ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان البندقية ينطلق هذا المساء بـ"بيتلجوس" لتيم برتون: السينما الأميركية تفرض سطوتها والجوكر هو النجم المنتظر

هوفيك حبشيان

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

تشهد #جزيرة الليدو الفينيسية بدءاً من هذا المساء انطلاق الدورة الحادية والثمانين ل#مهرجان البندقية ال#سينمائي الذي سيستمر حتى السابع من أيلول. كأي دورة، الأسماء كبيرة والعناوين واعدة والتوقّعات عالية. طوال الأيام الـ11 المقبلة، ستتحوّل هذه البقعة من العالم ملتقى للسينما، تُعرض فيه أفلام جديدة تحمل آخر الصيحات الفنية. سيتوافد النجوم ويجتمع صنّاع الأفلام والإعلاميون والجمهور حول مائدة سينمائية فيها ما هو مستجد ومثير.

يرتبط مهرجان البندقية بتاريخ طويل ومعقّد يعود إلى أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، عندما تم تأسيسه بدعم من الحكومة الإيطالية آنذاك بقيادة الفاشيين. كانت الفكرة إقامة تظاهرة سينمائية لخدمة أهدافها الإيديولوجية وتعزيز الثقافة الإيطالية وتوفير منصّة ترويج لها. رغم هذا الدافع السياسي، نما المهرجان وذهب في اتجاه آخر مع الزمن، ليصبح أحد أهم المواعيد السينمائية في العالم، جنباً إلى جنب مع مهرجاني كانّ وبرلين. على مر العقود، عرف المهرجان تحديات وأزمات لا تُحصى، متأثراً بالتغييرات السياسية والاجتماعية في #إيطاليا، من حقبة الفاشية إلى اضطرابات الستينات، فكل ما عاشه بلد فيلليني طوال النصف الثاني من القرن الماضي، كانت "الموسترا" دائماً مرآة لتاريخ البلاد المتقلّب خصوصاً وتاريخ أوروبا عموماً، اذ كانت لا تزال فتية عندما زُجَّ بالقارة العجوز في أشرس حروبها. اليوم، هذا كله ينتمي إلى كتب التاريخ.

ألبرتو باربيرا، صاحب الخبرة الواسعة الذي يعود اليه الفضل في تحسين أوضاع "الموسترا" في السنوات الماضية، يواصل قيادته لها. فهو يعرف المهرجان عن ظهر قلب بعد سنوات طويلة أمضاها في كواليسه. باربيرا كان قد غاب لفترة بين 2004 و2011، حين تولّى #ماركو موللر الإدارة الفنية، لكنه عاد ليضع بصمته من جديد، معززاً موقع المهرجان على الساحة الدولية. ورغم ان الفضل في كلّ التطورات الأخيرة لا يمكن إرجاعه بالكامل إليه، فصوابية اختياراته، خصوصاً في ما يتعلّق بالأفلام الأميركية التي نالت الـ"أوسكار"، جعلت منه شخصية لها وزنها، خصوصاً انه أظهر صلابة في التعامل مع أجندات إيديولوجية معينة تعكّر “صفو” السينما الخالصة.

الافتتاح هذا المساء ب#فيلم "بيتلجوس بيتلجوس" للأميركي تيم برتون، على أمل ألا يكون مخيباً كما كانت حال فيلم الافتتاح العام الماضي، وكما هي حال معظم أفلام الافتتاح في المهرجانات الكبيرة. وللمهرجان إنحياز واضح للسينما الأميركية، اذ انه افتتح بها خمس مرات طوال الأعوام العشرة الأخيرة، ممّا يوضّح أهمية جذب الأفلام الهوليوودية الكبرى والنجوم لضمان الاهتمام الإعلامي والجماهيري الذي تحتاجه "الموسترا" لتبرز على الساحة الدولية. برتون، الذي ما عادت أفلامه الأخيرة تفعل فينا ما كانت تفعله في التسعينات، يعود بهذا الفيلم الذي يضم نجوماً مثل مايكل كيتون ووينونا رايدر ومونيكا بيللوتشي وويلَم دافو. برتون أمام تحد كبير: هل سيتمكن من استعادة بريقه الفنّي المفقود؟

تضم المسابقة هذا العام 21 فيلماً تتنافس على جائزة "الأسد الذهب" المرموقة التي راحت العام الماضي إلى "كائنات مسكينة" ليورغوس لانثيموس. إيطاليا وأميركا حاضرتان بقوة داخل المسابقة، الأولى باعتبارها البلد المضيف والثانية "بلد" السينما التي لا يمكن صرف النظر عنها عند الحديث عن فنّ سابع. وكالعادة، يجمع البرنامج بين أسماء معروفة وأخرى جديدة أو شبه جديدة لم تبرز بعد على الساحة السينمائية. هذا التنوع يضمن الحفاظ على توازن بين حجز مكان خاص للمخرجين المخضرمين وإعطاء فرصة للمواهب الصاعدة.

"جوكر: فولي أ دو" لتود فيليبس هو أكثر الأفلام انتظاراً في المهرجان كله. الجزء الأول منه الذي كان نال "الأسد" في 2019، من الأعمال التي استطاعت ارضاء النخبة والجمهور العريض معاً، ومن البديهي ان يكون الترقب حياله عاليا، فالجميع يريد ان يعلم ماذا سيفعل كل من فيليبس خلف الكاميرا وواكين فينيكس (في دور الجوكر) خلفها. هذه المرة، تنضم لايدي غاغا إلى الفرقة الرابحة في عمل يجمع بين الدراما والموسيقى.

اذا كان الجوكر نجم شاشة البندقية، فالإسباني #بدرو ألمودوفار نجم آخر سيطل علينا من خلف الشاشة بفيلمه "الغرفة المجاورة"، أول أعماله الطويلة باللغة الإنكليزية، بطولة تيلدا سوينتون وجوليان مور. ألمودوفار الذي عرض أفضل أفلامه في كانّ، هو الآخر شهد "كبوة" في السنوات الماضية، وكلّنا آمل ان يسجّل عودة محترمة على مستوى ما كانه في التسعينات.

