ملفات خاصة

 
 

الفريد يباغتنا بالرحيل

د. حسن مدن

عن رحيل عراب الهوية

فريد رمضان

   
 
 
 
 
 
 

أشدّ أنواع الرحيل وجعاً هو الرحيل المباغت. الأعمار بيد الله، لكن، مع ذلك، يكون خبر رحيل بعض من نحب كوقع الصاعقة، لأننا كنا مطمئنين بما يكفي بأنهم باقون معنا طويلاً.

هذا يحدث كثيراً. حيث غيّب الموت وجوهاً مشرقة في دنيانا، ومن هذا الرحيل المباغت الذي لم نتوقعه للروائي والسيناريست البحريني فريد رمضان، الذي بغيابه خسر المشهد الثقافي في البحرين ومنطقة الخليج العربي واحداً من أبرز مبدعيه وأكثرهم إخلاصاً ونقاء، وقرباً إلى قلوب كل من عرفه ولو عن بعد.

فريد. اسم على مسمى. إنه الفريد في أمور كثيرة، جَمْعهُ بذات الدرجة من الشغف بين الكتابة والسينما، طبيعة اشتغالاته الإبداعية، فلا نحسب أن أحداً مثله حفر إبداعياً في مسألة الهوية في البحرين والمنطقة، منطلقاً من رؤية متقدمة مبنية على التسامح وعمق الوعي وسعة الأفق. وهو الفريد في دفئه الإنساني، ونبل خلقه، وترفعه عن الصغائر.

رغم عمره القصير، أصدر فريد رمضان مجموعة من الأعمال الروائية المهمة، التي شكّلت إضافة نوعية، بالمعني الحرفي للعبارة، في منتجنا الروائي الخليجي: «التنور - غيمة لباب البحرين»، «البرزخ»، «سوافح ماء النعيم»، وآخر أعماله رواية «المحيط الإنجليزي»، كما صدرت له مجموعة قصصية بعنوان «البياض».

أعماله السينمائية تنوعت بين كتابة السيناريو للفيلم القصير والروائي والطويل، ويعد سيناريو الفيلم الروائي الطويل «الشجرة النائمة» من أبرز وأهمّ إنتاجاته، كما كتب نصوصاً مسرحية بينها مسرحية «درب المصل»، فضلاً عن مشاركات وأعمال تلفزيونية وإذاعية مختلفة.

في اشتغالاته الروائية على موضوع الهوية، ينجح فريد في أن يجعل من شخوص رواياته مقيمين لا عابرين، فهو لا يستعين بالمادة التاريخية وحدها التي انكب على جمعها، وإنما بمعايشات، ينتسب بعضها إلى ما يمكن وصفه بالسيرة الذاتية للكاتب، أو سيرة المكان الذي يختاره ميداناً لأحداث رواياته.

وهو في هذا الشغل حريص على التأني والدأب وعدم الاستعجال، ينفق سنوات في جمع عدّة الشغل، بالبحث والاطلاع والمعايشة، فروايته الأخيرة «المحيط الإنجليزي»، مثلاً، ظهرت بعد 13 عاماً من البحث والكتابة، حيث قرأ عشرات المراجع حول الهوية والتاريخ، واطلع على يوميات المستشرقين في الأساطيل البحرية والإرساليات الأمريكية والبريطانية في المحيط الهندي وشرق إفريقيا والخليج العربي، إضافة إلى إجراء مقابلات شفهية مع من يحملون في ذاكرتهم قصصاً عن تلك الحقبة.

في حديث له وصف فريد الرواية بأنها «حقل ألغام كبير، ومخزون من الأسئلة المشبعة بكل أشكال الحياة من القتل والتنكيل والبطش في حق الإنسان ونفسه (الآخر والأنا)».

madanbahrain@gmail.com

 

الخليج الإماراتية في

08.11.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004