فيلمان من روسيا والمجر وفيلم من الولايات المتحدة،
حصيلة عروض المسابقة الرسمية حتى الآن في الدورة الـ70
من
مهرجان كان.
البداية قوية تبشر بمنافسة شديدة على
“السعفة
الذهبية”،
التي تتيح أمام الفيلم الذي يحصل عليها الكثير من الفرص في أسواق
التوزيع العالمية.
هناك
تميز على مستوى الفن وعلى مستوى الصنعة وعلى مستوى الخيال،
وبالتالي لا شك أننا أمام اختيارات تمت بدقة وتدقيق شديدين من
إدارة المهرجان.
كان
(فرنسا)
–
بشرت
الأفلام الثلاثة الأولى التي عرضت إلى حد الآن ضمن المسابقة
الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته السبعين، باحتدام المنافسة
بين أفلام المسابقة الـ19
المتنافسة على السعفة الذهبية لهذا العام.
والفيلم الروسي
“من
دون حب”
Loveless
للمخرج أندريه زفيغنتسيف صاحب تحفة
“لفياثان”
أو
“وحش
البحر”
يعود
ليرسخ اسم زفيغنتسيف بقوة ويجعله مع زميله ألكسندر سوكوروف، أهم
مخرجي السينما الروسية حاليا.
ورغم
العناصر المشتركة التي يمكن أن نلمحها بسهولة في طيات هذا الفيلم
المثير للتأمل، مع أفلام أخرى لكبار المبدعين السينمائيين وعلى
الأخص انغمار برغمان، إلا أن الفيلم ينتمي أولا وأخيرا إلى عالم
وأسلوب مخرجه الروسي.
نحن في موسكو المعاصرة، أمام زوج وزوجة:
“بوريس”
و”زينيا”،
وهما زوجان في المرحلة الأخيرة من الطلاق، يعرضان الشقة التي
يشتركان فيها للبيع.
الرجل
مندوب مبيعات في إحدى الشركات، يبدو من البداية ضعيفا مهتزا، يخشى
أن يخبر رئيسه في العمل بأنه يطلق زوجته لأن الرجل أرثوذوكسي متشدد
يرفض أصلا فكرة الطلاق ولا يحتفظ بموظفين من غير المتزوجين أو ليس
لديهم أبناء، أما المرأة فهي تدير صالونا للتجميل وتبدو مشغولة
كثيرا بنفسها وجسدها.
وكل من الرجل والمرأة، الزوج والزوجة، لا يكفان عن
تبادل الاتهامات، وبينما يبدو بوريس أكثر انطواء وجبنا عن
المواجهة، تبدو زينيا شرسة، حادة الطباع، تختلق أي مناسبة لصب
لعناتها على الرجل وتوجيه أبشع الاتهامات له.
يحدث في كان
2017
◄ يقام
المهرجان هذا العام وسط إجراءات أمنية لم يسبق
لها
مثيل وتحديدا في ضوء حادث الدهس بواسطة شاحنة، وهو الحادث الإرهابي
الذي وقع في يوليو من العام الماضي في مدينة نيس القريبة من كان.
وقد جرى نشر قوة ضخمة من رجال الشرطة في كل أرجاء
المدينة وبالأخص في المنطقة التي يقام فيها المهرجان بطول شاطئ
الكروازيت، كما تم نشر أكبر عدد من كاميرات المراقبة التي تعرفها
أي مدينة فرنسية بحيث أصبحت باستطاعة الشرطة مراقبة كل شبر في
المدينة، ويجري تفتيش دقيق للضيوف والصحافيين قبل دخول قاعات العرض
واستبعاد أي شيء يشتبه فيه على الفور، وقد جرى إنشاء عدد كبير من
أواني الزهور الضخمة التي رصت بطول الرصيف مع إقامة حواجز حديدية
على الأرصفة لصد أي محاولة لاقتحام الرصيف بإحدى الشاحنات حسب
سيناريو نيس الذي أدى إلى مقتل
84
شخصا
والعشرات من الجرحى.
◄ يحضر
المهرجان عدد كبير من نجوم السينما العالمية
الذين
يتحلق حولهم كالمعتاد المصورون الصحافيون، ومن بين هؤلاء نيكول
كيدمان وجوليان مور وجاك غلينهال وماريون كوتيار وجيسيكا شاستين
وويل سميث وناعومي هاريس وخواكين فينيكس وكريستين ستيوارت وميشيل
ويليامز وإيما تومسون وكولين فيرول وشارلوت غينسبرغ وأوما ثورمان.
