ملفات خاصة

 
 
 

حفل الأوسكار ينتهى بـ{كلب ضعيف» ومشاعر ود حيال الأقليات

ويل سميث صفع كريس روك وفاز بجائزة أفضل ممثل

بالم سبرينغز: محمد رُضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

تميّزت الساعة الأولى من حفل الأوسكار بحسن التنفيذ وإتقان إخراج الحفل، وبالتنويع المرح المتوقّع من الجميع. دخول وخروج الممثلين إلى ومن المنصّة لم يختلف كثيراً عن كل السنوات السابقة، لكنه كان منظّماً وسريعاً ولم ينس دقيقة صمت على ضحايا أوكرانيا.

لا زيلينسكي ظهر على الشاشة ليدعو لنصرة أوكرانيا ولا الممثل شون بن صَهَر أوسكاريه كما وعد (حتى الآن)، إذا لم يبث الأوسكار خطاباً متلفزاً للرئيس الأوكراني. رسالة الأوسكار تأييداً لأوكرانيا لم تكن مجرد الوقوف صمتاً، بل صاحبها خطاب موجه يبدأ بالتذكير بأنّ «الفيلم هو وسيلة مهمة لنا لكي نعبّر عن إنسانيّتنا في أزمنة الصراع». الممثلة ميلا كونيس لم تذكر أوكرانيا بالاسم على المسرح حين تحدّثت عن «الأحداث العالمية الأخيرة»، وكيف أن مساندة الأميركيين لأوكرانيا في محنتها هو واجب في مكانه.

بالنسبة لشون بن (الذي لم يكن من بين المرشّحين عن أي فيلم)، فإنّ الأوسكارين المقصودين في تهديده هما عن دورين قام بهما سابقاً. الأول سنة 2004 عن دوره في Mystic River والثاني سنة 2009 عن دوره في Milk.عدا ذلك، كل شيء وعد بحفل مثير ومشوّق، خصوصاً مع ازدياد التكهّنات بأنّ قوّة الكلب ضعفت وقد لا يفوز بأوسكار أفضل فيلم.

من ثمّ وقعت المفاجأة في النصف الثاني من الحفل: مقدّم الحفل كريس روك ذكر الممثلة جاداً بينكيت سميث في سياق نكتة غير موفقة حول اضطرارها لحلق شعر رأسها قائلاً إنّه يتوقع أن يراها في الجزء الثاني من فيلم G.I. Jane. أثارت هذه الكلمات زوج الممثلة، ويل سميث، فنهض من مكانه وصعد المنصّة وصفع كريس على وجهه ثم عاد إلى مقعده. حال جلوسه صرخ سميث في الكوميدي المذهول «دع زوجتي من فمك الوسخ» (ليس تماماً «الوسخ» لكننا لسنا بوارد تكرار كلمات الشتائم المقذعة).

من هنا، بدا كما لو أنّ حفل الأوسكار انهار منتقلاً من تنظيم فعّال إلى تنفيذ واجم في مجمله. نعم استمر توزيع الجوائز واستمر صعود وهبوط الفائزين، بل استمر التصفيق، لكن اللحظة التي صفع بها ويل سميث وجه كريس روك بقيت في البال ونشرت جوّاً معادياً للاحتفال.

- بدأ واعداً ثم...

فاز ويل سميث، كما توقعنا، بأوسكار أفضل ممثل أول عن دوره في «الملك ريتشارد»، الذي يدور حول أب غيور على عائلته ويحرص على تهيئة ابنتيه لدخول مباريات التنس بعزيمة لا تقهر. في طيّات الفيلم هناك تجسيد لقوّة الإيمان والعزيمة في أنّ ما يصنع النجاح هو التضامن العائلي مهما تكن العقبات.

هذا الدور هو أفضل ما قدّمه سميث من أدوار في العديد من السنوات الماضية. وهو فعل إيمان من البداية، إذ اشترى الممثل حقوق القصّة الحقيقية واشترك في تمويل الفيلم. ومنذ بدء عروض الفيلم التجارية في التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والجميع يتحدّث عن أنّه جدير بالفوز هذا العام.

لكن مع تلك الصفعة بدا كما لو أنّ كل ذلك ليس مهمّاً. الميديا تحرّكت لتدين العنف الذي واجه به سميث نكتة، ربما كانت سمجة لكنّها لا تستحق فعلاً عنيفاً كهذا. كان يمكن لسميث انتظار دوره على المسرح ليردّ على الكوميدي روك ببضع كلمات تأنيب، لكن ربما لم يكن واثقاً من أنّه سيصعد المنصّة لتسلم الأوسكار فعلاً. حين فعل ذلك بكى. لم تكن دموع الفرح بل كانت - على الأرجح - دموع الشعور بالذنب. في كلمته، اعتذر سميث من الأوسكار ومن المرشّحين من زملائه، لكنّه آثر عدم الاعتذار من كريس روك وهذا كان تصعيداً آخر.

لكن الصفعة هي التي ستبقى في البال وليس من فاز في هذا المجال أو ذاك. سيشعر بفداحتها الجميع بمن فيهم ويل سميث، الذي قد تمر سنوات قبل أن تتصالح هوليوود معه إذا لم يبادر بالاعتذار لزميله. الأيام القليلة المقبلة هي التي ستأتي بالأخبار: كريس روك رفض رفع دعوى لكنّه قد يغيّر رأيه، وسميث قد يعتذر له في خطاب مفتوح.

والحفل الذي كان قد بدأ واعداً، بدأ يهبط السلم حتى من قبل تلك الصفعة المدوّية. المشكلة الأولى هي أنّ معظم ما تفوّه به الصاعدون على المنصّة لتسليم الجوائز أو للاشتراك في «الشو» لم يكن ذا قيمة. ومعظم من صعد على المنصّة انضوى تحت ذلك التقليد شاكراً الأهل والعائلة وقبيلة الفيلم الذي فاز عنه، كما لو أنّ المناسبة فرصة لا يمكن تفويتها في خطبة منفصلة.

هذا يحدث في كل عام ويصيبنا بالإحباط في كل عام أيضاً. لكن ما أضاف إلى المشكلة المزيد حقيقة أنّ رغبة الأكاديمية في الالتزام بثلاث ساعات من العرض التلفزيوني، أصبح هاجساً مثيراً للشفقة بدوره. في سبيل ذلك، اقتطعت الأكاديمية ثماني جوائز كانت تمنحها كل سنة في الحفل. وقرّرت أن تعلن عنها في إعلان منفصل. لكنّ المشكلة بقيت بسبب السّرعة التي واكبت العروض، وفقرات الحفل، واقتطاع من تصوير الحاضرين.

