ملفات خاصة

 
 
 

جوائز عادلة لـ"الأقصر الأفريقي 10"

بقلم: أسامة عبد الفتاح

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية

الدورة العاشرة

   
 
 
 
 
 
 

** تطابق لائحة التتويج مع توقعات "القاهرة".. وعشرة أفلام قصيرة في ورشة الإخراج تبشر بمواهب جديدة

تحت شعار "10 سنوات من الخيال"، اُختتمت، مساء الأربعاء الماضي، الدورة العاشرة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقيةبتوزيع جوائز مسابقاتهاالأربع التي تنافس فيها 58 فيلما،والتي جاءت – بشكل عام – عادلة ومنصفة إلى حد كبير.وتطابقت لائحة التتويج، بنسبة تقترب من 100%، مع توقعاتنا للجوائز، والتي نشرناها هنا الأسبوع الماضي، قبل 48 ساعة من حفل الختام الذي أُقيم بنادي التجديف بالأقصر.

ففي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فاز الفيلم الذي رشحناه، "زنقة كونتاكت"، للمخرجإسماعيل العراقي من المغرب، بجائزة المهرجان الكبرى، فيما حصل الفيلم الأنجولي "مكيف هواء"، للمخرج فراديك (ماريو باستوس)، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.ومنحت لجنة التحكيم شهادة تقدير للممثل خالد الصاوي عن "أدائه الاستثنائي" في الفيلم المصري "للايجار" للمخرج إسلام بلال، والذي فاز أيضا بجائزة "رضوان الكاشف" من مؤسسة شباب الفنانين المستقلين، الجهة المنظمة للمهرجان.

وحصل الفيلم الآخر الذي رشحناه، "هذه ليست جنازة.. هذه قيامة"، إخراج ليموهانج جريمايا موسيسمن مملكة ليسوتو، والذي اُختير للعرض في الافتتاح أيضا، على جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية "فيبريسي".

وفي مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، حصل الفيلم الذي توقعنا فوزه، "فاريترا"، إخراج توفونياينا راسوانافو ولاك رزاناجاونا من مدغشقر، على الجائزة الكبرى، فيما ظفر بجائزة لجنة التحكيم فيلم "مع التيار نحو كينشاسا" للمخرج ديودو حمادي من الكونغو.

ولم يختلف الأمر في مسابقة الدياسبورا، أو الشتات، حيث توقعنا تتويج فيلم "أن تكون صاحب بشرةسمراء"، إخراج إينيس جونسون-سباين من ألمانيا، وفاز بالفعل بجائزة لجنة التحكيم، التي منحت شهادة تقدير للفيلم الآخر الذي رشحناه: "تيلو كوتو" لصوفي باشولييه وفاليري مالك من فرنسا.. أما جائزة أحسن فيلم فذهبت إلى "وداعا أيها الحب" للمخرجة إكوا مسانجي من الولايات المتحدة.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة، وردت جميع الأعمال التي رشحناها في لائحة الجوائز، حيث تم منح شهادة تقدير لفيلم "هذه رقصتي فاسمعوا"، إخراج علياء سر الختم من السودان، وحصل فيلم "مداد أخير"، إخراج يزيد القادري من المغرب، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.. أما جائزة أفضل فيلم فذهبت كما توقعنا إلى "ليلة سعيدة"، إخراج أنطوني نتي من غانا، والذي تم اختياره في القائمة القصيرة للأوسكار هذا العام.

وفي اليوم التالي للختام، أي الخميس الماضي، تم عرض الأفلام القصيرة من ثمار ورشة الإخراج التي أقامهاالمهرجان هذا العام على مدار ١٠ أيام، بقيادة المخرج سعد هنداوي، بهدف للتفاعل بين الشباب الأفريقي، وشارك فيها مخرجون واعدون من السودان وناميبيا وكينيا ورواندا وجنوب السودان بالإضافة إلى مصر.

