يبدو أن لكل إنسان من اسمه نصيباً، ينطبق ذلك إلى حد كبير، على الكاتب
والناقد السينمائى والمخرج المسرحى رفيق الصبان الذى كان رفيقاً فى نقده،
رقيقاً فى اختلافه، حانياً فى قلمه.. يستخدم فى مقارباته النقدية مشرط
جراح، لا يقسو على فنان أو فنانة، يتلمس دائماً المناطق المضيئة فى الأعمال
الفنية ويمثل قوة دافعة لشباب السينمائيين وكبارهم.. لم تخل كتاباته
المتنوعة من لمسة مجاملة رقيقة، امتلك أسلوبه المتفرد الذى يمزج بين شاعرية
اللغة التى امتلك ناصيتها، وذكاء التناول، ورحابة الأفق، وسعة الصدر
وموسوعية الثقافة.. من الممكن أن تختلف مع آرائه، قليلاً أو كثيراً، لكنك
لا تملك إلّا الإعجاب بهذه القدرة الفذّة على الإقناع من خلال السباحة
الماهرة بين الفنون المختلفة، تعضيداً لرأى أو إثباتاً لموقف.
كان الصبان (١٩٣٤-٢٠١٣) ناقداً فنياً بالمعنى الشامل الدقيق للكلمة،
سينمائياً وتشكيلياً ومسرحياً وموسيقياً، يتذوق فنون العمارة، ويغيب فى
أجواء الأوبرا، يسمع ويستمتع بعقل يقظ، ويمتعنا معه بكتاباته عن الباليه،
وعى رسالة الفن وعشق الحرية بأوسع معانيها، ودفع ثمن ذلك استبعاداً من مسقط
رأسه بسوريا التى قضى بها ما يزيد على ثلاثين عاما مخرجاً مسرحياً متألقاً
يقدم روائع المسرح العربى والعالمى، ويلعب دوره فى تعميق الوعى، ما أغضب
النظام الحاكم حينئذٍ، فرحل إلى مصر التى فتحت له -كالعادة- ذراعيها تحتضن
قدراته وموهبته وعاش بها بقية عمره؛ سورياً بهوى مصرى، وعروبياً خالصاً.
خلال فترة الستينات كان الشاب المتوهج قد نجح -بثقافته- فى تعميق
صداقاته مع العديد من كبار الكتاب والشعراء والنقاد والسينمائيين، من بينهم
الشاعر صلاح عبدالصبور والناقد رجاء النقاش والشاعر والكاتب المسرحى نجيب
سرور والمخرج صلاح أبوسيف وغيرهم من المثقفين والفنانين المصريين الذين
عايشوا محنته مع النظام السورى وتفهموا رغبته فى الهجرة من سوريا، ورحبت به
الأوساط الثقافية ومنحه رجاء النقاش -رئيس تحرير مجلة الكواكب- مساحة
بالمجلة لكتابة مقال نقدى أسبوعى، واتسعت صفحات نشرة نادى القاهرة للسينما
لدراساته وترجماته.. وانطلق مسلحاً بوعى ناضج وثقافة عميقة، مساهماً فى
الحلقات النقاشية والتجمعات والجمعيات السينمائية والمهرجانات المحلية
والعربية والدولية. وخلال مدّة وجيزة، ترسخ اسمه كناقد كبير متمكن من
أدواته، ثاقب النظرة، نافذ البصيرة، بليغ العبارة بالعربية مع إتقان تام
للغتين الإنجليزية والفرنسية، وهو ما أهَّله لأن يكون مترجماً بارعاً
ودقيقاً، فلم تمضِ سنة حتى أصبح واحداً من أسماء قليلة تنير سماء النقد
السينمائى العربى.
اتسمت حياته بالدأب الشديد والحرص على متابعة كل جديد، وربما كان ذلك
سبباً فى إقدامه على الإنتاج السينمائى واكتشاف موهبته فى كتابة السيناريو
التى تفجرت فى أول وأهم أعماله «زائر الفجر »، ١٩٧١، للمخرج الذى رحل فى
ريعان شبابه ممدوح شكرى.