وكالعادة ينتظر المئات من المصورين حضور النجوم
للسير على البساط الأحمر الشهير الذي ابتدعه مهرجان كان وأصبح سمة
معظم مهرجانات السينما في العالم، كما تحظى المؤتمرات الصحافية
التي تقام مع مخرجي الأفلام وأبطال التمثيل فيها بحضور مكثف من
جانب ممثلي الصحافة الدولية.
◄ تصدر
عدة مطبوعات يومية أثناء المهرجان أهمها
وأشهرها مجلات
“سكرين
انترناشيونال”
و”فاريتي”
و”الفيلم
الفرنسي”
و”هوليوود
ريبورتر”،
وتتنافس هذه المجلات على حصيلة الإعلانات الكثيرة للترويج لأفلام
الشركات التي تشارك في السوق الدولية للأفلام التي تعد أكبر سوق من
نوعها في العالم، وتعرض نحو
1500
فيلم.
الطلاق واقع لا محالة، لكن المشكلة الآن تكمن في
ابنهما
“ألكسي”
أو
“أليوشا”
طفل
الثانية عشرة الذي تصيبه مشاجراتهما بالاضطراب الشديد، بل ويصدمه
أن يسمع أمه تعتبر وجوده في الحياة خطأ كبيرا.
هذا
الهذيان المستمر يؤدي إلى اختفاء أليوشا بينما أمه المشغولة بنفسها
وبعشيقها لم تعلم بغيابه سوى في اليوم التالي.
من هذا المدخل الذي ربما كان يصلح لصنع فيلم بوليسي
مشوق، يبدأ زفيغنتسيف في تشريحه الدقيق لمجتمع متصدع يعاني من غياب
القيم، وتدهور العلاقات الإنسانية، وغياب القدرة على التواصل بين
الأجيال، وزراعة الكراهية والأنانية ومحاولة ستر الشعور بالضعف
والفراغ والفشل بوهم الوقوع في الحب، وإدمان الجنس.
كل من الرجل والمرأة اختار شريكا آخر، يمارس معه
المتعة الجسدية ويحلم ببناء مستقبل بديل، بوريس يقيم مع
“ماشا”
التي
أصبحت حاملا منه، وهي أيضا متمسكة بالإقامة في نفس الشقة مع أمها،
ونتيجة شعورها بغياب الاطمئنان تحاول دوما التأكد من حقيقة مشاعره
وأنه لن يتخلى عنها.
وزينيا أقامت علاقة مع أحد رجال الأعمال من الطبقة
الثرية الجديدة التي لا تعرف الفرق بين أماكن العشق الرومانسي
واصطياد العاهرات، كما يتضح من خلال مشهد بديع تجوس فيه الكاميرا
في أرجاء مطعم يتردد الاثنان عليه، لنرى عاهرة محترفة تملي على
والدة زينيا تبدو وقد عزلت نفسها تماما عن العالم، تقيم في منزل
قرب غابة في ضواحي موسكو، وعندما تواجه ابنتها فإنها تبدي لها كل
ما لا يمكن تخيله من نفور ورفض وكراهية، تصب عليها اللعنات وتطردها
شر طردة من منزلها، إنها نموذج للعقلية المتسلطة التي أرادت أن
تصنع ابنة على شاكلتها، ولعل نجاحها يكمن في أنها تمكنت فقط من نقل
تيار الكراهية إلى دماء ابنتها التي تعترف صراحة بأنها لم تحب
زوجها قط، بل ولم تحب ابنها وكانت ترغب في التخلص منه أثناء الحمل.
مع اختفاء أليوشا بدأ السعار المجنون يتدفق بجنون
وصولا إلى الهستيريا التي تعكس تصدعا اجتماعيا خطيرا، هنا يسرع
الإيقاع، وتتداعى الأحداث، لكن الدائرة المغلقة تضيق تدريجيا بحيث
لا يبدو أن هناك مخرجا ما.
تتذرع الشرطة بكل ما في حصيلتها من إجراءات
بيروقراطية لتبرير تقاعسها عن البحث الجاد عن الولد المختفي، بينما
تتكفل إحدى جماعات المجتمع المدني من خلال المتطوعين الأفراد
بالقيام بالمهمة، ولكن دون جدوى.