وقال هنداوي، في تصريحات للمركز الصحفي للمهرجان، إنه تحمس لفكرة إدارة الورشة هذا العام بعد أن قادها من قبل المخرج العالمي هايلي جريما والمخرج المصري خيري بشارة. وأضاف أنه شكّل الورشة وبدأها قبل انطلاق المهرجان بأربعة أيام، واختار المشاركين فيها وفق أفلامهم ومدى إحساس المخرج المتقدم بالسينما ونقل الصورة بأي إمكانيات متاحة لديه، مشيرا إلى أن المجموعة التي وقع اختياره عليها جيدة ومتنوعة في الجنسيات وفي طريقة التفكير والذوق السينمائي، وتجمعهم الموهبة كل في منطقته.

وأوضح أنه طلب من المتقدمين صناعة فيلم قصير مدته دقيقتين ولا يزيد أبطاله عن شخصيتين، ويصور في ساعتين، وفي "لوكيشن" أو موقع واحد هو النيل، شريان وسبب الحياة.ولا تنتهي الورشةبحصول المشاركين على جوائز، ولكن الهدف هو إفادة الشباب وشمولية نظرتهم للسينما، بالاضافة إلى صناعة الأفلام الخاصة بهم.. ويبقى الأساس في الموضوع تحقيق التفاعل بين الشباب من أفريقيا خلال أيام تجمّعهم.

وشارك في الورشة دينيس وانجوهايمن كينيا، وإستر بيوكس من ناميبيا،ودينيس فاليري من رواندا، وأليكس جوزيف لوباجو من جنوب السودان، ووجداني خالد من المغرب، ومحمد زبيداي من السودان.ومن مصر شارك ٥ شبان هم:إبرام هاني بولس، وأحمد سمير، وزياد حسين، وأحمد عزت، وأنور مصطفى أنور.

وقد شاهدت الأفلام التي لم يستغرق عرضها جميعا سوى 20 دقيقة، كما استمعت للشباب المشاركين بعد العرض،ورأيي أن الورشة تبشر ببعض المواهب الجديدة التي تجب رعايتها حتى تحقق النضج والتطور المطلوبيْن، وأن الشباب الأفريقي في حاجة للعديد من الورش المشابهة لاكتشاف المواهب ومنح الفرص والأمل أيضا.

 

####

 

قضايا القارة السمراء الحاضرة في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية

الأقصر – أحمد شوقي

في حوار أجراه موقع الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى) مع سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، أجاب مؤسس المهرجان الذي أكمل دورته العاشرة مساء الخميس الماضي سؤالًا حول نصائحه لمن يريد أن يعرف أكثر عن سينما القارة السمراء، فقال أن النصيحة الأهم هي أن يعيد الباحث النظر في مصطلح "السينما الأفريقية" ذاته؛ فهو وإن كان عنوان المهرجان الرسمي فهو وصف خادع، في ظل وجود "سينمات" أفريقية، تجارب وظروف وأوضاع متباينة بين دول القارة الضخمة التي لا يزال الكثيرون للأسف يتعاملون مع شعوبها باعتبارهم كيانًا واحدًا.

يكفي مقارنة سينما جنوب أفريقيا الراسخة مؤسسيًا ولوجستيًا، بسينما نوليوود النيجيرية ذات الإنتاج هائل العدد منخفض الجودة في مجمله، بسينما دول تكاد تنعدم فيها قاعات العرض كالكاميرون وبوركينا فاسو، بالتجارب الأنضج في الشمال الأفريقي المصري والتونسي على سبيل المثال، لندرك أن ما يفرّق هذه التجارب أكثر مما يجمعها، وإن بقت معاناة الشعوب الأفريقية وتشابه ظروفها وأزماتها نقاطًا للالتقاء. أي إننا أمام عوالم شديدة الثراء وتجارب إنتاجية بالغة التفاوت، وهمّ إنساني يمكن أن نلمسه من خلال القضايا والأفكار دائمة الحضور في الأفلام الأفريقية بغض النظر عن خلفيات صنّاعها وظروف صناعتها.