بين الأفلام المنتظرة، يبرز "ماريا" للمخرج التشيلياني #بابلو لاراين، الذي يعود إلى المهرجان ليواصل مسيرته في تناول شخصيات أيقونية تركت بصمتها على القرن العشرين. بعد جاكي كينيدي والأميرة ديانا، ينكب لاراين هذه المرة على مغنية الأوبرا ماريا كالاس التي سحرت العالم بصوتها، رغم حياتها القصيرة نسبياً (توفيت في الثالثة والخمسين بسكتة قلبية). فيلم وثاقي أنجزه توم وولف عنها قبل سبع سنوات، اضافة إلى محاولات روائية عدة عنها، أحدها لفرنكو زيفيريللي، قالت الكثير عن هذه الاسطورة، فلا نعرف ماذا سيضيف عليها هذا المخرج؟ لننتظر ونرَ!

لوكا غوادانينو أحد الإيطاليين المشاركين في المسابقة. جديده "كوير"، المقتبس من رواية لوليم بوروز، يعطي دور البطولة إلى دانيال كريغ، الذي وصفه باربيرا بأنه يقدّم فيه "دور حياته". الفيلم تم تصويره في استوديوات تشينيتشيتّا الشهيرة، حيث أعيد احياء مشاهد تعكس أجواء نيو مكسيكو. الأفلام الإيطالية الأخرى هي الآتية: "أرض المعركة" لجيانّي أميليو، الذي يسعى لاستعادة ثقة الجمهور بعد إخفاق فيلمه "سيد النمل" قبل عامين. كما يشارك في المسابقة "فرميليو" لماورو دلبيرو، و"إيدو" للمخرجين فابيو غراسادونيا وأنتونيو بيازا، اللذين يقدمّان عملهما الثالث بعد مشاركتين في مهرجان كانّ الذي يفضّله كثر من الإيطاليين على البندقية. وتُختتم القائمة الإيطالية بـ"ديفا فوتورا" لجوليا لويز ستايغرفالت.

في عودة مرتقبة، بعد غياب دام عقداً، سيقدّم البرازيلي والتر ساليس فيلمه "لا أزال هنا". ساليس، الذي عرفناه من خلال "محطة برازيل" و"مذكّرات دراجة"، يعود بنص مستوحى من مذكّرات الكاتب مارسيلو روبنز حول والدته، المحامية والمناضلة السياسية. أما الفرنسي إيمانويل موريه فينافس مع "ثلاث صديقات”. علاقات عاطفية تنطلق من رؤية دقيقة ومعقّدة، ممّا يعيد إلى الأذهان أسلوب المخرج الفرنسي الشهير إريك رومير.

وتفرض السينما الأميركية سطوتها على المهرجان بعد حضور باهت في الدورة الماضية بسبب إضراب الممثلين وكتّاب السيناريو. خمسة أفلام أميركية ستتنافس على "الأسد"، أبرزها "المتوحش" للمخرج برادي كوربيه، الذي يعد من أكثر الأفلام طموحاً. هذا كله سيجري أمام العينين المتفحصتين للممثّلة الكبيرة إيزابيل أوبير، رئيسة لجنة التحكيم التي ستمنح الجوائز في ختام "الموسترا". لكن، دعونا لا نستعجل، فالعروض كثيرة والحدث لا يزال في بدايته.

خارج إطار المسابقة، يضم المهرجان تشكيلة متنوعة من الأفلام التي تحث على الاكتشاف. بعضها لمخرجين مرموقين مثل الفيليبيني لاف دياز والياباني تاكيشي كيتانو، اللذين سبق لهما الفوز بـ"الأسد" في دورات ماضية. كما يشارك الأميركي كافن كوسنر بعرض الجزء الثاني من ملحمته "آفق"، بعدما كشف عن جزئه الأول في كانّ الماضي. وتعبيراً عن انفتاح المهرجانات السينمائية على المسلسلات التلفزيونية، تقدّم "الموسترا أجدّ الأعمال في هذا المجال لسينمائيين مهمين أرادوا فورما مختلفة لقصصهم الجديدة. هؤلاء هم المكسيكي ألفونسو كوارون والإسباني رودريغو سوروغويين والدانماركي توماس فينتربرغ والبريطاني جو رايت.

في فقرة الأفلام الوثائقية، تم اختيار 11 فيلماً، بعضها من صنع مخرجين يملكون تاريخاً مشرفاً في هذا المجال. من أبرزهم البريطاني من أصل هندي آسف كاباديا الذي سيعرض "2073" عن مغامرة مسافر عبر الزمن يسعى لإنقاذ البشرية. كما يعود الأميركي المخضرم إيرول موريس بـ"مفصولون"، الذي يناقش سياسة الفصل العائلي التي اعتمدتها إدارة ترامب على الحدود المكسيكية الأميركية في عام 2018.

حضور السينما العربية في "البندقية 81" لا بأس به مع ستّة أفلام موزّعة على مختلف الأقسام. المخرج التونسي مهدي البرصاوي يعود إلى المهرجان بـ"عائشة" ضمن قسم "أوريزونتي"، بعدما أثار الإعجاب بفيلمه "بيك نعيش" قبل خمس سنوات. من فلسطين، يأتينا إسكندر قبطي بـ"ينعاد عليكو"، أيضاً في قسم "أوريزونتي"، متناولاً تعقيدات العلاقات عبر قصص متشابكة لأربع شخصيات. "السودان تذكرنا" للسودانية هند المدب يشارك في قسم "أيام المؤلفين". الفيلم يوثّق لنضال جيل من أجل الحرية في ظلّ التغيرات السياسية في السودان. من لبنان، يأتينا الفيلم الوثائقي "وعاد مارون إلى بيروت" لفيروز سرحال ("كلاسيكيات فينيسيا")، وهو يستعرض فصولا من حياة المخرج الراحل مارون بغدادي وتأثيره في السينما اللبنانية.

في قسم "أوريزونتي إكسترا"، يعرض المخرج المصري خالد منصور فيلمه "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” الذي يتناول قصّة كلب يُدعى رامبو يتورط في حدث خطير، ليجد نفسه مطارداً بين ليلة وضحاها. أما مواطنه محمد حمدي، فيحضر بـ"معطّر بالنعناع"، لكن في قسم "أسبوع النقّاد". الفيلم يتعقّب قصّة بهاء، الطبيب المهووس وصديقه القديم مهدي، اللذين يحاولان الهروب من ماضيهما الأليم، لكن الأشباح تلاحقهما. ملخّصات هذه الأفلام تقريبية، اذ لم نشاهدها بعد، وستختلف كيفية مقاربتنا لها جزرياً بعد اطلاعنا عليها. والآن… إلى الصالات.

