كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

حنان أبوالضياء تكتب:

الجمعة ختام مهرجان الجونة.. تكريم «هنيدى»... ومنافسة قوية بين الأفلام العربية والعالمية على الجوائز

الجونة السينمائي

الدورة الثالثة

   
 
 
 
 
 
 

تختتم غدًا فعاليات مهرجان الجونة السينمائى الدولى، بحضور نخبة من نجوم ونجمات العالم العربى، وتكريم خاص للفنان محمد هنيدى، الى جانب إعلان أسماء الأفلام الفائزة بجوائز هذا العام، والتى يتنافس فيها العديد من الاعمال العربية والأجنبية، والتى يغلب على معظمها السرد الإنسانى للأحداث.

ينافس بقوة الفيلم المغربى «آدم» المشارك فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، الفيلم نال استحسانا كبيرا من الجمهور عند عرضه، وخاصة أن المخرجة اقتربت من أزمة الفتاة العزباء من خلال سامية «نسرين الراضى» التى دخلت فى علاقة جنسية خارِج نطاق الزواج نجم عنها حمل سبّب لها الكثير من المشاكل مع أسرتها الصغيرة، فتُقرر مغادرة المنزل والبحث عن عملٍ وهى حامل فى أحد الأحياء الشعبية فى مدينة الدار البيضاء. وبعد معاناة للبحث عن مكان تنام فيه تجد الفرصة مع عبلة «لبنى أزابال» وهى أرملة تُربّى ابنتها الوحيدة بمفردها بعد وفاة زوجها فى حادث سير، رفضت عبلة فى بادئ الأمر طلب سامية العمل لديها فى متجرها الصغير التى تحضر فيه الخبز بطريقة تقليدية. لكنها ستغير رأيها فى عندما أزعجها وجودها فى الشارع، وعبلة نفسها لديها قدر كبير من الأحزان والاستغراق فيه.. شيئًا فشيئًا تنجح سامية فى مساعدة عبلة على تخطّى محنة وفاة زوجها، ولكن الأزمة تكمن بعد الإنجاب حيث ترفض الأم إرضاع ابنها أو الاقتراب منه. ولم يكن لها حتى رغبة النظر إليه. هذا الطفل بالنسبة إليها عبء أخلاقى تريد التخلص منه. لكن أمام صراخ المولود المتواصل، انتصر عندها إحساس الأمومة على رفض تقبل وجود طفلها فى حضنها. وعادت لتحضنه وترضعه قبل أن تقرر تسميته «آدم»... من المعروف أن مريم التوزانى أخرجت الفيلم بناءً على قصة حقيقية لأم عزباء كانت تراها عند عودتها من الجامعة، وقصة الفيلم مماثلة للتجربة الشخصية التى مرّت بها تلك الأم العزباء بكل آلامها، الفيلم عرض فى كان فى فئة «نظرة ما»... ومن المعروف أن الممثلة لبنى أزابال ممثلة بلچيكية أبوها مغربى وأمها إسبانية، مثلت فى عدة أفلام عربية وفرنسية أبرزها فيلم الجنة الآن.

أما نسرين الراضى فهى ممثلة مغربيّة. ظهرت فى حوالى 22 فيلمًا قصيرًا إلى جانبِ ثلاثة أفلام تليفزيونية وفيلمين مطولين وثلاثة مسلسلات لكنّ المُشاهِد المغربى تعرّف عليها حينما لعبت دور كريمة فى مسلسل زينة للمخرج ياسين فنان، كما ظهرت فى نفسِ العام فى مسلسل صدى الجدران، حصلت نسرين على دور البطولة فى فيلم الجاهليّة لمخرجه هشام العسرى قبلَ أن تظهر من جديد فى عام 2019 فى السلسلة الرمضانية الماضى لا يموت، يُعرف عن نسرين الراضى جرأتها فى معالجة قضايا المجتمع وليست لديها خطوط حمراء، إذا اقتنعت بالدور والسيناريو.. أما مريم التوزانى فهى ممثلة ومخرجة وكاتبة سيناريو مغربية وهى زوجة المخرج المغربى نبيل عيوش.

ونال فيلم الأب إعجاب النقاد، وهو من إخراج كريستينا جروزيفا، بيتر فالجانوف، الفيلم دراما عائلية حميمية، تستعرض تحديات التواصل مع الناس الأقرب إلينا فى الحياة.... ومن الأفلام التى تنتظر جائزة بالمهرجان فيلم المخرج وليد مؤنس 1982، والذى تدور أحداثه فى صيف عام 1982، وبينما كانت الامتحانات النهائية تجرى بسلاسة فى مدرسة آمنة متوارية فى رحاب الجبال المُطلة على بيروت، ينوى وسام، الصبى البالغ من العمر 11 عامًا، البوح لزميلته فى نفس الصف «جوانا» بمدى حبه لها. وتتعرض البلاد لهجوم جوى يطال سماء بيروت، وتُعلّق الدراسة، فيزداد تصميمه أكثر فأكثر وتحكى قصة الحب هذه، التى تحتل الحرب خلفيتها، عن يوم خالد فى ذاكرة الأطفال، الفيلم من بطولة المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكى، وهو العمل الأول للمخرج الشاب وليد مؤنس وشارك فى الدورة الأخيرة من مهرجان تورونتو السينمائى وحصد جائزة أفضل فيلم آسيوى وتم اختياره لأسلوبه المغامر والمبدع وإخراج واثق ودقيق، كما استطاع الفيلم أن يبرز فى الوقت نفسه وببراعة وشجاعة وتأثير براءة الأطفال وسحرهم بالرغم مما يجرى من حولهم من خوف وعنف. وأن الحب هو أقوى من الحرب.