ففي المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة تنافست ثمانية أفلام، اجتمع فيها جانبًا من أهم قضايا القارة، فعلى سبيل المثال في الفيلم النيجيري "جامعة اللبن The Milkmaid" يطرح المخرج ديزموند أوبفياجيلي أزمة الجماعات الإسلامية المسلحة في نيجيريا، والتي تحولت كابوسًا خلال السنوات الماضية بممارساتها العنيفة والعجيبة حتى بمقاييس الجماعات المتطرفة في أي مكان آخر. ويكفي أن الجماعة الأشهر "بوكو حرام" تستمد اسمها من تحريم التعليم الحديث، وما يترتب على ذلك من ارتكاب جرائم من نوعية قتل أطفال المدارس حتى يصاب الأهالي بالذعر فيمتنعون عن تعليم أبنائهم.

لا يذكر الفيلم اسم "بوكو حرام" صراحةً لكننا نفهم ضمنا أنها المقصودة من المشهد الأول الذي تهاجم فيه الجماعة حفل زفاف في قرية هادئة فتحيله جحيما تمتد آثاره لنهاية الفيلم. وبالرغم من التنفيذ المتواضع والميلودرامية الشديدة أثرت في إمكانية تصديق مسار الأحداث أو التفاعل معه، إلا أن العمل قد طرح بذكاء سؤال التغيير، للأحسن أو الأسوأ، متمثلًا في شخصيتي شقيقة البطلة، الشابة التي تحولت من مراهقة بريئة مذعورة إلى إحدى قادة الجماعة المتطرفة، وزوجها الذي شاهدناه في البداية وحشًا لا يتورع عن القتل الجماعي من أجل أهداف التنظيم، فيتغير موقفه ليصير أكثر عقلانية وميلًا للسلام، بما يثير الجدل عن إمكانية تصديقه بعد كل ما فعله، ليصير تحول الضحية جلّادا والجلاد ضحية فرصة مهدرة كان يمكن أن يتناولها "جامعة اللبن" بشكل أعمق.

قضية أخرى مهمة أضعفها سوء التنفيذ نجدها في الفيلم الكاميروني "يوميات الصياد The Fisherman's Diary" للمخرج إيناه جونسكوت، حيث يطرح العمل قضية تعليم المرأة، وكيف يمكن في مجتمع بدائي الثقافة كقرية صيادين كاميرونية أن تتعرض فتاة ذكية إلى حالة كاملة من القمع، فتُمنع من التعليم ويتم تزويجها طفلة لرجل بالغ، فقط لأن والدها يمتلك تصورات خاطئة حول التعليم ويكفر بإمكانية تحول ابنته عبر التعليم إلى شخص ناجح ومفيد وملهم لنفسه ولمن حوله.

الأمر يأخذ منحى كوميديًا في الفيلم البوركيني "دوجا.. نابشو القبور Duga, The Scavengers" للمخرج عبدولاي داو، عن رحلة يخوضها رجل محاولًا دفن جثمان قريبه المتوفي. في الصحاري البوركينية والطرق المقفرة بين القرى المعدمة يتحرك البطل في حافلة تضم فريقه المكوّن من زوجة المتوفي وابنته الطفلة والسائق الساخط على الرحلة، متنقلين من مكان لآخر ومن قرية لأخرى أملًا في العثور على من يقبل منح الجثمان أبسط حقوقًه: مكان يُدفن فيه. لنرى في سياق ساخر كيف يمكن للنزاعات الدينية والقبلية أن تحرم الإنسان الأفريقي من هذا الحق. فيلم طريق حاول الجمع بين أكثر من فكرة ونوع وأسلوب سينمائي، حسب قدرات مخرجة بطبيعة الحال.