 

النهار اللبنانية في

28.08.2024

 
 
 
 
 

"شبح" بورتون يفتتح "فينيسيا الـ81": قصة متواضعة فيها تلفيق وافتعال كثيرين

فينيسيا/ محمد هاشم عبد السلام

في رصيد المخرج الأميركي تيم بورتون، المرشّح لـ"أوسكار" وغيرها من الجوائز المرموقة، أكثر من 20 فيلماً روائياً، إلى مسلسلات وأفلام قصيرة، ما يعني غزارة جليّة في الإنتاج. لكنّ المُلاحظ أنّه، في مهنته المنطلقة أوائل سبعينيات القرن الـ20، يعود بين حين وآخر إلى موضوعاته القديمة، ولو بعد سنوات طويلة، للاشتغال عليها مُجدّداً، وتحويلها من أفلام روائية قصيرة إلى أخرى طويلة، أو تنفيذ تكملة ـ أجزاء لها. مثلاً: "باتمان" (1989)، و"عودة باتمان" (1992).

جديده "بيتلجوس، بيتلجوس" ليس استثناءً، ففيه يعود إلى أحد أهم أفلامه، وأبرز أفلام الرعب الأميركية  في الثمانينيات الماضية، "بيتلجوس" (1988)، الفائز بـ"أوسكار" أفضل مكياج (النسخة 61، 29 مارس/آذار 2989)، لاستكمال الفانتازيا القديمة بحشدٍ من نجوم مختلفين، سواء شاركوا في الفيلم القديم، أو أنّهم مشاركون جدد.

جديده هذا، الذي افتتح الدورة الـ81 (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (موسترا)" (خارج المسابقة، علماً أنّ عروضه الرسمية تبدأ في 6 سبتمبر/أيلول المقبل)، محاولة غير موفّقة لأحد أهم المخرجين تميّزاً في عصره، في استعادته مجد فيلمه القديم، المتميّز حينها بخيال إبداعي مدهش، وإيقاع متدفّق ومثير، وبعبث وسخرية، مستخدماً التقنيات الجديدة والإبداع في فنّ المكياج، وغيرها.

يُعتبر "بيتلجوس، بيتجلوس" عودة تيم بورتون ومايكل كيتون للعمل معاً مجدداً. فالممثل يؤدّي دوره القديم، الشبح بيتلجوس، مع الممثلة المراهقة وقتذاك وينونا رايدر، مؤدّية ليديا ديتز، وكاثرين أوهارا في دور والدتها ديليا.

في النسخة القديمة، يتعرّض الزوجان مايتلاند (ألِك بالدوين وجينا ديفيس) لحادث سيارة على أثناء عودتهما إلى المنزل، يودي بحياتهما. يستغرقان وقتاً ليُدركا أنّهما ميتان، لكنّهما يعانيان مصيراً أسوأ، إذْ بيع منزلهما الغريب، الواقع على قمة تلّ، إلى عائلة ديتز الثرية. تفشل محاولتهما في إخافة الوافدين الجدد، وطردهم من المنزل. إلى هذا، ترى عائلة ديتز في وجود أشباح في المنزل فرصةً مالية جديرة بالانتهاز. لكنْ، مع مرور الوقت، ترغب في التخلّص من الزوجين مايتلاند، أو من شبحيهما. لذا، تستعين عائلة ديتز بالشبح بيتلجوس، أو طارد الأرواح الشريرة الذي لا يموت، لطرد هذه العائلة من المنزل. ورغم أداء المهمة، تتعقّد الأمور أكثر، بعد أن اتّضحت نواياه.

في النسخة الجديدة، أصبحت ليديا إحدى أشهر مُقدّمات برامج الرعب والأشباح والظواهر الخارقة، لكنّها لا تزال تعاني كوابيس الشبح بيتلجوس، الذي تمّ التخلص منه. تنقلب حياتها رأساً على عقب، عندما تفتح ابنتها المراهقة أستريد (جينا أورتيغا) خطأ بوابة الحياة الآخرة، ويعود بيتلجوس إلى الحياة مجدّداً، ثم مطاردته الحثيثة لليديا، المغرم بها، والعازم على الزواج منها. هو نفسه يتعرّض للملاحقة ومحاولات للانتقام من حبيبته السابقة دولوريس (مونيكا بيلوتشي). في أثرهما، يحاول الشرطي والمحقّق وولف (ويليام دافو) القبض على دولوريس وبيتلجوس، بسبب ما أثاره من فوضى عارمة في عالمي الأحياء والأموات ـ الأشباح. هكذا يحصل مزج سلس بين العالمين، وتقبّل تداخل عوالمهما.

رغم الفرق الزمني بين الفيلمين، تميل الكفّة بالتأكيد إلى النسخة القديمة. فالجديدة لا تخرج نهائياً عن كونها مجرّد قصة متواضعة، فيها تلفيق وافتعال كثيرين، وتجهد في استدعاء أحداث الفيلم الأصلي وجمالياته وشخصياته، بدلاً من ابتكار أخرى خاصة ومميّزة. أيضاً، هناك خيوط كثيرة في الحبكة لا تذهب إلى أي مكان، ويمكن التكهن بكثير منها، وببقية الأحداث، وحتى بالخاتمة.

كثيرٌ من الدراما العائلية المتكرّرة، حتى على مستوى المواقف. بناء الشخصيات والمحتوى إجمالاً لا يكادان يخرجان عن كون الجديد فيلماً للنسيان كما شخصياته، وبشدّة. يؤكّد هذا حضورٌ مستغربٌ للغاية لدافو وبيلوتشي، لأدائهما المهدر، وربما المنتقص من تاريخيهما السينمائيين. مؤثّرات بصرية بدت رائعة ومبتكرة، والفيلم عامة منفّذ باحترافية وإقناع شديدين. إجمالاً، الفيلم ليس فظيعاً، لكنه بعيد كثيراً عن أنْ يكون جيّداً، أو فوق الجيد.

مع ذلك، ربما تُعجب النسخة الجديدة الأجيال المعاصرة والشباب، ممن يُقبلون على هذا النوع من الأفلام، رغم إخفاقه بجدارة في أن يكون من أبرز أفلام نوعه، إذْ يصعب تصنيفه في الكوميديا القاتمة، أو أفلام الرعب والأشباح، أو الفانتازيا، أو الأفلام الخارقة للطبيعة. إنّه يحتوي على بعض هذا، من دون أنْ يتميّز في أي منها. ولعلّ تخيّل وتصوير الحياة الآخرة، وحياة وعوالم الأموات والأشباح، غنيٌّ ولا يخلو من غرابة وفانتازيا، ومن طرافة أيضاً. عالم الأحياء أقل غرابة، خاصة بما يتعلق بديكورات داخلية وأزياء، وهذان الجانبان لافتين للأنظار.

