"الرجل
الأول" يروي قصة رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ أول رجل وطأ
بقدمه سطح القمر في مركبة الفضاء أبوللو 11.
افتتحت مساء الأربعاء الدورة الـ75 من مهرجان
فينيسيا السينمائي، أعرق المهرجانات السينمائية في العالم، بالفيلم
الأميركي “الرجل الأول” الذي أخرجه داميان شازيل، وقام ببطولته
ممثله المفضل ريان كوسلنغ الذي قام ببطولة فيلم شازيل السابق “لا
لا لاند” الذي افتتح به المهرجان قبل عامين
فينيسيا (إيطاليا) –
أصبح مهرجان فينيسيا خلال السنوات الست الأخيرة بفضل نشاط مديره
الفني ألبرتو باربيرا، المنافس الأول لمهرجان كان، أهم وأكبر
مهرجانات السينما في العالم، وأصبح تقليدا ثابتا لديه أن يُفتتح
بفيلم من أفلام هوليوود التي يمكنها أن تشق طريقها نحو ترشيحات
الأوسكار.
ويروي فيلم “الرجل الأول”
The First Man،
الذي افتتح به المهرجان دورته الـ75 الأربعاء، قصة أول رجل وطأ
بقدمه سطح القمر وهو رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ، قائد
مركبة الفضاء أبوللو 11 التي انطلقت في 20 يوليو 1969 في أول رحلة
من نوعها إلى القمر الذي كان دائما يثير الخيال الإنساني.
الحقيقة والخيال
لكن فيلم “الرجل الأول” ليس الأول الذي يروي هذه
القصة المثيرة، فقد سبقه فيلم “أول رجال في القمر”
Fist Men in the Moon
الذي أخرجه عام 1964 ناتان جوران عن قصة هـ. ج. ويلز من عام 1901،
وهي قصة خيالية بالطبع.
والفيلم يصوّر كيف ترسل الأمم المتحدة بعثة إلى
القمر لكي تكتشف هناك وجود العلم البريطاني مشفوعا باسم سيدة
بريطانية تدعى كاثرين كاليندر، وهو ما يشير إلى أنها سبقت هؤلاء
الرجال في الوصول إلى القمر.
داميان شازيل بذل جهدا كبيرا كي يتطابق فيلمه بشكل
مدهش مع الحقائق العلمية لتكنولوجيا الفضاء وآلياتها ووسائلها
وبالبحث والتنقيب يتم العثور على زوجها نزيل إحدى
مصحات العجائز، حيث يمنعونه من مشاهدة أخبار البعثة الفضائية
الجديدة ولا يقيمون وزنا لما يردّده من أنه كان مع زوجته التي
توفيت منذ سنوات، على سطح القمر.
كيف وصلت كاثرين كاليندر إلى القمر؟ القصة تروي أن
مخترعا يدعى جوزيف كافور اخترع مادة أطلق عليها كافوريت كفيلة
بتوليد قوة دفع هائلة للأجسام التي تطلى بها، وبالتالي أمكن
بواسطتها طلاء سفينة فضاء ودفعها من دون حاجة إلى أي صواريخ للوصول
إلى القمر.
وقد أعيد إنتاج نفس القصة عام 2010، ولكن في مسلسل
تلفزيوني بالعنوان نفسه من إخراج مارك غيتيس وإنتاج تلفزيون “بي.
بي. سي”.
أما فيلم “الرجل الأول” لمخرجه داميان شازيل (33
عاما)، فهو يختلف كلية عن الأفلام السابقة التي ظهرت عن حلم
الإنسان في الوصول إلى القمر، كما يختلف عن فيلم “جاذبية الأرض”
لألفونسو كوارون الذي افتتح به المهرجان في 2013، فهو ليس أحد
أفلام “الخيال العلمي”.