وحين جاء دور تكريم فرانسيس فورد كوبولا، بمناسبة مرور 50 سنة على تحفته «العرّاب»، عرض الحفل ثلاثة مقاطع سريعة قُصد بها إحياء الذاكرة، لكنّها مرّت بلا كثير إثارة.

- كلب ضعيف

في مقال منفصل في هذه الصحيفة، ورد فيلم «كودا» كثاني أهم احتمال فوز في سباق الأوسكار هذا العام. هذا مباشرة بعد «قوّة الكلب». الذي حدث هو أنّ «كودا» (الذي يؤدي بعض أدواره الأولى ممثلون بكم) أزاح كل منافسيه فعلاً، بمن فيهم «قوّة الكلب»، وخرج فائزاً بأوسكار أفضل فيلم.

هذه صفعة أخرى، مسموح بها وشرعية، لفيلم ساد التوقّع خلال الأشهر الماضية بأنّه سيكون «الجوكر»، الذي سيفوز بمعظم الأوسكارات التي رُشِّح لها. في الواقع خسر «قوّة الكلب» معظم ما طمح إليه من أوسكارات. كان رُشّح لاثنتي عشرة جائزة، لكنّه خرج بأوسكار وحيد هو الذي نالته المخرجة جين كامبيون. ضمن أهم الجوائز التي رُشّح فيلمها لها ولم ينلها أوسكار أفضل فيلم (ذهبت لفيلم «كودا» كما ذكرنا)، وأوسكار أفضل ممثل (رُشح بيندكت كامبرباتش لها، لكنّها ذهبت لويل سميث)، وجائزة أفضل ممثلة مساندة (فازت بها أريانا دبوز عن «وست سايد ستوري» عوض كيرستين دانست).

حين وصل الأمر لجائزة أفضل ممثل مساند، خسر كل من جيسي بليمونز وكودي سميت - ماكفي الفرصة أمام تروي كوتسر عن «كودا».

خسر الفيلم كذلك في مجالات أفضل سيناريو مقتبس، وأفضل صوت، وأفضل توليف (مونتاج)، وأفضل تصوير، وذلك حسبما توقعنا هنا قبل أيام.

فوز كامبيون بجائزة أفضل إخراج هو ثالث فوز نسائي في هذا المضمار بعد فوز كاثرين بيغلو عن The Hurt Locker سنة 2009. وكلووي زاو عن Nomadland في العام الماضي. هذا الفوز يعوّض إلى حدٍ مقبول عدم فوز فيلمها، بينما فوز «كودا» بأوسكار أفضل فيلم يبدو خالياً من الدواعي كون الفيلم لم يكن في عداد الأفلام المرشّحة لأوسكار أفضل إخراج.

الفائز بأكبر عدد من الجوائز بالفعل كان Dune، حيث خرج بستًّ منها: أفضل تصوير، وأفضل توليف، وأفضل موسيقى خاصّة، وأفضل مؤثرات بصرية، وأفضل تصميم إنتاجي، وأفضل صوت.

الثاني في هذا التعداد هو «كودا». لجانب فوزه بأوسكار أفضل فيلم خرج بجائزة أفضل ممثل مساند لتروي كوتسور وأفضل سيناريو (كتبته مخرجة الفيلم سيان هيدر).

بعد ذلك نجد «عينا تامي فاي»، وقد منح بطلته جيسيكا ستين، جائزة أفضل ممثلة من ثمّ منح القائمين على الماكياج وتصميم الشعر جائزة ثانية.

وفاز بأوسكار واحد كلٌ من «الملك ريتشارد» و«قُد سيارتي» (جائزة أفضل فيلم أجنبي)، و«بلفاست» (أوسكار أفضل سيناريو أصلي)، و«لا وقت للموت» (أوسكار أفضل أغنية كتبت خصيصاً)، و«وست سايدر ستوري» (أوسكار أفضل ممثلة مساندة). هذا طبعاً لجانب الأوسكار الوحيد لفيلم «قوّة كلب».

- توجه للأقليات

إذا ما عانى الحفل من تلك المشاكل الإدارية والفنية فإنّ ذلك لا يعني أنّ الحفل كان فاشلاً على صعيد آخر. فبينما سجّل فوز جين كامبيون، مما يمكن اعتباره تحية للمخرجات النسويات، كما تقدّم، أنجز فوز «كودا» بأوسكار أفضل فيلم سابقة أولى من حيث إنه أول أوسكار رئيسي يناله فيلم من إنتاج شركة من شركات البث المنزلي (آبل). علماً بأنّ الاعتبار ذاته كان سيتكرر لو أنّ «قوّة الكلب» هو الفيلم الفائز، كونه أيضاً من إنتاج شركة أخرى من شركات البث المنزلي» (نتفليكس).

وهناك جانب آخر لفوز «كودا» بثلاث جوائز، وهو أنّه أول فيلم يقودوه ممثلون بكم (باستثناء ممثل واحد). بذلك سجل أنّه أول فيلم يمنح معاقين هذا النجاح الفني. الفيلم ذاته ليس أكثر بكثير من متوسّط، لكنّه ملهم ومميّز بالنسبة لموضوعه، ولاختيار ممثلين بكم بالفعل، لأداء الأدوار المساندة.

والمُثلية كانت بدورها حاضرة عبر فوز جيسيكا ستين بأوسكار أفضل فيلم. ليس لأنّها لعبت الدور، ولكن لأنّ الفيلم (مقتبس عن شخصية حقيقية)، يتناول التعاطي والمصابين بالإيدز من المثليين. كذلك حضرت المثلية بفوز اللاتينية أريانا ديبوز بأوسكار أفضل ممثلة مساندة عن «وست سايد ستوري» لستيفن سبيلبرغ. فهي معروفة في توجهاتها الجنسية. لكنّ ما هو أهم، حقيقة أنّ الممثلة ريتا مورينو فازت بالجائزة نفسها عن «وست سايد ستوري» سنة 1961.