 

العربي الجديد اللندنية في

28.08.2024

 
 
 
 
 

مهرجان فينيسيا يفتتح دورته الـ81 بإحياء الماضي في ثوب جديد

فينيسيا-عصام زكريا*

أن تصل إلى فينيسيا مساء ليلة صيف دافئة، تهبط الطائرة محلقة فوق المياه قبل أن تعبرها وصولاً إلى اليابسة، على بعد أمتار من صالة الوصول تستقبلك المياه من جديد، عليك أن تستقل مركباً لأكثر من ساعة، حتى تصل إلى قلب المدينة، حيث تقام فعاليات مهرجانها الأكبر، بينالي فينيسيا الدولي الملقب بـ"الموسترا"، والذي انطلقت فعالياته الأربعاء.

مع ذهاب أشعة الشمس تدريجياً وسقوط الليل، تبدأ معالم المدينة في التألق بشكل مختلف، مخلفة صورها على صفحة الماء، كأنك تغادر إلى عالم من الأحلام، تتماوج صور المدينة، مع حركة المياه والمراكب، بك، وحولك.

دي سيكا.. قبل الافتتاح

مع بداية اليوم الأول للمهرجان يبدو كل شيء وكأنه يتماوج، البحر واليابسة، الناس والأفلام، والمهرجان. يُذكر أن "بوستر" المهرجان عبارة عن فيل يحمل فتاة يبحران عبر مياه اللاجون الفينيسية.

قبل موعد الافتتاح الرسمي بيوم، بدأ المهرجان بفيلم (L’oro de Napoli) "ذهب نابولي"، للمخرج الإيطالي الراحل فيتوريو دي سيكا، بمناسبة مرور 75 عاماً على إنتاج الفيلم، ومرور 50 عاماً على وفاة صاحبه!

الفيلم الذي يُعد واحداً من كلاسيكيات السينما العالمية، وأحد أوائل الأفلام التي تتكون من عدة قصص متفرقة، يجمعها مكان واحد هو مدينة نابولي، حيث يسعى دي سيكا للتعبير عن روح وخصوصية هذه المدينة العريقة، وخصائص سكانها.

شارك في بطولة "ذهب نابولي" عدد من كبار نجوم السينما الإيطالية، من بينهم دي سيكا نفسه، الذي كان ممثلاً وكاتباً ومخرجاً، وأيضاً أيقونة إيطاليا صوفيا لورين، التي تحتفل في 20 سبتمبر القادم بعيد ميلادها التسعين!

تعوم مدينة فينيسيا ليس في الماء فقط، بل في الذكريات. معالمها وبيوتها القديمة تشهد على حضارات وأزمنة عمرها أكثر من ألفي عام.

ومهرجان فينيسيا السينمائي الذي أقيم لأول مرة عام 1943، هو أقدم مهرجان في العالم، ولعل ذلك ما يفسر ولع الناس به، خاصة في دورته الحالية، حيث الاحتفال بالقديم.

عودة بيرتون وكيتون.. بصحبة بيلوتشي

ينطلق "فينيسيا" إذن، قبل موعد افتتاحه بيوم، ثم تبدأ عروضه صباحاً بعرض فيلم للصحافيين وحاملي البطاقات، إلى جانب عدد آخر من الأفلام التي شغلت كل القاعات، وهو ما يعكس الاهتمام بشغل كل دقيقة من عمر المهرجان وضيوفه ورواده، الذين يتوافدون على جزيرة الليدو بمادة سينمائية ثرية.

من أبرز هؤلاء النجوم الرائعة سيجورني ويفر التي يكرمها المهرجان بجائزة "الإنجاز الفني"، وأنجلينا جولي التي أتت بصحبة فيلمها الجديد "Maria"، الذي يروي فاصلاً من حياة مغنية الأوبرا الشهيرة ماريا كالاس، إضافة إلى عدد كبير من النجوم المحليين والعالميين.

وفيلم الافتتاح هو أحدث ما جادت به قريحة النجم السينمائي الكبير تيم بيرتون "Beetlejuice Beetlejuice" هو أيضاً فيلم قديم، أو بالتحديد جزء ثان من عمل قديم بعنوان "Beetlejeuice" (فقط)، من إنتاج 1988، وكان من أوائل الأعمال التي جمعت تيم بيرتون بالممثل مايكل كيتون، قبل أن يلتقيا في العام التالي من خلال فيلم "Batman".

وفي الفيلم الجديد يعاود مايكل كيتون إلى لعب شخصية "بيتلجوز"، وهو كائن مخيف ومقزز ومضحك، لا إنسان ولا شبح، يسعى لطرد عائلة ديتز من أحد البيوت القديمة، بناء على طلب أرواح العائلة التي كانت تسكن قبلهم.

بعد أكثر من 30 عاماً، تعود الفتاة ليديا ديتز (وينونا رايدر) التي كانت في الـ15 من عمرها وقت صنع الفيلم الأول، وقد أصبحت والدة فتاة اسمها أستريد (جينا أورتيجا)، هي نسخة من جموح وغرابة أطوار أمها في الفيلم الأول، إلى المنزل المهجور عقب وفاة كبير العائلة.

ونتيجة فضول أستريد وتمردها على التحذيرات ينفتح باب الجحيم مجدداً، إذ يعود بيتلجوز إلى الحياة، مهدداً ومثيراً للرعب والتفكير، مصراً على كسر الخط الفاصل بين الموتى والأحياء: كأنه صورة من فينيسيا التي تحلم بكسر هذا الخط "الوهمي" بين الماضي والحاضر!

بجانب كيتون ورايدر وكاثرين أوهارا، التي لعبت دور الأم في الفيلم الأول، ينضم إلى الفيلم الجديد نجوم آخرون على رأسهم ويليام ديفو، ومونيكا بيلوتشي، رفيقة حياة بيرتون حالياً.

وعلى غرار الفيلم الأول، يتميز العمل الجديد بمواقفه وحواراته الطريفة سريعة الإيقاع، بداية من الحوار الذي يجمع الأم بابنتها على مقبرة الجد، تقول الأم: "الموت شيء صعب"، وترد الابنة باردة العقل: "الحياة أصعب"!

