ملفات خاصة

 
 
 

«المصرى اليوم» تحاور المخرج داوود عبدالسيد بعد فوزه بجائزة «النيل للفنون»:

المناخ العام سلفى.. والفن الطبيعى يصل للناس مباشرة

كتب: محمود مجدي

داود عبدالسيد

ألف مبروك

   
 
 
 
 
 
 

سعادتى الحقيقية هى ردود أفعال الجمهور.. ولا أعتبر ما أقدمه فلسفة بل هموم ذاتية

داوود عبدالسيد ليس مجرد مخرج سينمائى؛ بل هو صانع محتوى وصاحب هَمّ اجتماعى طوال رحلته الفنية، ومن كبار مثقفى ومبدعى مصر، عاش طوال حياته يشارك الجمهور همومه وأحزانه وهواجسه.

«المصرى اليوم» حاورت المخرج الكبير بعد فوزه بجائزة النيل للفنون، ليتحدث عن نفسه وعن مشواره السينمائى والذوق الفنى للجمهور، وكيف كان وكيف أضحى، ولماذا ابتعد عن السينما وهموم المواطن!.. وإلى نص الحوار:

■ ما انطباعك بعد فوزك بجائزة النيل للفنون؟

- سعادتى الحقيقية هى ردود أفعال الجمهور على الجائزة، وأصداء ذلك عند المحبين والمتابعين، فهو التقدير الأهم والأغلى فى نظرى، أمّا مدى تأثير ذلك على مستقبلى السينمائى؛ فلا أستطيع الجزم بشىء حتى الوقت الحالى، فأنا أعيش اللحظة بلحظتها، ولا أشغل بالى كثيرًا بما سيحدث غدًا.

■ بعد سنة من قرار الابتعاد أو الاعتزال.. حدثنا عن نمط حياتك.

- نمط الحياة اختلف بالتأكيد، أصبحت قليل النزول، لا أحضر أى اجتماعات أو مؤتمرات كما كنت أفعل من قبل. أشاهد الأفلام على المنصات، ومع تقدم السن أشعر بغربة، فجيلى يتآكل، كما أن المجتمع يتغير اجتماعيًا وثقافيًا وفكريًا كل يوم، فأنت تخرج من كل شىء قادم.

■ هل تشعر أن هذا الزمن ليس زمنك؟

- إلى حدٍ كبير، فالشجرة تسقط منها ثمرة كل فترة، جيلى يتآكل كما قلت لك، وذلك يشعرك أن الأمور قريبة.

■ الاعتزال كان القرار المريح بالنسبة لك؟

- لم يكن قرارًا بالاعتزال الشخصى، أراه اعتزال جيل، فأبناء جيلى ابتعدوا عن السينما، مثل بشير الديك وخيرى بشارة وعلى بدرخان بعد حدوث تغيير كبير فى شخصية الجمهور المصرى، فلا يوجد منتج فى الوقت الحالى يدعوك لعمل فيلم، لأنه يريد نوعا محددا من السينما، وهى السينما التجارية سريعة الربح، وأنا ليس لدى اعتراض عليها، لكن هذا النوع لا أقدمه أنا وبعض الآخرين.

■ هل لديك مشكلة فى فهم طبيعة الجمهور حاليًا؟

- دعنا أولًا نسأل: من هو جمهور السينما؟ ثم أين تتواجد صالات السينما؟ وكم ثمن التذكرة؟.. إجابات هذه الأسئلة تؤكد لنا أن جمهور السينما فى الوقت الحالى هو جمهور الطبقة المتوسطة والعليا والطبقة الأكثر ثراءً، فلم يعد هناك وجود لجمهور الطبقة المتوسطة الذى كان يدخل السينما على أيامنا، فهذا النوع الأخير من الجمهور أصبح غير قادر على دخول السينما فى زمننا هذا، فهو يحتاج للذهاب إلى المول التجارى ويركن سيارته ويدفع ثمنا باهظا للتذكرة وأشياء أخرى كثيرة، فأصبح جمهور السينما الحالى ليس لديه هموم كبيرة أو حقيقية.

