ملفات خاصة

 
 
 

"الوفد" تنفرد بنشر آخر حوار

مع الفنان العالمي عمر الشريف قبل وفاته

أجري الحوار: صفوت دسوقي

عن رحيل الأسطورة

عمر الشريف

   
 
 
 
 
 
 

تنفرد صحيفة وبوابة الوفد بنشر آخر حوار أجراه الزميل صفوت الدسوقي المحرر بقسم الفن مع الراحل عمر الشريف خلال شهر ديسمبر 2014 ونعيد نشره الآن بعد وفاة عملاق السينما المصرية والعالمية عن عمر يناهز 83 عاما.

تحدث الفنان العالمي عمر الشريف في الحلقة الأولي من حواره لـ «الوفد» عن نشأته، وأكد أنه تعلم الإصرار من والدته، وقال: إن رحيل صديق عمره أحمد رمزي أفقده الحماس للحياة، ووصف السينما المصرية بالكئيبة لأنها تقدم موضوعات تبعث الهم والحزن في نفس المشاهد، وأوضح أنه يحترم سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة» مثل كل المصريين لكنه لا يحبها ولا يجرؤ علي الاقتراب منها لأنها سيدة متزوجة.. وأضاف عمر الشريف أنه يعاني من النسيان لأنه بلغ من العمر 83 عاماً والنسيان أمر طبيعي بحكم التقدم في العمر.

اليوم يواصل الفنان العالمي حديثه عن محطات الانتصار والانكسار في حياته ورأيه في ثورات الربيع العربي، وكيف يؤثر الفن في الواقع السياسي.

·        متي شعر عمر الشريف بالوحدة.. ولماذا قضي حياته كسندباد لا يهوي الاستقرار ويعشق الترحال دائماً؟

- شعرت بالوحدة بعد الانفصال عن الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، كانت الحياة بعد الانفصال صعبة ومؤلمة، خاصة أنني كنت أقيم في الخارج وأحاول البحث عن أعمال فنية جيدة تثبت أقدامي وتضمن لي البقاء في بؤرة الضوء، شعرت بالوحدة أيضاً عندما دب الألم في ساقي وأصبحت غير قادرة علي حملي، وعندما أجريت فيها عملية جراحية دقيقة، فضلت الحياة كسندباد لعدم وجود استقرار أسري، كنت أسافر من أجل العمل، وفي كل مرة أعود إلي القاهرة التي لا أتحمل الابتعاد عنها، رغم سفري الدائم لا أشعر بالراحة إلا في مصر، عندما أمشي في الشارع بين الناس أشعر بالراحة، في بلدنا الناس بسيطة وأحلامها أيضاً بسيطة، ولكني أتألم كلما أري طفلاً يتسول أو عجوزاً يبحث عن لقمة العيش، أتمني أن أري مصر أجمل بلاد الدنيا لأنها دولة كبيرة وتمتلك تراثاً حضارياً لا يستهان به.

·        بماذا تفسر اندلاع الثورات العربية في وقت واحد وهل تشعر بأن هناك مؤامرة؟

- الثورة مثل العدوي، فقد بدأت في تونس وانتقلت إلي مصر وليبيا، الأزمة التي أراها في تصوري هي عدم قدرة الشعوب العربية علي عبور محنة التغيير، مازالت البلاد العربية مرتبكة وغير قادرة علي العبور إلي بر الأمان، بكل تأكيد توجد مؤامرة من جانب الغرب ضد مصر والعالم العربي، مؤمن بنظرية المؤامرة، والدليل أن هناك دولاً كثيرة تاهت في الطريق مثل العراق، العالم العربي مستهدف وأتمني أن يتحد العرب ضد قوي الغرب.

·        كيف تري تجربة الإخوان في حكم مصر؟

- بداية لا تقول تجربة لأن الجماعة حاولت الانفراد بالسلطة، وتقطيع مصر مثل التورتة، تجاهل أعضاء الجماعة أن شعب مصر يمتلك القدرة علي التغيير، ولا أعرف لماذا تجاهلوا الدرس الذي أعطاه الشعب للرئيس الأسبق «مبارك» ورجاله، عندما يعيش الحاكم بمعزل عن احتياجات شعبه تحدث كوارث ومصائب.

·        وما رأيك في الرئيس الأسبق محمد مرسي؟

- بصراحة شديدة لم أقتنع به، ومصر دولة كبيرة، والحقيقة أن شعبها العظيم نجح في تعديل المسار بثورة 30 يونية، وهنا يجب الإشارة إلي دور الجيش الذي نجح في «لم» شمل المصريين وتوحيد صفوف الناس، وكل الشواهد تؤكد أن مصر سوف تتجه نحو الأفضل.

·        وما الشواهد التي تراهن عليها وتراها تحمل بشرة خير؟

- مشروع قناة السويس يحمل علامات ودلالات التفاؤل، فقد ساند كل المصريين المشروع، وأعتقد أن نجاحه سوف يؤدي إلي خلق روح جديدة، فنحن علي أعتاب مرحلة جديدة والكل مطالب بالإخلاص والولاء للوطن.

·        البعض يري أن حوادث الإرهاب عقبة كبيرة في طريق التنمية.. بماذا تفسر ذلك؟

- بكل تأكيد الإرهاب عقبة في طريق التنمية، لأن تكرار الحوادث يقدم صورة غير إيجابية عن مصر أمام العالم، ولهذا السبب يتراجع معدل السياحة، وتختفي المهرجانات، ولكن يجب أن يتلاشي الخوف لأن الجيش المصري يتصدي بقوة للإرهاب، بالمناسبة مواجهة الإرهاب ليست مسئولية الجيش والشرطة فقط، ولكن مسئولية كل مصري ينتمي لهذه الأرض ويتمني لها التقدم.

·        صدرت أحكام قضائية ببراءة «مبارك» ورجاله.. وهذا أثار شريحة كثيرة من الناس.. ما تعليقك؟

- لا يجب التعليق علي أحكام القضاء وأتمني أن يغلق المصريون أبواب الجدل، نحن في مرحلة خطيرة، العمل فيها هو المطلب المهم والضروري، ويجب علي الإعلام التواصل مع الناس بشكل مباشر والمساهمة في تفتيح عقولهم وتوسيع مداركهم، الجدل حول أشياء عقيمة يؤدي إلي إثارة بلبلة وفوضي لا تنتهي.