كذلك خُصّصت ثلاث مضيفات للحفل، رجينا هول، وواندا سايكس وإيمي شومر وقتهن للسخرية من قرار حاكم ولاية فلوريدا الذي يسعى لحجب تعليم الأولاد، مما يعتبر تهيئة للانفتاح على الجنس (الشاذ منه والمستقيم) في مثل هذه السن المبكرة.

مع كل هذا، لا يمكن إغفال التوجهات السياسية لجماعات المثليين والانحناء الكبير للتقاليد الفنية لإرضاء كل مذاهب المجتمع، ربما باستثناء المذاهب الحقيقية التي تحتاج إلى اهتمام فعلي.

في نهاية المطاف، فإنّ الساعات القليلة المقبلة ستكشف عن نسبة حضور الحفل على شاشة التلفزيون. هذه النسبة كانت بدأت في الهبوط داخل الولايات المتحدة منذ سنوات، وبلغت في العام الماضي أقل مستوى لها إذ جذبت 10 ملايين و400 ألف متفرج فقط. أي أقل من حفل سنة 2020 بنسبة 56 في المائة.

 

الشرق الأوسط في

29.03.2022

 
 
 
 
 

"كودا" أول فيلم لمنصّة بثّ يقتنص الجائزة الكبرى في حفل الأوسكار

·        صفعة ويل سميث تتصدّر الجدل حول حفل الأوسكار الذي يعود بعد انقطاع.

تمكنت منصات البثّ التدفقي من الهيمنة على عالم السينما في وقت وجيز متحدية شبكات الإنتاج التقليدية، ولعل أبرز دليل على ذلك تنافس فيلمين هما “كودا” و”ذا باور أوف ذا دوج” على جوائز الأوسكار، أرقى تتويجات السينما في العالم، ونالها الفيلم الأول، ليصبح بذلك أول أعمال منصات البثّ التي تتوج بالأوسكار ويفتح الباب أمام إنتاجات أخرى لهذه المنصات.

لوس أنجلس (الولايات المتحدة) – فاز “كودا”، وهو فيلم مؤثر تدور أحداثه حول ابنة واحدة تتمتع بحاسة السمع في أسرة من الصمّ، بجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار ليلة الأحد، في مناسبة شهدت حادثة أثارت جدلا واسعا تمثلت في صفعة من ويل سميث الفائز بجائزة أفضل ممثل لمقدم الحفل كريس روك.

وبتتويجه بالأوسكار أصبح “كودا” أول فيلم من إنتاج منصة بث على الإنترنت، وهي “أبل.تي.في”، يفوز بأكبر جائزة في مجال السينما.

طريق التتويج الصعب

تمكن فيلم “كودا”، المنخفض الموازنة والذي حصل على تمويل فرنسي بالكامل، من أن يحصد عدة جوائز في الأسابيع الأخيرة بعدما تجاوز كل الصعوبات واحدة تلو الأخرى، ومنها حرمانه من فرصة عرضه في دور السينما بسبب الجائحة.

لا يعرف كثيرون في هوليوود أن هذا الفيلم مقتبس عن فيلم فرنسي عنوانه “لا فامي بيلييه” لإريك لارتيغو حقق نجاحا كبيرا ومفاجئا في فرنسا، إذ تجاوز عدد مشاهديه ثلاثة ملايين في دور السينما عند عرضه فيها نهاية سنة 2014.

ولاحظ منتج النسختين الفرنسية والأميركية فيليب روسوليه في حديث أن “لا فامي بيلييه” كان “فيلما كوميديا ناجحا بالطريقة التي يحبها الجمهور الفرنسي”، في حين “تمكنت مخرجة كودا سايان هيدر من جعله فيلما أميركيا مستقلا من النوع الذي يحبه الأميركيون، فبات أكثر كوميديا درامية”.

حفل الأوسكار يعود هذا العام بعد انقطاعه بسبب الجائحة ويشهد أحداثا مثيرة وتتويجات عديدة حاولت تحقيق التنوع

وأضاف “أعتقد أن الفيلمين أفادا من أكثر ما يبرع به كل من البلدين. ومن منظوري كمنتج، هذا الأمر يجعل الرحلة مثيرة جدا للاهتمام، لم أشعر بأنني أصنع الفيلم نفسه فعلا”.

واعتبر روسوليه أن النجاح في الحالتين “يعود بشكل أساسي إلى قصة الفيلمين وإلى شخصياتهما، لا إلى الوسائل”، واصفا القصة بأنها “فريدة وقوية جدا”.

يروي الفيلمان قصة مراهقة يتنازعها شغفها بالموسيقى وحرصها على البقاء في المنزل لمساعدة والديها وشقيقها الصمّ على التواصل مع الآخرين، إذ تنعم وحدها بحاسة السمع في أسرة من الصمّ. ويتألف عنوان الفيلم من الأحرف الأولى لعبارة بالإنجليزية هي Child of deaf adult تشير إلى أبناء البالغين الصمّ.

وكما في الفيلم الأصلي، تدور الكثير من حوارات “كودا” بلغة الإشارات التي تعلمتها للمناسبة كل من المخرجة سايان هيدر والممثلة إميليا جونز التي تؤدي دور المراهقة روبي، إلا أن الفارق يكمن في أن نجوما يتمتعون بحاسة السمع كانوا يتولون الأدوار الرئيسية في “لا فامي بيلييه”، ومنهم فرنسوا داميان وكارين فيار، في حين أن “كودا” فضّل أن يكون أقرب إلى الواقع من خلال إسناد الأدوار إلى ممثلين من الصمّ، غير معروفين نسبيا.

وكان “كودا” يُعتبر مفاجأة موسم الجوائز السينمائية في البداية، لكنه تمكّن في الأسابيع الأخيرة من أن يفرض نفسه ببطء من خلال فوزه على التوالي بكبرى جوائز “ساغ أووردز” التي تمنحها نقابة ممثلي الشاشة في هوليوود، ثم بجائزة “بروديوسرز غيلد أوف أميركا” من جمعية منتجي هوليوود.

وكانت رحلة “كودا” نحو حصد الإعجاب حافلة بالمطبات. فالتصوير في ولاية ماساتشوستس بشمال شرق الولايات المتحدة انتهى قبل الجائحة، إلا أن الأخيرة قلبت كل شيء رأسا على عقب في مرحلة ما بعد التصوير، في يونيو 2020.

وروى روسوليه “لم نتمكن من إنهاء الفيلم، واضطررنا إلى نقل كل ما يتعلق بمرحلة ما بعد التصوير من كندا إلى لوس أنجلس لأن مخرجتنا لم تعد تستطيع السفر”.

