ضمن فعاليات المهرجان القومى التاسع عشر للسينما المصرية، والمزمع
إقامته فى الفترة من ٧ أكتوبر وحتى ١٦ من الشهر، يُقام على هامش
المهرجان، معرض خاص لمئوية المخرج الكبير الراحل صلاح أبوسيف (١٩١٥
- ١٩٩٦)، وذلك بقاعة آدم حنين فى مركز الهناجر للفنون بالأوبرا.
المعرض الذى تشرف عليه وتعد له المونتيرة المصرية صفاء الليثى
بتكليف من المخرج سمير سيف، رئيس الدورة التاسعة عشرة من المهرجان،
يُعد بمثابة نوع من التكريم والامتنان لروح المخرج الراحل، ورسالة
عرفان كبرى بقيمته الفنية وتراثه الكبير من الأفلام التى أخرجها
والتى يتجاوز عددها أربعين فيلمًا.
امتازت أفلام صلاح أبوسيف بنزعة واضحة للغوص فى الواقع، بكل
تفاصيله، حتى يكاد الغبار والوحل والروائح تداهم المتفرج، ولا عجب
فى ذلك حيث تتلمذ المخرج الراحل على يد (كمال سليم) مخرج فيلم
(العزيمة) الذى يعد أول الأفلام الواقعية فى مصر.
يضم المعرض ثلاثين لوحة تتنوع بين قائمة أعمال صلاح أبوسيف، ونشأته
وتكوينه الفنى، وأهم الأفلام التى قدمها، وخاصة مجموعة الواقعية
الست. لوحة للجوائز التى حصل عليها، وتكريمات الدولة.
تقول المونتيرة صفاء الليثى: «أشكر الظروف التى هيأت لى أن أعيد
مشاهدة أفلام المخرج صلاح أبوسيف وأن أقرأ مقالات النقاد عنه. وكان
سمير سيف قد أشار علىّ بكتاب «صلاح أبو سيف والنقاد» الذى أعده
أبوسيف بنفسه مع الناقد أحمد يوسف، واتخذته مرجعًا تاليًا لكتاب
حوارات هاشم النحاس الذى أخذت منه مقتطفات لتعليقات أبوسيف لكل
فيلم من أفلامه. واتخذت منهجًا يجمع بين رأيه وآراء النقاد مع
استخدام ألبومات صور الأفلام الوفيرة والتى اهتم بتوثيقها، ومن
أرشيف الزملاء كتيبات الدعاية. هذا بخلاف المواد والوثائق
والمقتنيات التى وفرها لنا أحمد أبوسيف، ابن المخرج الراحل».
وتضيف الليثى: «المنهج الذى اتبعته فى المعرض هو تكوين لوحات تضم
«الكتيب الصحفى» الذى كان الدعاية المصورة قبل ظهور التليفزيون،
ويتميز بأسلوب فنى شديد الخصوصية للفيلم المصرى، وأغلب من أبدعوه
من الرسامين الموهوبين بالفطرة دون دراسة، مع مادة مكتوبة تبدأ
بكلمة لأبوسيف عن الفيلم من كتاب حوارات هاشم النحاس معه، ومقتطفات
من آراء النقاد التى جمعها أبوسيف بنفسه، بالإضافة إلى صور من
ألبومات الأفلام التى احتفظ بها صلاح أبوسيف وكانت غزيرة تمثل
مرجعا للإضاءة والراكور وليست فقط للدعاية. بعض اللوحات بها صور
مهمة عن فترة تواجد أبوسيف فى المحلة، وانخراطه فى رياضة الملاكمة..».