كان «زائر الفجر » أولى بشائر الهجوم المباشر والصريح على أجهزة «عبدالناصر»
الأمنية التى ما زالت فى السلطة بعد وفاته فى سبتمبر ١٩٧٠ وتولى أنور
السادات، جاء الفيلم تعبيراً سينمائياً عنيفاً ضد توغل تلك الأجهزة
وتأثيرها المرعب على الحياة فى مصر، لكن السيناريو الذى تشارك «الصبان» مع
مخرجه فى كتابته، جاء محمَّلاً بجرعة انتقادية حادة تتجاوز حدود المسموح
بالنسبة لهذه الأجهزة فى تلك الفترة، فقد أدان بشكل واضح الانتهاكات
الهمجية التى تمارسها، وأشار بشجاعة إلى أن «حاميها.. حراميها»، فانهال مقص
الرقيب على مشاهده بتراً وتمزيقاً وصل إلى حذف عشرين دقيقة، ما أدى إلى
وفاة مخرجه الشاب كمداً، ولم يسمح بعرضه إلّا فى عام ١٩٧٥، لذا لم يكرر
«الصبان» تجربة الإنتاج مرة ثانية، لكنه تقدم بثبات ككاتب سيناريو ليمنح
تاريخ السينما المصرية ما يقرب من ثلاثين فيلماً، متعاوناً مع عشرات
الأسماء من كبار المخرجين باتجاهاتهم الفنية والفكرية المختلفة بل
والمتباينة أحياناً؛ من حسام الدين مصطفى إلى يوسف شاهين مروراً بعاطف سالم
وحسين كمال وإيناس الدغيدى وأشرف فهمى وعاطف الطيب، وانطلق ينهل من التراث
الأدبى العالمى مروِّضاً النصوص للواقع المصرى، محاولاً إخضاعها لرؤيته
ورؤية مخرجيها الخاصة، فكتب «الإخوة الأعداء» عن رائعة ديستويڤسكى «الإخوة
كارامازوف» و«البؤساء» عن تحفة ڤيكتور هوجو، وعن مسرحيات تنيسى وليامز قدم
«قطة على نار» و«الزمار» و«الرغبة»، وشارك «شاهين» فى سيناريو «المهاجر»،
ومنحنا «ليلة ساخنة» للمبدع الراحل عاطف الطيب، وصوّر برهافة حياة عميد
الأدب العربى طه حسين فى «قاهر الظلام».
ربما لم تطاول بعض كتاباته للسينما قامته النقدية المتفردة التى
منحتنا مئات المقالات التى تمثل حالة إبداعية موازية للأعمال الفنية،
وجعلته يتبوأ مكانة خاصة ومتميزة فى تاريخ النقد السينمائى العربى، إضافة
إلى دوره المهم والأقوى تأثيراً كأستاذ لمادة السيناريو بالمعهد العالى
للسينما وتدريبه لطلابه على التمسك بحقهم الكامل فى حرية التعبير، وإصراره
على فتح نوافذ الثقافة السينمائية لكل المدارس والاتجاهات والتوجهات
لينهلوا منها. وأعتقد أنه قد ترك قبساً من روحه فى وجدان كل من اقترب منه
أو تتلمذ على يديه، وهو ما قد تفتقده الأجيال المقبلة من طلبة المعهد،
ونفتقده نحن أيضاً صديقاً وأستاذاً فاض بعلمه وحبه على الجميع.
الوطن المصرية
في
02/09/2013
رفيق الصبان:
عن الذين يفتحون الطاقات
رامي عبد الرازق
خبر صغير منشور في زاوية صفحة السينما بجريدة الاهرام عام 2001، لا
اتذكر الشهر تحديدا ولا صيغة الخبر الكاملة، ما اتذكره هو ان هذه السطور
الخمسة التي اشعلت حماسي كانت سببا في تغيير مسار حياتي بأكمله.
