بمجرد أن أطلقت صرختها الأولى فى الدنيا، أيقن سمير غانم
أنها دُنياه القادمة المشرقة، فأصبحت منذ تلك اللحظة دنيا سمير غانم، وأكدت
الأيام صدق رؤيته وجمال دُنياه.
دنيا ومن بعدها أختها إيمى وعدد قليل آخر من أبناء الفنانين
هم الاستثناء الذى يؤكد القاعدة المستقرة، التى مع الأيام تؤكد صحتها..
وأول بنودها (لا توريث حتميا فى الفن). لا أنكر قطعًا أن المناخ السائد فى
حياة الطفل يلعب دورًا فى توجيه (البوصلة) للمجال الفنى، كما أن (الجينات)
تعمل ولاشك مفعولها فى علم الوراثة، إلا أن كل ما سبق لا يتجاوز عادة نسبته
فى كل العالم أكثر من عشرة فى المائة فقط.
دُنيا مثلًا لم تكتف باسمها الثنائى «دنيا سمير» أو «دنيا
غانم»، أرادت أن تعلنها صريحة مجلجلة وبلا أى مواربة بتلك الثلاثية «دنيا
سمير غانم».
تلك التفصيلة التى كانت من الممكن أن تخصم منها فى البداية
الكثير، أصبحت على العكس تماما تضيف لها الكثير.. فى كل عمل فنى أتأكد أن
دنيا تكتب الاسم ثلاثيًا حبًّا فى سمير وليس صعودًا على اسمه، وإننا كجمهور
نسعد بالاسم الثلاثى، أدركت منذ (سنة أولى فن) أن قلوب الناس لا تعترف سوى
بالموهبة، إلا أن من حقها أيضا أن تعتز بأبيها وأمها وتعبر لهما عن
امتنانها.
سمير لديه حاسة التقاط أصحاب المواهب، ولو كان لديه بصيص من
شك فى صدق الموهبة، لوجدته أول من يبعد ابنتيه عن هذا الطريق الشائك، فهو
يعلم بحكم خبرته أن من نطلق عليهم (ميديوكر)، أى متوسطى الموهبة، هم الأكثر
شقاء فى العالم، لأنهم دوما يتعذبون عندما يشاهدون أمامهم أصحاب المواهب
الحقيقية التى لا خلاف عليها.. وهو قطعًا أيقن أنه يراهن على موهبتين لا
يخالجهما أى شائبة، فكان الفن هو الطريق الحتمى.
النجومية كانت وستظل سرا ووميضا، ربنا يمنحه لعدد نادر جدًا
من البشر. ودنيا لديها مواصفات النجمة القادرة على جذب الجمهور، رغم أنها
تواجدت فى الزمن الخطأ الذى يضع المرأة فى مكانة أدنى من البطل، وهذا قطعا
ليس ذنبها، إلا أنها- مع الأسف- عليها أن تتحمل نتائجه وتدفع ثمنه، لكنها
لم تستسلم.
هناك قطعًا محاولات لكسر هذا الحائط الصلد. النتائج عمليًا
وواقعيًا لم تصل إلى حدود الرقم القادر على تغيير المعادلة، ولكنها قطعًا
تسمح بتكرار التجربة.
مؤخرًا مثلًا لعبت دُنيا سمير غانم بطولة فيلم (تسليم
أهالى)، وشاركها هشام ماجد.. الفيلم أبعدته شركات التوزيع عن العرض فى زمن
ذروة تحقيق الإيرادات وهو العيد، إلا أنه حاول رغم كل ذلك الصمود. الأرقام
التى حققها ستجعل الرهان على دنيا سمير غانم فى أفلام أخرى كبطلة تتصدر
(الأفيش) حتميًا، وهى قطعًا تعد بمثابة نقطة إيجابية تشجع المنتجين بقدر
معتبر من الاطمئنان على تكرار التجربة، كما أنه عُرض عليها أيضا تغيير
الدفة للمسرح، وشعرت دنيا أنها تحقق رغبة أبيها فى عرضٍ أطلقوا عليه مصادفة
اسم (آنستونا) ليستعيد الجميع (سمورة).