·        عودة إلي الفن.. هل تؤمن بتأثير الفن في الواقع السياسي؟

- الفن كما قلت في موضع سابق وسيلة للمتعة وليس طريقاً للتحريض، دور المبدع أن يقدم فناً جيداً ينهض بوعي الناس ولكن لا يجب أن يكون الفن مباشر.. إذا تم تحميل الفيلم السينمائي برسائل محددة قد تصل وقد لا تصل، لذا يجب التعامل مع الفن علي أنه وسيلة للمتعة وعلي المشاهد أن يقرأ العمل الفني بالشكل الذي يراه.

·        ما رأيك في الأعمال السينمائية التي تركز علي العشوائيات ولا تلقي الضوء علي الجوانب المضيئة في المجتمع؟

- أنا لا أحب الأعمال الكئيبة، وأنصح الفنانين بإسعاد الجمهور وإلقاء الضوء علي الجوانب الإيجابية لأن التركيز علي السلبيات فقط كارثة، نعم لقد اعتزلت التمثيل ولكني مهموم بحال السينما.

·        ما العمل الفني الذي لو عاد بك العمر للوراء لرفضته؟

- بطبعي لا أحب الندم علي شيء، ولكني حزين لأنني وافقت علي فيلم «المسافر» هذا الفيلم سيئ في كل شيء، وأتمني مسحه من سجل حياتي، فقد تولي مهمة الإخراج مخرج ضعيف اسمه أحمد ماهر، وشاركني البطولة ممثل متواضع هو خالد النبوي، الفيلم جاء ضعيفاً جداً، وطالبوا مني دعم الفن دولياً وبعلاقتي تم ترشيحه لمهرجان فنيسيا لكن الفيلم لم يحقق أي نجاح يذكر، لذا لو عاد بي قطار العمر للوراء لرفضت فيلم «المسافر» فهو لا يليق بفنان مثلي أكسبته الأيام والسنوات خبرة كبيرة.

·        إذا كنت تري خالد النبوي ممثلاً متواضعاً فمن هو الممثل المصري الذي يستوقف نظرك؟

- قلت كثيراً إن أفضل فنان في مصر هو أحمد زكي، فهو يمتلك حضوراً جيداً ولديه قدرة عالية علي التقمص والتفاعل مع الشخصية التي يجسدها.. في أوقات كثيرة تشعر أن هناك نجوماً لا يستوعب الزمن موهبتهم الفنية، أحمد زكي موهوب جداً وقد خطفه القدر، ولو كان بيننا الآن لقدم أعمالاً شديدة الروعة، وأتصور أن اللغة هي الحاجز الوحيد الذي حال دون وصول أحمد زكي إلي العالمية، وذات مرة التقيته في مهرجان فني ونصحته بالاعتماد علي نفسه وضرورة تعلم لغة تساعده في مشواره الفني، لكنه لم يعبأ بالنصيحة ولم يهتم بالأمر، بعد أحمد زكي يأتي الفنان محمود عبدالعزيز فهو فنان جيد ولديه حضور، هذا بالإضافة إلي قدرته علي التنوع في أدائه وقدرته علي جذب الجمهور.

·        ما الصفة السيئة التي كانت تلازمك في سن الشباب وتخلصت منها مؤخراً؟

- كنت متهوراً ودائم الانفعال، وكثيراً وقعت في مشاكل وغضب مني أشخاص كثيرون، والآن أصبحت هادئ الطباع ومتسامحاً إلي أقصي درجة، مؤلم أن تصب غضبك علي شخص، وبعد ذلك تفشل في تصحيح الموقف، بمرور الأيام اكتسبت الهدوء وأصبحت اجتماعياً.

·        مضي من العمر سنوات طويلة ومازلت ترفض الاستسلام وتحاول دائماً محاربة اليأس.. من أين تعلمت ذلك؟

- تعلمت أن الحزن يقتل الإنسان ويجعله يكبر قبل الأوان، بطبعي أحب الابتسام والانطلاق ولا أحب القيود والروتين، إذا كنت قد نجحت في مهنة التمثيل فهذا ليس لكوني أمتلك موهبة فذة، ولكن لكوني أعشق الحرية وأحب تغيير جلدي، تقمص الشخصيات يمنح الفنان أملاً ويمده بطاقة إيجابية.

·        كثيراً ما تقول إن الممثل شخص عادي ولا يستحق كل هذا الضجيج الذي يحاصره.. لماذا تقلل من أهمية دورك في المجتمع؟

- أنا مؤمن بأن الممثل شخص عادي وليس خارقاً، الممثل يحفظ الحوار ثم يقف أمام الكاميرا ويقول الحوار، أمر عادي وليس خلافاً، ولكن هناك مهناً تستحق أن تنحني لها احتراماً وتقديراً مثل الأطباء الذين يساهمون في تخفيف الألم عن المرضي، ومثل العلماء الذين يقضون ساعات طويلة في المعامل من أجل اكتشاف دواء جديد أو ماكينة تخدم الإنسان، العقول التي تستحق التكريم هي العقول المفكرة، لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أتمني أن أكون طبيباً حتي أخدم الناس وأسهم في تخفيف معاناة المرضي من البسطاء.

·        ما الشيء الذي يؤذي عينيك عندما تمشي في شوارع القاهرة؟

- من الأشياء التي تؤذي عيني مشهد الأطفال الذين ينامون تحت الكباري وفي الأنفاق، وأري أن الدولة مطالبة بتوفير الرعاية لهم وحمايتهم من التشرد، وبالمناسبة في الشوارع آلاف الأطفال الذين يستحقون اهتمام الدولة ورعايتها، الشيء الثاني الذي يؤذي عيني هي أكوام القمامة التي تملأ الشوارع وتلوث نسمات الهواء، لو كان الأمر بيدي لتبنيت حملة لنظافة القاهرة ولكن الصحة لا تساعد، وأملي أن ينتبه الناس لخطورة أكوام القمامة وأثرها علي الناس.