كان الخبر يعلن عن فتح باب التقديم لدراسة دورات حرة في النقد
السينمائي وكتابة السيناريو وذلك ضمن نشاط جمعية كتاب ونقاد السينما التي
كان يرأسها في ذلك الوقت الناقد محمد صالح ويديرها فعليا الناقد الأمير
اباظة.
كانت قيمة الاشتراك في الدورة الواحدة التي تستمر لثلاثة شهور 150
جنية وهو مبلغ كبير نسبيا بالنسبة لمقاييس تلك الفترة، كنت في الثانية
والعشرين من العمر ومهتما جدا بدراسة السيناريو وذلك بعد أن انهيت- اعتمادا
على محصلة دراسية ذاتية- كتابة اول سيناريو طويل قمت باقتباسه عن رواية
"الساكن والمسكون" للكاتب إلهامي عمارة والتي سبق لها وان فازت بجائزة أحسن
رواية عام 95.
لكن كانت ثمة رغبة أخرى تراودني بخصوص دورة النقد، لازلت مؤمنا بأن كل
كاتب جيد هو رغما عنه ناقد جيد بالضرورة، وذلك بالمفهوم الأشمل لعملية
النقد القائمة على قراءة العمل وتحليله واستخلاص الخبرات الأبداعية منه
مهما كانت رداءته أو على حد قول نجيب محفوظ (من عرف ما لا يفيده فقد عرف ما
يفيده).
أدركت بوعي فطري أنني ككاتب يجب أن اتعلم كيف انفصل عن ذاتي كي أعيد
قراءة العمل الذي انتهي من كتابته برؤية وتحليل الناقد، كما أن علي أن
اتعلم كيف اعتصر الأفلام والكتب كي امتص روحها العميقة وازيد بها من قوتي
الوجدانية وحساسيتي تجاه الحياة والواقع والخيال.
لم يكن قد مضى على تخرجي سوى عام واحد بعد أن قضيت خمس سنوات في كلية
الأداب أدرس مواد لا أحبها واتفوق في مجالات أصور لنفسي أنها سوف تفيدني
فيما بعد ككاتب، ومثل اي مثقف عاطل ومدرك لقيمة البطالة التي يعيشها
استغليت هذا العام في التهام أكبر عدد من الكتب والأفلام وحضور المهرجانات
المحلية القليلة واسابيع الأفلام غير المنتظمة بالإضافة إلى التصدي لكتابة
السيناريو الأول سالف الذكر.
صارحت أمي برغبتي في دراسة كلتا الدورتين (السيناريو والنقد) رغم
ارتفاع تكلفتهما النسبي، لم تمهلني أن القي عليها محاضرة طويلة بخصوص أهمية
دراسة النقد بالنسبة لكاتب السيناريو، بل وافقت سريعا وعندما ابديت تحرجي
من ارتفاع التكلفة قالت لي كلمة واحدة (ولا يهمك).
الطاقة الأولى
كانت دورة النقد تنقسم إلى عدد من المحاضرات أو لنقل جلسات النقاش،
والتي يديرها اربعة نقاد من توجهات نقدية مختلفة، د.رفيق الصبان واستاذ
طارق الشناوي ود. نبيل راغب الذي كان عميد معهد النقد الفني في ذلك الحين،
واستاذ فتحي العشري الذي كان رئيسا لصفحة السينما بالاهرام وقتها وواحدا
ممن كنت أحرص على قراءة مقالاتهم الأسبوعية.
جاء اختيار د. رفيق كأول محاضر اختيارا موفقا للغاية، فابتسامته
الدائمة ونظرته الواسعة التي تتمكن من احتواء اي آراء سفيهة او اسئلة سمجة
أو تعليقات خارج محلها استطاعا خلال خمس دقائق فقط من بداية الجلسة أن
يوحدا نفوسنا المختلجة واذهاننا التي تأتي من خلفيات ثقافية وتعليمية
مختلفة.
