سينما 2017
تقدمها: خيرية البشلاوى
"أوغسطينوس..
ابن دموعها"
المخرج تأثر بلوحات فناني النهضة.. والفيلم لا
يندرج تحت أعمال الوعظ
لا تكفي مشاهدة واحدة لفيلم سينمائي روائي طويل
يمتلك ثراء بصرياً وفكرياً وقيمياً ويتناول موضوعاً حساساً وشخصية
دينية تاريخية كبيرة مثل فيلم "أوغسطينوس.. ابن دموعها" الذي حصل
علي جائزة الإنجاز الفني في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول
البحر المتوسط "7 ـ 12" أكتوبر.. ولا تكفي بالتأكيد لو كانت
المشاهدة ضمن برنامج يتضمن أعمالاً أخري جديرة بالمتابعة والفيلم
عمل ضخم يستحق أكثر من مشاهدة.
فيلم "أوغسطينوس.. ابن دموعها" أول عمل عربي تاريخي
مشترك بين تونس والجزائر ومصر.. وأول عمل من الانتاج الضخم
بالمعايير الدولية يخرجه سمير سيف. والفيلم نفسه وكما يقول هو عن
حق يعتبر علامة فارقة في مشواره الفني "دائرة الانتقام". "سوق
المتعة". "معالي الوزير". "الراقصة والسياسي"".
الانطباع الأول الذي يثيره هذا الانجاز الفني
السينمائي القيم أنه يجمع بين النزعة الأخلاقية والدينية المستنيرة
وبين التوجه الإنساني الاشمل لرجل الدين المفكر الفيلسوف الذي تقلب
وسط تيارات فكرية وانتقل من الوثنية إلي المسيحية وأصبح أحد أهم
الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية.
الفيلم المأخوذ عن حياته ومع تراثه البصري ويعتبر
عملاً درامياً بامتياز. ونموذجاً للخطاب المستنير لقديس عاش قبل
الإسلام وأمضي حياته الأولي لا يؤمن بالمسيحية وغير ملتزم
بالمعايير الأخلاقية الطيبة.
ولد ومات في الجزائر
وأهمية هذه الشخصية المؤثرة جداً في الغرب المسيحي
أنه كان فيلسوفاً وكاتباً ورجل دين وصل إلي أعلي درجة ولد ومات في
الجزائر "13 نوفمبر 354م ـ أغسطس 430م". وكان والده وثنياً فظ
الأخلاق بينما كانت الأم مسيحية مؤمنة. تحملت سوء أخلاق زوجها بصبر
كبير. وسوء وانحرافات الابن في بدايات حياته. ومن فرط أخلاصها
استطاعت أن تحقق للزوج الهداية فآمن بالمسيحية قبل وفاته مباشرة
ووصل الابن إلي المرتبة التي لم تكن تحلم بها.. فلا توجد أحلام
مستحيلة.
عنوان الفيلم "أوغسطينوس.. ابن دموعها" يشير إلي
حجم الدموع التي ذرفتها الأم أثناء دعائها للابن بالهداية وكانت
هذه الأم امرأة أمازيجية "جزائرية" ظلت تلاحق ابنها بالدعاء
والدموع الغزيرة حتي أن قسيس القرية كان يطمئنها بقوله "ثقي يا
امرأة أنه من المستحيل أن يهلك ابن هذه الدموع" ومن هنا جاء تسمية
القديس "أوغسطينوس" بأنه ابن لدموع أمه.
لعبت دور الأم بإيمان واقتناع كبير الممثلة عائشة
بن أحمد وفي دور القديس أحمد أمين بن راضي وشارك في البطولة ممثلون
من تونس والجزائر والفيلم تأليف عماد دبور وسامي سامح. وأشرف علي
انتاجه يوسف منصور من مصر.
