يوسف شعبان: أحتاج لمن يحنو علىَّ
حوار ــ إيناس عبدالله:
يوسف شعبان
•
مررت بحالة صحية حرجة أحمد الله على عبورها بسلام
•
قرار تكريمى فى مهرجان الإسكندرية جاء فى لحظة فارقة من حياتى
•
استمتعت بكل أدوارى.. لكن لا زلت أؤمن أن الدور الأقوى لم يأتِ بعد
•
لست نادما على «حمام الملاطيلى» وصلاح أبو سيف تعمد أن يظهر أبطاله
عراة ليكشف عورات المجتمع
•
شادية تحدت عبدالحليم وتمسكت بى فى «معبودة الجماهير» وفاتن حمامة
ونادية لطفى أصحاب فضل كبير فى مشوارى الفنى
•
المنتجون والموزعون تعمدوا وضعى فى الدرجة الثانية.. والجمهور
نصَّبنى نجما من الدرجة الأولى
•
للأسف نعانى من تفسخ فى العلاقات بالشارع المصرى انعكس وبقوة على
أهل الفن
•
كل من ساندنى فى وعكتى الصحية كانوا من أبناء جيلى أما جيل الشباب
فلديهم ما يشغلهم
لم تكن هذه هى المرة الاولى التى أجرى فيها حوارا مع الفنان الكبير
يوسف شعبان، خاصة اننى اؤمن ان الحوار مع ابناء هذا الجيل لا يحتاج
لمناسبة، ويكفى ان نستمع لهم وهم يتحدثون عن مشوارهم الطويل ورحلة
كفاحهم ومواقفهم التى دفعوا بسببها الكثير من راحة البال واحيانا
حريتهم، كى نستفيد ونتعلم ونستمتع، ولكن بشكل كبير اختلفت نبرة
يوسف شعبان فى حواره هذه المرة، فاختفت تلك النبرة القوية والصوت
العالى لتحل مكانها نبرة متهدجة، وخفوت فى الصوت، ربما لانه كان
يمر بمرحلة مرضية حرجة للغاية، وربما لان لديه أسبابا اخرى سعينا
للكشف عنها فى حوارنا معه ونحن نحتفل بتكريمه فى الدورة الـ 32
لمهرجان الاسكندرية السينمائى لدول حوض البحر الابيض المتوسط.
•
قلت ان اختيارك للتكريم بمهرجان الاسكندرية السينمائى «رفع من روحك
المعنوية» كيف يحدث هذا لفنان يتمتع بقائمة طويلة من الاعمال
الناجحة والراسخة فى أذهان الجمهور؟
ــ الفنان الحقيقى من وجهة نظرى يحتاج باستمرار ليد تحسس على
مشاعره، وكلمة طيبة تشعره انه فنان جيد، وانه قدم شيئا مفيدا، وهو
ما انا محتاج اليه تماما، فلا تستغربى، فرغم ما تقولينه اننى قدمت
اعمالا كثيرة ناجحة، وهى كذلك من وجهة نظر الجمهور والنقاد، ولكن
من جانبى اشعر اننى مهما قدمت ومهما حصدت من جوائز، أشعر بأننى لم
اقدم شيئا جيدا، ورغم كل الادوار التى لعبتها لم يأتِ الدور الاقوى
بعد، ولذا حينما يتم اختيارى للتكريم فى أى مهرجان أشعر بفرحة
شديدة، وأكون فى اشد لحظات ضعفى امام الكلمة الحلوة.
•
قد يفسر البعض ان ما تقوله ما هو الا تواضع فنان أفنى من عمره أكثر
من نصف قرن بالفن، وهو واضح تماما فى نبرة صوتك التى تغيرت كثيرا؟
ــ لست متواضعا على الاطلاق، ولكنى اعبر عما اشعر به بكل صدق، فأنا
بالفعل اشعر انه رغم طول هذا المشوار الذى شهد أعمالا ناجحة
وادوارا لاقت استحسان النقاد، ولكن بداخلى اشعر انه لا يزال لدى
امكانيات اكبر لم تُكتشف بعد، وهذا احساس طبيعى جدا، ونبرة صوتى
بالطبع متأثرة بالوعكة الصحية التى مررت بها، وكانت شديدة الصعوبة
على، فلقد مررت بحالة حرجة، وأحمد الله اننى عبرتها بسلام، وبسبب
هذه الحالة لم استطع الاشتراك فى أى أعمال فنية فى الفترة الاخيرة.