·        في رأيك.. من أين تكون البداية السليمة لتوجيه الشعب لضرورة رفض الممارسات الخاطئة؟

- إذا أردت أن تنهض بأي شعب، فعليك بالتعليم لأنه الطريق الوحيد لإصلاح وعي الفرد ودفعه لاكتساب أشياء إيجابية، مصر تحتاج إلي منظومة تعليم سليمة حتي تفرز أجيالاً جديدة تجمع بين الطموح والتحدي.. مضي زمن التعليم القائم علي التلقين والحفظ، نحتاج إلي تعليم يشجع علي مهارة الفكر والإبداع.

·        في الفترة الأخيرة شهدت مصر إقامة العديد من المهرجانات الفنية.. كيف تري الأمر؟

- إقامة المهرجانات الفنية دليل قوي علي أن مصر تنهض وتتحرك للأمام، المهرجانات تبعث برسالة إيجابية لكل دول العالم وتمسح الأفكار التي تحاول تشويه ما يحدث في مصر، وتحاول أن تصدر أن مصر غير مستقرة.

·        ولكن بماذا تفسر فشل الدورة 36 من عمر مهرجان القاهرة السينمائي في جذب نجوم عالميين؟

- غياب النجوم أمر طبيعي ولا ينقص من مجهود القائمين علي المهرجان، مصر في ثورة، وتحاول تصحيح أوضاع كثيرة خاطئة، وهذا لا يعني أن المهرجان فشل وخسر، بمرور الوقت سوف تتحسن الصورة وتتلاشي الأخطاء، ولا ننسي أن الحوادث التي يقوم بها الإرهاب تؤثر وتحدث رد فعل في الخارج، وأثق في أن الجيش سوف يقضي علي الإرهاب ويحمي بلدنا.

·        العودة إلى القاهرة بعد غياب طويل كان أمراً صعباً.. كيف كان استقبالك؟

- لم يكن قرار العودة إلي مصر صعباً فقد تأخرت لأسباب كثيرة منها تدهور حالتي الصحية، وإجراء أكثر من جراحة في قدمي، أنا أعشق تراب مصر وقررت العودة إليها خوفاً من الموت خارج أرضها، أقف في الصباح في شرفة غرفتي بالفندق أتأمل حال نهر النيل وأمشي ساعة يومياً، وفي المساء ألتقي مجموعة من الأصدقاء الذين أشعر معهم بالراحة، بالمناسبة عندما عدت إلي القاهرة كنت سعيداً بسبب حفاوة الاستقبال، وقد قام السفير أحمد قطان سفير المملكة العربية السعودية في مصر بإقامة حفلة من أجلي وحضر خلالها عدد كبير من نجوم الفن منهم: يسرا وإلهام شاهين وسمير غانم ومحمود عبدالعزيز، وشعرت بسعادة بالغة.

·        لماذا فضلت أن تستمر الحياة دون امرأة تؤنس وحدتك؟

- من الصعب أن أعيش طيلة حياتي دون امرأة، وفي النهاية أبحث عن سيدة كي أحبس حريتها وأحولها إلي خادمة.. مؤشر الصحة يتراجع، وفي أي لحظة قد يأتي الأجل.. أريد أن أعيش بحرية حتي آخر دقيقة في عمري، إن أسعد لحظات حياتي عندما أجتمع مع ابني «طارق» وأجلس مع أحفادي، الدنيا تمر وأحاول أن أسرق لحظات السعادة.

·        من هم الأشخاص الذين يهتمون بأمرك ودائماً يسألون عنك؟

- الحمد لله.. ناس كثيرة بتحبني ولكن أهم الناس التي تسأل عني هو الدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، هو شخص محترم ولا يتخلي عني، وأتمني أن تستفيد الدولة من خبرته في مجال الآثار.

·        < قبل أن أطرح سؤالي الأخير.. ماذا تتمني لنفسك ولبلدك؟

- بالنسبة لي لا يوجد مساحة للأحلام «أنا خلاص مروح» الحياة تقف علي عتبة النهاية، ولكن جراب الأمنيات بالنسبة لمصر كبير، أتمني لها أن تنهض وأن تكون أجمل بلاد الدنيا، وأملي أن يختفي الإرهاب والأمراض ويملأ الفرح كل مكان في مصر.

·        سؤالي الأخير.. إذا كنت تنتظر الموت فهل فكرت في كتابة وصية؟

- لم أكتب وصية، ولكني أرجو أن يسامحني أي شخص حدث بيني وبينه أي خلاف.

الوفد المصرية في

10.07.2015

 
 

عمر الشريف:

أكره كلمة "زهايمر"

أجرى الحوار: صفوت دسوقى

تتربع الابتسامة على وجه الفنان العالمى عمر الشريف، ابتسامة كفيلة بأن تمنح الحياة للآخر.. وعندما يبدأ الحديث تكتشف أنه «تاجر السعادة» الذى أفلس بعدما تقدم به قطار العمر، ورحل عنه الأصدقاء. نعم تحاصره الأضواء ويتزاحم الناس لرؤيته

لكنه يود أن يسبح فى محيط بعيد عن كل شىء.. لا يريد العودة للماضى لأن الذكرى يهددها النسيان، ولا يعلق أملاً على المستقبل لأنه يظن أن الموت أقرب إليه من الحياة.

يرى عمر الشريف، أن رصيده فى بنك الأحلام نفد، لأن سنوات العمر معدودة، ومساحة الذاكرة تتآكل. قرر اعتزال التمثيل والابتعاد عن الأضواء.. ويقول إنه ينتظر ساعة الرحيل، ورغم ذلك يطارد السعادة مثل مطاردة طفل صغير لفراشة فى فضاء واسع، فقد علمته التجارب أن يقاتل حتى آخر نفس.