إذن تجربة علي هذا القدر من الاحترام والحرفية
تتناول سيرة حياة فيلسوف مسيحي يلعب دوره ممثل مسلم وطاقم من
الممثلين يجمع بين تونس والجزائر ويقوم بإخراجه قبطي مصري ويشرف
علي انتاجه منتج مصري وتؤدي أغنية المقدمة المطربة ماحدة الرومي من
لبنان. ألا يعتبر ذلك نموذجاً لوحدة فنية ثقافية تاريخية عربية
معتمدة جماهيرياً من جماهير السينما في البلاد العربية؟
لقد سبق للسينما العالمية أن قدمت أعمالاً عن هذا
الفيلسوف ورجل الدين الذي تحول من الإلحاد إلي الإيمان وتأثر بكثير
من التيارات الفكرية في عصره وكتب عن تجرية حياته في كتاب
"الاعترافات" ووصل إلي مرتبة كبيرة وأصبح من بين أهم وأقوي
الشخصيات التي كان لها تأثير في تاريخ الكنيسة في الغرب المسيحي.
وبالنسبة للسينما العربية يعتبر أول عمل تاريخي
عربي مشترك ومن ثم فهو عمل "تاريخي" نسبة إلي مستواه الفني الذي
يمكن مضاهاته بالأعمال الغربية التي اعتمدت علي الكتاب المقدس
"العهد القديم. والعهد الجديد" ومن المؤكد أن المخرج سمير سيف شاهد
هذه الأفلام وهي بالعشرات وكذلك تأثر باللوحات الدينية في المتاحف
الغربية وبالذات فناني عصر النهضة. وذلك في إخراج الجزء الخاص
بحياة القديس "أوغسطينوس" حيث يبدو تأثره بالألوان والتشكيل
والتكوين داخل المشهد.
خطان متوازيان يلتقيان
الفيلم يسير في خطين دراميين أحدهما يدور في القرن
الرابع والخامس الميلادي ويرتبط بحياة القديس نفسه. نشأته في بلده
"تاجست" "الجزائر" وانتقاله قرطاج في تونس حتي يدرس علم البيان ثم
ذهابه إلي روما وميلانو وفرنسا وموت أمه وحتي تعيينه أسقفاً وحتي
وفاته عن عمر يناهز 76 عاماً.. تاركاً مئات الكتب والمؤلفات
والمقالات الفلسفية المهمة جداً في تاريخ الثقافات الإنسانية.
والخط الثاني تدور وقائعه في العصر الحديث "الآن"
ويرتبط بحياة المخرج التسجيلي الذي تم تكليفه بعمل عن حياة القديس
"أوغسطينوس" فالفيلم يعتمد في بنائه الفني علي حيلة فنية معروفة
ألا وهي "فيلم داخل الفيلم" فنحن نتابع حياة قديس مسيحي أثر
تأثيراً نافذاً في المجتمع الروماني وفي الكنيسة المسيحية قبل ظهور
الإسلام. وأثري الفكر الإنساني بانتاجه وتنقل في أماكن عديدة
متأثراً بفلاسفة ومفكرين قبله.
وفي نفس الوقت ومن خلال المونتاج المتوازي نتابع
حياة مخرج تسجيلي شاب عاش مفتوناً ومتأثراً جداً بحياة الشخصية
التي كلف بعمل فيلم عن سيرة حياتها حتي يجعلنا نعتقد أن التأثر
الشديد جعل هذين الخطين الدراميين متشابهان ومتلامسان أحياناً في
أجزاء منها مع تطور حياة كل منهما.
سمير سيف استطاع بفضل سيناريو وحوار جيد أن يمسك
بالخطين وما يتفرع منهما من حكايات تتناول الشخصيات الثانوية التي
اقتربت وأثرت في حياة الفنان التسجيلي صانع الفيلم ومن القديس
"أوغسطين" وأن يجد المعادل البصري لكل خط ذلك الذي يترجم الفترة
الزمنية والمزاج النفسي السائد من خلال التكوين والألوان وملابس
الشخصيات وأداء الممثلين المعبرين عن ذلك الزمان البعيد ثم هذا
الزمن الذي يعيش فيه الفنان التسجيلي الذي نعتمد في مادته علي حياة
القديس وسيرته الذاتية.