مجموعة كبيرة من الصور واللوحات إذن، يُرفق بكل منها نص كتبه أحد
النقّاد السينمائيين أو المخرجين أو غيره من المهتمين بعالم
السينما والأفلام، ونذكر هنا على سبيل المثال بعض النصوص المصاحبة
للصور، ومنها ما كتبه المخرج سمير سيف الذى كان أبوسيف من أساتذته،
كتب سمير سيف، فى مقدمة الكتالوج المخصص للمعرض، والذى صممه الفنان
تامر البدرى: «أستاذ كبير وواحد من الجيل الذهبى لمخرجى السينما
المصرية.. عندما تذكر السينما المصرية يكون اسمه أول ما يتبادر إلى
الذهن.. ولو كان اكتفى بما أخرجه من أفلام لضمن مكانه فى ضريح
العظماء، ولكنه أعطى الكثير للصناعة التى أحبها، إنه أول من اجتذب
نجيب محفوظ لكتابة السيناريو، أول من أنشأ معهدا للسيناريو لإيمانه
بأهمية النص فى البناء السينمائى. إنه صلاح أبوسيف الذى يفخر
المهرجان القومى للسينما المصرية بإقامة هذا المعرض احتفالا بمئوية
ميلاده».
بينما يرد فى النص الذى كتبه المؤرخ السينمائى الفرنسى الشهير جورج
سادول، صاحب كتاب (تاريخ السينما فى العالم)، وهو من كتاب قاموس
السينمائيين: «أبوسيف، مخرج مصرى ولد فى ١٢ إبريل ١٩١٥، ويعتبر هو
ويوسف شاهين أفضل مخرجى السينما المصرية المعاصرين، تتميز أفلامه
بقوة إحساسه بالحياة الشعبية وبالواقع الإنسانى. أبرز أفلامه
الوحش، شباب امرأة، وبداية ونهاية».
أما صفاء الليثى، منسقة المعرض والمشرفة عليه، فقد كتبت تحت عنوان
(فتوة وشباب): «الفنان المخرج صلاح أبوسيف سابق لعصره، متجاوز
لجمهوره ونقاده، يسبق المادحين منهم والساخطين، إذ توقف نقاد
السينما المصرية عند النوع الواقعى لأفلام أبوسيف، ولكن العبقرى
المصرى ابن البلد ينجح مع نجيب محفوظ ومع إحسان عبدالقدوس ومع يوسف
إدريس ومع يوسف السباعى وآخرين.. اكتسب الثقة ونجح فى تقديم كل
الأنواع الفيلمية وكان أسبق من النقاد فى فهمه لفن السينما، فحطم
أسوار الواقعية التى حبسوه فيها، وقدّم تنويعات على لحنها وصلت
قمتها مع (السقا مات) و(بداية ونهاية) مرورا (بالزوجة التانية).
هوجم (الزوجة الثانية) من نقاد كبار، وحين يعاد عرضه بقنوات
التليفزيون نشاهده مرات ومرات وتصبح مواقفه وجمله الحوارية وصفا
دقيقا لأوضاع ما زالت تحكمنا (الدفاتر دفاترنا) يستخدمها المصريون
ليسخروا من التزوير وفساد الذمم.
تثير أفلامه دائما معارك نقدية مثل المعركة حول فيلم «شباب امرأة»
بين مؤيد ومعارض، ولا شك أنه واحد من أهم أفلام صلاح أبوسيف حيث
يمكن أن يُقرأ قراءات مختلفة حسب زمن عرضه وثقافة ورؤية من يشاهده.
يأتى معرض «مئوية ميلاد المخرج الفنان صلاح أبوسيف» هذا العام ٢٠١٥
وقد تراجع الإنتاج السينمائى فى مصر كما وكيفا، وأثناء التحضير
للمعرض عدت لمشاهدة أفلام صلاح أبوسيف وتأكدت قيمته عندى حتى فى
الأفلام التى لم يرض هو عنها، وجدت نفسى حائرة بين مختلف الأفلام
الواقعية الكلاسيكية منها، والرومانسية، وحتى ما يفترض أنها خفيفة
كانت تحمل من العمق والتميز ما جعلنى أستمتع بها وأعيد اكتشاف
جمالها، وهنا أقف عند عدد من الوحدات المشهدية لعدد من الأفلام فى
مسيرة الفتى دائم الشباب صلاح أبوسيف. كما أقف عند علاقته بكل من
نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وكيف أنهما يمثلان معا جناحى أعماله
بين واقعية لها جذور سياسية تنتمى غالبا للطبقة الكادحة، وواقعية
رومانسية تتناول أفكار ومشاكل الطبقة الوسطى المصرية والمعبرة عن
مثيلاتها فى المجتمعات العربية». |