•
هل هذا يعنى انه ليس هناك دور فى تاريخك أشبعك فنيا، وانك لست
راضيا بشكل كبير عما قدمت؟
ــ لا، لم أقصد هذا بكل تأكيد، فكل دور لعبته شعرت بحالة اشباع
فنى، وبذلت فيه كل جهد وراض تماما عن كل اعمالى خاصة اننى لم أفعل
مثل البعض حينما قدم تنازلات لكى يعمل وكى يتقاضى اموالا، فبخلاف
ما يردده البعض عنى، لست ابنا من اسرة ثرية، ولكنى تصيدت لإغراء
المال، وحرصت على ان انتقى أعمالا وادوارا اتباهى بها ويتشرف بها
أبنائى، وللعلم كثير من الادوار التى اخترتها لم اكن أعلم انها
ستحقق هذا النجاح الكبير الذى كان يفاجئنى، مثلما حدث مع دور محسن
ممتاز فى «رأفت الهجان» الذى حقق نجاحا رهيبا وغير متوقع على
الاطلاق، ورغم كل هذا لا يمنع ابدا ان اشعر ان الدور الاقوى لم
يأتِ بعد، فأنا عاشق للفن واذا شعرت بالاكتفاء فتكون هى النهاية.
•
ماذا عن دور الشاذ جنسيا الذى لعبته فى فيلم «حمام الملاطيلى» فهل
حقق لك ردود أفعال مرضية، ام انك شعرت بندم لموافقتك عليه؟
ــ حينما عُرض على هذا الدور، انهالت على نصائح من المقربين لى
تطلب منى رفضه، وتؤكد ان هذا الدور سيؤثر سلبيا على صورتى لدى
الجمهور وربما يتسبب فى القضاء على، خاصة ان هذا الدور رفضه عدد
كبير من الفنانين خشية ان يضحوا بمستقبلهم الفنى، وحتى لا تلتصق
فيهم هذه الصفة، وكما هو معروف، قديما حينما يلعب فنان دور شرير
يظنه الجمهور البسيط انه شرير فى الحقيقة وهكذا، ولكنى تحدثت مع
نفسى بعض الوقت قبل ان احسم موقفى، وقلت ان الله سبحانه وتعالى
منحنى موهبة كى أفيد كل من حولى، وما المانع ان ألعب هذا الدور كى
اوعى الابوين بضرورة الاهتمام بتربية الولد بنفس اهتمامهما بتربية
البنت، حتى لا يقع ابناؤهم فى مثل هذه المشكلات وتغلب حسى على جميع
النصائح ووافقت على الدور ولست نادما ابدا عليه.
•
ولكن ماذا عن ردود الافعال التى تلقيتها بعد العرض؟
ــ لم أواجه أى مشاكل مع الجمهور العادى، لكن واجهت مشاكل للاسف مع
من يفترض انهم مثقفون ومن الصفوة الذين يدافعون عن حرية التعبير،
فالفيلم تعرض للمنع من العرض أكثر من مرة، كما انه يحظى بمحاذير
رقابية حتى الان، ولكن اقسى موقف تعرضت له بسبب هذا الفيلم حينما
دخل مسابقة احد مهرجانات السينما بمصر، وتم ترشيحى لجائزة احسن
ممثل، ولكن فوجئت بمدير المهرجان يتحدث معى ويقول فور الانتهاء من
وضع نتيجة المسابقة من قبل اعضاء لجنة التحكيم، ان ادارة المهرجان
خشيت ان تعلن النتيجة فتتهم انها منحت جائزة لشخصية شاذ، فتم تعديل
النتيجة وحرمانى من الجائزة، وهنا استهنت بكل المهرجانات اذا كان
المثقفون يفكرون بهذه الطريقة فلا اريد التعاون معهم مرة أخرى، فلم
يفهموا الاسقاطات السياسية الكبيرة التى تضمنها العمل للمخرج
الكبير صلاح ابوسيف، فـ«حمام الملاطيلى» أُنتج فى اعقاب هزيمة
1967، وتعمد صلاح ابو سيف ان يظهر ابطاله عراة ليكشف عورات المجتمع.
