شكّل خبر وفاة الفنان القدير ممدوح عبد العليم، مساء أمس الثلاثاء،
صدمة كبيرة لدى جمهوره، حيث تُوفي من دون أي مقدمات مرضية عن عمر
يناهز 60 عاماً.
لم يكن
ممدوح يرضى أبدا بأيٍّ من الأدوار التي تُعرض عليه، حيث لم يكن
باحثا عن شهرة أو نجومية أو مال، فهو يرى أنه حقق النجومية
والشهرة، ولن يضحى بتاريخه في دور لا يليق به من أجل المال، فكان
هذا هو مبدؤه طيلة حياته، ما جعله يختفي لسنوات طويلة رغم وجود
العديد من الأعمال التي تعرض عليه، لكنها كانت جميعها تقابَل
بالرفض من ناحيته، حتى كان آخر عمل ظهر فيه وعاد من خلاله هو مسلسل"السيدة
الأولى" الذي
قدمه مع غادة عبد الرازق منذ عامين، ما أصاب جمهوره بسعادة بالغة
لتشوقهم لرؤيته على الشاشة بعد غياب.
أعمال لا تنسى
هو علي
البدري في
الملحمة الدرامية "ليالي الحلمية" التي شارك في أجزائها الخمسة، مع
عمالقة الفن صلاح السعدني ويحيى الفخراني وغيرهما، وإن كان ممدوح
استطاع أن يحجز مكانه وسطهم، رغم قوة أسمائهم في ذلك الحين. وهو
"رفيع بك العزايزي" في رائعة محمد صفاء عامر "الضوء الشارد"، وهو
نفسه "رامي قشوع" في الفيلم الشهير "بطل من ورق"، وهو الذي قدم
شخصية حمص في فيلم "سمع هُس" مع الفنانة ليلى علوى، والتي ظلت
أغنية الفيلم التي حملت اسم "حمص وحلاوة" التي جمعت بين ليلى علوي
وممدوح عبد العليم متداولة في الفضائيات، محققة نجاحا كبيرا، على
الرغم من عدم إتقان الاثنين للغناء، لكن أداءهما لها كان بسيطا به
خفة ظل.
كان ممدوح عبد العليم متميزا في القيام بكافة الأدوار، وكان عدد من
النقاد يقولون عنه إنه ممثل الأدوار السهلة الممتنعة، فبرع في
الأدوار كافة كالصعيدية والأرستقراطية والرومانسية، وهو نفسه الذي
يقوم بأدوار الشاب البسيط الفقير، فكان معجونا بماء التمثيل
والموهبة التي كانت سببا في أن يكون له مكانه وسط جمهوره، رغم
اختفائه كثيرا، لكن يعود اختفاؤه لعدم قدرته أن ينتمي إلى نظرية
الشللية والعلاقات التي تأتي له بالأدوار، فكان يرى نفسه أكبر من
ذلك كثيرا.
على النطاق الشخصي، كان الفنان الراحل متزوجا من الإعلامية الشهيرة
شافكي المنيري، وله منها بنت وحيدة اسمها هنا، وكان ممدوح قد تعرف
على شافكي أثناء إجرائها لقاء معه على فضائية إم بي سي، فتعرفا
وأصبحا صديقين ثم عاشا معا قصة حب كللت بالزواج وأثمرت عن فتاة
واحدة.
الفنان الراحل في عيونهم
لكن من هو ممدوح عبد العليم في عيون من عملوا معه في الوسط الفني؟
يقول
المخرج مجدي أبو عميره، والذي سبق وقدم ممدوح عبد العليم في مسلسل
"الضوء الشارد"، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن وجود ممدوح
في شخصية "رفيع بيه العزايزي" في مسلسل "الضوء الشارد" كان من
اختياره هو والمؤلف محمد
صفاء عامر، حيث
وجد صفاء أن ممدوح هو أنسب من يقدم الشخصية المركبة الصعبة لرجل
صعيدي حازم وصارم حينما يقع في الحب، وحب من؟ حب الفتاة التي كانت
زوجة لأخيه الراحل، فكان الاستقرار على ممدوح وقتها من بين عشرات
الفنانين.
وأوضح مجدي أن وفاة ممدوح بالنسبة له أسوأ حدث في العام الجديد،
حيث كان صدمة كبيرة له، مشيرا إلى أن ممدوح كان من المفترض أن
يشارك في الجزء السادس معه من مسلسل "ليالي الحلمية" الجاري
التحضير له حاليا، لكن الموت أخذه فجأة، ولا نملك سوى الدعاء له
بالمغفرة والرحمة.
سرادق التواصل الاجتماعي
وبمجرد إعلان خبر وفاة الفنان ممدوح عبد العليم تحولت مواقع
التواصل الاجتماعي إلى سرادق للعزاء؛ حيث نشر محبوه من الفنانين
صورا له وبجوارها كلمات تنعى رحيله المفاجئ.