أما أفضل الأفلام فنيًا فكان بالتأكيد فيلم "هذه ليست جنازة إنها قيامة This Is Not A Burial, It’s A Resurrection" للمخرج ليموهانج جيرميه موزيس من مملكة ليسوتو، الدولة الصغيرة التي يجهل البعض حتى اسمها، لكنها قدمت للعالم مخرجًا موهوبًا لم يتوقف فيلمه عن نيل الجوائز منذ عرضه في مهرجان فينيسيا 2019، وأحدثها جائزة الإتحاد الدولي للنقاد في مهرجان الأقصر والتي كان كاتب هذه السطور أحد أعضاء لجنة تحكيمها.

التمسك بالأرض هو موضوع الفيلم، عبر حكاية مانتوا السيدة ذات الثمانين عامًا والتي ترفض خطة الحكومة بإغراق قريتها بالكامل لإنشاء سد. ورغم كونها تعيش أيامها الأخيرة وحيدة بعد وفاة كافة أقاربها وهجرة ابنها الوحيد، فإنها تقود التحرك الرافض للتعامل مع التراث والذكريات وبقايا الأسلاف باعتبارها أمورًا شكلية يمكن التخلص منها بسهولة. الحكاية قد تبدو اعتيادية شوهدت من قبل، لكن قدرة المخرج الموهوب على ربطها بصريًا بالطبيعة والهوية الأفريقية، وتمكنه المدهش من إدارة ممثلته العجوز، أمور جعلته فيلمًا كونيًا صالحًا للتواصل مع الهمّ البشري في كل مكان حول العالم.

هذا الارتباط الواضح بالقارة وأزماتها في أفلام المسابقة الرسمية الآتية من "سينمات" أفريقيا المتعددة، يكاد يغيب في فيلمي الشمال الأفريقي المتنافسان، واللذان منحتهما لجنة التحكيم الرسمية جائزتين من أصل ثلاث جوائز، في مفارقة تستحق التأمل. فنال "زنقة كونطاكت" للمغربي اسماعيلي العراقي جائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم، ونال الممثل المصري خالد الصاوي تنويهًا خاصًا عن فيلم "للإيجار" للمخرج إسلام بلال.

الفيلمان مختلفا المستوى والطموح، فالفيلم المغربي له طموح دولي واضح تجلى في انطلاقه من مهرجان فينيسا الأخير، وبموضوعه الذي يمكن أن يحدث في أي مكان بالعالم (نجم غناء معتزل بسبب إدمان المخدرات يقابل عاهرة)، بينما الفيلم المصري أبسط وأقل طموحًا، لم يكن ليشارك في مسابقة كهذه لولا ندرة الفيلم المصري المتاح ومشاركة المخرج قبل أعوام دراسًا في ورش مهرجان الأقصر. لكن يبقى السؤال الدائم: إذا كنا نسعى دائمًا لتأكيد انتماء الشمال لسينما القارة، فلماذا تأتي الأفلام بعيدة كل هذا البعد عنها؟

 

####

 

«مهرجانات المجتمع المدني» والبكاء على أعتاب الوزارات !

بقلم: مجدي الطيب

* القرار الوزاري نص على قيام الحكومة بدعم أي مهرجان بنسبة 40 % من إجمالى ميزانيته بينما تقوم إدارته بتأمين 60 % من موازنته عبر منظمات المجتمع المدني أو رجال الأعمال والرعاة والمُعلنين

«الدولة لا تنظر إلي السينما بعين الاعتبار»..«الوزارات تكنوقراطية قبل أن تكون سينمائية» و«القيمون علي المهرجانات يعانون من تجاهل الوزارات، وتعاملها غير اللائق لحظة الحصول علي الدعم» !