دنيا تحلم دائما بالجديد والمختلف، كثيرا ما تشارك فى وضع
رتوش حتى تكتمل تلك الصورة، فهى تبحث وتدقق وتضيف، ولها دائما لمحات فى رسم
الشخصية الدرامية.
حياة دنيا فى الفن لم تسرق منها حياتها الشخصية، ابنة بارة
بوالديها، وضعت دائما سمير ودلال فى حدقتى العين، كما أنها عندما طرق الحب
باب قلبها استجابت وتوجت الحب بالزواج ممن اختارها واختارته، الإعلامى
الشهير رامى رضوان.. بعدها بسنوات قلائل، جاءت هدية السماء بالطفلة الجميلة
(كايلا)، وعاشت أعظم مشاعر لأى امرأة وهى ممارسة الأمومة.
قطعا هناك ثمن يجب أن تدفعه من حياتها الفنية، تعثرت بضع
سنوات، فهى تدرك أن نجاحها كزوجة وأم يجب أن يتوازى مع تحقيقها لطموحها
الفنى.. منحت البيت والزوج طاقتها، وعاشت الأمومة بكل دفئها، ونجحت فى
تحقيق معادلة هى الأصعب عادة فى حياة النجوم: الحفاظ على المكانة الفنية
التى وصلت إليها.. أيضا وبنفس الدرجة حماية أركان البيت، ولأنها دائما ما
تمزج بين العقل والقلب، نجحت فى العبور إلى بر الأمان فى البيت والاستوديو.
وضعتها الأقدار فى أقسى وأقصى اختبار، وهو فقدان الأب فى
مايو 2021، وفى أغسطس من نفس العام فقدت الأم.
العاصم والمعين والسلوى والصبر من عند الله، دنيا كانت تعيش
مع سمير ودلال، فصار الاثنان يعيشان فيها، لم تتجاوز حتى الآن مشاعر
الإحساس بالحزن بالافتقاد المادى، إلا أنها قررت ألا تفقدهما روحيًا، فهما
رحلا عن الحياة ليستقرا فى قلبها.
حبها لسمير ودلال لا يزال متدفقا وسيظل دافئا، وأورثته
لابنتها (كايلا). أقامت عيد ميلادها الأخير وهى محاطة بصورة (فطوطة)،
وبجوارها دلال.
أتذكر موقفًا من فرط صدقه أبكانى، عندما وجدتها تتعمد أن
يسبقها اسم سمير فى المسلسلات التى يشاركها فيها البطولة، فهى تكتب أولًا
فى كادر بطولة سمير غانم، ثم تضيف بعد أن يتأكد الجميع أن سمير هو البطل
اسم (دُنيا).. هى التى وضعت الخطوط المبدئية لهذه الفكرة ثم نفذتها بدقة،
لتعبّر بالضبط عن مشاعرها.
■ ■ ■
أنجزت قبل أربع سنوات كتاب (سمير غانم إكسير السعادة)
لمهرجان القاهرة، ثم أكتب اليوم كتاب (دنيا بنت سمير ودلال) لمهرجان
الإسكندرية، دون أن أسعى فى المرتين إلى ذلك.. القدر هيأ لى تلك الفرصة
الاستثنائية مع تلك العائلة الاستثنائية.
ستظل عائلة (غانم) فى حياتنا تمنحنا فيضًا من البهجة
والنشوة، أبدا لا ينتهى، وسنظل نشعر أيضًا فى الدنيا مع هذه العائلة بومضةٍ
من السعادة، مفعولها أبدًا لا ينتهى.
ما قدمته دُنيا سمير غانم أو دُنيا دلال عبدالعزيز حتى الآن
هو الرشفة الأولى من بئر متجددة، تَعِد بفيضان من وميض ضوءٍ أبدًا لا
ينتهى!.
tarekelshinnawi@yahoo.com |