشوائية بدلا من أن تكون جزءا متكاملا من الحبكة الدرامية،
فمشهد الظل الذي يسرق زي الجوكر ويحبس فليك في خزانة يأتي بطريقة مبالغ
فيها وغير مقنعة، كما أن المواجهة التي تحدث على خشبة المسرح تبدو غير
مبررة دراميًا، حيث تتحول الأحداث بسرعة كبيرة ودون تبرير منطقي كاف
لتصرفات الشخصيات.
تنتقل الأحداث إلى مستشفى أركام، حيث يتجلى عيب آخر في سرد
الأحداث؛ فيظهر آرثر كشخصية مظلومة ومعذبة بطريقة سطحية ومكررة، ما يجعل
المحاولات لإثارة التعاطف معه تفشل، ومشاهد إساءة المعاملة في المستشفى
تبدو مبتذلة وتقليدية، وكأنها مأخوذة من كليشيهات أفلام الأمراض النفسية
دون أيّ ابتكار، أما الدفاع الذي تقدمه المحامية ماريان عن آرثر باستخدام
اضطراب الهوية الانفصامية فيبدو غير مقنع وغير مدعوم بأيّ تفاصيل أو بناء
درامي عميق لهذه الشخصية.
كذلك المشهد الذي يلتقي فيه فليك بلي كوينزيل، التي تجسدها
ليدي غاغا، يظهر بسطحية شديدة؛ فبدلا من أن تكون هذه الشخصية مضافة لتعميق
القصة، تبدو وكأنها مجرد حشو لا فائدة منه، حيث أن تصريحاتها بإعجابها
بأفعال الجوكر تظهر بشكل غير منطقي وغير مبرّر، خاصة مع ضحالة تفاعل
الشخصيات مع بعضها، كما أن إعلان نائب المدعي العام هارفي عن محاكمة آرثر
وإعدامه عبر التلفاز يأتي بطريقة متسرعة وغير متقنة، وكأنه تم إدخالها فقط
لدفع الحبكة الدرامية إلى الأمام بشكل قسري.
الجزء الثاني من الفيلم يعاني من العديد من المشاكل
البنيوية والسردية التي تجعل مشاهده تبدو بلا معنى وغير مترابطة مع الأحداث
السابقة للجزء الأول، فأداء ليدي غاغا وخواكين فينيكس في هذا السياق يبدو
باهتا ولا يحمل العمق المطلوب، ما يجعل الشخصيات تبدو وكأنها مجرد أدوات
لتمرير الأحداث بدلاً من أن تكون محركًا حقيقيًا لها، نأخذ على سبيل المثال
محاولة هروب فليك وكوينزيل وسط الفوضى تبدو غير مبررة وتفتقر إلى التشويق
الذي كان من المفترض أن يكون موجودا في هذا المشهد، وهو ما يجعل القبض
عليهما عند البوابة يبدو وكأنه مجرد حدث عابر بلا تأثير درامي.
◙
الفيلم يعاني من مشاكل بنيوية وسردية تجعل مشاهده تبدو غير
مترابطة مع أحداث الجزء الأول
أما المشهد الذي يمارس فيه آرثر وكوينزيل الجنس فهو غير
مناسب للسياق الدرامي ويظهر كإضافة مفروضة لتوجيه انتباه المشاهد بعيدا عن
الفوضى السردية، بينما يظل دون مغزى حقيقي يخدم الحبكة الدرامية، كما أن
المقابلة التلفزيونية التي تُفترض أنها محاولة لإظهار آرثر بصورة إيجابية
تتحول بشكل غير مبرر إلى فوضى، وغناء فليك لكوينزيل عبر شاشة التلفزيون
يأتي بلا سياق واضح، ما يجعل هذا الجزء من الفيلم غامضا، بينما التحفيز غير
المبرر لآرثر عندما يرى المؤيدين خلال طريقه إلى المحكمة يزيد من الفجوة
بين تطور الشخصية والأحداث.