ليس وعظاً
الفيلم الذي يتمحور حول شخصية دينية حباها الله
بالبيان وفصاحة اللسان. والقدرة علي التأثير لا يندرج ضمن قائمة
الأعمال الوعظية المباشرة. أو الدينية الموجهة لجمهور بعينه
ويمكننا القول إنه عمل مباشر ولكن من دون مباشرة. يتوجه برسالة أو
عدة رسائل مهمة جداً إلي المتفرجين داخل إطار درامي إنساني وفني
شيق. ولعل أهم الرسائل من وجهة نظري أنه عمل يدعو إلي منتهي
التسامح وإلي نبذ التطرف وإعلاء قيمة التفكير والتحليل والنقد
للوصول إلي يقين. يمجد أيضا دور الأم الرائعة التي خاضت معركة
"شرسة" بأكثر الوسائل نعومة وأعني الإيمان والابتهال إلي الله
والحب ورباطة الجأش وعدم الانفعال والصبر الجميل.
ومن الرسائل أيضا أن هذه المنطقة من العالم "شمال
أفريقيا" التي كانت جزءاً من الامبراطورية الرومانية حينئذ ليست
فقط مهبطاً للديانات السماوية وإنما أخرجت للبشرية رموزاً وفلاسفة
ومفكرين أثروا في العقل البشري.
وهذه الرسائل التي حملها الفيلم للمتلقي ليست مسطحة
وإنما مركبة وقوية والفيلم نفسه يقدم سيرة حياة ذاتية لقديس قدم
للعالم أول سيرة حياته ذاتية في كتابه "اعترافات" ثم "انتكاسات"
وهي كتب خالدة.
الممثل الذي لعب دور القديس كان موفقاً جداً في نقل
الدرجات المتباينة من مستويات السلوك التي تميز الشخصية في صعودها
وتطورها وكذلك اختياره بهذه الملامح والتكوين الشكلي إلي جانب
عناصر المكياج والملابس ووجوده محاطاً ببيئة عاكسة لثقافة خاصة
بأهل المنطقة ثم موسيقي تصويرية "سليم سدادة" عبرت عن المراحل
المختلفة للأحداث بين القديم والحديث إلي جانب الديكور "توفيق
الباهي" بدلالاته المرتبطة بمستويات اجتماعية وثقافية وحضارية
متباينة وبإيحاءات تجسد بصرياً الرموز التي عاشت وسطها هذه الشخصية
باشعاعاتها الإنسانية والفكرية.
توقعات غامضة
وأبدأها بالسؤال: هل يجد هذا الفيلم العربي المشترك
الفرصة التي يستحقها في القاهرة بحيث نجده معروضاً في الصالات
وأمام جمهور من حقه أن يشاهد مثل هذه التجربة الجديدة عليه؟.. وهل
مع وجود بعض النزعات الدينية المتطرفة التي أصبحت بحكم وجود
الجماعات الإرهابية المتأسلمة تلون جانباً من الصورة الاجتماعية؟
وهل يمكن أن يحقق النجاح التجاري والجماهيري الذي يستحقه؟؟
الفيلم كما تقول إحدي الشخصيات المسئولة في الجزائر
يشير إلي عمق الحياة السياسية والاكاديمية لقرطاج وكل بلاد نوميديا
"مملكة في شمال الجزائر أمازيجية" تأسست في الفترة من "202 ـ 46
فبل الميلاد وعاصمتها الآن قسنطينة في غرب شمال أفريفيا" كما يعكس
جانباً من الثقاقة النوميدية.