وفي المؤتمر الصحافي الذي سبق الافتتاح، أعلن تيم بيرتون أنه لم يصنع الفيلم الجديد سعياً وراء المال أو استغلال نجاح العمل الأول، وإنما لأسباب شخصية بحتة، كنوع من العودة للجذور عقب سنوات من التيه والتخبط. وكان آخر عمل قد قدمه بيرتون هو "Dumbo" منذ 5 سنوات لم يلق النجاح المنتظر رغم تكلفته الباهظة.

"انفصال".. ضربة لإدارة ترمب

إضافة إلى فيلم الافتتاح، شهد اليوم الأول للمهرجان عرض عدد آخر من الأفلام على رأسها فيلم "Separated" لمخرج الأفلام الوثائقية الكبير، الأميركي إيرول موريس، الذي اعتاد نقد سياسات الحكومة الأميركية، موجهاً نقداً شديداً إلى إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب وسياسته الخاصة باللاجئين، والتي أدت إلى انفصال عشرات العائلات المكسيكية بين الولايات المتحدة والمكسيك.

وأخيراً، كنوع من تأكيد الاحتفاء بالقديم في فينيسيا، استحدث المهرجان مسابقة جديدة بعنوان "الكلاسيكيات"، لا تعني بالطبع إعادة تحكيم الأفلام الكلاسيكية، لكنها تضم الأفلام الحديثة المصنوعة عن أفلام ونجوم قدامى، في تجسيد لفكرة المهرجان ومدينته الرائعة: كيف يجتمع القديم بالحديث في كيان واحد، ويستمر المهرجان 11 يوماً.

 * ناقد فني

 

####

 

مخرج "عايشة" لـ"الشرق": المشاركة في فينيسيا فرصة لاكتشاف مجتمعنا العربي

تونس-نجلاء محمد

يُشارك المخرج التونسي مهدي البرصاوي، في الدورة 81 من مهرجان فينيسيا السينمائي، والتي تنطلق، الأربعاء، وتستمر حتى 7 سبتمبر المقبل، من خلال فيلمه الروائي الطويل الثاني "عايشة"، بعدما سبق وتوج فيلمه "بيك نعيش" بجائزتين عام 2019 في المهرجان ذاته.

وقال البرصاوي، خلال حواره مع "الشرق"، إنّ: "المهرجانات الدولية على غرار فينيسيا السينمائي، هي مساحة مهمة لعرض الأفلام العربية والإفريقية ونافذة لتسليط الضوء على قضايا هذه المجتمعات".

وأشار إلى أن "الكثير قبل نحو 3 عقود، لم يكن يعلم أين تقع تونس، وأعتقد أن حضور السينما التونسية في المهرجانات الدولية كان ولا يزال من المقومات الأساسية لاكتشاف المجتمع التونسي وثقافته".

وشدد على أن "السينما ليست ترفيهاً فحسب، بل لها دوراً كبيراً في رواية قصص ملهمة عن المجتمع"، لذلك يسعى دوماً أن تلامس أفلامه الواقع والراهن التونسي.

ورأى أن "هامش الحرية في تونس بعد عام 2011، صار أكبر، وهناك استعادة للهوية، وساهم هذا الوضع العام بالبلاد في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية من خلال الأفلام ومضامينها".

كواليس

وكشف المخرج مهدي البرصاوي، كواليس رحلته مع فيلم "عايشة"، موضحاً أن مرحلة الكتابة استمرت لمدة عامين تقريباً، فيما استغرقت مرحلة "الكاستينج" عدة أشهر، بينما انطلق التصوير في شهر أكتوبر الماضي.

وأضاف أن "هذا الفيلم هو رحلة في الواقع التونسي عبر حكاية (آية) التي تتحول في آخر العمل السينمائي إلى (عايشة) وهي حكاية امرأة تجد نفسها في زمان ومكان مناسبين أو غير مناسبين، وعليها اتخاذ قرار يغير حياتها للأبد".

وأوضح أن "عايشة" يقدم أكثر من نموذج للمرأة، كما يطرح هواجس الشباب التونسي، ويعتقد أن كونه رجل ليس حاجزاً ليكتب ويخرج فيلم بطلته امرأة، فالعمل يسائل الإنسان امرأة كان أو رجل، وهو فيلم عن ماهية الحياة.

وعن استعانته بممثلين من مشاهير التلفزيون والدراما أو القادمين من المسرح، أكد أن "الكاستينج" يعتمد في رؤيته على الممثل المناسب في الدور المناسب، ولا يهتم إذا كان مشهوراً من عدمه.

وأكد أن أبطال "عايشة" كانوا الاختيار الأول بالنسبة له، وسعيد بقراره أن تكون فاطمة صفر في دور (آية / عايشة)، ونضال السعدي (فارس)، وكلّ من ياسمين الديماسي وهالة عياد مشاركين في العمل، مشيراً إلى اعتزازه بتجدد تعاونه مع محمد علي بن جمعة.

وعن تشابه فيلمه السابق "بيك نعيش" بتجربته السينمائية الأحدث "عايشة" على مستوى طرح عدد من القضايا الاجتماعية، قال: "لا أعتقد أن هناك تشابهاً بين الفيلمين، ولكن من يشاهدهما سيجد رابطاً بينهما.. أعمالي بمثابة رحلة في الواقع التونسي، وأتساءل طوال الوقت عن البلد التي سنتركها لأبنائنا عبر قصص أرويها سينمائياً".

دعم سعودي

وتطرق المخرج التونسي مهدي البرصاوي، إلى الدعم الذي تلقاه فيلم "عايشة" من قبل صندوق البحر الأحمر، عام 2021، حيث كانت هذه المنحة المالية لهذه المؤسسة الخطوة الأولى لتنفيذ الفيلم، مشدداً على أهمية الإنتاج المشترك في دفع الحراك السينمائي ببلاده.

وأشار إلى أن الفيلم سيشهد عرضه العربي الأول بالنسخة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، المقرر انعقادها في الفترة من 5 إلى 14 ديسمبر المقبل.

يذكر أن فيلم "عايشة" (مدته 123 دقيقة)، إخراج مهدي البرصاوي، ويشهد عرضه العالمي الأول يوم 4 سبتمبر ضمن مسابقة "آفاق" في الدّورة 81 من مهرجان فينيسيا السينمائي.

الفيلم بطولة فاطمة صفر، ونضال السعدي، وياسمين ديماسي، وهالة عياد، ومحمد علي بن جمعة، وسوسن معالج، والعمل تلقى دعماً من المملكة العربية السعودية، وتحديداً صندوق البحر الأحمر.