وبقيت مسألة بيع “كودا” إلى السوق الأميركية، لكنّ الأمر كان صعبا جدا في ظل إقفال دور السينما في الولايات المتحدة. وأضاف “لذلك وضعنا الفيلم على الرف لمدة ستة أشهر. لم يكن واردا إرسال رابط عبر الإنترنت إلى الموزعين الأميركيين حتى يتمكنوا من مشاهدة الفيلم في المنزل بين موعدين”.

وعاد الأمل عند اختيار “كودا” ليكون الفيلم الافتتاحي لمهرجان “ساندانس” السينمائي المرموق في يناير 2021. لكن الوباء اضطر المنظمين مرة أخرى لإقامة الدورة بالصيغة الافتراضية بالكامل.

لكنّ هذا الأمر لم يحل دون تنافس منصات البث التدفقي بشراسة على الفيلم وحصلت عليه في نهاية المطاف “أبل.تي.في” بعدما اشترته لقاء سعر قياسي لفيلم معروض في مهرجان الأفلام المستقلة هو 25 مليون دولار.

الصفعة المثيرة للجدل

يعتبر أوسكار أفضل ممثل الذي حصل عليه ويل سميث عن دوره في فيلم “كينغ ريتشارد” الأحد، بمثابة تتويج لمسيرته الفنية الطويلة.

وحاز مغني الراب السابق البالغ 53 عاما والذي استحال ممثلا، أبرز تكريم في مجال السينما لتجسيده شخصية والد ومدرب بطلتي التنس سيرينا وفينوس وليامس في فيلم درامي من إنتاج “وورنر براذرز”.

وتفوق ويل سميث على أربعة منافسين خافيير بارديم (الذي رشّح عن فيلم بيينغ ذي ريكاردوس) ودنزيل واشنطن (ذي تراجيدي أوف ماكبيث) وبينيديكت كامبرباتش (ذي باور أوف ذي دوغ) وأندرو غارفيلد (تيك تيك… بوم).

وقال سميث بعد استلامه الجائزة “أريد أن أشكر فينوس وسيرينا وجميع أفراد عائلة وليامس على ائتماني قصتكم”.

وتوجه الممثل باكيا “بالاعتذار من الأكاديمية” (الجهة القائمة على جوائز الأوسكار)، وذلك بعدما أثار ذهولا لدى الحاضرين في القاعة إثر اعتلائه المسرح في حالة استياء لتوجيه صفعة للفكاهي كريس روك بعيد إطلاق الأخير دعابة بشأن الرأس الحليق لزوجته جادا بينكت سميث المصابة بمرض يؤدي إلى تساقط الشعر بكثافة.

المنافسة كانت صعبة بين فيلمي "كودا" و"ذا باور أوف ذا دوج" اللذين يشتركان في كونهما من إنتاج منصات بث

وفي لحظة بدت في البداية وكأنها مزحة معدّة مسبقا، تقدم سميث إلى خشبة المسرح وصفع روك بعد أن سخر من زوجته.

ولكن سرعان ما أصبح واضحا أن الصفعة كانت حقيقية عندما تبادل سميث، الذي عاد إلى مقعده، كلمات مع روك تضمنت سبابا بذيئة كررها مرتين، مما صدم الجمهور في مسرح دولبي.

وبعد دقائق، علم سميث أنه فاز بجائزة أفضل ممثل. وفي الكلمة التي ألقاها بعد فوزه، بكى سميث واعتذر للمرشحين الآخرين وأكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، لكنه لم يقدم اعتذارا إلى روك.

وتناقضت المشادة مع لحظات السعادة المرتبطة بفيلم “كودا”. وعند إعلان فوره بجوائز أفضل فيلم وأفضل ممثل مساعد وأفضل سيناريو مقتبس، وقف جميع الحضور تقريبا وصفقوا بلغة الإشارة.

وتفوق “كودا” في منافسة قوية على فيلم “باور أوف ذا دوج” (قوة الكلب) من إنتاج نتفليكس، وهي دراما قاتمة من أفلام الغرب الأميركي، وأفلام أخرى من شركات الإنتاج التقليدية في هوليوود.

وقال المنتج باتريك واتشسبيرجر أمام طاقم الفيلم وهو يقف على خشبة المسرح “أريد حقا أن أشكر الأكاديمية على تقديرها لفيلم عن الحب والعائلة في هذا الوقت الصعب وهو ما نحتاجه اليوم”.

وعاد حفل توزيع الجوائز الأكثر شهرة في هوليوود إلى شكله المعتاد بعد أن حدت قيود الجائحة من مراسم العام الماضي.

المزاج العام في حفل الأوسكار تحول إلى الكآبة بعد صفعة سميث على وجه المقدّم الذي سخر من زوجته

غير أن المزاج العام تحول إلى الكآبة بعد صفعة سميث على وجه روك في أعقاب إشارة الممثل الكوميدي إلى فيلم “جي.آي جين” عام 1997، والذي حلقت فيه الممثلة ديمي مور شعر رأسها بالكامل. وكان التعليق موجها إلى زوجة سميث، التي أبلغت مجلة بيلبورد في ديسمبر بأنها تكافح مرض الثعلبة، الذي يمكن أن يسبب تساقط الشعر والصلع.

وقال روك بينما ضحك الجمهور الذي اعتقد في البداية أنها مزحة “ويل سميث صفعني للتو”. وعاد سميث إلى مقعده وصرخ مرة أخرى قائلا “لا تنطق اسم زوجتي بفمك البغيض”.

وهذا الأوسكار هو الأول لويل سميث الذي رشح سابقا لهذه الجائزة مرتين، الأولى عن دوره في فيلم “علي” الذي يتناول قصة بطل الملاكمة محمد علي كلاي عام 2002 والثانية بعد خمس سنوات عن دوره في “ذي بورسوت أوف هابينس”.

وبذلك، يصبح سميث خامس رجل أسود يفوز بأوسكار أفضل ممثل بعد سيدني بواتييه الذي توفي في يناير، ودنزيل واشنطن وجيمي فوكس وفورست ويتيكر.

وفي كلمته خلال تسلم الجائزة، قال سميث “ريتشارد وليامز كان مدافعا شرسا عن عائلته. الفن يحاكي الحياة. أبدو مثل الأب المجنون، تماما كما قالوا عن ريتشارد وليامز. لكن الحب سيجعلك تفعل أشياء مجنونة”.