وإلي جانب الأهمية الفنية للفيلم فهو عمل معرفي
ممتع يطول لساعتين دون أن يتسلل الاحساس بالملل. وبالإضافة إلي
أهميته التاريخية فهو يجسد الدور الايجابي لرجل الدين المنفتح علي
ثقافات وتيارات فكرية وقادر علي استيعاب انتاج العقل البشري دون
موقف مسبق يسد الطريق أمام التقدم وهو أكثر ما نحتاجه لتكوين خطاب
ديني بعيد عن التطرف والتعصب والتمييز علي أساس ديني. عرقي. ثقافي
... إلـخ.
إرادة مشتركة
قد يواجه الفيلم بعض التحفظات وقد يصطدم ببعض
الآراء المعادية للاستنارة والانفتاح علي ثقافات وأفكار ليست من
صنعنا. فالثقافات لا تعرف الحدود والمعرفة في مواجهة الجهل تعتبر
مطلباً جوهرياً يحتاج إلي إرادة مشتركة قوية تواجه عمليات الارتداد
إلي الوراء تحت دعاوي تجاوزها قطار التقدم.
####
سينما 2017
تقدمها: خيرية البشلاوى
تحت الوردة.. دلالة العنوان وكشف المستور في حياة
أسرة أسبانية ملعونة
ذهبت الصبية الصغيرة إلي المدرسة. ولم تعد.. طال
غيابها واستبد القلق بأفراد الأسرة. الأم والأب والشقيق. بحثوا في
كل مكان ولم يجرؤ أي منهم علي تقديم بلاغ للشرطة بسبب التهديد
الناري الذي جاءهم عبر التليفون. ثم هبوط "الغريب" عليهم من دون
مقدمات.
فبعد أن بلغ الهم والخوف والقلق اليائس ذروته. طرق
رجل فارع الطول. صارم الملامح. وطلب السماح بالدخول!!.. وأمام دهشة
الجميع تقدم الرجل بشروطه. التي بدونها لن تعود "الابنة". ولن تبقي
علي قيد الحياة!!.. ما هي الشروط؟!!
أن يفشي كل فرد من هذه الأسرة بسر دفين. ويعترف به
كاملاً. ولن يقبل أي "سر" لأنه يبحث عن "سر بعينه". ولن يقبل بغير
الاعتراف الكامل.
ويبدأ الجميع في التشكك والنظر كل واحد للآخر.
خصوصاً الزوجة التي بدت مُرتابة في الزوج. والعكس. والابن الشاب
يغرق في التفكير. وهو لا يدرك معني هذا اللغز المروع. الذي جاء به
هذا الرجل الغريب الواثق. الذي يهدد بزوال الابنة من فوق الأرض إذا
لم يبدأ كل فرد في الاعتراف.
وبالفعل. تبدأ الزوجة في كشف الأسرار الدفينة. التي
لم يكن من الممكن الإفشاء بها أمام الزوج المنهار. وكذلك يبدأ
الابن في الاعتراف ببعض آثامه. والأب يفعل نفس الشيء. ولكن الشعور
بالتوتر يتفاقم حين يرفض الرجل الذي ينصت في صمت. وفي نهاية كل
اعتراف يقول: ليس هذا هو السر الذي جئت بسببه. وحتي يدفع بالأمور
إلي حافة الانهيار. يأتي بصوت الابنة عبر التليفون تحث والديها.
فتدفعهم أكثر لمزيد من التوتر والخوف علي حياتها. ومن ثم تكسر
تدريجياً مشاعر الرعب من جراء كشف الأسرار. والتي يعني كشفها
انهياراً كاملاً "للأسرة" وتمزيق الروابط بين أفرادها.
وبعد معاناة كبيرة وشحنات إثارة وقلق حاد. تنهار
المقاومة وتتكشف الأسرار في مشاهد من الفلاش باك. تستحضر تفاصيل
الآثام التي ارتكبتها الأم. التي خانت زوجها مع إصرار "الزائر"
الغريب علي أن يعيد كل فرد تمثيل ما جري. مما يعني أن تذهب الأم
إلي الشارع. وتأتي برجل. وتحاكي ما جري أمام الزوج. وكذلك يعيد
الابن تمثيل جرائمه. ويستحضر الأب ما جري ويتكشف السر الرهيب الذي
أتي بهذا الرجل إلي منزل هذه الأسرة وسط شعور بالدهشة والحسرة
والصدمة الشديدة.