•
على ذكرك لصلاح ابو سيف مَنْ من المخرجين أو المؤلفين والممثلين
تدين لهم بالفضل ممن ساهموا فى بزوغ نجمك؟
ــ كل بنى آدم قال لى كلمة استفدت منها، أدين بالفضل له، بداية من
كل الاساتذة فى معهد التمثيل، وكل المخرجين والمؤلفين الذين تعاونت
معهم، ولكن أود هنا ان أخص بالذكر ثلاث نجمات كان لهم فضلا كبيرا
على، هم شادية التى تمسكت بى فى فيلم «معبودة الجماهير» متحدية رفض
عبدالحليم حافظ لوجودى بالعمل، وللعلم فلقد حرص عبدالحليم نفسه فى
لقائى قبل سفره الاخير للعلاج ليطلب مصافحتى والاعتذار لى وأقسمت
له انه ليس بداخلى أى شىء سيئ تجاهه، وهناك الفنانة فاتن حمامة
ونادية لطفى التى أدعو لها بالشفاء العاجل وأتذكر لها كل خير.
•
هل انت حريص على التواصل مع ابناء جيلك والسؤال عنهم؟
ــ حينما دخلت الفن فى الستينيات كنت اشعر ان كل الفنانين ما هم
ألا اسرة كبيرة واحدة، كنا متماسكين ومترابطين، حتى صراعاتنا كانت
راقية وأسلوبنا كان راقيا، وبالطبع هناك اتصالات متبادلة بينى
وبينهم وفى مرضى الاخير، كان ابناء جيلى حريصين على الاتصال بى
والسؤال عنى، أما جيل الشباب فلديهم ما يشغلهم، وللأسف حدث تفسخ
رهيب فى العلاقات بالشارع المصرى انعكس بصورة كبيرة على الفن
واهله، واصبحت سلوكياتنا فى الحضيض وسمعت عن التراشق المخزى الذى
يحدث بين بعض الفنانين عبر وسائل التواصل الاجتماعى وهو امر مخزٍ
ومحزن وغير مسبوق بالمرة.
•
جيلكم دوما متهم بالتعالى على جيل الشباب فما تعليقك؟
ــ هذا ليس صحيحا بالمرة، فنحن دوما نحتضن الشباب ونشجعهم، لكن
هناك فجوة كبيرة بينا للاسف، فالاخلاقيات التى تربينا عليها لم يعد
لها وجود، ويشهد هذا الزمن على انحطاط شديد فى الاخلاق وتشويه
متعمد لكل الجمال واصبح القبح هو المتصدر للمشهد، ونحاول بقدر
المستطاع نحاول مد اليد للشباب، فلم اجد أى غضاضة فى الظهور كضيف
شرف مع نجوم جديدة فى مشاهد قليلة للغاية كما حدث فى فيلم «الهرم
الرابع» وغيرى من الكبار مستعد لتكرار الامر، لكن هناك خلل سببه «الانا»
المتزايد عند البعض والكل يسعى وراء تصنيف واهى وكاذب ما بين نجم
اول وثانٍ.
•
هل هذا التصنيف لم يضايقك على المستوى الشخصى فى ظل تعمد اختيارك
كنجم بالدرجة الثانية؟
ــ هى لعبة يقوم بها المنتج والموزع، وأنا اعلم سببها، ولا تضايقنى
على الاطلاق، بدليل كما تقولين ان هناك تعمدا لوضعى كفنان درجة
ثانية، يأتى ترتيب اسمه فى مرحلة لاحقة من اسم بطل العمل، ولكن هل
هذا أثر على، أبدا فأنا اتمتع بحالة من الرضا، كان يهمنى دورى
وقيمته ورسالته، وأوافق عليه دون الالتفات للعبة التوزيع والانتاج،
فأنا «فاهم فى الشغلانة» أعلم الوسط الفنى «مبنى على ايه»، وكنت
دوما محقا فالجمهور وضعنى نجما بالدرجة الاولى، والجمهور بطبيعته
لا يلتفت للتتر، بل ربما ينشغل بأمر ما حتى يبدأ العمل، فهو لا
يهمه اسم من جاء الاول، بل يهمه من نجح فى امتاعه واقناعه. والحمد
لله كنت دوما عند حسن ظنه. |