■ أيحزنك أن الجمهور اختار نوعًا واحدًا من السينما وهى السينما التجارية؟

- لم يحزننى ولم يفرحنى، فدائمًا ما أقول لأى مبدع أتحدث معه: «قَدّم أعظم فيلم.. ولو بائع ترمس شاهده ولم يعجبه، يجب أن تحترم رأيه»، فالفن ممارسة ومشاهدة وتجربة، يجب أن يتعلم بائع الترمس من خلال الممارسة والمشاهدة والاختيار، وأن يناقش الفيلم مع أصدقائه وأهله وجيرانه ولا يتعلم بفصول التقوية والوعظ والفرض الفنى.

■ هذا الجمهور أصبح يخشى أن يشاهد همومه على الشاشة.

- هناك طبقات ليس لديها أى هموم، وهناك بعض الأشخاص هَمّهم أن تزيد ثروتهم من عشرة إلى عشرين مليون جنيه، ففكرة الهموم الإنسانية لم تعد موجودة أو تشغل بعض الطبقات.

■ لماذا لم تحاول أن تقدم عملًا فنيًا على إحدى المنصات الجديدة؟

- ما حجم التدخل الذى ستفعله أى منصة أو أى منتج؟!.. ثم إننى لست فى مقتبل عمرى لكى أحارب لتقديم عمل على منصة، فهذا الأمر يحتاج إلى طاقة وعمر وأنا لم أعتد ذلك.

■ أفلام التسلية أصبحت تيارًا سائدًا فى أهم سينمات العالم.. ما سر هروب الناس للتسلية من وجهة نظرك؟

- إنها دائما الأسهل، فالجمهور لا يحب أن يرهق رأسه بأفلام عميقة تثير قضايا أو تناقش هموم الذات، فالحب يعتبر هَمًّا، هل توجد أفلام تتحدث عن الحب.. تتحدث عنه كَهَم وليس كتسلية؟!، هذا هو الفارق، فجيلنا جيل ما بعد النكسة كان مهمومًا عكس الأجيال الحالية.

■ المناخ الفنى والثقافى فى الثمانينيات كان لا يختلف كثيرًا عن المناخ فى الوقت الحالى.. ووقتها كان هناك إقبال على أفلام جيل الواقعية الجديدة، لكن الآن أصبحت الأمور صعبة.. ما الذى حدث للجمهور من وجهة نظرك؟

- كان يوجد إرهاب وتطرف ومشكلات اجتماعية وفكرية، لكن كنا نقاوم كل هذا.. الآن، لا نستطيع أن نقاوم شيئًا بسبب الرقابة المجتمعية وليست المؤسسية.

■ هل تشعر أن لدينا قطاعات مجتمعية تخشى من فكرة الخيال؟

- البعض يخاف من الخيال، فالتشدد الدينى يصنع خوفا من الخيال، لكن الأغلبية لا يهمها، فلماذا أشغل خيالى؟! أريح رأسى وأشاهد كم سيارة يتم تكسيرها، وكم شخصًا يقتل فى الفيلم، وانتهى الموضوع عند هذا الحد.

■ تطرقت فى فيلم «الكيت كات» إلى أزمة العجز.. هل مازلت ترى أننا مجتمع عاجز فكريًا وروحيًا؟

- نحن لم نعبر عجز نكسة 1967 حتى الآن من الناحية الثقافية والفكرية؛ فالفكرة ليست فى الانتصار الحربى الذى حققناه فى 1973، الفكرة فى دخول عصر جديد وأنت كمجتمع مسلح بالعلم والثقافة وحرية الرأى والتفكير، وهذا لم يحدث بعد مرور كل هذه السنوات، فأسباب الهزيمة المجتمعية التى حدثت فى عام 1967 لاتزال كما هى.

■ هل المجتمع أصبح محافظًا إلى درجة كبيرة وأصبح هناك مجال أكبر للأفكار المتطرفة؟

- المجتمع محافظ طوال الوقت، والتطرف موجود طوال الوقت.. لكن إذا لم تقدم تعليما جيدا وتنويرا حقيقيا، ستظل هذه التيارات تكتسب أرضًا جديدة كل يوم، فالمناخ العام السلفى يجب مواجهته بالعلم والتنوير.

■ لذا يجب أن تتاح حرية أكبر للفن لمواجهة قضايا التطرف وقضايا المجتمع المختلفة.