فالابنة المختطفة أو بالأحري الغائبة. صديقة وزميلة
لابنة هذا "الغريب" القادم للانتقام.. وذات يوم وأثناء زيارة
لصديقتها يغتصبها الأب. بعد أن يقدم لها مخدراً في الشراب. والأسوأ
أنه ـ أي الأب ـ اغتصب ابنته نفسها سراً. ولم يقو علي أن يواجه
نفسه. وبعد أن يصل "الغريب" إلي الهدف الذي جاء من أجله. ويحقق
بهدوء عملية "الكشف" الذي يعتبر بمثابة طعنة مروعة. أسقطت كل
المعاني الظاهرة التي تجسدها الأسرة المتوسطة الساكنة والمستقرة.
التي تبدو متحابة ومتماسكة وملهوفة جداً وملتاعة بسبب غياب الابنة
والخوف علي حياتها.. بعد أن يتحقق كل ذلك تأتي الابنة مع الرجل
لتؤكد ما جري لها.. وينتهي الفيلم بعد جرعة مُرَّة من المتابعة
والانتباه الشديد مع الدهشة والاستغراب.. و.. إلخ.
المشاعر التي يولدها الفيلم أثناء عملية السرد
المحكمة. والأداء التفعيلي الدقيق من قبل كل ممثل والاندماج في
حالة الارتباك والقلق. والندم المكتوم واللوعة التي يسببها الإحساس
بالخديعة. يتصاعد طوال مدة عرض الفليم.
هذه قصة فيلم أسباني شاهدناه في مهرجان الإسكندرية
الأخير تحت عنوان "تحت الوردة"
Ander The Rose
للمخرج جوزيه راموس. والعنوان له دلالة شرحها الممثل الرئيسي في
الندوة. التي تلت الفيلم.. فهذا التعبير قديم واستخدم كرمز منذ
الإمبراطورية الرومانية. واستمر شيوعه في العصور الوسطي. ومازال
موجوداً. "فالوردة" رمز للتكتم والسرية وعدم البوح بالأسرار. ولذلك
قصة وشرح يطول لأنني حاولت أن أبحث عنها بعد مشاهدتي للفيلم. وقبل
أن أكتب عنه.
ومن دلالة الاسم نفهم أسباب اختياره عنواناً لهذا
الفيلم الكاشف لأسرار ظلت مكتومة لا يجرؤ أحد علي النطق بها..
والجدير بالاهتمام أن الممثلين اعتمدوا في أدائهم التمثيلي علي
الارتجال وعلي تخيل الموقف والحوار. الذي يثيره قبل بدء التصوير.
فالمخرج اعتمد علي التصور الفوري لكل موقف مع وجود الخيوط العريضة
للحبكة. أي أنه لم يعتمد علي سيناريو مكتوب. ورغم قسوة المشاهد
التي تجسد نوع العقاب ومنها مثلاً أن يقوم الأب المغتصب لابنته
وصديقتها بقطع عضوه الذكري. وأن ينفذ الابن العقاب الذي يمليه عليه
"الغريب" وكلها بنود عنيفة. ومع ذلك تم تنفيذها بإتقان مقنع.
وعندما سألت الممثل الرئيسي "بدرو كازابلانكا" في
الندوة عما إذا كان من الممكن وصف الفيلم بأنه مسرحية أخلاقية. لم
يعجبه الوصف. وقال إن كل الأفلام "أخلاقية" بمعني الصواب والعقاب.
ولكن الفيلم عن حكاية تحدث وتتكرر وليس بالضرورة بنفس التفاصيل.