هل سيظهر أليوشا من تلقاء نفسه كما يقول ضابط
الشرطة للأم؟ هل سيعثرون على جثته مقتولا؟ أو هل تم اختطافه على يد
إحدى العصابات؟ لا نعرف وليس مهما أن نعرف فاختفاء الطفل ليس سوى
مدخل لكي يدلف بنا الفيلم داخل العالم السفلي الرهيب الذي يعكس
بتدهوره وتعفنه مرادفا بصريا ودراميا للانهيار الاجتماعي الكلي.
فيلم
مصنوع بدقة شديدة، يكشف كل مشهد من مشاهده عن جانب جديد وتفصيل
جديد يكثف ويعمق من الشخصيات ومن الحبكة، غالبية مشاهده تدور ليلا،
من خلال صور قاتمة وإضاءة معتمة، وعندما يتجمد الموقف يبدأ الجليد
يهطل قرب النهاية.
ويتميز الفيلم بلغة بصرية عالية، وبحس تشكيلي يتبدى
في كل لقطة من لقطاته، وموسيقى تصنع نسيجا صوتيا منذرا باستخدام
الآلات الوترية وخاصة آلتي الكونتباص والتشيللو، مع سيطرة مدهشة
على أداء الممثلين، وخاصة الممثلة ماريانا سبيفاك في دور زينيا،
بكل تقلباتها وهستيريتها وعفونتها وعنفوانها وجبروتها ورغبتها
العنيفة في السيطرة عن طريق الجنس، ودفع القارب نحو أي وجهة هربا
من حياتها التي تعتبر أنها لم تنتج سوى حطام حتى الآن.
الفيلم الأميركي
“وندرستراك”
Wonderstruck
(صدمة
الشعور بالسعادة)
للمخرج
تود هاينس
(صاحب
فيلم
“كارول”
الذي
عرض في مسابقة كان قبل عامين)،
يبدو للوهلة الأولى كأحد أفلام الأطفال، لكنه في الحقيقة للكبار
والصغار، بل يمكن القول إنه أحد أشجع التجارب السينمائية التي خرجت
من هوليوود في السنوات الأخيرة ربما منذ تجربة سكورسيزي في
“هوغو”
(2011).
والفيلم مقتبس عن رواية مصورة لبريان سلزنيك، تدور
حول طفلة وطفل في الثانية عشرة من عمريهما، كلاهما أعمى، القصة
الأولى
(وبطلتها
طفلة)
تدور
عام
1927،
والقصة الثانية
(وبطلها
طفل)
تقع
بعدها بخمسين عاما، أي في
1977.
والقصة القديمة مصورة بالأبيض والأسود، والثانية
بالألوان، والقصتان تتداخلان لأن هناك ما يربط بينهما على الصعيد
الروحي والفيزيائي أيضا، فالطفلة في القصة الأولى هي التي ستظهر
قرب نهاية القصة الثانية لنعرف أنها جدة الطفل الأصم الذي يبحث في
نيويورك عن والده ووالدته وما وقع لهما، والطفلة في القصة الأولى
كانت قد جاءت من نيوجيرسي إلى نيويورك بحثا عن والدتها، فرارا من
والدها الفظ الغليظ القلب.
(صدمة
الشعور بالسعادة)
يمكن اعتباره أحد أشجع التجارب السينمائية التي
خرجت من هوليوود في السنوات الأخيرة
ليس من الممكن تلخيص الفيلم دون الإخلال به فهو عمل
يعتمد على التجسيد البصري، وعلى الابتكار في رسم الشخصيات والمزج
بين الحقيقة والخيال، وبين الأسطورة والواقع، بل وإكساب الأسطورة
ثيابا علمية أيضا أو بالأحرى علمية مفترضة قريبة من عالم جول فيرن،
إنه باختصار فيلم للمشاهدة فقط.
نصل إلى الفيلم المجري
“قمر
المشتري”
Jupiter’s Moon
للمخرج كورنيل موندروزو الذي يجعل بطله اللاجئ السوري الذي تطارده
الشرطة في بودابست بل وتحاول قتله أيضا، لا يموت، بل وغير قابل
للموت، يظل يرتفع فوق البشر، يطير في الفضاء ليحلق فوق المدينة كما
لو كان قدرا يذكر الأوروبيين ببقاء القضية، قضية اللاجئين
والمهاجرين الفارين من جحيم الحرب في سوريا والذين توصد الأبواب في
وجوههم.