- الفن يواجه تلك القضايا بالفعل، لكن يجب ألا نستخدمه كمبيد حشرى، الفن الطبيعى دون أيديولوجيات أو نية مسبقة لمواجهة شىء سيصل لقلوب الناس. أذكر لك مثلًا، قَدّم موسيقى جيدة ستصل لقلب المستمع بشكل طبيعى، على سبيل المثال قارن بين الأغانى العربية والأجنبية، ستجد الأغانى الأجنبية فيها شعر وأحاسيس حقيقية، أما فى الأغانى العربية فستجد الحديث عن الغرام والعذاب والهجر بركاكة، لذلك فإن أغانى المهرجانات لها صدى فى الواقع، رغم فجاجة بعضها لكنها تعبر عن شىء حقيقى، بينما أغانى كبار المطربين تعبر عن أى واقع؟!.

■ هل تعتقد أن شخصية المصريين تغيرت وأصبحوا أكثر حدة وشراسة خصوصًا مع انتشار السوشيال ميديا؟

- هذا نتاج الحياة اليومية التى يعيشها المصريون، فالمواطن المصرى مختنق بالمشكلات والأزمات ويعيش حياة يومية مزعجة ومقلقة، لذا يُخرج همّه فى الشخصيات العامة على السوشيال ميديا، فالمصريون أصبح فيهم «حاجة غلط»، وهذا يعود للتعليم والثقافة فى المقام الأول، والديمقراطية مهمة جدًا، فنحن لن نأخذ درسًا فى الديمقراطية، سنتعلم الديمقراطية بالتجربة والخطأ عندما تكون هناك جمعيات وأحزاب ووجهات نظر مختلفة، فالصراع الديمقراطى يربى المجتمع.

■ وكيف ترى المجتمع المصرى؟

- أراه «ملخبط»، شديد التطرف من جهة، وشديد التساهل من جهة أخرى.. طبقة تشعر أنها تعيش فى فلوريدا، وطبقة تشعر أنها تعيش فى قندهار.

■ بالتطرق إلى السوشيال ميديا.. هل ترى أنها أفادت أم أضرت المجتمع؟

- أفادته بالتأكيد، وبها حرية رأى ليست موجودة فى كثير من وسائل الإعلام.

■ وكيف ترى ما تقدمه النقابات الفنية مع فنانيها من منع ومصادرة وعقاب؟

- النقابات يجب أن توفر الحرية لمبدعيها، فالنقابة لا تعاقب عضوها، إنها تحثه على أن يقدم عمله، لا تصادره أو تعاقبه.

■ هل كل فيلم قدمه داوود عبدالسيد هو رحلة اكتشاف لذاته؟

- بالتأكيد.. فهى رحلة تطور إنسانى طويلة جدًا، فأنا مثل بطلى، أدخل تجربة فى كل فيلم وأخرج منها بقناعات ووجهات نظر مختلفة.

■ كان شعارك دائمًا أنك تغير الجمهور لا ترضيه، هل تعتقد أنك نجحت فى ذلك؟

- هناك شباب يقابلوننى فى مؤتمرات وحفلات ويحدثوننى على أن أفلامى غيرتهم للأحسن، والبعض يقول لى «أنا حبيت السينما من خلال أفلامك» فأعتقد أننى نجحت بشكل كبير.

■ لكن فى الوقت الحالى.. هناك حالة نفاق مجتمعى من قبل بعض المبدعين لذوق بعض الطبقات؟

- هذا هو منطق التجارة «بتحب لحمة.. أعملك لحمة!» تحب أن تشاهد أفلام تسلية، أقدم لك أفلام تسلية!، فهم يسيرون وراء أذواق الناس ولا يحاولون تغييرها.

■ أشعر أنك شخص بسيط جدًا لا تحب البهرجة ولا تحب الألقاب؟

- بالطبع، أنا لا أفضل الشهرة، أحب أن أحضر «ساندوتش فول» وأتناوله فى الشارع، أحب الاستمتاع بتفاصيل الحياة، أجلس على مقهى، أقف على رصيف، أعيش حياتى بحرية لا يحدها أو يمنعها حاجز الشهرة.

■ ما تعليقك على لقب «فيلسوف السينما» الذى يطلقه عليك البعض؟

- لم أدرس فلسفة، ولا أعتبر ما أقدمه فلسفة، إنها هموم ذاتية أشعر بها وأجعل الناس تشاركنى همومى.