والسبب أنه يروي على صعيد الدراما، القصة الحقيقية
وراء الوصول إلى القمر من خلال جهود وكالة الفضاء الأميركية وغيرها
من الوكالات المتخصصة في أبحاث الفضاء في الولايات المتحدة
والتضحيات الكبيرة التي قدّمها عدد من رواد الفضاء والعلماء الذين
ضحوا بأرواحهم قبل أن يتمكن نيل أرمسترونغ وزميلاه من الوصول إلى
القمر، لكن التركيز الأساسي هنا على شخصية أرمسترونغ فقط باعتباره
الرجل الأول الذي سار على سطح القمر.
ويسير الفيلم على خطى أفلام هوليوود المثيرة، فهو
يركز كثيرا على المواقف القاسية التي يتعرض لها الطيارون أثناء
الاختبارات، ثم ما يقع من كوارث لبعضهم يلقون فيها حتفهم، لكن في
الوقت نفسه، يهتم بالعودة إلى الحياة الخاصة لأرمسترونغ مع أسرته:
زوجته وولديه، والإشارة إلى أنه فقد ابنة في البداية، وكيف عانت
زوجته من غيابه المستمر عن البيت ثم اندفاعه في طموحه المهني
لتحقيق المستحيل غير مبال بما يمكن أن ينتج عن مغامرته الكبرى إذا
ما لقي حتفه.
مواقف إنسانية
في الفيلم الكثير من المواقف الإنسانية المليئة
بالمشاعر مثل المواجهة مع زوجته قبيل رحيله للذهاب في رحلة أبوللو
11، عندما ترغمه على الجلوس إلى ولديه، الطفلين، وإخبارهما
بالحقيقة، أي حقيقة أنه سيذهب وربما لن يعود أبدا، أو تصوير مشاعر
أرمسترونغ بعد أن يلمس القمر.
ومع ذلك، يعاني الفيلم من الاستطرادات ومن كثرة
المشاهد “التقنية”، أي تلك التي تتركز كثيرا على الجوانب الفنية في
تطوير نظام الصواريخ التي تحمل سفن الفضاء وكثرة المصطلحات العلمية
والتقنية التي تسبب الكثير من الإرباك للمشاهد.
رحلة محفوفة بالمخاطر
ولا شك أن داميان شازيل بذل جهدا كبيرا كي يتطابق
فيلمه بشكل مدهش مع الحقائق العلمية لتكنولوجيا الفضاء وآلياتها
وأطرها ووسائلها، ولا شك أنه نجح في إدارة طاقم الممثلين وخلق
أجواء الستينات سواء في المشاهد الخارجية أو الداخلية، مع ملاحظة
أن المنتج المنفذ للفيلم ليس أقل من ستيفن سبيلبرغ نفسه، رائد
أفلام الخيال الفضائي، إذا جاز التعبير.
ريان كوسلنغ أدى الدور بإقناع ونجح في التعبير عن
القلق والتوتر والحنين إلى الأسرة، خاصة أن شازيل كان ينتقل عبر
أسلوب المونتاج المتوازي من العمل في المحطة الفضائية، إلى ما يحدث
على صعيد البيت والأسرة.
أما النجمة الحقيقية للفيلم، فهي الممثلة الجميلة
كلير فاي التي قامت بدور الزوجة جانيت شيرون، بشخصيتها القوية
الآسرة، وتراوحها بين الحب والقلق والخوف على أبنائها وزوجها
ورغبتها المكتومة في التمرد على دور الزوجة التقليدية، مع شعورها
القوي في الوقت نفسه بالمسؤولية.
عالم
السياسة
يشير الفيلم إلى الخلفية السياسية للفترة خلال عهد
الرئيس جونسون، والتظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت ضد حرب فيتنام،
لكن أفضل ما فيه الجزء الخاص بالاعتراضات التي واجهها برنامج ناسا
للوصول إلى القمر حتى من داخل البيت الأبيض نفسه ومن أعضاء بارزين
في الكونغرس ونشطاء في حركة الحريات المدنية، بدعوى أن أميركا
لديها أولويات أخرى، وأن الوصول إلى القمر لن يحقّق لها شيئا.