وقالت الأكاديمية على تويتر إنها “لا تتغاضى عن العنف بأي شكل من الأشكال”.

وقالت شرطة لوس أنجلس، دون أن تذكر أسماء، في بيان إن المحققين على علم بالحادث، لكن “صاحب الشأن” رفض حتى الآن تقديم بلاغ إلى الشرطة.

تتويجات أخرى

في الجوائز الأخرى، أصبحت جين كامبيون ثالث امرأة في 94 عاما من تاريخ جوائز الأوسكار تفوز بجائزة أفضل مخرج عن فيلمها “باور أوف ذا دوج”.

وحصلت جيسيكا تشاستين على جائزة أفضل ممثلة عن دور المبشرة التلفزيونية تامي فاي باكر في فيلم (ذا آيز أوف تامي فاي) “عيون تامي فاي”.

ودخل تروي كوتسور تاريخ السينما الأحد كأول ممثّل ذكر أصمّ يفوز بجائزة أوسكار أفضل ممثل بدور مساعد بفضل أدائه المليء بالفكاهة والإحساس لشخصية رب عائلة كثير التذمر لكنه محب في الفيلم المستقل “كودا”.

وكان الأميركي البالغ 53 عاما والأصم منذ الولادة معروفا منذ عقود كممثل مسرحي، إذ يزخر سجله بأدوار هامة على خشبات برودواي. وفي السينما، كانت له مشاركة لافتة في فيلم “ذي نمبر 23” من بطولة جيم كاري.

لكنّ أداءه في فيلم “كودا” إلى جانب مارلي ماتلين، الفنانة الصمّاء الوحيدة الفائزة بجائزة أوسكار (عن دورها في فيلم “تشيلدرن أوف إيه ليسر غاد” سنة 1987) رفعه إلى مرتبة خاصة في عالم السينما.

وقال بلغة الإشارة خلال تسلمه الجائزة من يدي الممثلة يونغ يوه-جونغ “لا أستطيع أن أصدّق أني موجود هنا”. وأهدى كوتسور فوزه هذا إلى “مجتمع الصمّ وذوي الإعاقات”.

وقال على وقع التصفيق بلغة الإشارة من هوليوود “هذه هي لحظتنا”، مشيرا إلى أن الفيلم لقي إقبالا في كل أنحاء العالم و”وصل إلى البيت الأبيض”، إذ التقى فريق الممثلين الرئيس الأميركي جو بايدن أخيرا.

وذهبت جائزة أفضل ممثلة مساعدة إلى أريانا ديبوز عن دور أنيتا المفعمة بالحيوية في نسخة جديدة من فيلم (وست سايد ستوري) “قصة الحي الغربي” للمخرج ستيفن سبيلبرج.

وفازت ملحمة الخيال العلمي “ديون” (تل من الرمال) بأكبر عدد من الجوائز في الأمسية، حيث حصد الفيلم ست جوائز في فئات مثل التصوير السينمائي والمونتاج.

 طريق فيلم "كودا" لم يكن سهلا بالمرة فقد واجه عدة عقبات في إنتاجه أهمها الجائحة التي أخّرت طرحه

وارتدت تشاستين ونيكول كيدمان ومرشحون آخرون ألوانا مبهجة في حفل حضره 2500 شخص، في تناقض مع حفل العام الماضي الذي أقيم على نطاق ضيق في محطة قطار بسبب الجائحة.

وبعد ثلاث سنوات دون مضيف، قدمت حفل الأحد ثلاث ممثلات كوميديات هن آيمي شومر وريجينا هول وواندا سايكس.

وقالت شومر ضاحكة “هذا العام، اختيرت ثلاث نساء لتقديم حفل توزيع جوائز الأوسكار، لأن ذلك أرخص من التعاقد مع رجل واحد”.

وفاز فيلم “سامر أوف سول” لموسيقي الهيب هوب أمير كويستلوف تومسون المتمحور حول حفل لافت لكنه منسي في هارلم بنيويورك سنة 1969 سُمي “بلاك وودستوك”، بجائزة أفضل فيلم وثائقي خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار في هوليوود.

وفاز الفيلم خلال مهرجان ساندانس سنة 2021 بجائزتي لجنة التحكيم والجمهور.

وفي صيف عام 1969، حين كان مهرجان وودستوك يتحضر لتسطير صفحة تاريخية في موسيقى الروك وعالم الهيبي، أقيم مهرجان موسيقي آخر على بعد حوالي 150 كيلومترا، في أحد متنزهات هارلم في مانهاتن.

لكن على الرغم من هذه الكوكبة البارزة من الفنانين؛ طوى النسيان المهرجان، والهدف الأول من الفيلم هو إعادة تعريف الجمهور بهذا الحدث كما أعاد اكتشافه كويستلوف واسمه الحقيقي أمير خالب تومسون، عازف الدرامز في فرقة “ذي روتس” لموسيقى الهيب هوب الذي وقّع أول فيلم طويل في مسيرته.

 

العرب اللندنية في

29.03.2022

 
 
 
 
 

الأكاديمية وزّعت الـ"أوسكار": الفضيحة سرقت السينما!