■ هل الجمهور فلسف أعمالك وقام بتأويلها أكثر مما تحتمل؟

- هذا حدث مع فيلم «الكيت كات»، فالشيخ حسنى هو أعمى البصر والبصيرة وشخص عاجز، والفيلم يتحدث عن فكرة العجز بشكل كامل، فكل الشخصيات فيه تحاول البوح بعجزها.

■ الفن رسالة أم وجهة نظر بالنسبة لك؟

- الفن تجربة وليس رسالة، تعيش عالما مكثفا فى ساعتين أو ساعة ونصف، فمن الممكن أن تعيش تجربة فى الحياة، والفن يكثف لك هذه التجربة فى ساعتين، أنت تحب فتاة؟ تحب أى فتاة، الطويلة، القصيرة، ولماذا تحبها؟ وكيف ستسير علاقتكما؟ فأنت تتعلم من خلال هذه التجربة، الفن ليس دعائيًا أو إرشاديًا، والفن لا يقدم حلولا، إنه يقدم لك تجربة، فكرة تغيير القوانين ليست مرتبطة بالأفلام، من الممكن أن يتغير قانون بسبب ندوة أو برنامج تلفزيونى، إذا جاء نتيجة للفيلم فأهلًا وسهلًا ولكنه نتيجة وليس هدفا.

■ فكرة جنى الأموال لم تكن رقم واحد بالنسبة لك، فكيف كنت تتعامل مع ضغوط الحياة بشكل عام؟

- بالقناعة، فأنا شخص قنوع، فعندما تزوجت، كنا كل شهر نستلف ممن حولنا، وكانت دائمًا الأزمات المالية تحل، فنحن لا نحب أن نعيش فى ترف ولا فى فقر، فالقناعة دائمًا كانت سبيلى.

■ وماذا عن التنازلات التى قدمتها خلال مشوارك؟

- لا يوجد شخص لم يقدم تنازلات، لكن التنازلات بالنسبة لى فى التفاصيل، ممثل أريده ولم يأت، فأحضرت ممثلا آخر.. تفاصيل كهذه.

■ ما علاقتك بالمجموعة التى عرفت باسم «الواقعية الجديدة» محمد خان وعاطف الطيب وخيرى بشارة.. لم تكن قريبًا منهم؟

- بالعكس كنا زملاء، وكل شخص مهتم بإنتاج الآخر، لكننا جيل واحد مساراته مختلفة.

■ وهل كنت تتعامل مع الممثلين كأدوات فنية أكثر منهم صُناع عمل؟

- بالتأكيد لكن لا أسخف منهم، وهناك بعض الممثلين قد لا تعجبهم أدوار قدموها، إذن لماذا قدموها من الأساس؟!

■ كيف ترى فكرة ألقاب النجوم؟

- إذا كنت أرفضها لنفسى سأحبها لغيرى؟!.

■ ولماذا لم تعمل مع عادل إمام طوال مشوارك؟

- عرضت عليه أول سيناريو كنت سأقدمه «كفاح رجال الأعمال» ونال إعجابه، ولا أعرف ما الذى حدث بعدها، فعادل إمام لا يقول أسبابًا.

■ وما سر نجاح فيلم «الكيت كات» الشديد مع الناس فى رأيك؟ وهل أغراك نجاح الفيلم بتقديم أفلام بصبغة شعبية بعد ذلك؟

- الفيلم نجح لأنه ممتع وظريف، والأعمى المصرى ليس له مثيل فى العالم، فهو يتمتع بالظرف والخفة دائمًا. وبعد نجاح الفيلم، ظللت أقول لنفسى إن الكيت كات سيئ حتى لا أصبح أسيرًا لنجاحه.

■ هل أنت شخص «مزاجنجي»؟

- إلى حد كبير، أحب الحرية فى كتابة العمل حتى لو عامين، ولا أحب التقيد بفكرة مواعيد التسليم فى أوقات محددة، أحب أن أمارس عملى بحرية دائمًا.

■ ما آخر فيلم شاهدته ونال إعجابك؟

- دائمًا كان يؤرقنى أن أقدم فيلمًا ممتعًا ويكون جيدًا فنيًا، فيجب أن تقدم كمبدع فيلما ممتعا وجيدا فى نفس الوقت، وفيلم «من أجل زيكو» ينطبق عليه المعنى الذى أقوله لك، وهو آخر ما شاهدته ونال إعجابى، ونفس الأمر ينطبق على فيلم «ليل خارجى».