رفض عمر الشريف فى البداية إجراء حوار لأنه يعتقد أن الكلام لا يفيد وأنه مثل كثير من الناس يحتاج أن يسمع ويتعلم.. وبعد إلحاح طويل أقنعته بأن كلامه مهم ومفيد لأنه يمتلك تجربة خاصة.. فى فندق شهير جمع بيننا اللقاء، كان استقباله رائعاً ويحمل علامات ودلالات الود. سألته من أين نبدأ فقال ضاحكاً.. لا تسأل رجلاً ينتهى عن ضربة البداية.

·        يملأ حضور عمر الشريف إلى القاهرة بعد فترة طويلة من الغياب الدنيا بالضجيج والصخب.. ورغم ذلك تحاول الابتعاد عن الناس والاختفاء عن العيون.. ما السبب؟

- أنت الآن فى مرحلة الشباب لديك أحلام ولديك طاقة كبيرة.. أما أنا فقد شبعت من الحياة، وفى أبريل القادم سوف يصل عمرى 83 عاماً.. أصبحت عجوزاً وأنتظر الموت، عندما استرجع شريط العمر اكتشف أن هناك عدداً كبيراً من الأصدقاء رحلوا عن الدنيا مثل رشدى أباظة وأحمد رمزى.. ويتملكنى الحزن فترة ولكن بسرعة اكتشف أننى سوف أذهب إليهم، إن طال الأجل أو قصر سوف أموت وسوف أدفن تحت التراب، لم أعد أقدر على التصوير مع الجمهور ولا الوقوف أمام الكاميرا.

·        الجميع ينتظر الموت.. فهل ذلك مبرر لليأس وتشييد جسور عالية بينك وبين المستقبل؟

- من قال إننى أعانى من اليأس، أنا أحب السعادة والفرحة، وأبحث عنهما فى وجوه الأصدقاء وفى جلسات السمر.. أنا مثل الطفل الصغير الذى يبحث عن السعادة، فبدون الفرحة الحياة جحيم.. لا تظن أننى أشعر بالحزن عندما أتكلم عن الموت فقد شبعت من النجاح والشهرة والحياة. فى أوقات كثيرة أحسد رشدى أباظة لأنه فارق عالمنا سريعاً، الشيخوخة أمر مؤلم، تصور شعورك عندما تجد نفسك لا تستطيع فعل أشياء كنت فى سن الشباب تقوم بها بسهولة ودون عناء.

·        الحديث عن النهاية أمر مؤلم.. لذا سوف أعود بك إلى شاطئ الماضى فما هى الذكريات العالقة فى وجدانك حتى الآن؟

- يضحك بصوت عالٍ ويقول: لا تحاول التفتيش فى جراب ذاكرتى، فقد أصبحت عرضةَ للتآكل، ولكنى أتذكر أمى دائماً، كانت تكرهنى لأن كنت «سمين أوى» وشكلى ليس لطيفاً، وكانت تخجل من شكلى أمام صديقاتها وتحبسنى فى غرفتى.. بعد تفكير طويل قررت أمى أن تقدم أوراقى فى مدرسة إنجليزية وكانت تأتى لزيارتى كل شهر مرة.. وفى المدرسة الإنجليزية تعلمت الحفاظ على مواعيد الطعام وعدم الإفراط فى الوجبات وشيئاً فشيئاً أصبح شكلى لطيفاً ووزنى مثالياً.. كنت أخاف من أمى، أما والدى فكان رجلاً طيباً كما لا يعبأ إلا بالعمل فقط..

·        ما هو الأكثر تأثيراً فى حياتك.. الأم بشخصيتها القوية أم الأب بطيبته الزائدة؟

- تعلمت من أمى لعب القمار، وهذا أسوأ شىء تعلمته فى حياتى.. كانت تهوى اللعب بشكل يومى، أما الشىء الإيجابى الذى ورثته عنها فهو الإصرار، فقد ورثت منها هذا الأمر، لذا كنت حريصاً على التميز وإدراك النجاح.. ورثت من والدى التسامح خلال رحلة حياتى الطويلة لم أدخل فى معارك مع أى شخص، أعمل فقط وأحاول الاستمتاع بحياتى.. أنا رجل قدرى جداً ولا أحب أى منغصات تهدد حياتى.

·        الشرب والقمار.. شيآن يلتهمان من عمر الإنسان وثروته فهل أثرا على حياتك وهل أنت نادم عليهما؟

- فى بداية حياتى، كنت أحب جو الشرب ولكن لا أحب تناوله.. بمرور الوقت تجرأت وأصبح الشرب عادياً وكذلك لعب القمار.. بكل تأكيد تأثرت حياتى وصحتى بهذه الأمور، ولو عاد بى قطار العمر سوف أراجع حساباتى وأبتعد عن هذه الأشياء.. ودائما أنصح الشباب بالحفاظ على الصحة لأنها ثروة الإنسان الحقيقية

·        يقال إن عمر الشريف مازل يلعب القمار حتى هذه اللحظة؟

- هذا الكلام غير حقيقى، فقد توقفت عن لعب القمار منذ عشر سنوات.. فى لحظة تخيلت أن القمار كارثة وأنه سوف يفقدنى ثروتى التى ادخرتها لمواجهة أعباء الحياة فى مرحلة الشيخوخة.. لذا ابتعدت وحسمت الأمر بينى وبين نفسى.

·        وهل كان هذا القرار سهلاً أم شعرت بمعاناة كبيرة؟

- أمر طبيعى أن أشعر بمعاناة عندما أقرر الإقلاع عن أمر أقوم به من سن الشباب، ولكن بصراحة شديدة شجعنى ابنى طارق على هذا الأمر وشجعنى أيضاً على تخفيف الشرب كما وقف بجانبى عدد كبير من الأصدقاء من أجل الحفاظ على صحتى.. والحمد لله أصبحت الآن أفضل.