يبرز تكوين اللقطات في اليوم الأول من المحاكمة واستدعاء
الشهود وردودهم بطريقة سطحية وغير معبرة عن أيّ عمق قانوني أو درامي، وهو
ما يزيد من الإحباط لدى المتابع، أما كشف ماريان لفليك بأنه لم يحرق منزل
والديه وأنها تتلاعب به، فيبدو كأنه محاولة ضعيفة لتعقيد الحبكة، لكنه يأتي
في النهاية بلا تأثير حقيقي أو مفاجأة تُحدث تغييرًا ملموسًا في مسار
الأحداث.
إيقاع
الفيلم يعاني من بطء شديد في تطور الأحداث، ما يؤدي إلى فقدان الزخم الذي
قد يجذب الجمهور، إذ أن المشاهد التي تعود إلى المحكمة تبرز ثغرات واضحة في
السيناريو، حيث يبدو أن السماح لآرثر بارتداء مكياج الجوكر وملابسه داخل
المحكمة قرار غير منطقي وغير مبرر، خاصة بالنظر إلى خطورة الجرائم التي
ارتكبها، وهذا النوع من التفاصيل يجعل المشاهد يتساءل عن مدى واقعية
الأحداث وما إذا كانت مجرد محاولة لإضافة إثارة سطحية إلى الحبكة.
وتقديم زميل الجوكر السابق غاري كشاهد يأتي بطريقة غير
مؤثرة دراميًا، إذ يبدو هذا المشهد غير قادر على إضافة تعقيد نفسي أو
قانوني حقيقي، كما أن قرار آرثر بعدم تقديم دفاع بعد شهادة بودلز يعكس عدم
اهتمام بتطوير شخصيته بشكل منطقي، حيث أن التحول من هذه اللحظة إلى إعلان
آرثر نهاية المحاكمة بجوّ من النصر وتهليل أنصاره يشعر بأنه غير مبرر وغير
مدعوم بسياق كافٍ.
ويعاني السيناريو مرة أخرى من الثغرات خاصة في المشاهد التي
تصور آرثر على أنه ضحية للعنف المفرط من الحراس بقيادة جاكي، ومشهد القتل
في الحبس الانفرادي، حيث يخنق آرثر سوليفان ويقتل ريكي، يبدو أنه مضاف فقط
لزيادة صدمة المشاهد دون أن يقدم تطورًا حقيقيًا في شخصية آرثر أو تقدمًا
دراميًا مبررًا.
اللحظة التي يتذكر فيها آرثر جرائمه الأولى ومسح دهانات
المهرج عن وجهه تكشف عن ضعف في كتابة الشخصية، حيث كان من الممكن أن تكون
هذه اللحظة لحظة انعكاس أعمق عن التحول النفسي لشخصية الجوكر، بينما تبدو
هذه اللحظة فارغة، حيث يتم التعامل مع شخصية الجوكر كواجهة سطحية دون أيّ
تعمق في الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تكون محورًا أقوى للفيلم.
الفيلم يعاني بشكل واضح من فوضى في السرد وتوزيع غير منطقي
للمشاهد، حيث تظهر عناصر مكلفة، مثل المكياج والمشاهد المتقنة، دون أن تكون
لها تأثير فعلي على الحبكة أو تعمق في الشخصيات، فعلى سبيل المثال مشهد وضع
كوينزيل للمكياج وسيره إلى المحكمة يبدو كأنه مجرد محاولة لإضافة لمسة
بصرية دون أيّ معنى درامي حقيقي، بينما الإعلان المفاجئ من قبل فليك بأنه
لم يكن هناك جوكر أبدًا وتحمله المسؤولية الكاملة عن أفعاله، بما في ذلك
اغتيال والدته، هو التفاف غير مبرر ومفاجئ، ويبدو أنه تم وضعه فقط لإحداث
صدمة للجمهور دون أيّ بناء نفسي مسبق، كما أن خروج لي والمؤيدين من المحكمة
بعد هذا الإعلان يزيد من التشوش، حيث لا يوجد تفسير منطقي لتحولهم المفاجئ
من الدعم إلى الهروب.
ناقد سينمائي مغربي |