■ وآخر مسلسل؟

- لا أشاهد المسلسلات بطبعى، لكن فى آخر رمضان نتيجة لرؤية زوجتى لبعض المسلسلات، شاهدت بعض حلقات مسلسل «راجعين يا هوى»، وخالد النبوى نال إعجابى بشدة.

■ عندما ترى ارتباط الأجيال الجديدة بك، ماذا تشعر؟

- أشعر بالفخر والامتنان لهذا الجيل الذى يحب السينما.

■ هل تشعر أنك أديت دورك، أم لا يزال لديك أحلام تتمنى تحقيقها سينمائيًا وفنيًا؟

- قدمت مشروعى أو ما استطعت تقديمه.. وبالتأكيد كنت أتمنى تقديم أكثر من ذلك؛ فالإنسان دائمًا طماع.

 

المصري اليوم في

10.06.2022

 
 
 
 
 

داوود عبدالسيد (بره الصندوق)!

طارق الشناوي

أول سينمائى أعرفه عن قرب هو داوود عبدالسيد، كنت طالبًا بكلية الإعلام وأتدرب فى (روزاليوسف)، وكان المركز القومى للسينما بصدد احتفالية لبلوغ المخرج السينمائى التسجيلى صلاح التهامى عامه الستين، وصدر (كتيب) تسابق تلاميذه فى الكتابة، قرأت المقالات استوقنى اسم داوود عبدالسيد، أسلوبه فى الكتابة خاص ومختلف فى اختيار المفردات، كان قد أخرج عددًا من الأفلام التسجيلية، ولم أكن قد شاهدتها، ولكن اسمه يتردد فقط فى الصحافة عن استعداده لتقديم فيلمه الروائى الطويل الأول (كفاح رجال الأعمال).

اقتربت أكثر من داوود وشاهدت كل أفلامه التسجيلية، وقرأت عددًا من أعماله على الورق، استشعرت أن لديه ومضة إبداعية مختلفة، أخبرنى بأنه قرأ تحقيقًا صحفيًا للكاتبة كريمة كمال فى (صباح الخير)، يريد رقم تليفونها لتحويل التحقيق إلى فيلم.

كنت أعرف كريمة بحكم تواجدى بـ(روزاليوسف)، ولم تكن قد سمعت باسمه بعد، المشكلة الأكبر أن أحد المخرجين الأكثر حضورًا فى (الميديا) كان قد تواصل بالفعل معها لتحويل التحقيق إلى فيلم.

قلت لها إن داوود أكثر موهبة، وأعطيته رقم تليفونها، ومرَّ زمن، ولم نَرَ الفيلم، إلا أنه كان بداية شرارة قصة حب أفضت إلى زواج، ثم إنجاب طفلهما الوحيد يوسف، وهو الاسم الذى يتردد كبطل لأفلام داوود.

أفلامه الروائية لم تتجاوز تسعة، تلك التى شكلت الخريطة الإبداعية للمخرج الكبير، كانت تحفر بعمق فى الوجدان، يحلو لأصدقاء داوود أن يطلقوا عليه (حكيم الجيل)، فهو يتأنى فى اختيار الكلمة عندما يتكلم ويفكر ألف مرة قبل أن يمسك القلم ويكتب، ولا يشرع فى التصوير إلا بعد أن يتجسد فى خياله الشريط السينمائى فيبدأ تنفيذه.

امتلك داوود عبدالسيد ميكروسكوبًا وتليسكوبًا معًا، كان يقترب بالميكروسكوب من التفصيلة الدقيقة ليصنع منها عالمًا مترامى الأطراف، وفى نفس الوقت كان قادرًا بنظرة من خلال التليسكوب أن يُرينا الكون كله فى لقطة واحدة، يمزج وجدانه مع أحاسيس الناس، ويحيل كل ذلك إلى أفلام تحتل مكانة دائمة فى وجداننا بعقل الميكروسكوب وقلب التليسكوب!!