فقالت الفنانة وفاء عامر على حسابها الشخصي في فيسبوك: "مش لاقيه
كلام أقوله عن أخلاقك وجدعنتك وفنك ومساعدتك لبسطاء العمال
والأدوار الصغيرة وكنت منهم إلى أن أصبحت بطلة، كنت رائع الخلق
محترم لن تعوض، إنا لله وإنا إليه راجعون في الجنة يا رب، كلنا
لها، الفاتحة".
فيما قالت الفنانة غادة عبد الرازق على إنستغرام تعليقا على صورة
نشرتها له: "لا حول ولا قوة إلا بالله، الله يرحمك يا حبيبي..
الفنان القدير ممدوح عبد العليم".
ونشرت أنغام صورة له عبر إنستغرام وعلقت عليها قائلة: "صدمة كبيرة
أوي فراقك يا أستاذ ممدوح، رحمة واسعة ومغفرة نرجوها من رب
العالمين، وربنا يصبّر قلب زوجتك المحترمة وابنتك هنا".
ونشر الفنان أحمد السقا صورة للراحل على فيسبوك وعلق عليها قائلا:
"ممدوح عبد العليم في ذمة الله ربنا يرحمه".
أما الفنان صلاح عبد الله فقال معبرا عن فجيعة رحيله المفاجئ قائلا
عبر صفحته على فيسبوك: "فجأة كدا يا ممدوح؟! أستغفر الله العظيم..
مش عارف ببكي على رحيلك ولا ببكى على ذكرياتنا.. أيام المسرح
الجامعي ثم البلياردو بعدها بسنين.. ثم مسلسل الشراقي وأنت نجم
العمل.. ثم الصدف الجميلة التي جمعتنا بغير ميعاد.. كنت دائماً نفس
الشخص نفس الضحكة.. نفس التواضع.. نفس المحبة والإخلاص والنقاء
والصفاء.. الصدمة قاسية ولكنها سنة الحياة، مع السلامة يا أبو أجمل
ابتسامة.. أسألكم الفاتحة والدعاء للإنسان الرائع والفنان العظيم/
ممدوح عبد العليم".
وقالت الفنانة
زينة عبر
إنستغرام: "إنا لله وإنا إليه راجعون، والله زعلت أوي، أستغفر الله
العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
ولم تقتصر عبارات النعي على الفنانين المصريين فقط، حيث نشرت
الفنانة التونسية هند صبري صورة للراحل عبر إنستغرام وعلقت عليها
قائلة: "ممدوح عبد العليم في ذمة الله، لن ننسى علي البدري، شخصية
لن تفارق العرب، الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة". فيما قالت الفنانة
لطيفة: "الله يرحمك أخويا الغالي الفنان الكبير ممدوح عبد العليم".
ممدوح عبد العليم.. عندما جاء إلى الأردن
محمود الخطيب
فتحت
وفاة الفنان المصري الكبيرممدوح
عبد العليم،مساء
أول أمس الثلاثاء، دفاتره القديمة، فالفنان كان رفيقاً لذاكرة جيل
كامل في الأعمال الدرامية التي قدمها خلال مشواره الذي يزيد عن
أربعين عاماً.
وقد لا يعرف الكثيرون أن بطل "قهوة الماوردي" و"خالتي صفية والدير"
و"المصراوية" و"ليالي الحلمية"، له جانب إنساني مميز، إلى جانب
حضوره الدرامي والسينمائي، فعبد العليم كان ناشطاً في مجال
المواضيع الإنسانية والصحية والتثقيفية، بحسب المنتج الأردني محمد
المجالي، الذي قال لـ"العربي الجديد" إنه استضاف الفنان الراحل
أكثر من مرة مع بداية الألفية الجديدة، حيث قام عبد العليم بعدة
زيارات إلى أكثر من دار أيتام ورعاية طبية، وإن آخر زيارة له
للعاصمة الأردنية عمان كانت في عام 2005 وكان برفقته زوجته
الإعلامية شافكي المنيري والفنانة شيرين رضا والفنان أحمد سعيد عبد
الغني، حيث أمضوا أربعة أيام في عدة زيارات بين الإنساني والسياحي،
منها حوار نقاشي توعوي عُقد في مدينة إربد (71 كلم شمال العاصمة
عمان) بحضور ألفي شخص للحديث عن آفة المخدرات.
وقال كاظم الكفيري، رئيس جمعية حماية الأسرة والطفولة الأهلية،
لـ"العربي الجديد"، إن الجمعية نظمت الفعالية لأبناء المحافظة الذي
يزيد عدد سكانها عن 650 ألف نسمة، وتضمنت يوما توعويا للحديث عن
آفة المخدرات، كما نظمت محاضرة وحوارا مفتوحا للنجم عبد العليم تحت
شعار "الفن ضد المخدرات".