وهناك منافسة قوية لفيلم «​ستموت فى العشرين​» للمخرج ​السودانى ​أمجد أبوالعلا​، والمستوحى عن القصة القصيرة النوم عند قدمى الجبل للكاتب السودانى ​حمور زيادة​، وتدور الأحداث بولاية الجزيرة، حيث يُولد مُزمل فى قرية سودانية تسيطر عليها الأفكار الصوفية، فكرة الفيلم عن امرأة سودانية تضع ابنها «مزمل» بعد أعوام من الانتظار، إلا أن نبوءة صوفية تقول بأن الطفل سوف يموت حينما يبلغ الـ20. وتستمر الأحداث حتى يعود سليمان إلى القرية، بعد أن عمل مصورا سينمائيا فى المدينة بعيدا عن المعتقدات الصوفية للقرية. وهنا يرى مزمل العالم بشكل مغاير تماما، من خلال جهاز قديم لعرض الأفلام السينمائية يقتنيه سليمان. وينتظر النبوءة المشؤومة. ويعتبر الفيلم هو سابع فيلم روائى بتاريخ السودان، وأول فيلم روائى طويل لمخرجه ومؤلفه السودانى أمجد أبوالعلا، واشترك فى تأليفه مع ​يوسف إبراهيم​، من بطولة مصطفى شحات، إسلام مبارك، محمود السراج، بونا خالد، وطلال عفيفى. الطريف أن مونتاج الفيلم استغرق 3 أشهر متقطعة، وبه تميز بالديكور لمهندسة الديكور رشا خفاجى. حيث نفذت ديكورًا لمنازل من واقع الحياة السودانية وكان غنيا بتفاصيل الطابع السودانى. وفيلم «ستموت فى العشرين» يمثل عودة للسينما السودانية الروائية، بعد غياب 20 عامًا، فضلا عن أن الفيلم حظى باهتمام عالمى، بعد اختياره للعرض فى مسابقة «فينيسيا» ومن بعدها مهرجان «تورنتو».. ركز أمجد أبو العلاء على التراث السودانى، ونقل الواقع بإخلاص ونضج فنى مع صورة مميزة وتكوينات بصرية متفردة.

أما المخرجة التونسية هند بوجمعة، فتأتى مع فيلمها «حلم نورا»، وهو من بطولة هند صبرى، ويتناول قصة نورا وهى أم لثلاثة أطفال وزوجة سفيان الذى يقضى عقوبة بالسجن، لتتحمل نورا مسئولية أطفالها، وتعمل بمحل لتنظيف الملابس، فى تلك الأوقات الصعبة تلتقى نورا مع أسعد، الذى من خلاله تعيش قصة حب كبيرة، تقرر على إثرها طلب الطلاق من سفيان، لكن القدر يقف ضدها بخروجه من السجن، وتبدأ لديها فكرة الهروب مع حبيبها. الفيلم المستوحى من قصة حقيقية، و«نورا» تنتمى للطبقة الكادحة فى تونس ومعاناتها اليومية مع سجن زوجها، والمضايقات التى تتعرض لها بسبب تاريخه الإجرامى، وعلاقتها بأطفالها.

ووسط هذ القدر الهائل من الأفلام المميزة هناك تواجد للفيلم الجزائرى «بابيشا» المشارك فى مسابقة الأوسكار لهذه السنة، وتجسد دور البطولة به الممثلة لينا خوذرى، مستعرضا جزءا مؤلما من التاريخ الحديث للبلاد بسبب التطرف والإرهاب، حيث تمثل فيه خودرى دور الشابة الجزائرية القوية، التى ترفض الخضوع لتهديدات المتشددين، فلقد شكلت سنوات التسعينات حقبة صعبة فى تاريخ الجزائر الحديث، تعرف بالعشرية السوداء، بسبب جرائم الإرهاب، إذ أدت لمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، فى ظرف اختلط فيه السياسى بالدينى، وحاولت فيه بعض القوى المتشددة فرض أسلوبها فى الحياة على الآخرين.

من منا لا يذكر المذابح التى سببتها الحرب الأهلية برواندا وامتلأت بها القنوات التليفزيونية حتى مطالع سنة 1994، حيث تناحرت قبيلتا الهوتو، التى تمثل الأكثرية على المستوى الديموجرافى، والتوتسى، التى تعتبر أقلية مقارنة بالقبيلة الأولى، وقام الهوتو بإبادة جماعية فى حق التوتسى، إذ تشير الإحصائيات إلى أنه فى غضون ثلاثة أشهر فقط، قتل ما يناهز 800 ألف رواندى بسبب تناحر القبيلتين، بالإضافة إلى حالات الاغتصاب التى قدرت بعشرات الآلاف، لتعرف البلاد بعد نهاية سنة 1994 تحولات جذرية، هذا ما يوصلنا اليه الأديب والمخرج الأفغانى عتيق رحيمى مخرج فيلم «سيدة النيل» الفرنسى البلجيكى الرواندى المشترك، وهو الفيلم الذى ينتقى أحداثاً من رواية للكاتبة الرواندية سكولاستيك موكاسونجا، حيث تدور أحداثه حول مدرسة رواندية مرموقة تشمل خليطا عرقيا من البنات، أغلبهم من قبيلة الهوتو مقابل أقلية من قبيلة التوتسى، لكن تبدأ الاختلافات العنصرية الكامنة فى النفوس. من المعروف أن رواية الكاتب شولاستيك موكاسونجا المولودة فى رواندا عام 2012 بعنوان «Notre-Dame du Nil» لا تتعلق بالتحديد بالإبادة الجماعية فى رواندا عام 1994، بل كيف أن الانقسام الطبقى والاستعمار والتفاوت الاقتصادى قد خلقا الاستياء والتحامل اللذين جعلا من الإبادة الجماعية أمرا ممكنا. باستخدام مدرسة رواندية كاثوليكية داخلية للبنات جميعها كنموذج مصغر لها، تحدد كيفية زرع بذور الكراهية العرقية ورعايتها وتشجيعها على الازدهار. ومع ذلك، فإن أى تعديل فى كتاب موكاسونجا يحمل وعدًا بأن يكون ذلك الفيلم الكبير الذى طال انتظاره حول الصراع العرقى فى البلاد، وكيف انفجرت فى حمام دموى تاريخى شهد فيه أعضاء من الغالبية الهوتو.

وهناك فيلم «لارا» الذى يقدم لنا أحد أهم دروس الحياة، وهو يجب على الأفراد أن يتجاهلوا النقد فلا يجب أن يكون رادعًا للمخاطرة الفنية.

الفيلم الجواتيمالى «The Weeping Woman» للمخرج جيرو بوستامانتى، طرح أطروحته عن إنريكى الجنرال المتقاعد، الذى أشرف على المذبحة الجماعية التى وقعت فى جواتيمالا منذ 30 عامًا، والآن يلقى جزاءه بقضية جنائية غامضة، وتكمن مأساة الجنرال بإيمانه أن روح «المرأة الباكية» قد تم إطلاق سراحها لتجوب العالم كروح هائمة وسط الأحياء. يسمعها وهى تنتحب ليلًا، فيما تؤمن زوجته وابنته بأنه يعانى من نوبات مرض «الديمنتشيا» المتعلق بالزهايمر. بل والرائع أن المخرج جعل من مجرد وجود ألما الخادمة الغامضة فى بيته يزيد من حدة هذا الأمر، وجعلها المخرج تبدو مرعبة وملائكية فى نفس الوقت، دون أن تفعل كل ذلك فى الواقع. فى بداية الفيلم، ندخل لعالم النساء المجسدات للطبقة العليا فى أمريكا اللاتينية البيضاء وشعورهم وتصرفاتهم تجاه سكان المايا الأصليين، وتجسد هذا فى أسلوب تعامل أسرة الديكتاتور مع الخدم من أصول المايا، وقدم المخرج بعض التلميحات للعبودية المنزلية التى تعبر عن العبودية الجنسية التى أخضعها الجنرال لنساء المايا.