داوود عبدالسيد دفعة 1967 فى معهد السينما، كان من بين زملائه على نفس التختة على بدرخان وخيرى بشارة.. وبينما بدرخان أخرج عام 73 أول أفلامه (الحب الذى كان) وبشارة 82 (العوامة 70)، كان داوود ينتظر الفرصة، سنوات الانتظار أحالها إلى فعل إيجابى يمنحه قدرًا أكبر من التأمل ليطرح ثمارًا ناضجة فى (الصعاليك) 1985 رؤية عميقة لما كان يُعرف بسينما الانفتاح، قدم لمسته الخاصة وزاوية رؤيته العميقة.

فى الأشهر الأخيرة تردد خبر اعتزال داوود، وفى حوار مع (سكاى نيوز عربية) وضحت الرؤية، داوود على مدى عشر سنوات مبتعد بالفعل ولديه أكثر من مشروع، بينها سيناريو اسمه (حُب)، رشح لبطولته محمد رمضان، لسبب أو لآخر توقف، ليس هذا هو المشروع الوحيد، أوضح داوود أنه لو وجد المناخ الصحى سيعود، وليس لديه مانع فى العمل عبر المنصات، طالما تمتع بحريته فى التعبير، فهو لم يعتزل ولكنه (أُعتزل) أى عمليًا أُجبر على اتخاذ هذا القرار، داوود يستحق قطعًا جائزة (النيل) عن إنجازه الفنى (بره الصندوق).

سيحاسبنا التاريخ كثيرًا، لأنه لا يليق بنا ألا يقدم فيلمه الروائى العاشر، أتمنى أن تجد الفنانة الوزيرة د. إيناس عبدالدايم حلًا (بره الصندوق)!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

09.06.2022

 
 
 
 
 

هل يعني حصول داوود عبد السيد على جائزة الدولة شيئا للسينما؟

بواسطة حسام الخولي

بالأمس كنت أجلس إلى جانب الأستاذ سعيد شيمي -مدير التصوير المعروف بإنجاز عدد ليس قليلا من تحف السينما المصرية على مدار خمسين سنة- كنّا نتحدث في موضوعات شتى عندما جاء الحديث عن فيلم “الصعاليك” الذي بدأ المخرج داوود عبد السيد مسيرته به.

أثنى بالطبع على الفكرة التي كانت مقتبسة أيضًا. والتي سبقت حتى “سلام يا صاحبي” الذي قدم التيمة ذاتها. لكن داوود عبد السيد فيلسوف “لا ندري لماذا تقل أعماله” وكانت الجملة الأخيرة صالحة للبدء فيما نريد قوله.

ثمة خطر علينا التنبه إليه قبل الانخراط بشكل أكبر مما نحن فيه: إذا غرق العالم أكثر فأكثر في حرب الأيدولوجيات المختلفة والانتماءات المتعددة سيتوقف الاهتمام بالتاريخ ومن صنعه. من خلدهم وأعطاهم الجوائز مقابل من سلبهم حياتهم الحقيقية وفنهم الملهم والمخلص الذي كان هدفه من الأساس هو إسقاط الأفكار المختلفة داخله ودراستها. إذا ماذا يعني ذلك؟ ببساطة إننا في هذه اللحظة الاستثنائية التي نعيشها في العالم العربي عمومًا ومصر خصوصًا علينا أن ننظر أبعد قليلًا من تقليد الجوائز لما تعنيه على أرض الواقع وما يمكنها التأثير فيه.

داوود وجائزة دولته في الفنون

حصد المخرج داوود عبد السيد جائزة النيل في مجال الفنون. والروائي إبراهيم عبد المجيد حصل على الجائزة في مجال الأدب. وكذلك المحامي الراحل رجائي عطائي في مجال العلوم الاجتماعية. وقالداوود إن حصوله على جائزة النيل للمبدعين المصريين في مجال الفنون نوع من التقدير على كل ما قدمه. الجائزة ليست تقديرا شخصيا ولكن تقدير في مجال معين.

تسعة أفلام استحق عنها جائزة الدولة عن صورة تغلب عليها الشعر وأفكار تملؤها الفلسفة. وكلمات تتحاشى أن تخرج من أفواه أبطالها تاركة للصمت التعبير عن كل شيء. منذ “البحث عن سيد مرزوق” إلى آخر أفلامخ. نبحث عن سيد مرزوق الذي بداخلنا بكامل صفاته وصفاتنا.