عينة من المعاناة «المهرجاناتية»، التي تتكرر، قبيل إنطلاق أي دورة جديدة لمهرجان سينمائي مصري، لكنها بلغت ذروتها، مع قرار الموافقة على بدء أعمال الدورة العاشرة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية ( 26 مارس - أول أبريل 2021)؛ إذ ما كادت إدارته تتجاوز أزمة تجميد المهرجانات، بسبب جائحة «كورونا»، حتى كانت الصدمة، التي كشف عنها سيد فؤاد، رئيس المهرجان بقوله : «قبل إقامة الدورة بثلاثة أيام صدر قرار من وزارة السياحة والآثار بتخفيض الميزانية مليون جنيه» ! وأضاف : «واجهنا أيضا صعوبات إدارية، في استخراج التأشيرات التي استغرقت وقتا طويلا، واستضافة الأفلام، والجمارك، والمطبوعات، مما تسبب في إرهاق عصبي»، وهو المعنى نفسه، الذي تكرر، بصيغة أخرى، على لسان د. أماني الطويل، عضو اللجنة العليا للمهرجان، وخبير الشئون الأفريقية بمؤسسة الأهرام؛ في الندوة، التي نظمها المهرجان، لمناقشة، وتوقيع، الكتاب التذكاري، الذي حمل اسم "10 سنوات من الخيال"؛ من تأليف وإعداد الكاتب سعد القرش؛ حين أشارت إلى «مدي مصداقية رصد المؤلف لواقع الإرادة السياسية، وتأريخ الجهاز الاداري للدولة»، وانتهت إلى أن «هذه البيروقراطية معوقة لحدث مهم مثل الاقصر السينمائي، كقوة ناعمة مساعدة لدفع الكرة السياسية، في الاتجاه الذي تحتاجه الدولة».

مأساة سنوية اسمها : «مهرجانات المجتمع المدني» !

مأساة يمكن القول إنها سنوية؛ فما أذكره، الآن، أن الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، شهدت قبيل انطلاقها عام 2013، واقعة غاية في الإثارة؛ عندما قام سيد فؤاد، أيضاً، بإعلان اعتصامه، واضرابه عن الطعام، لأن وزارة السياحة وقتها، تباطأت في حجز تذاكر الطيران لضيوف المهرجان، وفي دورة أخرى امتنعت وزارة الشباب عن دعم مهرجان الأقصر الأوروبي، في عهد د. القليوبي، وكررت الموقف نفسه مع الأقصر الأفريقي؛ بحجة إن مهرجانات السينما ليست من اختصاصها، ولم تكن معاناة مهرجان شرم الشيخ السينمائي بعيدة عما نتحدث عنه من صلف، وجبروت، وعنجهية، وصلت إلى حد «التسول» !

كيف يحدث هذا في الوقت الذي توصف فيه تلك المهرجانات بأنها «مهرجانات المجتمع المدني» ؟ وكيف صار «الدعم الحكومي» سبباً في استمرار تلك المهرجانات، أو مواتها، في حال تأخر الدعم، أو تقليصه ؟

كلنا يعلم أن القرار، الذي أصدره د. عماد أبو غازي، وزير الثقافة، عام 2010، بإسناد مهمة إقامة المهرجانات إلي مؤسسات المجتمع المدني، نص على قيام الحكومة بدعم المهرجان بنسبة 40 % من إجمالى ميزانيته، بينما تقوم إدارة المهرجان بتأمين 60 % من موازنته، من خارج موارد الحكومة؛ سواء منظمات المجتمع المدني أو رجال الأعمال والرعاة والمُعلنين. لكن ما حدث على أرض الواقع، أن القرار الوزاري انحرف عن مساره، ولم ينجح مهرجان واحد؛ ممن أصطلح على تسميتها «مهرجانات المجتمع المدني»، في تحقيق «المعادلة»؛ بدليل قول سيد فؤاد : «لولا الدعم الحكومي لتوقف المهرجان»، وتأكيده : «هو تحدٍّ صعب نواجهه فى كل عام، وكأننا مهرجان وليد، نبدأ من الصفر فيما يخص الشق المالى وهو أمر مرهق إداريًا وفنيًا»؛ خصوصاً أن حالة من الارتباك، والعشوائية، أصابت الوزارات المعنية؛ مثل : السياحة والآثار والشباب، وانعكس هذا على طريقة تعاملها مع المهرجانات، في غياب القانون المُلزم، وسيادة منطق «حسنة وأنا سيدك» !