ولكن للحكاية مضموناً مركباً وأخلاقياً في نهاية الأمر. لأنها تجسد
حالات التكلف والرياء والنفاق الذي يُغلف كثيراً من العلاقات
الانسانية بما فيها العلاقات الأسرية نفسها وأعتقد أنه يحقق للبعض
من مشاهديه حالة من "التطهر" تتولد من الوعي بالإثم وبمدي قبحه
وبشاعة التشوهات التي تتواري وراء الصور الطبيعية لأشياء الحياة
العادية وأيضا مع متابعة العقاب الدموي الذي فرضه الغريب برغم
هيئته غير المريحة وصرامته التي تصل إلي حد النزعة السادية..
الفيلم تكلف ميزانية قليلة واعتمد علي الاقتصاد
الشديد في اختيار أماكن التصوير. ومعظمها "داخلي" داخل شقة الأسرة.
فهو أقرب إلي المسرحية التي تعتمد في تأثيرها علي تكثيف مشاعر
الترقب وبناء حالات الريبة بإيقاع داخلي موجع لكل الشخصيات التي
لعبت أدوارها بإحساس واستغراق داخل تركيبة الشخصية..إنه في نهاية
المطاف تجربة تستحق الإعجاب.
####
رنات
سعيد شيمي مدير التصوير الأكثر نشاطاً في التأليف
بقلم: خيرية البشلاوى
مدير التصوير السينمائي المبدع سعيد شيمي أضاف
للمكتبة السينمائية كتاباً يضاف إلي مجموعة الإصدارات التي جعلته
الأكثر نشاطاً علي المستوي التنظير والبحث وسط مديري التصوير
المصريين.
فإلي جانب عشرات الأفلام المهمة التي قام بتصويرها
كان سباقاً ورائداً في مجال التصوير تحت الماء واستاذاً لم يسبقه
إليه أحد في الالتفاف إلي الرواد المصريين وانجازاتهم.. في هذا
المجال الحيوي.
كتابه الأخير الذي أهداه لنا أثناء مهرجان
الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط "5 ـ 12 أكتوبر 2017"
بعنوان "مصطفي حسن مبدع الصور والحيل السينمائية" وقد صدر ضمن
إصدارات أخري اعتادت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما أن
تقدمها في كل دورة للمهرجان.
وربما لا يعرف كثيرون من غير المتخصصين من هو هذا
المصور ومشواره الفني واسهاماته في حقل التصوير السينمائي ولكن
بفضل الكتاب يعرف عشاق الصورة واللغة البصرية أن هذا المصور كان
استاذاً وتخرج علي يديه كثيرون من أعلام هذا الفن أمثال وحيد فريد
ودريد سري وعلي حسن شقيقه وكمال كريم وإبراهيم صالح وغيرهم.
وفي مستهل الكتاب يذكرنا المؤلف بما قاله المؤرخ
الألماني ادولف ارمان في كتابة عن تاريخ العالم عن المنجزات
الحضارية المصرية التي تؤكد بأن المصري فنان وسبق العالم بأسره
بابتكاراته الحضارية الرائعة حين كانت اليونان مازالت في طفولتها.
وكانت مصر منذ وقت طويل تقود العالم صوب المدنية وظل العالم أمداً
طويلاً نعترف من ينابيع حكمتها.
وبحكم عوامل عديدة استعمارية تخلفت مصر عن ركب
الحضارة التي عرفتها شعوب الدول الأوروبية.. وبرغم الظروف الصعبة
التي امتدت لقرون عرف المصريون السينماتوغراف ووقع كثير من أبنائها
في غرام الصور المتحركة منذ بداية هذا الاختراع في أواخر القرن
التاسع عشر. ولم يكن مدير التصوير مصطفي حسن غير واحد من هؤلاء
الذين أحبوا السينما وبالذات الأفلام الصامتة التي كان مخرجها
وبطلها الممثل الأمريكي دوجلاس فيربانكيس "الأب" "1883 ـ 1939" ومن
خلال حبه للسينما بدأت العلاقة بينه وبين التصوير وفي مراحل الصبا
الأولي انجذب بشكل خاص إلي أفلام الرسوم المتحركة التي كان ينتجها
الفنان والت ديزني والشخصيات التي رشقت في وجدان جمهور عريض بطول
وامتداد الكرة الأرضية مثل "الفار ميكي" "ميكي ماوس".