سخرية القدر تجعلنا أمام مثال شديد الأهمية على سياقاته كافة. يمكننا من خلاله إيضاح ما نريده أكثر بالطبع في شخص داوود عبد السيد الذي كرمته الدولة. بينما هو المخرج ذاته حسن السمعة الذي تعطل إنتاج فيلمه الأخير لسنوات نتيجة غياب ممول وتجاهل الدولة ذاتها مساعدته. ما دعا البعض لرثاء هذه الحال في واحد من أهم وأشهر مخرجي جيله والأجيال التي تليه. وربما يترك ذلك صورة أكثر عما تلاقيه الأجيال التالية من صعوبات إنتاج فيلم.

تلفزيون الدولة لا يعرض أفلام داوود عبد السيد

داوود ذاته أكّد أن مشكلته ليست مع الأجيال الجديدة التي تصل إلى أفلامه مقارنة بالأجيال القديمة التي ليس لها مساحة تشاهد فيها أفلامه إلا التليفزيون.

لقد انتقد التلفزيون المصري لعدم عرضه أفلامه قائلا: “التلفزيون المصري تقريبا مش بيحب يعرض أفلامي”. لتقاطعه لميس الحديدي: “يمكن معندوش الحقوق الخاصة بالملكية. ليرد: “شغلتهم يجيبوا الحقوق ويبحثوا عنها وأنا مش بتكلم عن أفلامي بس لكن بوجه عام كان عندنا برامج زمان زي نادي السينما عاوزين هذه النوعية من البرامج عشان تعمل فرشة ثقافية للجمهور العادي غير القادر على التعامل مع الإنرنت”.

قال أيضًا إنه يرى أن السينما في مأزق لأن الإنتاج يعتمد على رأس مال تجاري شديد التكلفة. ويعرض في صالات عرض باهظة الثمن في أماكن بعيدة عن الطبقة الوسطى والعادية.

والشق الثاني من المنتجين هم شباب باحثون عن التمويل. وهو ليس عيبا لكنه يضع الكتاب تحت مقصلة إرضاء الممول. “كنت أعرف أني مرشح وبعد ذلك يكون هناك انتخاب بعد الترشيح. واللجنة التي ترشح تختار قامات مهمة وكبيرة ولا نعرف من سيأخذ الجائزة. وتشرفت أنه تم ترشيحي للجائزة. فأي حد يتم ترشيحه لجائزة سواء فاز أم لا هو شرف كبير”.

إعلان الاعتزال والتوقف: هل أنا مطلوب؟

قبل وقت ليس بقليل أعلن داوود عبد السيد توقفه عن العمل.

برر ذلك بأن المسألة ليست قراره تمامًا. ثم ترك أكثر تساؤل فلسفي وجوهري في تلك الحالة: “ما نوع السينما التي يتم إنتاجها الآن في مصر؟. وهل النوع الذي أخرجه يمكن أن يتم طلبه؟ وهل له جمهور ومن ثم هل له منتج؟ فالقضية ليست رأيا بالتوقف عن إخراج أعمال ولكن القضية أكبر من ذلك”.

تمامًا كأبطال أفلامه يبدو بكامل انفعالاته وبراءته. يرتكب أخطاء كما يسعى للتطهر. يتساءل ويخبط الدنيا بكلتا يديه أحيانًا.

بعد الجائزة مارس ألاعيب مجازاته المتعددة في عدم اتهام جهة بعينها في تعطل أعماله. وحمّل بطء المناخ السينمائي العام لـ”السلفية” وربما لم يفهم أحد سياق حديثه الغريب نوعًا ما. وما دخل السلفية بما يحدث؟ لكن الأمر بدا بشكل عام مع آخر لقاء له أنه اقترب من حافة اليأس بسبب تجاهله من الدولة وغيرها.

بين تلقي جائزة الدولة وبين “صهينة” الإنتاج السينمائي على العمل مع رجل يطرح أفكاره بحرية وتجرد أكبر من شباك التذاكر. رغم كونه لا يقصيه تمامًا. حتى يجعله يعلن توقفه عن العمل من شدة الملل. يبقى المعنى الحقيقي أو ربما انعدام المعنى فيما حدث مؤخرًا.