المصدر: "النهار" ـ هوفيك حبشيان

كان شون بن يحلم ان تعطي أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها، المسيسة والمؤدلجة دائماً وأبداً، بعض الاعتبار للرئيس الأوكراني #فولوديمير زيلينسكي، بهدف تسليط الضوء على الغزو الروسي لجارته. لكن هذا لم يحدث. اكتفى الحاضرون في الحفل الرابع والتسعين لتوزيع جوائز الـ”أوسكار” الذي عُقد مساء أمس (بتوقيت لوس أنجليس) بدقيقة صمت على أرواح الضحايا. في المقابل، حلبة صراع من نوع آخر ألقت بظلالها الثقيلة على الأمسية، إلى درجة انه ما عاد "أحد" يتحدّث عن الأفلام التي تمت "أسكرتها" (من أوسكار). فما حدث هو ان الممثّل ويل سميث (الذي عاد وفاز بجائزة أفضل ممثّل عن دوره في "الملك ريتشارد" لرينالدو ماركوس غرين) غضب من مزحة أطلقها كريس روك عن زوجته التي كانت تجلس بقربه، فاتجه بخطى واثقة إلى المسرح حيث كان يقف روك وتوجّه اليه بلكمة أو صفعة. وأرجّح ان تكون لكمة علماً انني عاودتُ مشاهدة الفيديو مراراً لأتأكد، ولكن لم يتضح لي اذا كانت لكمة أو ضربة كف أو صفعة. في أي حال، اسطول من المحللين شمروا عن زنودهم وراحوا يحللون خلفيات وتداعيات هذا الحدث العظيم الذي لولاه لكان مر الحفل بلا ان يترك أي أثر مهم. انقسم الناس كالعادة بين مؤيد لهذا التصرف ومنتقد له. لا داعي لذكر التفاصيل أكثر ممّا ذكرناه، فحتى موعد وقوع الجريدة في أيدي القراء، يكون معظمهم قد ملّ قراءة الخبر وإعادة قراءته ومطالعة آراء المتصفحين. بعضهم قال ان الفضيحة برمتها قد تكون مدبّرة لاعادة البريق إلى الجائزة التي خفت وهجها في السنوات الماضية، لكن لا شيء من ذلك مؤكد. فاذا صحت هذه الخبريات، يكون الخيار الذي لجأ اليه القائمون على الـ"أوسكار"، فضيحة أكبر ممّا حصل. في أي حال، غرّدت الأكاديمية لتقول بأنها ضد العنف على أشكاله، من دون ان تذكر الحادثة بعينها، وهذا في مجمله لا يعني شيئاً. أما فكرة سحب الجائزة من سميث، فتبدو مستبعدة.

هذا كله زجّ بفوز فيلم "كودا" للمخرجة سيان هيدر في المرتبة الدنيا من الاهتمام الشعبي والاعلامي، رغم انه كان المفترض ان الكلّ اجتمع في مسرح "دولبي" لرد الاعتبار إلى أفضل إنتاجات العام الماضي من أفلام ناطقة بالإنكليزية وبغيرها. الفيلم هو نوعاً ما "دخيل". حتى المخرجة التي تبلغ من العمر 44 عاماً، ليس لها باع طويل في مجال السينما. لكن أعضاء الأكاديمية صوتوا لها، رغم ان كلّ التوقّعات كانت ترجّح كفة "قوة الكلب" للمخرجة النيوزيلاندية جاين كامبيون. هذا الفوز سمح أيضاً لـ"آبل تي في بلاس"، المنتجة للفيلم، ان تغدو أول منصّة عرض تدفقي تفوز بـ"أوسكار" أفضل عمل. محاولات “نتفليكس" للفوز بها والارتقاء إلى أعلى مراتب الجائزة، بدءاً من "روما" قبل ثلاث سنوات، كانت متعددة في هذا الصدد، آخرها هذا العام مع "قوة الكلب"، لكن في الأخير، كان الحظ حليف "كودا"، هذا الفيلم المتواضع الذي انطلقت عروضه افتراضياً في مهرجان ساندانس في كانون الثاني من العام الماضي، قبل ان يصبح متوافراً في بعض الصالات المختارة وعلى المنصّة في شهر آب من العام نفسه.

المعطيات المرتبطة بـ"كودا" تنطوي على بعض الغرابة. فهو لم يترشّح الا في ثلاث فئات (ليس من ضمنها "أفضل مخرج")، لا بل هو أقل الأفلام ترشّحاً، ومع ذلك نالها كلها: أفضل فيلم، وأفضل ممثّل في دور ثانوي (تروي كوتسور - أول ممثّل أصم يفوز بهذه الجائزة) وأفضل سيناريو مقتبس كتبته المخرجة بنفسها، في مقابل تسعة أفلام أخرى وصل عدد ترشيحاتها إلى 12. الفيلم، وهو إنتاج فرنسي أميركي، ثالث ريمايك في التاريخ يفوز بـ"أوسكار"أفضل. في العام 2014، أخرج الفرنسي إريك لارتيغو فيلماً في عنوان "عائلة بيلييه" حقق إيرادات ضخمة في الصالات الفرنسية وصلت إلى 8 ملايين مُشاهد. وهذا ما أعطى المنتجين فكرة اعادته أميركياً بعدما نقلوا الأحداث إلى منطقة ماساتشوستس وتحديداً إلى إحدى قراها الصغيرة التي ينشغل سكّانها بصيد السمك. هذا ليس جديداً على السينما الأميركية التي لطالما أعادت صوغ أفلام فرنسية في قالب أميركي، وهناك مئة فيلم فرنسي على الأقل تمت أمركتها على مر التاريخ. الحكاية عن روبي (إيميليا جونز)، المراهقة الوحيدة في عائلة روسّي التي تسمع. أي انها غير مصابة بداء الصم. فبقية أفراد العائلة جميعهم صمّ، وروبي تهتم بهم وتتولى شؤونهم إلى اليوم الذي تنضم فيه، بناءً على دعم من استاذها، إلى واحدة من أرقى مدارس الموسيقى. هناك ستكتشف ولعها بالموسيقى، وستغرم برفيقها، لكن ستجد نفسها أمام معضلة جديدة. فمن جهة، الالتزامات التي تعتقد انها تدين بها لعائلتها، ومن جهة أخرى السعي لتحقيق أحلامها. هذه هي باختصار الخطوط العريضة للفيلم الذي نال أيضاً نحو 23 جائزة أخرى. "كودا" فيلم عن عائلة هي فريدة وفي الحين نفسه كسائر العائلات. ترينا المخرجة النضالات اليومية الصغيرة التي تغيب عن بال الأفلام المشغولة بالتقنيات والإبهار البصري.