وكان اسلوبه الهادئ الذي يجمع في لغته ما بين الفصحى والعامية المصرية
المختلطة باللهجة الشامية يجعل تأثيره في الشرح والتحليل وتلقين المعلومة
وكأننا في احد دروس الصوفية حيث يجلس الشيخ وحوله مريدوه فيرتقوا بأرواحهم
كلما ارتقى هو في حديثه من مقام لمقام.
لا اذكر من رفقاء هذه الجلسات سوى المخرجة الشابة آيتين امين التي
بدأت صداقتنا معا منذ ذلك الوقت واستمرت إلى يومنا هذا، وكانت قد أتت هي
الأخرى من منطلق نفس الفكرة التي جاءت بي لدراسة النقد وهي الإرتقاء
بذائقتها السينمائية وتحسين قدراتها على قراءة وتحليل الأفلام.
منذ الجلسة الاولى استطعت أن اتبين سريعا منهج د. رفيق في التعامل مع
النقد بشمولية راقية فلم يكن النقد بالنسبة له مجرد الوقوف على سلبيات
وايجابيات الفيلم من زاوية النظرية والتطبيق بل هو موقف وجداني وذهني من
المادة البصرية والدرامية المعروضة، وكيف يمكن أن نتذوق لنستمتع لا لنصدر
احكاما قاطعة.
كان تعريفه للنقد مبسطا وشديد العمق في نفس الوقت حين قال لنا انه
(محاولة لقراءة الفيلم) وشدد على مصطلح "المحاولة"، أولا كي يطمئننا كهواة
ومبتدئين في مجال التذوق السينمائي-ولا أقول النقد- أن كل رأي طالما مبني
على اساس علمي ومنطقي فهو جيد ويحتمل النقاش وثانيا كي يؤكد لنا أن ما
يقوله عن الأفلام ليس حكما قضائيا ولكنه واحد من زوايا كثيرة يمكن أن تتحقق
القراءة والتحليل من خلالها.
كانت تلك أولى الطاقات الهامة التي فتحها لي الأستاذ عبر تلك الجلسات
التي كانت تتجاوز الأربع ساعات كل اسبوع، كان يحدثنا عن المقطوعة
الموسيقية الفلانية التي استخدمها المخرج في سياق الدراما عبر الرجوع بنا
إلى مؤلفها وعصره الموسيقي ثم يربطها بالدلالة التعبيرية التي ربما يقصدها
المخرج في هذا الموضع او ذاك من فيلمه، كانت لقطة واحدة للوحة في خلفية أحد
المشاهد كفيلة بأن نتحدث عنها لبعض الوقت وعن رسامها ومدرسته الفنية ولماذا
قام المخرج هنا بجعلها خلفية لتلك اللقطة بالذات.
استطيع أن اختصر السياقات الأساسية التي تلقيتها انذاك على يد د.رفيق
في:
أولا: الانتباه جيدا لموقع الفيلم في مشوار صناعه، خاصة ما يسبقه
مباشرة وما يليه أن وجد، ولو ان الفيلم تجربة أولى فأن التركيز الأساسي
يصبح محاولة الوقوف على العناصر التي تأثر بها المخرج من تاريخ السينما او
مدى طزاجة وأصالة افكاره ورؤيته للعالم عبر الكاميرا.
ثانيا: عدم مشاهدة اي فيلم وثمة احكام مسبقة تترسب داخل الناقد بل أن
جزء من عمله أن يفسح وجدانه تماما لتلقي الفيلم قبل أن يبدأ في اعمال
خبراته الثقافية وتراكماته الأنفعالية والتي تفور تدريجيا مع الخوض في
تفاصيل الصورة ودراماتيكيتها.
ثالثا: السينما هي أحدث الفنون البصرية والدرامية في التاريخ البشري
وبالتالي من غير الممكن على المتذوق أو الناقد أن يقف على بواطن التجربة
الفيلمية دون المام واسع ومستمر بكل الفنون التي سبقت السينما من المسرح
إلى الرواية مرورا بالشعر والفن التشكيلي بل وفنون العمارة والهندسة.