إنه العمل الأكثر سينمائية بين كل أفلام المهرجان
التي شاهدناها حتى الآن، بل والأكثر طموحا في المزاوجة بين الخيال
والحقيقة، وبين الفيلم الفني والفيلم الجماهيري، لكنه يحمل أيضا
فلسفة مخرجه ومبدعه، ولا شك أنه يستحق مقالا منفردا لعرضه ونقده
تفصيلا.
ناقد سينمائي مصري
####
عروض استثنائية لكلاسيكيات السينما المرتبطة بكان
العرب/ أمير
العمري
انتقاء البلدان خلال المسابقة يراعي تحقيق التوازن
بين قارات العالم المختلفة على صعيد رمزي، دون أن يعكس بالطبع
تمثيلا جغرافيا للسينمات الأهم في العالم.
كان
(فرنسا)
–
للمرة
الأولى وبمناسبة الذكرى السبعين لانعقاد مهرجان كان
(تأسس
عام
1946
وتوقف
لدورتين هما
1948
و1950
كما
أغلق في منتصفه في مايو
1968)،
يعرض المهرجان في القسم المخصص عادة لعرض كلاسيكيات السينما مجموعة
كبيرة من الأفلام التي ترتبط بالمهرجان نفسه.
ويعرض خلال الدورة
24
فيلما
روائيا طويلا وخمسة أفلام تسجيلية طويلة وفيلم قصير واحد، معظم هذه
الأفلام من كلاسيكيات السينما لمشاهير الإخراج السينمائي وغالبيتها
تعكس تاريخ مهرجان كان نفسه، حيث يتوقف المشاهد أمام المحطات
المختلفة التي منحت المهرجان سحره عبر السنين، وتأتي هذه الأفلام
من
17
دولة
-ليست
من بينها الدولة المضيفة فرنسا-
هي
المجر ولبنان وصربيا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا
وموريتانيا والنيجر وإسرائيل وبولندا وسويسرا واليابان وإسبانيا
وهولندا وكندا وبلجيكا وأستراليا.
وانتقاء البلدان يراعي تحقيق التوازن بين قارات
العالم المختلفة على صعيد رمزي، دون أن يعكس بالطبع تمثيلا جغرافيا
للسينمات الأهم في العالم، وإلا فكيف تغيب مثلا السينما الصينية
والبرازيلية والروسية والهندية والمصرية، كأمثلة فقط، وهي السينمات
الأكبر في مناطقها الجغرافية، ناهيك عن إبداعات مخرجيها عبر السنين
من خلال الآلاف من الأفلام؟
جميع هذه الأفلام ستعرض في نسخ جديدة تمت استعادتها
وترميمها وطبعها بأحدث أدوات التكنولوجيا الرقمية، وهو المبدأ الذي
درج عليه قسم كلاسيكيات السينما في مهرجان كان الذي افتتح قبل خمسة
عشر عاما، وسرعان ما أصبح حدثا سنويا راسخا في جميع مهرجانات
العالم الكبرى التي تحرص على استقدام نسخ حديثة مستعادة لتذكير
عشاق السينما بها وإعادة إطلاقها إلى العالم.
وتشترك هذه المهرجانات مع المؤسسات التي تعمل في
ترميم الأفلام وتحصل على منح ومساعدات لدعم عملية إنقاذ تراث
السينما وحفظه في نسخ رقمية فائقة النقاء مع استعادة الألوان إلى
بهائها الأول.
ومن لبنان سيعرض فيلم
“إلى
أين”
لجورج
نصر الذي يعد أول فيلم لبناني، وقد أنتج عام
1957،
وشارك في مهرجان كان، ومن صربيا سيعرض فيلم
“قابلت
الغجر السعداء”
تحفة
المهرجان، وقد فاز بالجائزة الخاصة للجنة التحكيم الذهبية عام
1967
وهو من
إخراج ألكسندر بيتروفيتش.
ومن الإنتاج البريطاني يعرض فيلم
“تكبير
الصورة”
للمخرج
الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني من عام
1966،
وقد فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان في تلك السنة، ويعرض أيضا فيلم
“أوه..
الشمس”
للمخرج
الموريتاني ميد هوندو من عام
1970
وغيرها
من التحف السينمائية النادرة. |