لقد نجحت أميركا حقا في التفوق على الاتحاد
السوفيتي في سباق الفضاء، ولا شك أن الفيلم يحتفي بهذا التفوق،
ويمجده ويسعى، رغم تضمنه الكثير من الألاعيب والأجهزة والتعقيدات
التكنولوجية، إلى “أنسنة” رائد الفضاء أرمسترونغ وتصوير معاناته
ومعاناة أسرته والتضحية الهائلة التي قدّمها هو كما قدّمها زملاؤه
الذين سبقوه في المحاولة وفقدوا أرواحهم.
ولكن السؤال الطبيعي عقب مشاهدة الفيلم يصبح: وماذا
بعد الوصول إلى القمر؟ هل بات العالم أكثر أمانا واستقرارا وسلاما؟
وهل نجح في السيطرة على التلوث الهائل وما ينتج عنه من احتباس
حراري أصبح يهدد كوكب الأرض بوقوع الكثير من الكوارث؟
كاتب وناقد سينمائي مصري
####
عرض سينمائي نادر لإحدى تحف السينما الصامتة في
فينيسيا
أمير العمري
مهرجان فينيسيا يقدم فيلم "الغوليم" الذي أخرجه
وقام ببطولته الألماني بول فيغنر، كحدث سينمائي استثنائي.
قبل يوم من الافتتاح الرسمي للدورة الـ75 من مهرجان
فينيسيا السينمائي، نظم المهرجان عرضا احتفاليا نادرا، مصحوبا
بالموسيقى الحية، للفيلم الألماني الكلاسيكي الصامت “الغوليم: كيف
جاء إلى العالم”
The Golem: How He Came into the World
الذي أخرجه وقام ببطولته الألماني بول فيغنر، كحدث استثنائي من
الأحداث التي يحتفل بها عشاق السينما حول العالم، ويمكن أيضا ترجمة
كلمة “الغوليم” إلى “المخلوق”.
والفيلم أحد الأفلام التي أنتجت في زمن جمهورية
فايمار في ألمانيا، فقد أنتج وعرض عام 1920، وكان أحد أبرز الأفلام
التي ظهرت ضمن المدرسة التعبيرية السينمائية، أما التعبيرية فهي
الحركة التي ظهرت في أوائل القرن العشرين في ألمانيا، في الفن
التشكيلي والمسرح والسينما والتصوير، وكان فنانو التعبيرية يقدمون
“صورة مشوهة بطريقة فنية للواقع” وليس نقل أو نسخ الواقع مبتعدين
عن فكرة الإيحاء بالواقعية، فالهدف هوالتعبير عن الأحاسيس عبر
الصور.
وكان يُعتقد أن هذا الفيلم قد أصبح من الأفلام
المفقودة، ولكن تم إعداد نسخة عام 2012 من الفيلم القديم، أما
النسخة الجديدة، فهي أرقى وأكثر النسخ اكتمالا واعتمدت على نسخ من
النيغاتيف تم العثور عليها في التسعينات كانت قد صدرت للخارج،
وأهمها النيغاتيف الذي عثر عليه في أميركا، ويعتقد أيضا أنه مطابق
للنسخة الألمانية، لكن بعض اللقطات فيها تعرضت للحذف.
أما النيغاتيف الثاني فقد عثر عليه مؤخرا في
سينماتيك بروكسل (بلجيكا)، وقد أمكن في النهاية الحصول على نسخة
رقمية عالية الجودة (4 ك) هي التي عرضت في مهرجان فينيسيا
السينمائي الـ75، كما تم تنظيف النسخة واستبعاد بعض التأثيرات
البصرية الحادة التي لم تعد مناسبة للعرض الحديث.