وجمال الفيلم الوثائقى «أمة الطفل الواحد» إظهاره تكثيف الدعاية حينذاك لتصبح محيطة بالناس فى كل الأماكن، رافعة شعار أن على الصينيين أن يعيشوا لأجل البلاد، وأن الفرد لا يتخذ قرار الإنجاب بل الدولة. وخاصة أن الحزب الشيوعى الصينى حينذاك عقد العزم على تعزيز النمو الاقتصادى، فقرر أن التحكم فى عدد السكان هو الحل، ثم توالت العواقب المأساوية، فظهرت الملايين من حالات الإجهاض، والتعقيم، وقتل الرضَّع فى وقت لاحق.

ولقد ذكرت مخرجة الفيلم حكايتين الأولى لخالها الذى أخذ طفلته الرضيعة، وتركها فى السوق لعل أحد يأخذها، وظلت لمدة يوميا تصرخ بدون أن يقترب منها أحد، لتموت وقد تجمع فوقها الذباب.. أما عمتها فقد باعت طفلتها لأحد المراكز التى كانت تأخذ الأطفال لتبيعهم لأسر بأمريكا، والمحزن أن أحد العاملين فى بيع الاطفال أكد أنه كان يوميا يسير بدراجته فى الطرق ليأخذ الأطفال الذين تخلص منهم أهاليهم وتركوهم على الطريق بمجرد ولادتهم.

 

####

 

روح «المرأة الباكية» التى أطلق سراحها لتجوب العالم

كتبت-حنان أبو الضياء:

السينما التى تعشق الأساطير وتستطيع تضفيرها بالأحداث السياسية؛ التى تمر بها الدول ؛ سينما لها مذاق خاص ؛ تبهرك وتجعلك متابعًا لها بكل احاسيسك ؛وهذا ما عشناه فى مهرجان الجونة فى دورته الثالثة .

وتم ذلك حيث  عرض الفيلم الجواتيمالي "The Weeping Woman" للمخرج جيرو بوستامانتي  المأخوذ عن أسطورة المرأة الباكية La Llorona ؛ وتم تضفيره بالاضطرابات التى حدثت في جواتيمالا بأوائل الثمانينيات.. لذلك لم يكن غريبا أن تمنح لجنة تحكيم "أيام فينيسيا" ويترأسها المخرج كريم عينوز، الفيلم الجواتيمالي "The Weeping Woman" للمخرج جيرو بوستامانتي، جائزة أفضل فيلم في المسابقة.الذى طرح أطروحته عن إنريكي الجنرال المتقاعد، الذى أشرف على المذبحة الجماعية التي وقعت في جواتيمالا منذ 30 عامًا.

والآن متهم   بقضية جنائية غامضةجزاءً ؛ وتكمن مأساة الجنرال بإيمانه أن روح «المرأة الباكية» قد تم إطلاق سراحها لتجوب العالم كروح هائمة وسط الأحياء. يسمعها وهي تنتحب ليلًا، فيما تؤمن زوجته وابنته بأنه يعاني من نوبات مرض «الديمنتشيا» المتعلق بالزهايمر.  بل والرائع أن المخرج جعل من مجرد وجود ألما الخادمة الغامضة في بيته يزيد من حدة هذا الأمر؛ وجعلها المخرج تبدو مرعبة وملائكية في نفس الوقت ، دون أن تفعل كل ذلك في الواقع.

 في بداية الفيلم ، ندخل لعالم النساء المجسدات للطبقة العليا في أمريكا اللاتينية البيضاء وشعورهم وتصرفاتهم تجاه سكان المايا الأصليين ؛وتجسد هذا فى أسلوب تعامل اسرة الديكتاتور مع الخدم من اصول المايا؛ وقدم المخرج  بعض التلميحات للعبودية المنزلية التي تعبر عن العبودية الجنسية التي أخضعها الجنرل لنساء المايا طوال فترة حكمه الماضية؛ وأن كانت هناك شخصيات اكثر انسانية بالعمل مثل ابنة كارمن ناتاليا المقدمة على أنها أم محبة وامرأة لديها شكوك حول مكانها في العالم وكيف وصلت إلى هناك ، والتى تدرك أن معظم حياتها كانت كذبة؛ مما يخلق تعاطفًا عميقًا حولها؛و ويرسمها الفيلم بطريقة ما كضحية لحروب طبقتها.

ولأن الفيلم مبني على أسطورة أمريكية لاتينية كلاسيكية؛ فلقد منح بعدا أسطوريا للإبادة الجماعيّة في جواتيمالا، أو الهولوكوست الصامت، و مذبحة المدنيين في مايا خلال عمليّات مكافحة التمرّد التابعة للحكومة العسكريّة في جواتيمالا؛ تلك المذابح والاختفاء القسري والتعذيب والإعدام واسعة الانتشار ؛ حيث قتل الآلاف من قبل حكومة عسكريّة تحافظ على سلطتها باستعمال الإرهاب ومعظمهم من المدنيين العزّل.فلقد نفّذ الجيش626 مجزرة ضد المايا أثناء النزاع، ودمر 440 قرية من قرى المايا بين عامي 1981 و1983، وأكثر من 200.000 طفل فقدوا أحد الوالدين على الأقل في عمليّات القتل، والذين فقد 25% منهم منذ عام 1980، مما يعني أنه ما بين 45.000 و60.000 من الجواتيماليين البالغين لقيوا حتفهم خلال الفترة ما بين 1980 و 1985.

والأطفال غالباً ما أصبحوا هدفاً لعمليّات القتل الجماعي من قبل الجيش في أحداث مثل مذابح ريو نيجرو.لذلك كان رائعا من المخرج تقديم تلك الكوابيس التى تنتاب زوجة الحاكم بين الحين والاخر وهى تحاول الهروب مع طفلين من اطفال المايا  أنتهى بهما الأمر بأغراقهم من قبل الجيش فى أحد الكوابيس  .