 

الشرق نيوز السعودية في

28.08.2024

 
 
 
 
 

«بارتينوبيه» لباولو سورينتينو… قصيدة حب لنابولي

نسرين سيد أحمد

لندن ـ «القدس العربي»: في فيلمه الأشهر «الجمال العظيم» (2013) الحائز جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي، يحتفي المخرج الإيطالي باولو سورينتينو بجمال روما، وبغرائبيتها أحيانا أخرى، ويقدم قصيدة مفعمة بالألوان والصخب والجنون والحياة، التي تمثل له هذه الحاضرة العريقة، روما. وفي أحدث أفلامه «بارتينوبيه» يتغنى سورينتينو بمدينته الأم، نابولي. وبعد أن كانت نابولي مسرح أحداث فيلمه «يد الله» الذي يقدم فيه سيرة ذاتية لصباه ولشبابه، يتغنى سورينتينو بنابولي هذه المرة بأنشودة مفعمة بالشجن أحيانا وبالأمل أحيانا أخرى. «بارتينوبيه» التي يعنون اسمها الفيلم هي فتاة من نابولي، سميت باسم بطلة أسطورة شهيرة هي بارتينوبيه حورية البحر الفاتنة، التي رغم جمالها أخفقت في أسر قلب أوداسيوس، فماتت انتحارا حزنا وكمدا.
بارتينوبيه، بطلة الفيلم، هي فتاة من نابولي، من أسرة ميسورة الحال. تولد، كما هو الحال مع أسطورة ميلاد فينوس إلهة الجمال، في مياه البحر المتوسط قبالة ساحل نابولي. تولد ساحرة الجمال مثل فينوس، ومعمدة بماء بحر نابولي، فيما يوحي لنا أن مصيرها مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير تلك المدينة. يقدم لنا سورينتيو في الفيلم قصة مزدوجة، قصة بارتينوبيه المرأة وقصة نابولي، أو قصة نابولي في صورة قصة حياة بارتينوبيه.

بطلة الفيلم بارتينوبيه شابة ساحرة الجمال تؤدي دورها الممثلة الإيطالية سيلستي ديلا بورتا. تعلم بارتينوبيه أنها جميلة وتدرك تأثير جمالها على الرجال المحيطين بها، لكنها ليست قانعة بدور الفتاة الجميلة فقط، فهي تود أن تشبع ذكاءها وعقلها أيضا، وتود أن تحظى بالاحترام والتقدير لذكائها ولاجتهادها الدراسي وتفوقها. على مدى ساعتين وربع الساعة، هي مدة الفيلم، يروي لنا سورينتينو قصة بارتينوبيه، منذ ميلادها، ثم صباها ثم شبابها كشابة ذات جمال أخاذ، ثم قرارها ألا يكون هذا الجمال هو اللافت فيها، بل أن يكون ذكاؤها وتفوقها الدراسي هما اللافتين، وقرارها أن تكون الأنثروبولوجيا هي مجال تخصصها وعملها، ثم نراها لاحقا في منتصف العمر.

يبدو لنا جمال بارتينوبيه امتدادا لجمال نابولي أو مستمدا منه أو انعكاسا له، فهي تبدو في أوج جمالها وهي تسبح في مياه بحر نابولي أو وهي تستلقي في الحدائق القريبة من ساحلها. لا نعرف أحيانا من الأكثر إغواء، هل هي بارتينوبيه أم نابولي بصيفها المشمس وثمارها الناضجة، وضحكات أهلها وهم يرتشفون نبيذ الصيف، لكن رغم هذا الجمال هناك أيضا المأساة، مأساة انتحار شقيق بارتينوبيه الذي ابتلعه بحر نابولي. ربما يود سورينتينو أن يخبرنا أن البعض لا قبل لهم بالتعامل مع كل هذا الجمال وكل هذه الحسية.
تبدأ بارتينوبيه رحلة لاكتشاف الذات، وللبحث عما يميزها عن الآخرين. تحاول أولا أن تعتمد على جمالها، فتطرق أبواب مكتشفي المواهب ومكتشفي الممثلات والعارضات. ثم تجد سحرا أكبر في النقاش والحوار العقلي مع الروائي الأمريكي الذي يزور إيطاليا، جون شيفر، الذي يجسد دوره غاري أولدمان. تتعدد محاولات بارتينوبيه لإثبات وجودها وشخصيتها وذكائها، لكنها تجد ذاتها الحقة في دراستها للأنثروبولوجيا في الجامعة وفي طموحها الأكاديمي. يركز الثلث الأخير من الفيلم على تتلمذ بارتينوبيه على يد أستاذ بارز للأنثروبولوجيا يجد فيها حقا طالبة علم ذكية ونابهة وطموحة ويجد فيها امتدادا لذاته كباحث ومحاضر. تنجح بارتينوبيه في علاقتها بأستاذها أن تكسب احترامه وصداقته على مستوى عقلي وثقافي. أما علاقة بارتينوبيه بنابولي فهي علاقة ملتبسة، هي مدينة شهدت ثورة شبابها واكتشافها لأنوثتها وجمالها، وهي المدينة التي اكتشفت فيها الفقد حين فقدت شقيقها، وهي المدينة التي تعين عليها مغادرتها لتثبت كيانها العلمي والفكري ولتبني لنفسها مستقبلا أكاديميا. لكنها في الوقت ذاته تفتقد مدينتها الأم وترغب في العودة إليها.

تصنع بارتينوبيه أسطورتها الخاصة، أو حياتها الخاصة، وتشق لنفسها مسارا يختلف عن مسار صاحبة الأسطورة التي سميت باسمها. تنتصر ابنة نابولي للحياة والطموح والتعليم، ويقدم الفيلم لنا ملمحا من مسيرتها الأكاديمية المرموقة وطلبتها الممتنين لها.

يختتم سورينتينو الفيلم ببارتينوبيه وهي تصل إلى أرض مدينتها، لتجد جماهير نادي نابولي لكرة القدم يحملون الأعلام ويهللون لفوز ناديهم بدوري إيطاليا، بينما تنظر هي إليهم بمزيج من الفخر والحنين.