وقد صاحب العرض عزف موسيقي حي للموسيقى الأصلية
التي كانت تصاحب الفيلم في دور العرض الألمانية، بعد أن تمكن
الموسيقار الألباني أدمير شوكوراتي من إعادة توليفها وتنسيقها لكي
تحدث نفس ما كان لها من تأثير أصلي.
وأصبح العرض بالتالي متعة لا يسهل تكرارها، فقد نجح
أفراد الفرقة الخمسة في متابعة مناظر الفيلم عبر شاشات الكومبيوتر
وكانوا يستخدمون الطبول والآلات، بالإضافة إلى الكيبورد لتوليد
الموسيقى التعبيرية الهائلة التي أصبح العرض من دونها لا معنى له.
الفيلم يلعب على فكرة "اضطهاد اليهود" من قبل
المسيحيين، ويقوم الحاخام بالتالي بخلق كائن يمتلك قوة خاصة
أسطورية من الطين هو "الغوليم"
وتدور أحداث الفيلم في مدينة براغ في القرن السادس
عشر، ويبدأ بالحاخام اليهودي “لويو” داخل الغيتو، وهو يستطلع
النجوم فيدرك أن هناك كارثة ستحل باليهود جميعا، وأن الإمبراطور
الروماني قد أصدر فرمانا بضرورة مغادرة اليهود المدينة قبل نهاية
الشهر وإلاّ أبادهم بسبب غضبه عليهم لسخريتهم من الأعياد المسيحية
المقدسة.
وهو ما يعني أن الفيلم يلعب على فكرة “اضطهاد
اليهود” من قبل المسيحيين، ويقوم الحاخام بالتالي بخلق كائن يمتلك
قوة خاصة أسطورية من الطين هو “الغوليم”، وهي كلمة تكتسب معنى
دينيا في الأدبيات اليهودية للمخلوق الخارق الذي يستمد قوة الشر من
الشيطان نفسه.
ويصبح الغوليم ذلك الكائن المدمر، هو الذي يسخره
الحاخام-الساحر لإنقاذ اليهود من الفناء بقوته، وعندما يستعرض
الحاخام أمام الإمبراطور قدرة الغوليم ويكاد يسقط سقف القصر
الإمبراطوري فوق رأس الإمبراطور وحاشيته، يطلب الإمبراطور من
الحاخام أن يوجه الغوليم حتى يتوقف متعهدا بالعفو عن اليهود.
وهناك قصص أخرى فرعية تجري داخل الغيتو، تدور حول
الحب والغيرة والانتقام، ولا شك أن هناك الكثير من التشابه بين
فكرة الفيلم وفكرة رواية فرانكنشتاين، لكن الغوليم يسبق في السينما
ظهور الأفلام عن رواية ماري شيللي الشهيرة.
ويصنف فيلم “الغوليم” من أفلام الرعب، لكن أهميته
الحقيقية أنه من أوائل الأفلام التي أظهرت القدرة الخاصة للصور
والديكورات التعبيرية كالتجاويف والكهوف ذات الأسقف المقوسة،
والجدران التي تنعكس عليها الظلال المخيفة والأبراج المدببة.
ويلعب الفيلم أيضا شأنه في ذلك شأن فرانكنشتاين على
فكرة تمرد المخلوق “الشرير” على خالقه، ثم فكرة البراءة أمام الشر،
ويجعل الطفلة الصغيرة البريئة التي يحملها الغوليم هي التي تقضي
عليه بعد أن خرج من عقاله واتجه لتدمير صانعه وأبناء جلدته بسبب
اكتسابه مشاعر إنسانية ترتبط بالشهوة الجنسية.
لا شك أن العرض على إحدى كبرى الشاشات في العالم في
مسرح دارسينا والذي حضره نحو 1800 متفرج، تجربة ممتعة بفضل تضافر
الموسيقى الحية مع الصور الصامتة، إنه احتفاء كبير بالفن في إحدى
قلاع الفن التي ترتبط بأعظم بينالي للفنون في العالم، أي بينالي
فينيسيا الدولي.
كاتب وناقد سينمائي مصري |