كل هذه الفظائع والمجازر الانسانية تمّ توجيه الاتّهام فيه إلى الديكتاتور العسكريّ السابق الجنرال إيفرين ريوس مونت لدوره في أشدّ مراحل الإبادة الجماعيّة ؛ والذى يمثله هنا الجنرال المحاكم فى الفيلم  والمصاب بما بعد الزهايمر الناتج عن قصور الدورة الدموية الدماغية ؛مما أدى به إلى تدهور متدرج فى الذاكرة، و تقلب فى الذاكرة وهلاوس بصرية ؛ مزجه المخرج بجزء من قصة شبح المرأة الباكية ، مع جزء من تاريخ بلاده الدموي .

 وفى الحقيقة  أن المخرج الجواتيمالي جيرو بوستامانتي لايلورونا ، واحدا من أكثر المخرجين المهمين فى أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة ، وخاصة أن أبداعه يعود دوما الى جذوره العميقة ؛التى تهز الروح عندما يرفع الحجاب عن تاريخه  وأساطيره ليكشف حقيقة ماحدث ؛ وخاصة أنه يمزج الواقعية السحرية بحالة من الفزع والترقب؛ من خلال الحكاية التى هي عنصر أساسي من الفولكلور الأمريكي اللاتيني فالأسطورة تتخلى فيها امرأة عن زوجها وتغرق أطفالها في نوبة من الغضب والحزن.

ومنذ تلك اللحظة ، تُحكم عليها بالبحث الأبدي عن جثث أطفالها ، مسببة سوء الحظ لأولئك الذين يقابلونها. تُسمع دائماً وهي تبكي من أجل أطفالها ، وهنا جعلها تأتي في شكل ألما  الخادمة الجديدة للعائلة التى أصبحت محور الفيلم؛ والتى كانت بمثابة العقاب للديكتاتور القاسي الذي سيطر على البلاد في خضم الحرب الأهلية التي دامت 40 عامًا تقريبًا.

وإذا الجنرال فى الفيلم خيالي إلا أن أوجه التشابه بين تلك الشخصية فى الفيلم والديكتاتورالحقيقى كثيرة ، فقد تم محاكمة مونتيفيردي بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في قضية ما يسمى سيبور زاركو ، والتي استدعى فيها ملاك الأراضي الجيش الجواتيمالي في نزاع مع مجتمع المايا الأصلي الذي يقاتل من أجل أرضه. جعل الجيش جميع الرجال في المجتمع يختفون وأبقى النساء كعبيد جنس ؛كما هو الحال في الفيلم ، فلقد أدين مونت لجرائمه ، لكن المحكمة الدستورية ألغت الحكم في وقت لاحق وأمرت بإعادة المحاكمة ، مما أجبر المدعين العامين بشكل أساسي على بدء القضية من جديد. هذا هو الأساس حيث بنى عليه الفيلم؛ فلقد تم نقل الديكتاتور، إلى المستشفى بعد انهياهر في فى المحكمة ؛ وفى أثناء وجوده في المستشفى  انقضت عقوبته بالفعل ، ليعود إلى قصره. مع زوجته كارمن (مارجريتا كينيفيتش) وابنته ناتاليا (سابرينا دي لا هوز) وحفيدته سارا (آيلا إيليا هورتادو) ليعيشوا محاصرين داخل القصر.

 ويبدأ الديكتاتور سماع امرأة تبكي أثناء الليل؛ وتتمثل لديه فى صورة الخامة بشعرها الطويل الأسود ولباسها الأبيض التقليدي. وفى نفس الوقت تبدأ ناتاليا في التساؤل كيف اختفى والد ابنتها فجأة وما إذا كان والدها قد شارك في ذلك. وتبدأ الام ينتابها الكوابيس ؛ ليفتح جميع أفراد أسرة الديكتاتورعيونهم ليعرفوا حقيقته؛ بينما يصاب هو بجنون العظمة بشكل متزايد . ليخلق بوستامانتي نسيج معقد من الواقع والخيال والأسطورة؛ مقدما هذا الثراء الأبداعى الهائل من خلال أسطورة قديمة أعيد كتابتها بذكاء ليصبح الشيطان الفعلي للأسطورة محاربا فى صف العدالة؛ وخاصة أن الديكتاتور السابق لم يُدان مرة أخرى طوال حياته ، و توفي بنوبة قلبية في عام 2018.

لذلك كان الفيلم بمثابة إعطاء ضحاياه فرصة للانتقام؛ وكأن بوستامانتي يقول: "إذا لم تستطع العدالة أن تأتي من الأحياء ، فيجب أن تأتي من الأموات " ؛ وتلك الفلسفة الحقيقية التى بنى عليها جيرو بوستامانتي  فيلمه ؛هذا المخرج السينمائي الجواتيمالى وكاتب السيناريو؛ الذى قام من قبل بإخراج فيلمه Ixcanul لعام 2015 ، والذي تم اختياره كمدخل جواتيمالي لأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار الثامن والثمانين. وتم تعيينه في لجنة تحكيم جائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان برلين السينمائي الدولي السابع والستين.

 

الوفد المصرية في

25.09.2019

 
 
 
 
 

المدى في مهرجان الجونة السينمائي 3..

أول فيلم تحريك مصري.. و(الطفيلي) الكوري يعرض في المهرجان..وإعلان اسماء لجنة التحكيم

الجونة- من موفدنا علاء المفرجي

تتواصل فعاليات مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة على مختلف الأصعدة ، فضمن إطار عروض السجادة الحمراء اليوم،

عرض المهرجان فيلم "الفارس والأميرة" للمخرج والسيناريست بشير الديك وإبراهيم موسى في عرضه العالمي الأول. الفيلم هو أول فيلم رسوم متحركة عربي طويل، واستغرق إنجازه أكثر من 20 عاماً، وهو من إنتاج شركة السحر للرسوم المتحركة والمنتج عباس بن العباس. الفيلم من بطولة أصوات مدحت صالح ومحمد هنيدي ودنيا سمير غانم وماجد الكدواني وعبد الرحمن أبو زهرة وغسان مطر وعبلة كامل وسعيد صالح وأمينة رزق.