من أصل 12 ترشيحاً، لم ينل "قوة الكلب" الا جائزة "أوسكار" واحدة فقط لا غير. الجائزة نفسها كانت كامبيون قد حصلت عليها في مهرجان البندقية في أيلول الماضي. "قوة الكلب" عمل خاص أحدث بعض الجدال لدى عرضه، كونه يحدث قطيعة مع تقليد عريق في سينما الغرب الأميركي، وهو ينطلق من قراءة مستحدثة لشخصية الذَّكَر في فيلم الوسترن، وذلك على ضوء تغير المفاهيم في عالمنا الحالي. في أي حال، هذا ما كانت تهدف اليه كامبيون وهذا ما أعجبها في رواية توماس سافاج التي تدور أحداثها في أوائل القرن العشرين في ولاية مونتانا. إيقاع الفيلم متمهل، والشخصيات مرسومة بدقّة وتحمل قدراً من الاختلاف والهشاشة التي تعتمد عليها كامبيون لبناء حكايتها. كلّ شيء يذكّر بجون فورد، خصوصاً التكوينات، مع ان الفيلم يأخذ مقاربة مختلفة، ويمكن الادعاء بأنها تحمل حسّاً نسائياً. الشخصية الرئيسية هنا مُزارع جذّاب يُدعى فيل بوربانك (بنديكت كامبرباتش) يبث الخوف والذعر أينما ذهب، وهو صاحب كاراكتير شديد السادية، اذ سيطلق حملة ضد أرملة شابة (كرستن دانست) تزوجت من شقيقه وجاءت للعيش في المزرعة. كتب الناقد نديم جرجوره عن الجانب التشكيلي للفيلم، فقال: "كثرة الظلال والعتمة دلالة على غرق فردي وجماعي في جحيم عيش يومي على ضفةّ موت وخراب ومتاهة. الألوان قليلة، لكنها انفتاح على مسام المخفي في ذوات وأرواح، يندر تحرر بعضها من أشباح تحاصرها. سطوة الموت أقسى من الموت نفسه، لكن خلاصاً منه يحصل، إن يكن هناك خلاص كامل".

جائزة أفضل ممثّلة ذهبت إلى القديرة جيسيكا تشاستاين عن دورها في "عينا تامي فاي" لمايكل شووالتر (الفيلم نال أيضاً أفضل ماكياج وتصفيف شعر) حيث أدت شخصية زوجة المبشّر التلفزيوني جيم باكر المثير للجدال. الفيلم يعرض من بين ما يعرضه، العلاقة الصعبة التي ربطت الزوجين أحدهما بالآخر، ويروي الدعم الذي تلقاه مجتمع المثليين والعابرين جنسياً من تامي فاي. في خطاب تسلّمها تحدّثت الممثّلة عن ظاهرة الانتحار التي عانت منها عائتلها، ونددت ببعض القوانين التي أُقرت حديثاً في أميركا والتي في نظرها تسعى إلى تقسيم المجتمع.

"قصّة الحي الغربي" لستيفن سبيلبرغ لم ينل سوى أفضل ممثّلة في دور ثانوي لأريانا دوبوز، على الرغم من ترشّحه لسبع جوائز. لم ينل حتى جائزة التصوير الذي كان تولاه يانوش كامينسكي. خاسر ثانٍ ترك طعماً مراً: "أسوأ إنسان في العالم" للمخرج النروجي جواكيم ترير الذي كان من المفترض ان يعود إلى داره بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. في النهاية، ذهبت الجائزة تلك إلى منافسه الأقوى، أي "سوقي سيارتي" للياباني روسوكي هاماغوتشي، وهو أفلمة لرواية هاروكي موراكامي. الفيلم لم يتوقف عن نيل المدائح منذ عرضه الأول في مسابقة مهرجان كانّ الأخير حيث نال جائزة السيناريو.

الجوائز التقنية كافة التي بلغ عددها خمسة كانت من نصيب فيلم "دون" لدوني فيلنوف، وهو الفيلم الذي اقتصرت براعته في هذا المجال حصراً، فنال: أفضل ديكور وأفضل تصوير وأفضل إنجاز صوتي وأفضل مؤثرات بصرية وأفضل مونتاج. بالاضافة إلى "أوسكار"الموسيقى التصويرية التي ذهبت إلى هانز زيمر، فتسلمها بثوب الاستحمام من مكان وجوده في أمستردام. الباقي من التماثيل الذهبية وُزِّع على الشكل الآتي: أفضل سيناريو أصلي لـ"بلفاست"؛ أفضل وثائقي قصير لـ"ملكة كرة السلة"؛ أفضل وثائقي طويل لـ"صيف سول"؛ أفضل أغنية أصلية لـ"لا وقت للموت"؛ أفضل فيلم تحريك طويل لـ"إنكانتو"؛ أفضل ملابس لـ"كرويللا"؛ أفضل فيلم قصير لـ"الوداع الطويل”.

 

####

 

ستيفن سبيلبرغ وقصّة الظلم الأوسكاري

المصدر: "النهار" ـ هـ. ح.

لماذا لم ينل "قصّة الحي الغربي" أي جائزة مهمة (ما عدا "أفضل ممثّلة" لأريانا دوبوز) من بين الترشيحات السبعة التي فاز بها؟ أي شخص شاهد الفيلم وأُعجب به، لا بد ان يدهمه الاحساس بالظلم الذي لحق بسبيلبرغ وتحفته، هذا اذا اعتبرنا أصلاً ان الـ"أوسكار" جائزة ذات شأن أو معنى. في أي حال، هذه ليست المرة الأولى التي يُهمَّش فيها سبيلبرغ ويخسر أمام فيلم لا يرتقي إلى مستوى عمله. لا يزال السينيفيليون يتذكّرون يوم ضاع منه الـ"أوسكار" أمام "شكسبير مغرماً" قبل ربع قرن. وها ان التاريخ يكرر نفسه. في أي حال، لو فاز بجائزة أفضل فيلم لكان دخل التاريخ باعتباره أول ريمايك لعمل كان قد فاز سابقاً بجائزة أفضل فيلم، ونقصد به نسخة روبرت وايز من "قصّة الحي الغربي" في العام 1961.

حينما شاهدتُ الفيلم في نهاية العام الماضي، أزعجني النحو الذي تعامل معه الجمهور. في الصالة التي كانت تعرضه، وصلني تأفف بعض صغار السن من الذين لا يقدّرون الميوزيكال كأحد الجانرات الأساسية في السينما الأميركية. هذا من دون الحديث ان البعض الآخر من المشاهدين الذين باتوا في متوسط أعمارهم، غادروا الصالة في منتصف الفيلم في حين أن آخرين دخلوا اليه بعد مرور نصف ساعة على انطلاقه. كانت الصالة في "فوضى" لم أرَ مثيلاً لها في أي من الأفلام التي شاهدتها في السنوات الأخيرة، وأتخيل ان مشهداً مشابهاً تكرر في العديد من الأماكن حول العالم، ممّا جعل الفيلم يحقق إيرادات بائسة لا تتجاوز الأربعين مليون دولار، وهذا رقم هزيل أولاً بالمقارنة مع تكلفة الفيلم، وثانياً قياساً بإيردات أفلام سبيلبرغ السابقة، السينمائي الذي يُعتبر أحد أسياد شبّاك التذاكر حول العالم.