وأضاف الكفيري، أن عبد العليم ركز يومها في المحاضرة النقاشية على
الأسباب التي تدفع الشباب لتعاطي المخدرات، مشيراً إلى أن خطورة
المخدرات، أنها لا تهدد مجتمعاً واحداً فحسب، وإنما تهدد كل
المجتمعات، سواء المتقدمة أو النامية، وتمثل المشكلة أضراراً مادية
وصحية ونفسية بالغة التأثير. كما ركز عبد العليم يومها على دور
الأسرة في تنشئة الأجيال، مشيراً إلى أن الأسرة تمثل خط الدفاع
والحصانة الاجتماعية الأولى، فالحرص على تربيتهم التربية الحسنة،
ليواجه شرور نفسه ومغريات الدنيا، ثم تأتي المدارس والجامعات خط
الدفاع الثاني بعد الأسرة ضد المخدرات.
الممثل المظلوم بين جيلين
محمد جابر
طوال تاريخ السينما المصرية كان هناك جيل من الممثلين يظل هو
المسيطر لقرابة 20 عاماً قبل أن يسلم الدفة لجيل جديد بجماليات
وشكل سينما مختلف، وإذا كان هناك تعريف لممدوح عبدالعليم وجيله
فسيكون أنه الممثل "الذي لم يأخذ وقته بالكامل" لأنه "ظُلم" بين
جيلين آخرين وظروف سينما متقلبة.
عبدالعليم، ولد عام 1956، في إحدى قرى محافظة المنوفية في مصر،
سريعاً بدأ مشواراً فنياً كطفل في الإذاعة والتلفزيون، وظهر في
أعمال للمخرج نور الدمرداش، أهمها مسلسل "الجنة العذراء" عام 1972.
وتلك "الطفولة الفنية" جعلت منه مولعاً جداً بالفن والتمثيل، وأدرك
أن هذا ما يريده تحديداً، ورغم أنه أكمل دراسته وحصل على بكالوريوس
اقتصاد وعلوم سياسية –وابتعد عن الفن لعدة سنوات في تلك الفترة-
إلا أنه عاد بعد ذلك بقوة، وجهاً جديداً ومميزاً وأحد نجوم السينما
المنتظرين.
في الوقت الذي بدأ فيه "عبدالعليم" كان هناك جيل يحمل لواء
السينما، جيل يمثله نور الشريف وحسين فهمي وأحمد زكي ومحمود
عبدالعزيز وبالطبع عادل إمام، وكان هو من جيل قادم من الخلف بحثاً
عن فرصة، مع زملائه هشام سليم وفاروق الفيشاوي وبعدهم بقليل شريف
منير، وفي بداية الثمانينيات اكتفى "عبدالعليم" بأدوار ثانية بعضها
مهم فعلاً في أفلام مثل البريء (مع عاطف الطيب 1986) ومشوار عمر
(محمد خان 1985).
الضربة
الحقيقية في هذا الوقت جاءت في التلفزيون، وعن طريق دور علي
البدري الذي
ارتبط الجمهور بحكايته مع "زهرة
سليمان غانم"
في ملحمة ليالي الحلمية، وحقق له انتشاراً ونجاحاً أكبر، في نفس
الوقت الذي مثل فيه بطولات في أفلام هامة أخرى في السينما على
رأسها بطل من ورق (نادر جلال 1988) وسوبر ماركت (محمد خان 1989) ثم
سمع هس (شريف عرفة 1991).
تلك هي اللحظة التي بدا فيها أن (ممدوح عبدالعليم وجيله) يمكن أن
يكونوا هم جيل السينما، ولكن ما حدث أن السينما في مصر كلها انهارت
خلال تلك الفترة، أصبح إنتاج الأفلام صعباً، عبدالعليم نفسه شارك
في إنتاج "سمع هس" إيماناً بالتجربة وأهمية التواجد.
وحين
جاءت الانتعاشة بعد ذلك في النصف الثاني من التسعينيات.. على يد
جيل الكوميديا الجديدة مثل محمد هنيدي وعلاء ولي الدين ثم محمد
سعد وأحمد
حلمي لاحقاً..
كان جيلٌ مختلفٌ تسلم الدفة، وظُلم "جيل ممدوح عبدالعليم" في
السينما تماماً بين جيل السبعينيات والثمانينيات والجيل الجديد.
بدلاً من ذلك، وربما بعد الإيمان بأن قطار السينما انتهى، أتت
نجومية "عبدالعليم" الحقيقية من التلفزيون المصري، حيث قدم عدة
مسلسلات حققت نجاحاً فائقاً، مثل "خالتي صفية والدير"، "جمهورية
زفتى" وكان أهمها على الإطلاق هو نجاح "الضوء الشارد".
ولكن في السنوات الأخيرة، ولأن قوانين التلفزيون أيضاً تغيرت، قل
ظهور ممدوح عبدالعليم وأعماله الناجحة، وفات قطار المسلسلات أيضاً،
ظل يغيب لسنوات، وكان ظهوره الأخير في مسلسل السيدة الأولى عام
2014 أمام غادة عبدالرازق في دور رئيس الجمهورية، ولم يظهر بعدها
في أي عمل فني حتى توفي بشكل مفاجئ إثر أزمة قلبية، وكأن "الوقت
القليل" الذي يمنح له هو سمة حياته.. في السينما وفي التلفزيون ثم
في الحياة نفسها. |