وفيلم "إبراهيم إلى أجل غير مسمى" للينا العبد والذي يتناول رحلة المخرجة في البحث عن ما حدث لوالدها الذي انتمى في الماضي لجماعة أبو نضال؛ تلك الرحلة التي تسائل كيف يمكن لقرار فرد في العائلة أن يؤثر على بقية الأفراد. إضافة إلى ذلك، عرض المهرجان فيلم "جنازة رسمية" لسيرجي لوزينتسا والذي يعرض صوراً أرشيفية لم تُعرض من قبل لوقائع الأيام الأربعة التي انتهت بمراسم جنازة جوزيف ستالين، مما يلقي الضوء على بعض الأيام المنسيّة التي لا يتذكرها الكثيرون اليوم رغم مدى قسوتها

في يومه الثالث عرض مهرجان الجونة السينمائي عدداً من الأفلام كان أبرزها العرض العالمي الأول لفيلم "لما بنتولد" للمخرج تامر عزت، من بطولة عمرو عابد وابتهال الصريطي وأمير عيد وسلمى حسن ومحمد حاتم ودانا حمدان وبسنت شوقي، في مسرح المارينا في عرض سجادة حمراء بحضور نجوم الفيلم وصناعه. إضافة إلى ذلك فقد تضمن اليوم عرض السجادة الحمراء لفيلم "جلد أميركي" لنايت باركر والذي عُرض عالمياً لأول مرة في الدورة الـ76 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي

إلى جانب ذلك يعرض المهرجان العديد من الأفلام السينمائية المميزة مثل "طفيلي" للمخرج الكوري بونج جون هو وهو الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية في الدورة الـ72 لمهرجان كان السينمائي 

وفي إطار النشاطات المصاحبة وتحديداً برنامج جسر الجونة السينمائي، اقيمت العديد من الجلسات منها محاضرة "جماليات تصميم الصوت" التي قدّمها مصمم ومهندس الصوت رسول بوكاتي الحائز على جائزة الأوسكار وفيها طرق مبتكرة للوصول إلى أفضل تصميم صوتي لفيلمك. حيث تصف المحاضرة أهمية وجماليات استخدام الصوت في الأفلام الروائية المختلفة، وتسلط الضوء على عملية تكوين الصور من خلال استخدام الصوت خلال مراحل الإنتاج وما بعد الإنتاج. إضافة إلى ذلك تقام حلقة نقاش "دور وتأثير المهرجانات السينمائية" التي تديرها ميلاني جودفيلو مراسلة سكرين إنترناشونال. يشارك في الحلقة ناشين مودلي مدير مهرجان سيدني السينمائي العريق وسيتورا آلييفا مديرة مهرجان سوشي السينمائي والمدير الفني لمهرجان تورنتو كاميرون بايلي إضافة إلى المبرمجة شاينا واينجست ومدير البرمجة في مهرجان برلين السينمائي مارك بيرانسون

تحاول حلقة النقاش الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بالمهرجانات مثل: كيف تنظر المهرجانات إلى دورها وهويتها الآن، وفي المستقبل؟ وما هي المهام الأساسية التي يجب مراعاتها حول كيفية التقديم للمهرجانات السينمائية من أجل تحقيق أقصى قدر ممكن من التواصل، والترويج للأفلام والاستفادة من الدعاية وخلق تعاونات مستقبلية بين صناع الأفلام.

وضمن أنشطة الجسر أيضاً، أقيمت ندوة "سينما من أجل الإنسانية" والتي أدارتها المخرجة السينمائية والخبيرة الإعلامية رانيلد إيك وشارك فيها عدد من السينمائيين المميزين ومفوضي حقوق الإنسان مثل عمرو سلامة وشادن خلاف وقيس الشيخ نجيب وأمين درة وصبا مبارك وثريا إسماعيل إضافة إلى دانييلا تشيكيلا. ناقشت الجلسة تمثيل اللاجئين في السينما والأساليب الإبداعية لتصويرهم في الأعمال السينمائية

يتضمن برنامج جسر الجونة السينمائي غداً حلقة نقاش عن "السينما الأفريقية: الحاضر والماضي والمستقبل"، وتناقش هذه الحلقة كيف تطورت السينما الأفريقية من شمالها إلى جنوبها خلال السنوات الماضية، لتصبح ذات تأثير، وتمتلك قوة إبداعية وتتواجد على الخريطة السينمائية العالمية، إضافة إلى حلقة نقاش "طبيعة الحدود الفاصلة بين الأفلام الروائية والوثائقية"، وتناقش الحلقة التقنيات والحرفيات اللازمة لتشكيل قصة تمزج بين الواقع والخيال، من أجل خلق واقع جديد وإشراك الجمهور بشكل أفضل

وسيشارك خيري بشارة وموسى توري ومروان حامد كرؤساء لجان تحكيم الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي

حيث ينتقي مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة مجموعة من أبرز صناع الأفلام العرب والدوليين لاختيار الأفلام الفائزة في مسابقاته الثلاث. ومع برنامج المهرجان الذي يحتوي عدداً من الأفلام المميزة لصناع أفلام مخضرمين، وأفلام مثيرة لصناع أفلام واعدين، يجعل من عملية التحكيم أكثر صعوبةً وتحدياً.

يرأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة المخرج المصري المتميز خيري بشارة، وهو أحد المخرجين الذين أعادوا تعريف الواقعية في السينما المصرية، كما أنه أحد أوائل المخرجين العرب الذين استخدموا التكنولوجيا الرقمية في صناعة الأفلام في أواخر التسعينيات. وتضم اللجنة المخرجة والمنتجة مي مصري إحدى أعمدة السينما الفلسطينية والعربية، وناشين مودلي مدير مهرجان سيدني السينمائي الذي شارك في لجان تحكيم مهرجانات سينمائية مثل سان سيباستيان وبوسان وتورونتو وروتردام ودوربان وطوكيو، ورسول بوكاتي مهندس الصوت الأكثر شهرة في آسيا والحائز على جائزة الأوسكار لأفضل إنجاز في مكساج الصوت، إضافة إلى الناقد السينمائي الروسي ستاس تيركين والمدير الفني لمهرجان دفيجنيي الوطني ومهرجان ستريلكا السينمائي.

يرأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية المخرج والمنتج والممثل السنغالي موسى توريه مؤسس مهرجان "موسى إنفايت" السينمائي في السنغال، وتضم لجنة التحكيم المخرجة والمنتجة آن أجيون، إضافة إلى لودميلا تشفيكوفا، التي عملت مبرمجة في مهرجان روتردام السينمائي الدولي لمدة 15 عاماً، وطلال ديركي المخرج والمنتج السينمائي السوري الذي ترشح لجائزة الأوسكار في عام 2019. كما تشاركهم مصممة الأزياء المصرية المتميزة ناهد نصر الله.

يرأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة المخرج المصري البارز مروان حامد، الذي حققت أفلامه اهتماماً نقدياً وجماهيرياً واسعاً. وتضم اللجنة المخرجة والمصورة السينمائية الكولومبية البلجيكية خوانيتا أونزاجا، ومدير مهرجان تامبيري السينمائي يوكا بيكا لاكسو. وتتضمن اللجنة المخرج محمد الدراجي، والنجمة الممثلة التونسية درة زروق.