·        قال لى الراحل أحمد رمزى إنك كنت دائم الخلاف مع رشدى أباظة وإنه حاول كثيراً تقريب المسافات بينكما وباءت محاولاته بالفشل؟

- ليس معنى كلام «رمزى» أن رشدى أباظة كان يكرهنى.. كانت هناك حالة من الغيرة الفنية، لكن رابطة الصداقة كانت قوية وليس صحيحاً ما تردد عن أننى أخذت فرصة رشدى أباظة فى العالمية.. فقد اختارنى المخرج ديفيد لين وتمسك بى وذلك بعد نجاحى فى الاختبارات ومن حسن حظى أننى قمت ببطولة فيلم «لورانس العرب»، كان هذا الفيلم بمثابة حجر الزاوية فى حياتى، حيث انتقلت بعده إلى السينما العالمية وتفتحت أمامى أبواب الشهرة.. وفى هوليوود اكتسبت خبرات جديدة وتعلمت أن التمثيل موهبة قبل أن يكون ملامح جميلة.

·        عمرو واكد، خالد النبوى، وغيرهما من جيل الوسط يحاولون وضع أقدامهم على خريطة العالمية.. فهل تشعر بوجودهم؟

- بصراحة شديدة لم أشعر بوجودهم، ولكنى أحترم محاولاتهم الجادة.. هناك أزمة تحاصر الفنانين العرب الباحثين عن الشهرة فى هوليوود فأغلبهم يتم ترشيحه فى دور إرهابى عربى.. أنصح أبناء الجيل الجديد بالبحث عن أدوار مختلفة وعدم الاستسلام لنظرة المنتجين الأجانب للفنانين العرب.. لا يوجد نجاح مجانى، فقد تعبت من أجل أن أمشى فى شارع النجومية.

·        تردد أنك تريد أن تحذف كل أفلامك العربية من تاريخك لعدم الرضا عنها.. صح أم خطأ؟

- ليس صحيحاً.. قلت إننى لا أحب مشاهدة أفلامى القديمة لسببين، الأول كانت هناك حسنة قديمة فى وجهى وكنت غير راضٍ عن شكلى وهى تحتل وجهى.. السبب الثانى موضوعات الأفلام كانت كئيبة ولا تحمل أى حالة من حالات البهجة.. لا ذنب للمتلقى أن يشاهد فيلماً زمنه ساعتان، والأحداث كلها تدعو للبكاء والحزن. السينما متعة وترفيه وليست وسيلة تعذيب.. فى الخارج يحاول الكتاب تقديم أفكار براقة ومختلفة فتجد فيلم سينما أبطاله رسوم متحركة والأصوات لنجوم كبار.. وأفلام الخيال العلمى والأفلام الأكشن.. أما فى مصر السينما فدائمًا تسيطر عليها الظاهرة، تارة نشاهد أفلام حرب وتارة أخرى أفلام مقاولات وثالثة أفلام مخدرات.. فكثير من الذين يشتغلون بالفن يتعاملون معه على أنه باب رزق وليس رافداً للإبداع.

·        سمعنا أنك تفكر فى كتابة مذكراتك وأن هناك شركة إنتاج متحمسة لتقديم قصة حياتك فى مسلسل درامى طويل؟

- لم أسمع هذا الكلام، ولا أرى أى ميزة فى حياتى حتى أكتب مذكراتى، وتتم صياغتها فى مسلسل. لست جيفارا حتى أكتب مذكراتى أنا ممثل عادى، ولكنى محب لعملى ومؤمن بأن للجمهور الحق فى مشاهدة أعمال جيدة..

·        لماذا فضل عمر الشريف عدم الزواج بعد الانفصال عن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.. وهل كانت هناك علاقات حب لم تكتمل؟

- فاتن حمامة.. أم ابنى طارق.. وهى سيدة محترمة وأنا أحترمها ومعجب بها مثل ملايين المصريين.. وأندهش عندما تُنشر تصريحات على لسانى تؤكد أننى مازلت أحبها لم يصدر هذا منى.. فقد انفصلت عنها ولا تربطنى بها صلة، وأتمنى لها دائماً التوفيق وهى متزوجة من رجل احترمه وأقدره..

بعد انفصالى عن فاتن حمامة لم أفكر فى الزواج رغم إيمانى الكامل بأن للمرأة دوراً مهماً فى حياة الرجل، لكننى فضلت الحياة بمفردى.. سنوات طويلة عشتها خارج مصر لم أرتكب أى شىء أخجل منه ولم أدخل فى علاقات سيئة.. عشت حياتى بإرادتى ولم أحاول تشويه أى شىء بداخلى.

·        كيف ترى نظرة المجتمع للمرأة فى مصر وكيف تراها فى الخارج؟

- المرأة فى مصر مظلومة لأن الرجل ينظر لها باستهانة، فهى تحتاج إلى إنصاف من المجتمع.. أسمع أنها وصلت إلى مراكز مهمة، ولكن لا يوجد أى تأثير للأمر فى الواقع.. المرأة فى بلدنا لإنجاب الأطفال فقط وهذه نظرة خطأ.. يجب أن نضع المرأة فوق رؤوسنا لأنها الأم والأخت والمعلمة.. وهذا هو الفرق بين نظرة المجتمع للمرأة فى مصر ونظرة المجتمع الغربى لها.

·        منذ سنوات توقفت عن العمل.. فهل تخشى مواجهة أزمات مالية مستقبلاً؟

- لا يعنى توقفى عن العمل أننى مفلس، فقد ادخرت أموالاً كثيرة من عملى فى أفلام أجنبية وليس صحيحاً أننى خسرت ثروتى فى لعب القمار، هذا كلام فارغ وغير حقيقى.. كما أن نجلى طارق رجل أعمال ناجح وله بيزنس مهم فى بعض المطاعم مع شركاء آخرين ويقف بجانبى ولا يتخلى عنى.

·        سمعنا أن الفنان عمر الشريف أصيب بألزهايمر مؤخراً.. الأمر الذى جعلك تبتعد عن التمثيل لعدم القدرة على حفظ الحوار.. ما حقيقة ذلك؟

- أعانى بالفعل من نسيان أشياء مهمة، وهذا أمر طبيعى لأننى فى أبريل القادم سوف أبلغ 83 سنة.. مشوار الحياة مرهق والرحلة طويلة والإنسان مثل الماكينة يتأثر بمرور الوقت والجهد.. لكن لم أبتعد عن التمثيل بسبب عدم القدرة فقط ولكن لتراجع مؤشر صحتى للخلف وعدم الوقوف ساعات أمام الكاميرا.