رابعا: اللغة هي وسيلة الناقد في التعبير عن افكاره التي تتراص في
داخله عقب فعل المشاهدة والذي يستمر عبر الذاكرة بعد انتهاء الفيلم،
فالناقد يستعيد الفيلم عند الكتابة عنه وكأنه يعيد مشاهدته ذهنيا، وبالتالي
لا يوجد ما يمنع من استخدام الناقد تعبيرات شعرية ومحسنات بديعية في محاولة
لمحاكاة الشعور الذي يعتمل في نفسيته للتعبير عن جماليات الصورة أو وقع
الدراما وتأثيره.
وقد كانت تلك احد نقاط الخلاف الدائمة مع د.رفيق من قبل عدد من النقاد
الذين كانوا يجدون في لغته زخرفة لغوية أكثر مما تحتمل جدية التحليل
وصرامته، ولكن كان الصبان يتعامل مع المقال وكأنه حاله من حالات النص
الادبي الذي يحتمل لغة فخيمة وتشبيهات ملونة وبراقة.
قد تبدو تلك السياقات الأن بديهية بالنسبة للمحترفين ولكنني استرجعها
للتأكيد على قوة تأثيرها النفسي والذهني على وجداني في تلك الفترة المبكرة.
الطاقة الثانية
التمرين العملي هو المحك الحقيقي في تلك الدورات حيث كان سلاحا ذو
حدين، الاول هو تقييم كم الحساسية التي تتوافر عليها نفسيه الدراس وهل لديه
الامكانيات النفسية والذهنية كي يتطور بشكل احترفي ليصبح ممارسا للنقد ذات
يوم، والثاني هو الوقوف على حجم الأستيعاب والتراكم الثقافي والوجداني الذي
احدثته الجلسات في مجموعة الدراسين، اي حجم الأستفادة المباشرة والغير
مباشرة.
وقد طلب مننا د. رفيق وقتها كتابة مقال عن أي فيلم نختاره عربي أو
اجنبي، قديم أو حديث حتى لو كان لا يزال في دور العرض، ساعتها علق الناقد
الأمير اباظة والذي كان يحضر الجلسات عن بعد أن د. رفيق (ما بيفوتش فيلم)
وكان ذلك سياقا أخر من سياقات التتلمذ على يد هذا الرجل، أن تتحول من مجرد
متفرج يذهب إلى السينما مع الأصدقاء أيام الخميس إلى متابع محترف لا يفوتك
اي فيلم ينزل إلى دور العرض في المدينة التي تقيم فيها وسواء كان هذا
الفيلم ينتمي إلى ارقى تجارب السينما العالمية أو إلى السينما المحلية في
ارداء انتاجاتها.
كتبت مقالا طويلاعن فيلم"المنسي" لشريف عرفه ووحيد حامد وكان بعنوان
"المهمشون وسيكولوجية الحوار بين الطبقات" لم أكن انوى وقتها ان اتحول من
مشروع سيناريست إلى مقدمات ناقد، كتبته بكل الطاقة العفوية التي تراكمت
بداخلي عبر سنوات التثقيف الذاتي والمدرسة السينمائية الداخلية التي الحقت
نفسي بها.
لازلت اتذكر وجه د. رفيق وهو يستمع لي وانا اقرأ المقال وسط الجلسة
بصوت يحاول أن يبدو متماسكا من شدة الخجل والتوتر، كانت ابتسامته الأبوية
تزداد اتساعا فقرة بعد اخرى وعيناه تشجعني أن استمر في القراءة، في واحدة
من الفقرات نظر إلى الأمير اباظة وقال له "ملاحظاته في منتهى الذكاء" اتذكر
أنه قالها عندما ربطت بين اسم يوسف وهو اسم شخصية عادل امام في الفيلم وبين
فكرة احلام اليقظة التي يعيش فيها وتساعده على اجتياز واقع يومي كئيب ومضنى.
أنهيت القراءة لأفاجأ به يقول (منذ سنوات لم استمتع بمقال نقدي لشاب
صغير مثلما استمتعت بمقالك اليوم).