تستضيف الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما (الفيبريسي)، التي تمنح جائزتها لفيلم عربي طويل. وتضم اللجنة كارستين كاستيلان الصحفي والناقد السينمائي الألماني، وميرفت عمر الناقدة السينمائية المصرية إضافة إلى فريدريك بونسار الناقد السينمائي الفرنسي. كما يرحب المهرجان بشبكة تعزيز السينما الآسيوية (نيتباك)، والتي تمنح جائزتها لفيلم روائي طويل لمخرج آسيوي، تتكون لجنة تحك

يم "نيتباك" من جولنارا أبيكييفا الناقدة والمؤرخة السينمائية الكازاخية رئيسة للجنة التحكيم، والناقدة السينمائية السورية الفرنسية ندى الأزهري، وحسن حداد الكاتب والناقد السينمائي البحريني المميز.

 

المدى العراقية في

25.09.2019

 
 
 
 
 

فنكوش!

طارق الشناوي

تعددت المهرجانات السينمائية، وتراجع فى نفس الوقت مستوى الفيلم المصرى الجدير بأن يحمل اسم (المحروسة)، لديكم مثلا مهرجان (الجونة) استقطب أفلاما من الدول العربية للمسابقة الرسمية، وعجز عن تحقيق ذلك مصريا، غيابنا كان هو العنوان، ورغم ذلك أرفض تماما الدعوى التى يرددها البعض بأن المشاركة فى المهرجان أفضل من فضيحة الغياب، على العكس تماما فى الغياب بداية البحث عن علاج أنه الدواء المر الذى يجب أن نتجرعه.

الدولة فى السنوات الأخيرة لم تضخ أموالا لصالح الصناعة، لكن لدعم المهرجانات، وكأن الرسالة التى نريدها أن تصل للخارج هى أننا أقوياء، والدليل كل هذه المهرجانات السينمائية التى تتوالد بكثرة.

العديد من قضايانا السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والإعلامية نلجأ فيها لتلك الحلول التى تقدم رسالة عن القوة، بينما الحقيقة هى الضعف، إنه الحضور الذى له مذاق الغياب.

مصر هى واحدة من أوائل دول العالم التى عرضت أفلاما قبل نهاية القرن التاسع عشر، العالم عرف المهرجانات السينمائية نهاية الثلاثينيات، قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، مع (فينسيا)، وتكتشف فى بعض قصاصات الأرشيف، أننا منذ الخمسينيات وهناك رغبة لإقامة مهرجان سينمائى عالمى، جميل راتب هو أول من نادى بها، وهى معلومة لم تذكر كثيرا والرجل بيننا، لنعرف منه الكثير عن الملابسات، تأخرنا حتى 76 عندما تدخلت السلطة السياسية ممثلة فى الرئيس أنور السادات، ووقف داعما لإقامة مهرجان (القاهرة السينمائى الدولى) من خلال جمعية (كتاب ونقاد السينما) برئاسة كمال الملاخ، وذلك قبل أن تسبقنا إسرائيل.

الدولة من خلال رئيس الوزراء قررت إنشاء لجنة للمهرجانات، وتعددت تلك التظاهرات، وأغلبها تدعمها الدولة ماديا، باستثناءات قليلة مثل (الجونة)، وفى نفس الوقت أوقفت الدولة دعم الأفلام، عشنا قبل نحو ثلاث سنوات- وقبل تعويم الجنية- فى وهم كبير أشارت إليه كل الصحف بتوجيه دعم قدره 50 مليون جنيه لإنتاج الأفلام، سارعت وزارة الثقافة وقتها بإنشاء لجنة لبحث قواعد توزيع المنحة، وهل تسترد من المنتج أم لا؟ ثم اكتشفنا أنها مجرد (فنكوش)، لا توجد ورقة رسمية واحدة لدى وزير المالية تؤكد ذلك، رغم أن كل الصفحات الأولى للجرائد المصرية أشارت بعناوين عريضة للخبر منسوبا لرئيس الوزراء السابق.

السينما المصرية لاتزال تبحث عن فيلم يمثلها رسميا فى مهرجان (القاهرة)، وفى نفس الوقت (الفيل الأزرق) تصل إيراداته إلى 100 مليون جنيه، وهو قطعا يستحق توصيفا من أعلى، وليس الأعلى تاريخيا، لأن الحسبة يجب أن تخضع لعدد السكان والشاشات المتاحة، والقيمة الشرائية للجنيه وسعر التذكرة وغيرها، زيادة الإيرادات تدفع أصحاب رؤوس الأموال لتوجيه جزء منها للسينما، بعد أن شاهدنا فى السنوات الأخيرة انسحاب العديد من شركات الإنتاج، إلا أن هذا لا يكفى، هناك أفلام بطبيعة تكوينها لديها فرصة فى حصد الإيرادات، وأخرى لا تخاصم قطعا الجمهور، ولكن بناءها الفنى لا يمنحها قوة جذب تجارية، وهنا يصبح للدولة دور حيوى فى توجيه منح مالية لكى ترى هذه الأفلام النور.

الدعم الذى توجهه الدولة للمهرجانات ضئيل وبحاجة لدعم، هذه حقيقة، لكن عمق المشكلة يكمن فى تراجع المستوى الفنى لأفلامنا، وهو ما يجعلنا نلجأ لأبغض الحلال إعلان الغياب، فهل لا تستحق أفلامنا دعما أم أن قدرنا هو (الفنكوش)!!

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

25.09.2019

 
 
 
 
 

فيلم «ستموت في العشرين»: حتى لا يمرض أسد السودان

أنيس أفندي

حتى وقت قريب كان هناك استخدام شائع ومفرط لمصطلح «فيلم مهرجانات» في محاولة للتمييز بين الفيلم التجاري والفيلم الفني، وفي إشارة إلى القيمة الفنية والجمالية التي يمتلكها الفيلم والتي تفترض في جمهوره نوعًا من النخبوية الثقافية.