حصد المخرج الكبير جائزة دولته. فماذا يعني ذلك للسينما فعلًا؟

جائزة لا تستحق الاحتفال

لا يعني أي شيء. ببساطة لو لم تتحرك جهات الإنتاج داخل الدولة تحديدًا باعتبارها مسئولة أكثر من القطاع الخاص عن تقديم أفكار وموضوعات عن طريق أمثال داوود عبد السيد. الذي تشهد “بجائزتها” أنه يستحق ويستأهل العمل لإنتاج سينما يتتلمذ عليها جيل كما يتعلم منها شعب كامل كيف يفكر ويتساءل ويعيش.

الظرف التاريخي الذي نعيشه يحتاج إلى أفلام داوود عبد السيد وأفكاره فعلًا. يحتاج الناس إلى أن يروها كمقابل للقبح اليومي الذي يجبرون على مشاهدته. بدلًا من تخليد وهمي وجائزة تصلح كملهاة طفولية لا تعني شيئا. علينا أن نهتم بتقديمه وتجاوز ذلك لتقديم تلامذته من بعده. إذ يمكن أن تتوقع شعورهم سيدي القارئ وهم يرون أستاذهم نفسه لا يمكنه العمل وفق معاييره وفلسفته الخاصة.

استنكار الأستاذ سعيد شيمي لقلة إنتاجات مفكر وفيلسوف سينمائي مثل داوود عبد السيد يبدو وجيها في إطار النموذج المضحك المبكي ذلك. جهة ثقافية تهتم بالصراخ الإعلامي والصحافي على حساب ممارسة الفن بالفعل وتنجح فعلًا في خلق حوار وتكريمات.

لا أعلم لماذا حدثت. ما المفيد في حصول رجل لا يمكنه العمل على جائزة أساسًا؟ لا شيء. وربما لا أتجاوز إذا قلت إن ضحكي الشديد وقت قراءة الخبر لم تكن مبالغة. نمنح جائزة الدولة لرجل نتجاهل عرض أعماله كما نتجاهل إنتاج غيرها بالطبع. ألا يدعو ذلك للسخرية والبكاء أكثر من الاحتفال والتهنئة؟

 

موقع "مصر 360" في

12.06.2022

 
 
 
 
 

داوود عبد السيد: غيابي ليس كسلًا لكن جمهور السينما اختلف

إيمان بسطاوي

قال المخرج داوود عبدالسيد الحائز على جائزة النيل للفنون، إنه لا يعتبر رحلته الإخراجية   قصيرة رغم أنها لاتتجاوز 9 أفلام، مؤكدًا أنه كتب منهم سيناريو 8 أفلام أي يعتبر كل عمل منهم بمثابة عملين.

تابع خلال حواره إلى برنامج "كلمة أخيرة" الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على قناة " ON"، مساء الثلاثاء: "عندي حاجات ومشاريع لم تنفذ واستغرقت وقتًا بالاضافة إلى أني لست مسؤولًا عن تأخر إنتاج بعض الأفلام لأن الصناعة هي المسؤولة وبالتالي أعتبر أن رصيد تسعة أفلام  سبب كبير لسعادتي ولست حزينًا على ذلك".

لفت إلى أن الأجيال الجديدة لها ذوق مختلف وهم يبحثون عن العمق في أفلام السينما وهو ما يسبب سعادة لهم وحصوله على جائزة النيل شهادة من هؤلاء الشباب وتعني له أنه مقدمة من المستقبل والماضي.

عن أسباب الغياب، قال داوود عبدالسيد:  ده مش كسل، لكن مشاهدي الأفلام في  السينما وصالات العرض تغيروا، في التسعنيات كانت السينما ممتلئة عن بكرة أبيها، كل دور السينما بأنواعها، الدرجة الأولى  والأحياء لكن اليوم الوضع تغير فأصبحت السينمات الخاصة بالدرجة الأولى اللي بتجيب فلوس هي سينمات المولات وقلت وتقلصت سينمات الأحياء واندثرت".

لفت إلى أن سعر التذكرة في سينمات المولات كبيرة وتمثل الشرائح العليا من الطبقة الوسطى فقط، قائلًا: "بالتالي نوعية الجمهور واهتمامته أصبحت مختلفة  وفرضت نوعًا من الأفلام وهي التجارية الخالية من الهموم وتعريف الهموم هنا ليست الخالية من المشاكل لكن خالية من قضية معينة".

 

بوابة الأهرام المصرية في

15.06.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004