كانت تلك هي الطاقة الثانية التي يفتحها هذا الرجل "في وجهي" بالتعبير
الدراج، اولا لقد اطلق على ما كتبته مقال نقدي اي أنه اعتبره بضاعة صالحة
للقراءة، ثانيا كانت تعبيرات وجهه وتعليقاته التي تلت ذلك تدل على محاولة
بث الثقة في نفسي انطلاقا مما كتبت، وليس مجاملة بحكم كوني حدى تلاميذه، ثم
تلا ذلك مجموعة من النصائح الهامة:
لقد ركزت تحليلك على السيناريو وتفوقت في قراءة دلالات الفيلم واسلوبه
ثم كتبت بضع فقرات عن الأخراج لم تأت في مستوى التحليل الدرامي للفيلم،
عليك أن تهتم بدراسة الجانب التقني حتى تتمكن من تفعيل رؤيتك الجيدة في
كافة جوانب الصورة ولكن هذا لا يمنع لو اردت أن تكتفي بتحليل السيناريو
فأنت تجيد ذلك بدرجة كبيرة.
هذا الفيلم مقتبس من فيلم ايطالي- لا اذكر اسمه الأن- وهي عادة وحيد
حامد في كثير من افلامه إلا أنه يتمكن بحكم موهبته الفذة أن يقوم بتسييل
المادة الدرامية لأي فيلم يشاهده ثم يصبها في قالبه المصري الخالص والخاص
جدا حتى أن صاحب الفيلم الأصلي قد لا ينتبه إلى انه يشاهد فيلمه مقتبسا في
نسخة مصرية، فثقافتك السينمائية إذن ينقصها مشاهدات كثيرة كي تستطيع أن تقف
على اصول الأفلام وحركة التيمات والأفكار التي تنتقل من هناك إلى هنا أو من
هناك إلى هناك أيضا.
راحت الطاقات تتفتح في ذهني حتى أنني لم اعد قادرا على تحمل هذا الكم
من النصائح والخبرات الكثيفة والمهداة إلى كمكافأة على المقال الاول، ثم
أخيرا مد يده ليربت علي وقال لي: انت حتكون ناقد كويس قوي في يوم من
الأيام.
طاقة مستمرة
لم اعد اذكر عدد المرات التي التقيت فيها بدكتور رفيق بعد هذه الدورة،
كنت قد قررت بمجرد أن انتهيت منها ان اقوم أنا نفسي بتنسيق دورة جديدة عبر
الجمعية تضم فقط د. رفيق والشناوي على اعتبار أن كلاهما ينتميان لمدارس
نقدية تبدو مختلفة في ظاهرها لكنها في الحقيقة تكمل بعضها على مستوى المنهج
والقراءة والرصد خاصة فيما يتعلق بالسينما المصرية.
توقفت مشروعات الكتابة للسينما بسبب هيستريا الأفلام الكوميدية وموجة
اللمبي والصعايدة ثم موجة الأكشن انطلاقا من فيلم مافيا، اتيحت لي بعدها
فرصة أن اكتب عمودا اسبوعيا في جريدة القاهرة عن فكرة طالما روادتني كثيرا
وهي شرح مصطلحات التيتر للمتفرج والقارئ غير المتخصص كنوع من التثقيف
السينمائي.
كان د.رفيق يكتب مقالة الأسبوعي المتنوع في نفس الجريدة بالاضافة إلى
مقال اخر في اخبار النجوم، وكنت سعيدا بأنني أنشر معه في نفس الجريدة ليس
لاعتبارات التحقق والنجاح ولكن لأن استاذي سوف يتاح له أن يقرأ ما اكتب
باستمرار.
اذكر انني التقيت به بعدها عقب احد عروض المركز الثقافي الروسي، لم
نكن قد التقينا منذ فترة طويلة نظرت إليه وابتسمت وقلت له: فاكرني
فابتسم وقال لي :طبعا ازيك يا حبيبي..
قلت له : ايه رأيك ؟ متابعني؟
فقال : طبعا، ممتاز جدا شد حيلك.