يمكن القول إذن إن فشل المهرجانات في تنفيذ الشق الخاص بها (تأمين نسبة ال 60 % من الموازنة، من خارج موارد الحكومة)، وتخاذلها في ما يتعلق بتوفير مصادر تمويل بديلة، خصوصاً في ظل تخلي مؤسسات المجتمع المدني عنها، وعدم إدراك أهميتها، واعتمادها بشكل كامل على الدولة وحدها، جعلها «لقمة سائغة»، بل «صاحبة اليد السفلى»، في كل مرة تجلس فيها على مائدة التفاوض مع الوزارات المعنية !

وضع متأزم !

لقد وصل بنا الحال إلى أننا أصبحنا نعيش وضعاً عجيباً، ومتأزماً؛ لمهرجانات تُنسب، في العلن، لمؤسسات المجتمع المدني، بينما، في جوهرها، نُدار بأموال وزارة الثقافة، التي تستطيع، لأي سبب من الأسباب، أن توقف الدعم، أو تفرض شروطها، وتضع يدها عليه، وتُديرها فعلياً، كما فعلت يوماً مع مهرجان القاهرة السينمائي، الذي كانت تنظمه الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما؛ فالقول بإن «مهرجانات المجتمع المدني» حرة، مستقلة، وأن الدولة مُلزمة بدعمها، بالكامل، غير مضمون، ما لم تفرض إرادتها، وتنجح في تأمين استقلاليتها، بتوفير نسبة ال 60 %، وإلا فالدولة تستطيع، في المقابل، أن تضع من العراقيل ما يُكبل إنطلاق المهرجان، أو تُحاسبه «حساب الملكين»، ووقتها لن يكون الحساب مقصوراً على ما تدفعه الدولة من موازنتها العامة، بل يتجاوز ذلك إلى أي دعم يتحصل عليه المهرجان من أية جهة أخرى !

لقد اعترف سيد فؤاد، صراحة، بأنه : «لولا الدعم الحكومى لما استمر مهرجان الأقصر؛ فهو مهرجان مجتمع مدنى وغير ربحى، لكن لولا دعم الدولة والحكومة المصرية لما استمر المهرجان لثمان سنوات، وما كانت مصر لتمتلك المهرجان الإفريقى الثالث فى القارة بعد قرطاج وفيسباكو»، لكن هذا لا يعني استمرار الوضع بهذا الشكل طويلاً، والأمر المؤكد أن ما تعرض له المهرجان من صدمات، وأزمات، نتيجة تأخر التمويل، أو تقليصه بشكل مُفاجيء، وارد تكراره، في المستقبل القريب، وإذا لم يُبادر، هو وغيره، من مهرجانات المجتمع المدني، بالبحث عن البدائل، أو مصادر التمويل، التي تضمن استمراره، واستقلاله. والنظر بعين الاعتبار إلى مشاريع الدعم، التي يمولها الاتحاد الأوروبي، على سبيل المنحة المخصصة لإقامة المهرجانات، وتدشين السينماتيك .. وغيرها من المشاريع الخاصة بتطوير السينما، والتي تواجه بلوائح بيروقراطية، واعتراضات أمنية، تُعطل دخولها؛ بحجة أنها «مشبوهة»؛ كما فعلت وزارة التضامن الاجتماعي، التي رفضت استقبال دعم للسينما، من دون إبداء الأسباب، بما يعني ضرورة المُضي قُدماً نحو إصدار التشريعات، التي تُنظم أجراءً كهذا .

أما ما يُقال عن غياب الإرادة السياسية للدولة، في ما يتعلق بالنهوض بالسينما، ورعايتها، ودعمها، وتشجيع مهرجانات المجتمع المدني؛ فالأحرى أن تخلص نوايا رجال الأعمال، وأن تُبدي منظمات المجتمع المدني، أولاً، حماسة لدعم هذه المهرجانات، وتشجيع القيمون عليها، قبل أن نلوم الدولة، ونُحملها المسئولية، وكأننا استمرأنا «التسول»، و«التمسح بأعتاب الوزارات» !

 

جريدة القاهرة في

06.04.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004