·        سافرت إلى شمال فرنسا بعد ثورة يناير وقبل إجراء الانتخابات الرئاسة التى أدت إلى فوز الإخوان بالحكم.. والآن عدت بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية الحكم.. كيف ترى مصر الآن؟

- سافرت فعلاً بعد قيام ثورة يناير بشهور وكانت هناك حالة من الفوضى وأثناء إقامتى فى الخارج تابعت الانتخابات الرئاسية وفوز الإخوان بالحكم بصراحة تملكنى الخوف وقلت إن مصر سوف تنهار لكن الحمد لله الشعب صحح المسار وقام بثورة جديدة واختار عبدالفتاح السيسى ليحكم مصر.. لا أعرف السيسى لكنه رجل وطنى ويحب البلد والشعب كله يعلق آمالاً عليه.. والحقيقة أنه استطاع أن يعيد الهدوء إلى مصر التى يحاول الإرهاب تشويه جمالها وزعزعة استقرارها.. مصر تمشى فى الطريق السليم لكن يجب على الناس العمل بجهد والصبر لأن البناء يحتاج وقتاً طويلاً.

·        كيف يرى العالم مصر بعد ثورتين؟

- لا أعرف لماذا ننشغل بالآخر.. من الضرورى أن نواصل العمل ولا نفتش فى النوايا بكل تأكيد الغرب لا يريد للشرق النهوض وهناك مؤامرة على الوطن العربى وتحديداً مصر لأنها نبض العروبة النابض بالحياة.. أتمنى أن نتوقف عن الانشغال بالآخر ونركز فى العمل والإنتاج، لأن العمل هو السبيل لإجبار الغرب على احترامنا والانحناء أمامنا.. مصر دولة كبيرة وسوف تنهض وتتقدم بإرادة شعبها.

الوفد المصرية في

14.12.2014

 
 

عمر الشريف:

الثورة عدوى والشعوب مرتبكة

أجري الحوار: صفوت دسوقي

تحدث الفنان العالمي عمر الشريف أمس في الحلقة الأولي من حواره لـ «الوفد» عن نشأته، وأكد أنه تعلم الإصرار من والدته، وقال: إن رحيل صديق عمره

أحمد رمزي أفقده الحماس للحياة، ووصف السينما المصرية بالكئيبة لأنها تقدم موضوعات تبعث الهم والحزن في نفس المشاهد، وأوضح أنه يحترم سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة» مثل كل المصريين لكنه لا يحبها ولا يجرؤ علي الاقتراب منها لأنها سيدة متزوجة.. وأضاف عمر الشريف أنه يعاني من النسيان لأنه بلغ من العمر 83 عاماً والنسيان أمر طبيعي بحكم التقدم في العمر.

اليوم يواصل الفنان العالمي حديثه عن محطات الانتصار والانكسار في حياته ورأيه في ثورات الربيع العربي، وكيف يؤثر الفن في الواقع السياسي.

·        متي شعر عمر الشريف بالوحدة.. ولماذا قضي حياته كسندباد لا يهوي الاستقرار ويعشق الترحال دائماً؟

- شعرت بالوحدة بعد الانفصال عن الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، كانت الحياة بعد الانفصال صعبة ومؤلمة، خاصة أنني كنت أقيم في الخارج وأحاول البحث عن أعمال فنية جيدة تثبت أقدامي وتضمن لي البقاء في بؤرة الضوء، شعرت بالوحدة أيضاً عندما دب الألم في ساقي وأصبحت غير قادرة علي حملي، وعندما أجريت فيها عملية جراحية دقيقة، فضلت الحياة كسندباد لعدم وجود استقرار أسري، كنت أسافر من أجل العمل، وفي كل مرة أعود إلي القاهرة التي لا أتحمل الابتعاد عنها، رغم سفري الدائم لا أشعر بالراحة إلا في مصر، عندما أمشي في الشارع بين الناس أشعر بالراحة، في بلدنا الناس بسيطة وأحلامها أيضاً بسيطة، ولكني أتألم كلما أري طفلاً يتسول أو عجوزاً يبحث عن لقمة العيش، أتمني أن أري مصر أجمل بلاد الدنيا لأنها دولة كبيرة وتمتلك تراثاً حضارياً لا يستهان به.

·        بماذا تفسر اندلاع الثورات العربية في وقت واحد وهل تشعر بأن هناك مؤامرة؟

- الثورة مثل العدوي، فقد بدأت في تونس وانتقلت إلي مصر وليبيا، الأزمة التي أراها في تصوري هي عدم قدرة الشعوب العربية علي عبور محنة التغيير، مازالت البلاد العربية مرتبكة وغير قادرة علي العبور إلي بر الأمان، بكل تأكيد توجد مؤامرة من جانب الغرب ضد مصر والعالم العربي، مؤمن بنظرية المؤامرة، والدليل أن هناك دولاً كثيرة تاهت في الطريق مثل العراق، العالم العربي مستهدف وأتمني أن يتحد العرب ضد قوي الغرب.

·        كيف تري تجربة الإخوان في حكم مصر؟

- بداية لا تقول تجربة لأن الجماعة حاولت الانفراد بالسلطة، وتقطيع مصر مثل التورتة، تجاهل أعضاء الجماعة أن شعب مصر يمتلك القدرة علي التغيير، ولا أعرف لماذا تجاهلوا الدرس الذي أعطاه الشعب للرئيس الأسبق «مبارك» ورجاله، عندما يعيش الحاكم بمعزل عن احتياجات شعبه تحدث كوارث ومصائب.

·        وما رأيك في الرئيس الأسبق محمد مرسي؟

- بصراحة شديدة لم أقتنع به، ومصر دولة كبيرة، والحقيقة أن شعبها العظيم نجح في تعديل المسار بثورة 30 يونية، وهنا يجب الإشارة إلي دور الجيش الذي نجح في «لم» شمل المصريين وتوحيد صفوف الناس، وكل الشواهد تؤكد أن مصر سوف تتجه نحو الأفضل.