 

القدس العربي اللندنية في

28.08.2024

 
 
 
 
 

تيم برتون يؤجّل احتضاره السينمائي في مهرجان البندقية

هوفيك حبشيان

طابور طويل كان في انتظارنا صباح أمس عند وصولنا قبالة #صالة "دارسينا" لمشاهدة فيلم الافتتاح، "#بيتلجوس بيتلجوس" (خارج المسابقة) ل#تيم برتون. مئات المشاركين في الدورة الحادية والثمانين لمهرجان البندقية ال#سينمائي (28 آب - 7 أيلول) استيقظوا باكراً لاكتشاف ما حمله لهم المخرج الأميركي من جديد. بعضهم يقيم على مسافة بعيدة من الليدو، الجزيرة حيث يُعقد معظم نشاطات التظاهرة الإيطالية. فتكاليف الاقامة على الجزيرة عالية جداً ممّا يجعل بعضهم يختار أماكن مختلفة خارجها، والأكثرية تجد في سان ماركو ملجأ، لعدم ابتعادها أكثر من 20 دقيقة بالباص المائي عن مقر “الموسترا".

بعد الجائحة التي ثمّة أخبار تفيد بأنها عائدة بمتحورات جديدة، بات هناك نظام عمل جديد يفرض اصدار تذكرة لحضور الأفلام. هذا كله لم يكن موجوداً قبل الكورونا. في البداية، كنا نعاني كثيراً للحصول على التذاكر عبر صفحات إلكترونية مخصّصة لهذا الغرض، لكن اليوم باتت الأمور تمشي بسلاسة أكثر. التذاكر لم تحسّن كثيراً وضع الطوابير أمام الصالات، وهذا جزء ممّا يصنع سحر أي مهرجان في نهاية المطاف، وهو ما يميزه عن مشاهدة الأفلام داخل الصالات التجارية. في الماضي، كان الناس يستغلون الانتظار للتحدّث بعضهم مع بعض، لكن اليوم تجدهم جميعاً مشغولين بهواتفهم.

هناك مشاكل أخرى تلوح في الأفق من شأنها "تخريب" عمل الصحافيين الذين يتوافدون بعشرات المئات إلى البندقية، بعدما باتت المعاناة للحصول على التذاكر مجرد ذكرى من الماضي. هذا العام يصعب عليهم الحصول على مقابلات مع كبار النجوم، وهي معاناة ليست ابنة اليوم، لكن الأمر يزداد صعوبةً عاماً بعد عام. مجموعة من الصحافيين، لا سيما من الذين يعملون على حسابهم، يشعرون بالغبن تجاه هذا الموضوع ويستعدّون لتحركات مثل القاء بيان خلال مؤتمر صحافي خاص بأحد الأفلام. لكن خطوات تصعيدية كهذه لا تلقى اجماعاً حتى بين الصحافيين، فبعضهم يتفادى المواجهة حرصاً على مصالحه. في لقاء مع ألبرتو باربيرا، طرحت صحافية ألمانية سؤالاً عن هذا الشأن، قائلةً ان رفض الكثير من الشركات اعطاء مقابلات مع النجوم للصحافيين يهدد وجودهم. لكن يبدو ان ادارة "الموسترا" لا قدرة لها على التدخّل المباشر في هذا الشأن الذي تعتبره تسويقياً محضاً.

مرت سنوات عدة لم ينجز خلالها تيم برتون أي عمل كبير، كما كانت الحال في التسعينات ومطلع الألفية، عاد الينا برتون بفيلم متواضع، يكرّس النظرية القائلة ان أفلام الافتتاح في المهرجانات السينمائية ذات الصف الأول يتم اختيارها وفق معايير غير فنية، ويتم أخذ أمور كثيرة في الاعتبار غير السينما، في مقدّمها حضور النجوم الذين سيشكّلون اضافة للمهرجان على مستوى السجّادة الحمراء.

بعد مأساة مروّعة، تعود عائلة ديتز إلى وينتر ريفر. ليديا، التي لا تزال تطاردها ذكريات بيتلجوس، تجد حياتها مقلوبة عندما تقوم ابنتها أستريد، وهي مراهقة متمردة، بفتح بوابة إلى العالم الآخر من طريق الخطأ. هكذا تنطلق مغامرات "بيتلجوس" الذي تتوافر فيه عناصر أفلام برتون التي صنعت شهرته.

الفيلم الأصلي، "بيتلجوس"، أنجزه برتون في نهاية الثمانينات وكان ثاني أعماله الروائية الطويلة بعد مجموعة أفلام قصيرة كان بدأ بتحقيقها منذ السبعينات. الفيلم يُصنَّف كوميديا فانتازية، وهو النوع الذي تنتمي اليه أيضاً التتمّة، أما نجاحه التجاري آنذاك فكان كفيلاً بإطلاق مسيرة كلٍّ من مايكل كيتون ووينونا رايدر.

فيلم برتون ليس "عاطلاً"، فرغم كلّ ما يمكن وضعه من ملاحظات ومآخذ ونقاط ضعف، يبقى صاحب "إيد وود" سيد حرفة وصنعة، أقلّه على المستوى التأليفي والمونتاجي والتصويري وفي كيفية ادارته الممثّلين. العلّة في أماكن أخرى، لعلّها تتجسّد في تقديم فيلم ينتمي إلى زمن آخر طُوي فنياً، ما يعطيه طابعاً "ديموديه". لا هو "فينتج" (قديم) ولا هو تحيّة من حقبة إلى حقبة، بل نصّ مشغول بعقلية سابقة. يشعر المرء كأنه هاجر إلى التسعينات وهو يشاهد الفيلم، ليس بالمعنى الإيجابي، فثمّة فرق بين عودة وعودة. نشتمّ رائحة نفتلين في الأجواء، وكأن برتون أخرج السيناريو من الجارور بعدما ظلّ فيه لسنوات.

العودة هنا فيها ما يشي بإفلاس وتكرار. حتى جمالياً، لا يقدّم الفيلم أي اضافة، كلّ شيء من موسيقى داني إلفمان إلى النمط التمثيلي، يموضعنا في عالم برتون الذي يبقى مخلصاً له، لكن هذا كله يمدّنا بإحساس بأننا أمام مخرج لم يتجدد خطاباً ورؤية وأساليب، بل لا يفعل سوى تأجيل احتضاره السينمائي إلى وقت لاحق. أياً يكن، نحن أمام فيلم فاقد للروح، تشتد الحماسة حياله في لحظات (خصوصاً عند اقترابه من الخاتمة) ونفقد أي صلة به في لحظات كثيرة أخرى. في المحصّلة، نخرج منه من دون ان يترك فينا أي أثر. الفنّ ليس تسلية لحظية، بل هو ما يزرعه في داخلنا، أكنّا نتأمّل لوحة في معرض، أو نستمع إلى عازف بيانو في حفل، أو نشاهد فيلماً لسينمائي كبير هو تيم برتون الذي من الواضح انه لا يزال قابعاً في بداياته.