وأمام هذا الافتتان حرص علي إنشاء معمل تصوير في
الحمام الصغير بالمنزل الذي يعيش فيه وظل هذا المعمل الصغير حتي
بعد أن تزوج في نفس الشقة.
وفي فترة شباب مصطفي حسن لم تكن السينما المصرية قد
حققت التواجد بشكل منتظم وكانت أغلب المحاولات من فعل الخواجات أو
المصريين من أصول أجنبية وكانت مدينة الإسكندرية قبلة هذا النشاط
المحلي المحدود بينما القاهرة بعيدة عن هذا النشاط.
ومن خلال الأوراق والبحث الدؤوب وما توفر لدي
المؤلف من معرفة مباشرة مع بعض من تبقي من أسرة مصطفي حسن. يلقي
سعيد شيمي الضوء علي علاقة ربطت بين هذا المصور وبين الفنان يوسف
وهبي الذي كان يمتلك ـ وقتئذ ـ مدينة رمسيس.. التي تتضمن إلي جانب
النشاط المسرحي نشاطاً سينمائياً محدوداً. وكذلك يشير إلي أنه من
خلال نفس العلاقة اشترك في عدة مسرحيات.
وفي العشرينيات من القرن الماضي التحق مصطفي حسن
مثل كثيرين من أبناء جيله بالمعهد المصري للسينما الذي أسسه محمد
بيومي الرائد الأول للسينما المصرية لتعلم التصوير السينمائي
والحيل وفنون الفيلم الأخري.
وفي تلك الفترة نفسها ماير 1923 ظهرت مجلة "الصور
المتحركة" التي أسسها الصحفي محمد توفيق وكان عمره وقتئذ 15 عاماً.
ومن خلالها كان يتابع أخبار الفن والسينما وما يطرأ من نشاط ينتمي
إلي هذا المجال.
ويرصد الكتاب عبر عملية بحث مشكورة رحلة هذا المصور
السينمائي من أجل اكتساب المعرفة حول فن التصوير السينمائي ومن ثم
سعيه للاقتراب من الشخصيات البارزة لتحقيق هذا الهدف وهي رحلة
متشعبة وتلقي الأضواء علي الجهد والعمل الدؤوب والحرص الكبير ـ
لجيل الرواد علي دراسة السينما وفق منهج علمي نظري ومن خلال
التجربة العملية.
ويتابع المؤلف. رحلة هذا المصور أيضاً لملاحقة هذا
الفن الوليد ومن رافقوه من المصريين الذين ارتبطوا بالمؤسسات
السينمائية الأولي مثل استوديو مصر واحتكاكهم بالأجانب وأيضاً
الجريدة السينمائية المصورة التي بدأت شهرية صامتة ثم اسبوعية
ناطقة والتي عمل مصطفي حسن مساعداً لرئيس تحريرها حسن مراد.
وينفرد الكتاب بعدد من الصور الفوتوغرافية للمراحل
المختلفة في حياة المصور ونشاطه والأفلام التي ساعد فيها كمصور
والأماكن التي قام بالتصوير فيها. كما تضمن فصلا يوثق شغف هذا
المصور المصري بالحيل السينمائية والرسوم المتحركة والأفلام المهمة
التي قام بتصويرها.
ويميز المؤلف ومدير التصوير سعيد شيمي إخلاصه
الشديد في توثيق تاريخ السينما من خلال تطور عنصر من عناصرها
الأساسية الا وهو التصوير السينمائي والحيل والمؤثرات البصرية
وأيضاً عبر رصد الإبداعات التي خلفها الرواد في هذا المجال ومتابعة
التطور التكنولوجي الكبير الذي وصل إليه فن التصوير السينمائي. |