·        وما الشواهد التي تراهن عليها وتراها تحمل بشرة خير؟

- مشروع قناة السويس يحمل علامات ودلالات التفاؤل، فقد ساند كل المصريين المشروع، وأعتقد أن نجاحه سوف يؤدي إلي خلق روح جديدة، فنحن علي أعتاب مرحلة جديدة والكل مطالب بالإخلاص والولاء للوطن.

·        البعض يري أن حوادث الإرهاب عقبة كبيرة في طريق التنمية.. بماذا تفسر ذلك؟

- بكل تأكيد الإرهاب عقبة في طريق التنمية، لأن تكرار الحوادث يقدم صورة غير إيجابية عن مصر أمام العالم، ولهذا السبب يتراجع معدل السياحة، وتختفي المهرجانات، ولكن يجب أن يتلاشي الخوف لأن الجيش المصري يتصدي بقوة للإرهاب، بالمناسبة مواجهة الإرهاب ليست مسئولية الجيش والشرطة فقط، ولكن مسئولية كل مصري ينتمي لهذه الأرض ويتمني لها التقدم.

·        صدرت أحكام قضائية ببراءة «مبارك» ورجاله.. وهذا أثار شريحة كثيرة من الناس.. ما تعليقك؟

- لا يجب التعليق علي أحكام القضاء وأتمني أن يغلق المصريون أبواب الجدل، نحن في مرحلة خطيرة، العمل فيها هو المطلب المهم والضروري، ويجب علي الإعلام التواصل مع الناس بشكل مباشر والمساهمة في تفتيح عقولهم وتوسيع مداركهم، الجدل حول أشياء عقيمة يؤدي إلي إثارة بلبلة وفوضي لا تنتهي.

·        عودة إلي الفن.. هل تؤمن بتأثير الفن في الواقع السياسي؟

- الفن كما قلت في موضع سابق وسيلة للمتعة وليس طريقاً للتحريض، دور المبدع أن يقدم فناً جيداً ينهض بوعي الناس ولكن لا يجب أن يكون الفن مباشر.. إذا تم تحميل الفيلم السينمائي برسائل محددة قد تصل وقد لا تصل، لذا يجب التعامل مع الفن علي أنه وسيلة للمتعة وعلي المشاهد أن يقرأ العمل الفني بالشكل الذي يراه.

·        ما رأيك في الأعمال السينمائية التي تركز علي العشوائيات ولا تلقي الضوء علي الجوانب المضيئة في المجتمع؟

- أنا لا أحب الأعمال الكئيبة، وأنصح الفنانين بإسعاد الجمهور وإلقاء الضوء علي الجوانب الإيجابية لأن التركيز علي السلبيات فقط كارثة، نعم لقد اعتزلت التمثيل ولكني مهموم بحال السينما.

·        ما العمل الفني الذي لو عاد بك العمر للوراء لرفضته؟

- بطبعي لا أحب الندم علي شيء، ولكني حزين لأنني وافقت علي فيلم «المسافر» هذا الفيلم سيئ في كل شيء، وأتمني مسحه من سجل حياتي، فقد تولي مهمة الإخراج مخرج ضعيف اسمه أحمد ماهر، وشاركني البطولة ممثل متواضع هو خالد النبوي، الفيلم جاء ضعيفاً جداً، وطالبوا مني دعم الفن دولياً وبعلاقتي تم ترشيحه لمهرجان فنيسيا لكن الفيلم لم يحقق أي نجاح يذكر، لذا لو عاد بي قطار العمر للوراء لرفضت فيلم «المسافر» فهو لا يليق بفنان مثلي أكسبته الأيام والسنوات خبرة كبيرة.

·        إذا كنت تري خالد النبوي ممثلاً متواضعاً فمن هو الممثل المصري الذي يستوقف نظرك؟

- قلت كثيراً إن أفضل فنان في مصر هو أحمد زكي، فهو يمتلك حضوراً جيداً ولديه قدرة عالية علي التقمص والتفاعل مع الشخصية التي يجسدها.. في أوقات كثيرة تشعر أن هناك نجوماً لا يستوعب الزمن موهبتهم الفنية، أحمد زكي موهوب جداً وقد خطفه القدر، ولو كان بيننا الآن لقدم أعمالاً شديدة الروعة، وأتصور أن اللغة هي الحاجز الوحيد الذي حال دون وصول أحمد زكي إلي العالمية، وذات مرة التقيته في مهرجان فني ونصحته بالاعتماد علي نفسه وضرورة تعلم لغة تساعده في مشواره الفني، لكنه لم يعبأ بالنصيحة ولم يهتم بالأمر، بعد أحمد زكي يأتي الفنان محمود عبدالعزيز فهو فنان جيد ولديه حضور، هذا بالإضافة إلي قدرته علي التنوع في أدائه وقدرته علي جذب الجمهور.

·        ما الصفة السيئة التي كانت تلازمك في سن الشباب وتخلصت منها مؤخراً؟

- كنت متهوراً ودائم الانفعال، وكثيراً وقعت في مشاكل وغضب مني أشخاص كثيرون، والآن أصبحت هادئ الطباع ومتسامحاً إلي أقصي درجة، مؤلم أن تصب غضبك علي شخص، وبعد ذلك تفشل في تصحيح الموقف، بمرور الأيام اكتسبت الهدوء وأصبحت اجتماعياً.

·        مضي من العمر سنوات طويلة ومازلت ترفض الاستسلام وتحاول دائماً محاربة اليأس.. من أين تعلمت ذلك؟

- تعلمت أن الحزن يقتل الإنسان ويجعله يكبر قبل الأوان، بطبعي أحب الابتسام والانطلاق ولا أحب القيود والروتين، إذا كنت قد نجحت في مهنة التمثيل فهذا ليس لكوني أمتلك موهبة فذة، ولكن لكوني أعشق الحرية وأحب تغيير جلدي، تقمص الشخصيات يمنح الفنان أملاً ويمده بطاقة إيجابية.