هكذا كنت احرص على ان اطمئن على المستوى الذي وصلت إليه من هذا الرجل
تحديدا دونا عن بقية اساتذتي ربما باستثناء محفوظ عبد الرحمن الذي كانت
علاقاتي به أقرب للأبوة الحقيقة منها للأبوة الروحية التي كان يمثلها
الصبان.
كنت أرى في د. رفيق نموذج الناقد الشاب بكل ما تعنيه الكلمة من معان
التجدد والطزاجة والدأب والمثابرة والحرص على الأطلاع على كل ما هو جديد في
السينما والمسرح، اذكر اننا التقينا في حلقة لاحد برامج التليفزيون قبيل
توزيع الأوسكار قبل عامين، كنت اتصور انني شاهدت العدد الاكبر من الأفلام
المرشحة ولكني فوجئت أن د.رفيق وكانت وعكته الصحية الأخيرة قد بدأت قد شاهد
كل الافلام المرشحة في كل الفروع الرئيسية تقريبا، كان الجو باردا والتصوير
خارجي في حديقة التليفزيون وكانت التسجيل قد تأخر لساعة كاملة ورغم ذلك ظل
على تماسكه ولم يعلن عن غضبه، استقبلني بابتسامته الحانية واسر لي بهدوء
أنه متضرر من الجلوس لهذه الفترة الطويلة لكنه لا يريد أن "يعمل مشاكل"
وبمجرد أن بدأنا التصوير تحول إلى طاقة كلامية وتحليلة رائعة حتى انني كنت
انسى في بعض الاحيان انني ضيف مثله في الحلقة يجب أن أتكلم أنا الأخر واروح
انصت لما يقول بشغف وكأنني عدت عشر سنوات
إلى الوراء جالسا أمامه في مقام الطالب على مقعد الدرس الاول.
يبقى أن اشير ان رفيق الصبان استطاع هو ورؤوف توفيق أن يحققا تلك
المعادلة الشائكة في ان يطرحا انفسهم كنقاد"كبار"وككتاب سيناريو مخضرمين
واصحاب رؤية وحساسية خاصة، بالنسبة لي كلما كنت ابتعد تدريجيا عن ارض
السيناريو واخوض في آفاق النقد الانهائية اعود لاتذكر أن لي استاذة
استطاعوا ان يجتازوا المغامرة الكبرى محتفظين بضمائرهم النقدية نظيفة
وبأفلامهم مختلفة وناصعة الفكر والأبداع.
لا احب أن اشير إلى الراحلين من الاساتذة الكبار بفعل الفقدان، فالفن
لا يفقد ابدا كل من ساهم في اثرائه بكلمه أو صورة او مقال، فكما يمنح الفن
لأسمائهم الخلود يمنحنوه ذلك التجدد والأستمرارية عبر ما تركوه من ابداعات
ورؤى.
الذين يفتحون الطاقات تظل ملامحهم تطل علينا من خلفها كلما مررنا بها
أو نفذنا منها او توقفنا قليلا امامها كي نتفكر في احوالنا لو لم نلتقي بهم
ذات يوم.
ملحوظة:
تجدر الإشارة إلى ان عنوان الشهادة مأخوذة عن سطر شعري للشاعر
اللبناني الكبير عباس بيضون.
عين على السينما في
27/08/2013
رحيل.. زائر الفجر
كمال رمزي
تمتع بذائقة مرهفة، متأملة، تعزرها ثقافة أدبية وفنية، عميقة وشاملة،
فضلا عن لغة شاعرية رقيقة، تخاطب الوجدان وهى تطرح الأفكار، لذا فإن قارئ
مقالاته عن الأفلام، يجد فيها متعة الاكتشاف الدقيق، الحميم.. رفيق الصبان،
غالبا، لا يتعرض إلا للأعمال التى يحبها، وهى كثيرة، يبدو فيها وكأنه فى
حديقة زهور، لا يصف فيها هذه الوردة أو تلك، ولكن يجعلك تتنسم أريجها،
تتلمس أوراقها، ترى ألوانها، وبالتالى فإن كتاباته تعتبر نوعا من الإبداع
الموازى، أو إبداع على إبداع، فالصبان، فى ظنى، لا يشاهد الفيلم كناقد عليه
تحليل العمل والحكم عليه، ولكن يتعايش مع ما يدور على الشاشة، يتابعه،
بأحاسيسه وعقله..