قبل أسابيع قليلة فاز المخرج السوداني أمجد أبوالعلا بجائزة «أسد المستقبل» من مهرجان فينيسيا السينمائي والتي تمنح لأصحاب العمل الأول، عن فيلمه «ستموت في العشرين»، والمقتبس عن قصة «النوم عند قدمي الجبل» للكاتب السوداني حمور زيادة. جائزة مرموقة من أحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، دفعت بالفيلم إلى دائرة الضوء، لا سيما وأنه ينتمي إلى السينما السودانية شحيحة الإنتاج، فالفيلم هو السابع في تاريخ السينما الروائية السودانية، والأول منذ عشرين عامًا. كل هذه العوامل أضفت طابعًا رومانسيًا على الفيلم حتى قبل مشاهدته، ورفعت بالطبع من سقف التوقعات، فكيف لاقى الفيلم هذه التوقعات؟

قوبل الفيلم بترحاب وحفاوة شديدتين بعد عرضه الأول في الوطن العربي من خلال مهرجان الجونة السينمائي الذي يشارك الفيلم في مسابقته الرسمية لدورة هذا العام، والتي تجري فعاليتها في الفترة من 19 إلى 27 سبتمبر الجاري. بعد مشاهدتي للفيلم كان السؤال الملح: كيف ستكتب عن هذا الفيلم الذي يبالغ الجميع في الاحتفاء به، وكيف يكتب الناقد عن فيلم متواضع المستوى الفني في مثل هذه الأجواء؟

الصورة الجميلة

بعد مشاهدة الفيلم شاركت في مناقشات عديدة ومتفرقة مع مجموعة من النقاد والمهتمين بالسينما. وإذا ما نحينا الأصوات المبالغة في تقديرها، سنجد أن الأصوات الأكثر اتزانًا ترى الفيلم «جميلًا بصريًا». لزم وضع هذا التوصيف بين علامتي تنصيص لأن هذا هو التعبير الأكثر استخدامًا في وصف الفيلم من قبل كل الأصوات المتزنة والإيجابية، والتي تعني أن قيمته الفنية تكمن بالأساس في جماليات الصورة، وهي بحق صورة جميلة، ولكن هل تكفي الصورة الجميلة وحدها لصنع فيلم جميل؟

السينما فن شديد التركيب إذ يتألف من الكثير من العناصر المتداخلة، ومن ثم فإن المعايير الجمالية ليست بسيطة وإنما على قدر من التركيب والتعقيد كذلك، غير أنها يمكن تبسيطها في ثنائية الشكل والمضمون، والتي يعبر عنها سؤالان أساسيان: ماذا تريد أن تقول؟ وكيف تقوله؟

يدور فيلم «ستموت في العشرين» حول أسرة سودانية ترزق بمولود ويذهب الأبوان إلى أحد الشيوخ لمباركة الطفل، فيخبرهم الشيخ أن هذا الطفل سيموت بعد بلوغه سن العشرين، وهكذا يعيش الطفل حياته كلها تحت سطوة هذه النبوءة، ونتابع حياته منذ هذه اللحظة وحتى بلوغه العشرين.

قدم المخرج أمجد أبوالعلا، ومدير التصوير الفرنسي سيباستيان جوبفيرت صورة جميلة وشاعرية من خلال التوظيف الجيد للمكان واختيار مواقع التصوير بالقرب من نهر النيل والتي تمثل مناظر طبيعية جميلة في حد ذاتها، والاعتماد على التباين الشديد بين النور والظلام من خلال الإضاءة الطبيعية في المشاهد النهارية، وإضاءة الشموع في المشاهد الليلية، وهو ما أسهم في تعزيز الإحساس بشاعرية الصورة. بالإضافة إلى التنفيذ المميز لتصميم الديكور والأزياء، والذي ساهم في التأسيس لعالم الفيلم الخاص الذي تسيطر عليه معالم المجتمع البدائي في محاولة لطمس أي معالم لهوية المكان أو الزمن الذي تدور فيه الأحداث.

كل هذا جميل ولا يمكن الاختلاف عليه أو إنكار فضل صناع الفيلم فيه، ولكن هل حقًا يمكن للشكل أن يغني عن المضمون؟

العناصر البصرية هي بالطبع مكونات تأسيسية في فن السينما، ولكنها ليست غاية في حد ذاتها، وإنما مجرد أدوات يستخدمها صانع الفيلم للتعبير عن أفكاره ومشاعره ورؤيته الخاصة لموضوع فيلمه وقصته وأبطالها. ولكن ماذا لو لم يكن هناك ما تعبر عنه هذه الأدوات؟

على الرغم من أن الفكرة الرئيسية (Premise) التي تقوم عليها حبكة الفيلم هي فكرة مبشرة وتنبئ بمساحات واسعة ومتنوعة للتناول، الفيلم لا يتجاوز عتبة الفكرة البسيطة لنبوءة الموت، ولا يلتفت لكل ما تطرحه هذه الفكرة من أسئلة عن الحياة والموت والوجود، ولا ما تفترضه من مفارقات بين الخرافة والمعتقد الديني، وما تعكسه عن علاقة الفرد بمجتمعه، هو فقط يتتبع بطله الذي مني بالنبوءة المشؤمة منذ الميلاد وحتى العشرين.

وإذا ما تجاوزنا الفكر والفلسفة سنجد أن الفيلم عجز أن يبني من هذه الفكرة المبشرة دراما سينمائية حقيقية، فسنجد أن الصراع يكاد يكون معدومًا طوال الفيلم، فالأب والأم استسلما للمصير المزعوم من البداية للنهاية، شخصيات أحادية البعد لا يطرأ عليها أي تحول، لا أحد يسائل هذه النبوءة أو يشكك فيها، جميع أهل القرية مؤمنون بها إيمانًا عقديًا. أما البطل فلا يفقد إيمانه بالنبوءة إلا بعد زواج حبيبته، وكأنه لم يدرك مدى هشاشة هذا الإيمان إلا بعد ما تعرض لصدمة عادية تتكرر كل يوم لملايين البشر. ثم يأتي التحول في شخصية البطل من خلال علاقته بواحدة من أكثر الشخصيات المبتذلة والمتكررة في السينما العربية، إسماعيل، المثقف التقدمي المتمرد والرافض لمنظومة الفكر والقيم بمجتمعه التقليدي.

أما أبرز معالم التفاوت بين الشكل والمضمون فتتبدى في معالجة الفيلم للزمن. منذ البداية يحرص الفيلم على تمويه الزمن فلا يعطي المشاهد أي إشارة حقيقية لزمن الأحداث، وهو ما يساهم في ترسيخ الطابع البدائي للمجتمع الذي تدور فيه الأحداث، ثم تقوم الصورة المجردة بكسر هذا التمويه من خلال إشارات واضحة للزمن في استعراض «إسماعيل» لمشاهد قام بتصويرها في الماضي الذي يبدو أنه السودان في السبعينيات، أو في عرضه فيلم «باب الحديد»، أما أكثر هذه الإشارات إرباكًا فنجدها في مشهد متكرر داخل غرفة «نعيمة» إذ يظهر على الحائط بوضوح ملصق دعائي للمسلسل التركي «حريم السلطان»، وهو ما يكسر تمامًا صورة المجتمع البدائي ويعطي إشارة واضحة بمجتمع حداثي.