·        كثيراً ما تقول إن الممثل شخص عادي ولا يستحق كل هذا الضجيج الذي يحاصره.. لماذا تقلل من أهمية دورك في المجتمع؟

- أنا مؤمن بأن الممثل شخص عادي وليس خارقاً، الممثل يحفظ الحوار ثم يقف أمام الكاميرا ويقول الحوار، أمر عادي وليس خلافاً، ولكن هناك مهناً تستحق أن تنحني لها احتراماً وتقديراً مثل الأطباء الذين يساهمون في تخفيف الألم عن المرضي، ومثل العلماء الذين يقضون ساعات طويلة في المعامل من أجل اكتشاف دواء جديد أو ماكينة تخدم الإنسان، العقول التي تستحق التكريم هي العقول المفكرة، لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أتمني أن أكون طبيباً حتي أخدم الناس وأسهم في تخفيف معاناة المرضي من البسطاء.

·        ما الشيء الذي يؤذي عينيك عندما تمشي في شوارع القاهرة؟

- من الأشياء التي تؤذي عيني مشهد الأطفال الذين ينامون تحت الكباري وفي الأنفاق، وأري أن الدولة مطالبة بتوفير الرعاية لهم وحمايتهم من التشرد، وبالمناسبة في الشوارع آلاف الأطفال الذين يستحقون اهتمام الدولة ورعايتها، الشيء الثاني الذي يؤذي عيني هي أكوام القمامة التي تملأ الشوارع وتلوث نسمات الهواء، لو كان الأمر بيدي لتبنيت حملة لنظافة القاهرة ولكن الصحة لا تساعد، وأملي أن ينتبه الناس لخطورة أكوام القمامة وأثرها علي الناس.

·        في رأيك.. من أين تكون البداية السليمة لتوجيه الشعب لضرورة رفض الممارسات الخاطئة؟

- إذا أردت أن تنهض بأي شعب، فعليك بالتعليم لأنه الطريق الوحيد لإصلاح وعي الفرد ودفعه لاكتساب أشياء إيجابية، مصر تحتاج إلي منظومة تعليم سليمة حتي تفرز أجيالاً جديدة تجمع بين الطموح والتحدي.. مضي زمن التعليم القائم علي التلقين والحفظ، نحتاج إلي تعليم يشجع علي مهارة الفكر والإبداع.

·        في الفترة الأخيرة شهدت مصر إقامة العديد من المهرجانات الفنية.. كيف تري الأمر؟

- إقامة المهرجانات الفنية دليل قوي علي أن مصر تنهض وتتحرك للأمام، المهرجانات تبعث برسالة إيجابية لكل دول العالم وتمسح الأفكار التي تحاول تشويه ما يحدث في مصر، وتحاول أن تصدر أن مصر غير مستقرة.

·        ولكن بماذا تفسر فشل الدورة 36 من عمر مهرجان القاهرة السينمائي في جذب نجوم عالميين؟

- غياب النجوم أمر طبيعي ولا ينقص من مجهود القائمين علي المهرجان، مصر في ثورة، وتحاول تصحيح أوضاع كثيرة خاطئة، وهذا لا يعني أن المهرجان فشل وخسر، بمرور الوقت سوف تتحسن الصورة وتتلاشي الأخطاء، ولا ننسي أن الحوادث التي يقوم بها الإرهاب تؤثر وتحدث رد فعل في الخارج، وأثق في أن الجيش سوف يقضي علي الإرهاب ويحمي بلدنا.

·        العودة إلي القاهرة بعد غياب طويل كان أمراً صعباً.. كيف كان استقبالك؟

- لم يكن قرار العودة إلي مصر صعباً فقد تأخرت لأسباب كثيرة منها تدهور حالتي الصحية، وإجراء أكثر من جراحة في قدمي، أنا أعشق تراب مصر وقررت العودة إليها خوفاً من الموت خارج أرضها، أقف في الصباح في شرفة غرفتي بالفندق أتأمل حال نهر النيل وأمشي ساعة يومياً، وفي المساء ألتقي مجموعة من الأصدقاء الذين أشعر معهم بالراحة، بالمناسبة عندما عدت إلي القاهرة كنت سعيداً بسبب حفاوة الاستقبال، وقد قام السفير أحمد قطان سفير المملكة العربية السعودية في مصر بإقامة حفلة من أجلي وحضر خلالها عدد كبير من نجوم الفن منهم: يسرا وإلهام شاهين وسمير غانم ومحمود عبدالعزيز، وشعرت بسعادة بالغة.

·        لماذا فضلت أن تستمر الحياة دون امرأة تؤنس وحدتك؟

- من الصعب أن أعيش طيلة حياتي دون امرأة، وفي النهاية أبحث عن سيدة كي أحبس حريتها وأحولها إلي خادمة.. مؤشر الصحة يتراجع، وفي أي لحظة قد يأتي الأجل.. أريد أن أعيش بحرية حتي آخر دقيقة في عمري، إن أسعد لحظات حياتي عندما أجتمع مع ابني «طارق» وأجلس مع أحفادي، الدنيا تمر وأحاول أن أسرق لحظات السعادة.

·        من هم الأشخاص الذين يهتمون بأمرك ودائماً يسألون عنك؟

- الحمد لله.. ناس كثيرة بتحبني ولكن أهم الناس التي تسأل عني هو الدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، هو شخص محترم ولا يتخلي عني، وأتمني أن تستفيد الدولة من خبرته في مجال الآثار.

·        قبل أن أطرح سؤالي الأخير.. ماذا تتمني لنفسك ولبلدك؟

- بالنسبة لي لا يوجد مساحة للأحلام «أنا خلاص مروح» الحياة تقف علي عتبة النهاية، ولكن جراب الأمنيات بالنسبة لمصر كبير، أتمني لها أن تنهض وأن تكون أجمل بلاد الدنيا، وأملي أن يختفي الإرهاب والأمراض ويملأ الفرح كل مكان في مصر.

·        سؤالي الأخير.. إذا كنت تنتظر الموت فهل فكرت في كتابة وصية؟

- لم أكتب وصية، ولكني أرجو أن يسامحني أي شخص حدث بيني وبينه أي خلاف.

الوفد المصرية في

15.12.2014

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004