ما عاد هناك أدنى شك في ان هذا فيلم من زمن آخر، ما يفسّر (من دون أن يبرر) عدم استجابة الجمهور له. لا يخاطب سبيلبرغ المشاهدين باللغة السائدة والمهيمنة والمستهلكة، بل بلغة السينما والمسرح والموسيقى، ولا يخشى ان يبقى خارج اهتمام شريحة كبيرة منهم. فصناعة السينما تتطلب كثيراً من الجرأة والشجاعة، لا بل مغادرة المنطقة المريحة التي تصبح مع الوقت سجناً للفنان. لكن، هذا لا يعني ان صاحب "إي تي"، السبّاق في مخاطبة الروح الفتية في داخلنا، قد صنع فيلماً للعجزة الذين يحنّون للماضي. بل على العكس من ذلك، فهو رسم متتاليات بصرية بلغة شباب يروون الحكاية بأجسادهم، بطموحهم وجمالهم وأصواتهم العالية، بغرورهم وغضبهم وقدرتهم على الحبّ والكره، وبجهلهم بالحياة وما يدور في فلكها. سبيلبرغ صنع سينما خارج الموضة والتيارات. سينما صنعت لتبقى لا لتُستهلك.

ما عاد لسبيلبرغ شيء يثبته خصوصاً على مستوى تحريك الكاميرا والتقاط دورة الحياة بكلّ تفاصيلها مع اضفاء لمسته الخاصة عليها التي تفضي دائماً إلى ما يُعرف عنده بالـAwe shot. الرجل الذي بات في الخامسة والسبعين لم تمت في داخله تلك الطزاجة التي ينظر بها إلى الأشياء والناس والعالم من حوله. هو صاحب ديناميكية وحيوية تتعايشان مع قدرته على التسلية والتثقيف وخلق الوعي. هذا كله يأتي دفعة واحدة، وفي دوران مستمر لكاميراه المجنونة، المسكونة بشغف الخلق منذ الطفولة. أكد مراراً أنه يمتلك القدرة على الولادة مجدداً في عمر متقدم. "قصّة الحي الغربي" فيلم معلّم كبير صوّره بأنفاسه، بنبضات قلبه، بأحشائه اذا وجب ذلك. تتوزع المَشاهد علينا بالسهولة عينها التي يدخل فيها الأوكسيجين إلى رئتيه. مشهد أغنية "أميركا" لما فيه من عظمة بصرية، إنجاز في ذاته. هذا مشهد يقطع الأنفاس ويحمل الفيلم إلى مستوى آخر من الروعة. الإتقان على مستوى الإخراج، اللعب بالكاميرا المتحركة على الدوام، حسّ التشويق، هذا كله تحصيل حاصل عند سبيلبرغ الذي يمزج جمال السينما ببشاعة الشرط الإنساني في لحظة سقوطه.

أحد التقارير يقول انه حتى العام 2012، كان المعدّل العمري لأعضاء الأكاديمية يتخطى الـ62 عاماً. قد يكون هذا المعدّل تراجع مع دخول أعضاء جدد في السنوات الأخيرة، الا ان منطق المصوِّتين لم يختلف كثيراً: نبذ الحركة ومعاداة الإيقاع السريع والديناميكية التي تعبّر عن روح فتية يهوى اللعب. فما بالكم بالأفلام التي تُحكى بالرقص والغناء؟ فهذه مشاكل الرجل الأبيض وهموم العالم الأول التي لا تهم أحداً، وينبغي الحكم عليها بالاعدام!

جاين كامبيون رائدة السينما المعاصرة

جاين كامبيون أصبحت رسمياً ثالث سيدة تنال “أوسكار" أفضل مخرجة بعد كاثرين بيغلو عن "خزانة الألم"، وكلويه زاو عن "نومادلاند". المخرجة النيوزيلاندية التي دخلت السابعة والستين من العمر تعيش منذ أيلول الماضي، عندما عرضت "قوة الكلب" في موسترا البندقية، ربيعاً جديداً أزهر هذا الفيلم المختلف عن السائد الذي أوصلها إلى حفل توزيع جوائز الـ"أوسكار" لمنافسة تسعة أفلام أخرى، بترشيحات في 12 فئة. يجب الا ننسى ان كامبيون هي أول امرأة فازت بـ"السعفة الذهب" في كانّ، عام 1993، يوم عرضت "البيانو"، عملها الأشهر حتى الساعة. في تلك الدورة، كان لوي مال رئيس لجنة التحكيم. كامبيون صاحبة بصمة وأسلوب، من السهل التعرف اليهما في أفلامها، وقد شرعت لها المهرجانات أبوابها، لتقدّم فيها رؤيتها للعالم. تكرست في أرفع المحافل وعرضت أعمالها في جميع أصقاع الأرض، فوصلت إلى ما وصلت اليه من مكانة مرموقة في السينما المعاصرة.

لم يكتفِ مهرجان كانّ بمدّها بهذا القدر من المجد، بل أعطاها بعد سنوات من انطلاقتها المدوية، أي في العام 2014، فرصة ان تصبح أول رئيسة لجنة تحكيم، بعدما كان هذا المنصب حكراً على الرجال لفترة زمنية ممتدة على عقود. مهرجان لوميير في ليون كرّمها في دورته الأخيرة (تشرين الثاني الماضي) عبر منحها جائزته الفخرية. يومها قرأنا في الملف المخصص لها ان كامبيون من رائدات السينما المعاصرة، على غرار جيل كامل ظهر في التسعينات من مثل الأخوين كووين وكوانتن تارانتينو وستيفن سادربرغ. منذ بدايتها، قدّمت سينما ملتزمة بعض الشيء، لا بالمعنى السياسي الضيق، بل في مقاربتها الاجتماعية للمسائل المطروحة، فانتصرت للمرأة، وناضلت من أجلها في أفلامها التي تحكي الرغبة والعلاقات الإنسانية المتشابكة من خلال سلسلة بورتريهات لنساء من مثل نيكول كيدمان وهولي هانتر وكايت وينسلت وميغ راين وغيرهن. على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد، صوّرت كامبيون تسعة أفلام طويلة، تنطوي على هوية خاصة بها، أفلام شعبية وتخاطب أعماق ذاتها في الحين نفسه.

 

النهار اللبنانية في

29.03.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004