العمل الأول

في كل المناقشات التي شاركت فيها بشأن الفيلم، كنت أعمد إلى سؤال محدثي: «ماذا يقول الفيلم؟» ثم أشرح وجهة نظري عن العلاقة بين الشكل والمضمون، ليأتيني الرد الذي تواتر على لسان الكثيرين؛ أن هذا الفيلم هو العمل الأول لمخرجه الشاب، ومن ثم فلا حرج عليه.

لا أستطيع أن أفهم الحجة في التساهل مع فيلم ما لأنه العمل الأول لمخرجه، وهنا بالتحديد يبدو الأمر مثيرًا للتعجب، فنحن لسنا أمام مشروع تخرج لأحد طلاب معهد السينما، ولكننا أمام مخرج احترف صناعة الأفلام سنوات ليست بالقليلة، فيلم «ستموت في العشرين» هو فيلمه الروائي الطويل الأول، ولكن سبقه العديد من الأفلام الروائية القصيرة، والكثير من الأفلام الوثائقية التي قدرت على صفحته بموقع «السينما» بأكثر من 100 ساعة.

من الطبيعي أن تصقل التجربة والخبرة أعمال أي فنان، ومن ثم فإن عمله الأول بالتأكيد سيكون أبسط من أعماله التالية، لكن ليس من الطبيعي أن يكون العمل الأول مبررًا ضعيفًا لمجرد أنه العمل الأول، فقد سبقه بالتأكيد خبرة في تذوق السينما وتعلمها وإلا لما أصبح هذا المخرج مخرجًا من الأساس.

توجيه الممثلين هو إحدى الوظائف الهامة للمخرج، وهو أمر يحتاج إلى الخبرة والدراسة بالتأكيد، لكن لا يعقل أن يكون العمل الأول مبررًا لضعف الأداء التمثيلي من غالبية أبطال الفيلم، فهنا لا يحتاج المخرج سوى خبرة المشاهدة ليستطيع التمييز بين الأداء الجيد والضعيف، حتى لو لم يمتلك هو نفسه خبرة توجيه الممثلين.

في فيلم «ستموت في العشرين» نشاهد أداء ضعيفًا من أغلب أبطال العمل، لا سيما بطل الفيلم مصطفى شحاتة الذي يقوم بدور «مزمل». يلتزم شحاتة بإيقاع ثابت في أدائه لا يتغير على مدار الفيلم، ويظهر أداؤه على المستوى الجسدي بشكل متصلب خال من التعبير، أو مغالى فيه مثل مشهد نزول «مزمل» إلى النيل في ثورة من الغضب. هناك أيضًا محمود السرجي الذي قدم شخصية سليمان وهي شخصية تقليدية وأقرب إلى الكليشيه. يقدم السرجي أداء ضعيفًا للغاية ولم يستطع ضبط انفعالاته في الكثير من المشاهد. ولا يستثني من أبطال الفيلم سوى إسلام مبارك التي قدمت أداء جيدًا متماسكًا لدور الأم «سكينة».

قد يقول قائل إن أبطال الفيلم ممثلون غير محترفين، وإن هذا الفيلم هو العمل الأول لهم، وهذا صحيح، لكنه لا ينفي مسئولية المخرج الفنية عن هذا المستوى الضعيف للأداء التمثيلي، ويكفي أن نذكر هنا تجربة المخرج الأردني ناجي أبونوار في فيلمه الأول «ذيب» (2014)، إذ قام أبونوار باختيار مجموعة من سكان الصحراء العربية لم يسبق لهم التمثيل من قبل، وقضى معهم فترة طويلة من التدريبات وورش العمل، وقدم واحدًا من أجمل الأفلام العربية في السنوات الأخيرة وخاصة على مستوى الأداء التمثيلي الرائع لكل أبطاله، واستطاع أن ينال عنه عددًا كبيرًا من الجوائز المرموقة.

تشجيع صناع السينما الجدد في أعمالهم الأولى هو أمر مطلوب بالتأكيد، لكن المغالاة في تضخيم إنجازهم الفني، والتغاضي عن المشاكل الفنية الواضحة بدعوى «العمل الأول» هو سلوك لا يعود بالنفع على صانع السينما بأي شكل من الأشكال.

فيلم سوداني

مشاهد المهرجانات يتعرض إلى الكثير من الأفلام والتجارب السينمائية من مختلف الدول حول العالم، والتي تتنوع وتختلف تفاصيلها وعوالمها وأساليبها الفنية، كما تختلف أيضًا في القيمة والجودة. كما أنه يشاهد هذه الأفلام بشكل مكثف على مدار أسبوع على الأكثر، ولهذا يتأثر حكمه على الأفلام بالمقارنة بين مشاهداته الكثيرة والمتنوعة.

تتواتر الإشارة إلى فيلم «ستموت في العشرين» بأنه فيلم سوداني، وبأن هذا إنجاز يستحق الإشادة في ظل الوضع الحالي للسينما السودانية. جنسية الفيلم هي أمر هام في عملية التلقي، إذ تتأثر هذه العملية بمدى ارتباط الفيلم بهوية البلد الذي خرج منه ومدى إلمام المشاهد بهذه الهوية والثقافة، غير أنها ليست عنصرًا فاعلًا في تقييم الفيلم فنيًا. ولهذا فإن الاحتفاء بالهوية السودانية لفيلم «ستموت في العشرين» هو أمر محبذ ومطلوب بالتأكيد، لتشجيع المزيد من التجارب السينمائية لمخرجين سودانيين، خاصة مع وضع حال السينما السودانية في الاعتبار، ولكن هذه الهوية نفسها ليست مسوغًا للمغالاة في تقييم الفيلم فنيًا، أو للتغاضي عن مواطن الضعف فيه.

فيلم «ستموت في العشرين» هو بالتأكيد فيلم هام وجيد الصنع ولا يخلو من الجماليات على المستوى البصري، ويستحق كل الاحتفاء والتقدير لما حققه من إنجاز بمهرجان عالمي مرموق مثل مهرجان فينيسيا، ولكن كل ذلك لا يمنع من الإشارة إلى مواطن الضعف فيه، ولا يجعل من الناقد الذي يفعل ذلك هادمًا للذات الوطنية والقومية، ومفرقًا للجماعات السينيفيلية.

 

موقع "إضاءات" في

25.09.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004