كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

أنسي أبو سيف..

نجمة مستحقة في "الجونة"

بقلم: أسامة عبد الفتاح

الجونة السينمائي

الدورة الرابعة

   
 
 
 
 
 
 

** أهدى تكريمه إلى شادي عبد السلام ونستمر في مطالبته بالعمل على تنفيذ حلم أستاذه بـ"مأساة البيت الكبير"

كثيرة هي التكريمات في المهرجانات السينمائية الدولية والعربية، لكن قليلا منها هو المستحق والمقنع والمنطقي، ومن التكريمات المستحقة جدا، "النجمة" التي حصل عليها مصمم المناظر ومهندس الديكور الكبير أنسي أبو سيف في افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان الجونة السينمائي، والتي انطلقت يوم الجمعة الماضي وتستمر حتى آخر أكتوبر الحالي.

وبالإضافة للتكريم، يُقام معرض استعادي لأعمال أبو سيف – بمناسبة حصوله على جائزة الإنجاز الإبداعي للمهرجان هذا العام – يضم اسكتشات وتخطيطات المناظر الخاصة بأفلام كبيرة مثل "المومياء" لشادي عبد السلام و"إسكندرية كمان وكمان" ليوسف شاهين و"الكيت كات" لداود عبد السيد و"سرقات صيفية" ليسري نصر الله و"عرق البلح" لرضوان الكاشف، و"أحلام هند وكاميليا" لمحمد خان و"يوم مر.. يوم حلو" لخيري بشارة.. كما يتضمن مقاطع فيديو لمقاطع من أفلامه، وملصقات تلك الأفلام، والجوائز التي حصل عليها على مدار مسيرته، ونماذج مصغرة من بعض القطع الفنية التي نفذها في أعماله. والمعرض من تصميم الفنان كريم مختجيان.

أبو سيف من أهم صناع السينما المصرية عبر تاريخها، صمم ديكور أو ملابس أكثر من 45 فيلما مصريا من توقيع كبار المخرجين. صرح أكثر من مرة بأنه يعتبر نفسه محظوظًا، لأنه تعرّف إلى المخرج الكبير شادى عبد السلام أثناء دراسته بالصف الثانى فى معهد السينما، حيث فتح عينيه على رؤية جديدة غير تلك التى كانت متكونة لديه تجاه الفن، وعلّمه كيف يعثر على الجمال وسط القبح، أو كيف يصنع من أشياء قبيحة صورة جميلة.. ومنذ ذلك الوقت أصبح تلميذًا لشادي ثم أحد أعضاء مكتبه وأخيرًا صديقا له.

أكثر من نصف قرن قضاه أبو سيف متعبدا في محراب الفن السابع. تخرج من معهد السينما عام 1967، وعمل كأحد مساعدي مهندس الديكور الكبير الراحل صلاح مرعي فى فيلم "المومياء"، وكانت مهمته نقل كل ما هو تاريخي فرعوني من نحت، رسوم، أو برديات، واستمر في الإبداع حتى شارك في الجزء الثاني من فيلم "الكنز" العام الماضي.. مشوار طويل تم تتويجه بالتكريم قبل أربعة أيام، ذلك التكريم الذي أهداه – بكل تواضع – إلى أستاذه شادي عبد السلام.

هذا الإهداء، بدايته في "المومياء"، وعلاقات الزمالة والصداقة و"التلمذة" التي ربطته بكل من الراحليْن شادي ومرعي، كلها أمور تدفعنا دائما لمطالبته بالإشراف الفني على فيلم "إخناتون"، حلم شادي الذي لم ير النور، والذي كان أبو سيف شريكًا فى تصميم ملابسه قبل وفاة شادي المفاجئة التي أوقفت كل شيء بعد أن كان السيناريو جاهزا ومرسوما لقطة بلقطة.. نحلم دائما بأن ينفذ الفيلم مخرج كبير في ظل إشراف أبو سيف، وأن تتحمس جهة كبرى، رسمية أو غير رسمية، لإنتاجه بالنظر لميزانيته الضخمة المتوقعة.

ويحمل مشروع الفيلم اسما آخر هو "مأساة البيت الكبير"، ربما في إشارة إلى النهاية التراجيدية لإخناتون الذي غيّر اسمه الأول (أمنحتب الرابع) وتمرد على سلطة الكهنة فغيّر ديانة آمون إلى ديانة آتون ونقل عاصمة الدولة إلى أخيتاتون (تل العمارنة في محافظة المنيا) شمالي الأقصر وانتهى حكمه نهاية غامضة عام 1362 قبل الميلاد.

وربما لا يعرف الكثيرون أن أبو سيف قدّم، أو نفّذ، أو "أخرج" فيلما تسجيليا قصيرا يروي فيه استعدادات شادي لعمل فيلمه الحلم، مستعينا بما كتب شادي من مشاهد، وبما أعد للفيلم من رسوم ومنحوتات وحلي بالاشتراك مع أبو سيف نفسه وتلميذه وصديقه الآخر صلاح مرعي. وكان ذلك الفيلم الجزء الثالث والأخير من ثلاثية "الطريق إلى الله"، والتي رممها المركز القومي للسينما وعرضها للمرة الأولى عالميا في يونيو 2012، بعد نحو 40 عاما من تصويرها، في افتتاح مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة.

تنتمي الثلاثية إلى مشروع كبير كان يحلم به شادي واقترحه على تلاميذه عندما كلفه وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة بتولي مسئولية مركز الفيلم التجريبي عام 1976.. وكان الحلم يتلخص في عمل سلسلة سينمائية تحت اسم "في وصف مصر" تشبها بالموسوعة العملاقة التي أصدرها علماء الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت على مصر عام 1798. ويحمل الفيلمان الأول والثاني من الثلاثية توقيع شادي، حتى لو لم يكن قد وضع اللمسات النهائية عليهما، وفيهما سحره كصانع سينما كبير أبهر العالم.

أما الفيلم الثالث، الذي نفذه أبو سيف، فيدور قرب المنيا حيث تل العمارنة، وهي المدينة التي أنشأها إخناتون كأول يوتوبيا (مدينة فاضلة) في التاريخ، واستمتعت فيه بشرح أنسي استعدادات شادي لعمل فيلمه عن إخناتون، وبكاميرا الراحل سمير بهزان وهي تتجول في المعابد وتستعرض رسوم وتصميمات شادي ومرعي وأبو سيف لمشاهد الفيلم الذي لم يقدر له أن يخرج إلى النور للأسف الشديد، ونتمنى أن يحدث ذلك يوما ما.

 

جريدة القاهرة في

26.10.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004