وبمناسبة تكريم مهرجان الاسكندرية هذا العام لاسم الراحلة
أبية فريد أول مديرة تصوير سينمائي مصرية ، وصدور كتاب بديع عنها من تأليف
الاستاذة عزة ابراهيم، أعيد هنا ما نشرته عن فيلم تسجيلي هام أذيع عن أبية
فريد ، ضمن سلسلة نساء رائدات قي مجالهن
.....
شاهدت توا فيلما تسجيليا بديعا ومؤثرا من إنتاج
art
في سلسلة "رائدات" عن الراحلة أبية فريد أول مديرة تصوير سينمائية مصرية.
أعادني هذا الفيلم الحافل بشهادات وصور، عن هذه الفنانة
التي توفيت في عز شبابها، الى زمن وجيل مدهش من نساء هذا الوطن، اللاتي
أتيحت لهم الفرصة لإثبات وجودهن، وقد عاصرت هذا الزمن عندما كنت صبيا في
السبعيينات.
بدا الفيلم النسبة لي أكثر من فيلم عن شابة مصرية ناجحة
واستثنائية في موهبتها وحضورها، لقد صارت أبية عنوانا على جيل من موهوبات
السبعينيات، ودليلا على براعة المرأة المصرية، إذا أتيحت لها الظروف والفرص
المتساوية.
ولدت أبية فريد في العام 1948، وكانت دوما مهتمة بالفنون،
ثم أحبت السينما، فالتحقت بقسم التصوير في المعهد العالي للسينما، فتفوقت
وكانت الأولى على القسم دفعة 1971، ولم تكتف بذلك، بل بدأت العمل كمساعدة
مع كبار مديري التصوير مثل وحيد فريد وعبد المنعم بهنسي وعصام فريد، وعينت
معيدة في قسم التصوير، وهي أول مديرة تصوير مصرية، وفازت بجائزة أفضل تصوير
عن فيلم "ميرهان" في المهرجان القومي للأفلام القصيرة والتسجيلية في العام
1973، والفيلم من إخراج مها المشري، التي تحكي عن أبية بتأثر شديد، وتوضح
مدى قدرتها على الإبتكار، وجديتها، وبراعتها، رغم صعوبة العمل بالنسبة
للمرأة في مجال التصوير السينمائي، ولكن أبية اثبتت جدارة المرأة بهذه
المهمة.
يتحدث عنها في الفيلم أيضا زوجها مدير التصوير سعيد شيمي،
وشقيقتها د أميرة، وابنها مدير التصوير شريف شيمي، فيرسمون صورة قوية
لفنانة اختطفها الموت مبكرا، حيث توفيت قبل أن تحتفل في العام 1982 بعيد
ميلادها الرابع والثلاثين، وكانت جنازتها حاشدة، حمل نعشها طلبتها في معهد
السينما، وساد الوسط السينمائي حزن شديد عليها، فقد كانت تنبيء بتألق
كبيرفي تقديم أعمال مختلفة، رغم أنها تركت رصيدا كبيرا من الأعمال، حيث
يظهر اسمها دوما كمساعدة مصور في أفلام روائية مصرية كثيرة، وكذلك في أفلام
تسجيلية متميزة، وهي مهنة خطيرة وهامة، بالذت فيما يتعلق بدرجة وضوح الصورة.
عملت أبية كمساعدة مع مدير التصوير سعيد شيمي في 10 أفلام
روائية طويلة، وفي 5 أفلام تسجيلية، كما كانت مديرة تصوير الفيلم الاتسجيلي
"عباد الشمس"
للمخرج خيري بشارة، وفيلم "الهمس على النحاس" عن الفنان محمد رزق، للمخرجة
فريال كامل، وظهرت كممثلة في دور موظفة في الفيلم القصير "البطيخة" للمخرج
محمد خان، ولا ننسى تأثيرها الكبير من خلال فتح الباب، بعد نجاحها كمصورة
وكمساعدة وكمديرة تصوير، أمام فتيات كثيرات لدخول قسم التصوير في معهد
السينما، ولاحتراف هذه المهنة الصعبة، والإبداع فيها.
وعلى عكس كثير من الأفلام التسجيلية التي تبدو شحيحة في
مادتها المصورة، فإن هذا الفيلم عن أبية فريد فيه ثروة هائلة من الصور
الفوتوغرافية، التي لا ينقصها إلا أن تتحرك لكي نرى أبية شخصيا في كامل
حضورها البديع، فكأن الصور تقدم التحية للمصورة الرائعة بعد رحيلها، تقديرا
لتفانيها في عملها، وكأن أبية كانت على حق في تقدير فن الصورة، الذي يضيف
عمرا جديدا للإنسان، والذي يجعل حياتنا أطول، سواء من خلال الفوتوغرافيا أو
من خلال السينما.
تدهشني فعلا هذه الثقة لفتيات هذا الجيل، كن مليئات
بالطموح، نظرات أبية في الصور تعكس كل ذلك، ولا شك أنها تمتعت بدعم أسري
قوي وواضح، سواء من خلال والدها، أو زوجها مدير التصوير الكبير،.
ليست مسألة مجرد صور تسجيلية تحكي مسيرة فتاة مصرية، ولكنها
صور عصر بأكمله، وصور أسر وعائلات الطبقة الوسطى المصرية: فتيات في رحلات
مبهجة، أبية وأخوتها مع والدهم، أبية وهي تعمل خلف الكاميرا بجدية مثيرة
للإعجاب، أبية وهي تقيس الضوء على وجه توفيق الحكيم، أثناء تصوير فيلم
تسجيلي عن الكاتب الكبير، ثم نراها أيضا وهي أم مصرية عادية مرحة مع ابنها
شريف، ونراها من جديد كزوجة لسعيد شيمي، ولا تغيب دوما عن الصور هذه القدرة
والرغبة على أداء كل هذه الأدوار، ولم ينس الفيلم أن يقدم لقطة أبية
المتحركة كممثلة في فيلم "البطيخة"، وكأنت هنا أيضا تؤدي دورها بكل جدية
واهتمام.
شيء رائع أن تكون هناك سلسلة عن الرائدات المصريات في كل
المجالات، بل وأتمنى أن تكون هناك سلسلة لنساء كثيرات عاملات ومبدعات في
أيامنا الراهنة، وأن تخلد ذكرى الرائدات في شكل إطلاق أسمائهن على أماكن،
أو منح جوائز بأسمائهن، أن تعرض الأفلام عنهن باستمرار، وأن تصبح حكاياتهن
موضوعات في كتب المدارس.
ليست قصة شخصية ابدا، كل امرأة ناجحة ومبدعة هي عنوان جيلها
وزمنها ووطنها في لحظة تاريخية معينة، ودون أن تقصد هي ذلك.
أن تتحقق أنت، ستصبح بالضرورة ملهما للكثيرين بأن يتحققوا
مثلك، هذا هو درس أبية وزميلاتها
.
لقد رأيت المرأة المصرية العظيمة، من خلال أبية فريد، ومن
خلال جيلها المدهش، صاحب البصمة التي لا تزول. |