يقول برتون ان "بيتلجوس" الأصلي يحمل مكانة خاصة جداً في قلبه. "لقد طُرحت فكرة الجزء الثاني مرات عدة، وكُتبت نصوص مختلفة أيضاً. لكنني كنت دائماً أشعر بأنه إذا كنّا سنقوم بذلك، فيجب ان يكون بطريقة صحيحة، ومع موافقة مايكل وكاثرين ووينونا. لم أكن أرغب في تحقيق تتمّة، ما لم يكونوا جميعهم مشاركين. لطالما تعاطفتُ مع شخصية ليديا، وبدأت أفكّر في ما ستكون عليه حياتها. كيف تحوّلت من مراهقة قوطية جميلة إلى شخص بالغ. ماذا حدث لها بعد 35 عاماً؟ ماذا يحدث لنا جميعاً؟ أحياناً، عندما تكبر، تفقد جزءاً من نفسك، تسلك طريقاً، تخوض رحلة، تدخل في علاقات مختلفة… كلّ هذه الأشياء تغيرك. تعاطفتُ مع ليديا حينها وأتعاطف معها الآن".

ختاماً، لا بد من التذكير بتاريخ هذا السينمائي الذي يبلغ اليوم 66 عاماً. لم يكن تيم برتون بحاجة إلى أكثر من بضعة أفلام في بدايات مسيرته ليصل إلى مستوى عالٍ من الحرفية. قدّم رؤية سينمائية مختلفة في منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات، عندما كانت السينما تبحث عن صوت جديد بعيداً من الأنماط المألوفة. جاء برتون ليبتكر عالماً موازياً، ينبع أساساً من افتتانه بالوحوش وكلّ ما هو غريب ومهمّش ومنبوذ. خلق أميركاه الخاصة التي تختلف تماماً عن أميركا الكوميديات الرومانسية وأفلام الحركة. عالمه السينمائي أشبه بالفارس المقطوع الرأس الذي، رغم فقدانه لرأسه، يواصل ركوب الحصان. الساحرات، الأشباح، القردة، والروبوتات هي كاراكتيرات من عالم فانتازي تغلغلت فيه نزعة برتون إلى الحكاية الأسطورية. ويرى برتون ان جوهر خلقه ينبع من "الجميلة والوحش"، قصّة حبّ مستحيلة أصبحت الهاجس الذي يسيطر على أعماله.

 

النهار اللبنانية في

29.08.2024

 
 
 
 
 

تعرف على آراء النقاد حول «بيتلجويس 2»  فيلم افتتاح «فينيسيا السينمائي الـ 81»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

افتتح مهرجان فينيسيا السينمائي الـ81، يوم أمس الأربعاء 28 أغسطس 2024، الجزء الثاني من فيلم تيم بيرتون المرتقب «بيتلجويس» الذي أنتج عام 1988، وقد أشاد النقاد إلى حد كبير بالفيلم لما يقدمه من حنين قوي إلى الماضي وخدمة الجمهور.

كتبت ستيفاني بونبوري في موقع (ديدلاين) إن الفيلم ”ممتع لمجرد المشاهدة“ وأنه يعمل بشكل أفضل في بعض الأماكن التي أثبت فيها الفيلم الأصلي لعام 1988 أنه ”غير متقن للغاية“.

وأضافت : ”نعم، هناك الكثير من وصلات الرسوم المتحركة التي لم يتم تحسينها، وتبدو بعض الدعائم كما لو أن بعض الديكورات التي اشتراها بيرتون من سوق للسلع المستعملة، لكن الفيلم يحتوي أيضًا على حبكة مناسبة، مليئة بالتقلبات والمنعطفات.. وتأتي الموسيقي في ذروتها عندما يقوم أعضاء فريق العمل الرئيسيين بالتمثيل الصامت على أنغام أغنية البوب ريتشارد هاريس ”ماكارثر بارك“ عام 1968 بينما يرقصون حول كعكة عملاقة مع كريمة عملاقة ذات لون أخضر دقيق من المخاط.“

وكتبت صوفي مونكس كوفمان من (إندي واير) في جزء من مراجعتها للفيلم: "يظل هذان العالمان والقواعد التي تمكن الشخصيات من التنقل بينهما متعة لا مثيل لها، مثل اقتباس قوي من كتاب إلى فيلم، يحافظ الجزء الثاني القوي على روح الفيلم الأصلي بينما يميل إلى أفكاره الخاصة.“

وأشار ”سيدهانت أدلاخا“ من IGN إلى أن الفيلم يعتبر ”تكملة تراثية إلزامية“، يمكن مقارنتها بالأفلام الحديثة مثل توب غان: مافريك. ”إلا إنه تكملة صغيرة سخيفة لفيلم أصلي سخيف بنفس القدر، ومن الصعب تخيل الرغبة أو الحاجة إلى المزيد منه.“

وكتب بيري نميروف من Collider في مراجعة للفيلم "يبدو أن فيلم Beetlejuice Beetlejuice وكأنه عمل من إنتاج مجموعة كاملة من الأشخاص الذين يعشقون الفيلم الأصلي وكانوا متحمسين لمواصلة اللعب.‘ “هذا الحماس يقفز من الشاشة بشكل كبير، وقد جعل هذا المعجب المتشدد بفيلم Beetlejuice سعيدًا جدًا.

بينما وصف أوين جليبرمان من مجلة (فارايتي) الفيلم الجديد بأنه ”خفيف الوزن“ عن الفيلم الأصلي، إلا أنه كتب بأنه استمتع بالجزء الثاني من الفيلم على أساس مزاياه الخاصة. ”بيتلجويس بيتلجويس ليس بيتلجويس الأول، لكنه في النهاية يحتوي على ما يكفي من عصير بيرتون.“

تدور أحداث الجزء الثاني حول ثلاثة أجيال من عائلة ديتز يجتمعون معًا بعد وفاة مأساوية أثناء عودتهم إلى وينتر ريفر، حيث تم استحضار بيتلجويس (مايكل كيتون) آخر مرة حيث تم إيقاظه مرة أخرى.

وبالإضافة إلى كيتون، يعيد كل من وينونا رايدر وكاثرين أوهارا تمثيل أدوارهم الشهيرة، إلى جانب النجوم الجدد جينا أورتيجا وجاستن ثيرو ومونيكا بيلوتشي وويليم دافو.

 

موقع "سينماتوغراف" في

29.08.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004