أتذكر: اغرورقت عينى أثناء مشاهدة «راقصة فى الظلام» المؤثر،
للدنمراكى لارس فون ترير، صباح عرضه فى مهرجان «كان 2000»، وأمام باب
القاعة، فى انتظار الفيلم التالى، التقيت رفيق الصبان، ولاحظت أن نصف قميصه
العلوى مبتل بالماء. سألنى عن رأيى فى الـ«راقصة...»، وما إن أجبته حتى
أجهش بالضحك ــ إن صح التعبير ــ وأشار إلى نصف قميصه المبلول قائلا،
بحماسه المعهود: لقد بكيت طويلا.. كل هذا دموع.
رفيق الصبان، ابن دمشق «17 أغسطس 1931»، ومثل كثير من الشباب العربى،
ذهب إلى باريس لدراسة القانون، ولكن لم يفته متابعة الإبداعات الفرنسية،
تشبع بها، بل تدرب فى محراب المخرج الكبير جان لوى بارو، وعاد إلى دمشق فى
الستينيات ويكون فرقة مسرحية مرموقة تلو الأخرى، قدمت مختارات من النصوص
العالمية، ومع بداية السبعينيات جاء إلى القاهرة التى وجد فيها مجالا رحبا
لإطلاق طاقاته المتعددة.
فترجم «الإسلام والمسرح»، وهو بحث مهم، قام به التونسى محمد عزيزة،
و«نظرات فى الأدب الأمريكى» للناقد الفرنسى موريس إدوار كواندرو، وغيرهما
من الكتب ذات المواضيع التى يحبها، كما ترجم عدة مسرحيات مثيرة للجدل، ربما
أهمها «المهندس وإمبراطور آشور» التى كتبها الإسبانى الطليعى، فرناندو
آرابال، وقدمها «البرنامج الثانى» بالإذاعة المصرية، قبل أن يتحول اسمه إلى
«البرنامج الثقافى»، حيث قام ببطولتها محمود مرسى مع عزت العلايلى فقط،
وجدير بالذكر أن كلا منهما يؤدى، على نحو بارع، أكثر من العشر شخصيات.
دخل رفيق الصبان مصنع السينما المصرية من باب كتاب السيناريو.. عن
رواية «الإخوة كارمازوف» لدوستويفسكى، كتب سيناريو «الإخوة الأعداء»، مع
نبيهة لطفى ومخرج الفيلم حسام الدين مصطفى، وهو أول عمل مسجل فى قائمة
أفلامه، عام 1947، لكن الواقع أن أول أفلامه هو «زائر الفجر» الذى وإن كان
عرض عام 1975، إلا أنه تحقق عام 1971، وظل حبيسا داخل العلب الصفيح طوال
أربع سنوات، ذلك أن الرقابة منعته لما يتضمنه من موقف سياسى ضد مناخ الخوف
الذى تشيعه أجهزة القمع، بالإضافة لكشفه عن العديد من جوانب الفساد. ولم
يعرض «زائر الفجر» الجرىء، المتميز فنيا، إلا بعد حذف العديد من مشاهده
المهمة.
وبرغم هذا البتر، ظل الفيلم متسما برؤية نقدية شجاعة من ناحية، وأبقت
اسم مخرجه، ممدوح شكرى ــ توفى قبل العرض ــ حاضرا فى تاريخ السينما، ومن
ناحية أخرى، نبه إلى إمكانية إثارة القضايا السياسية من خلال سيناريوهات
ذات بناء بوليسى، تعتمد على تحقيقات، يقوم بها ضابط شرطة أو وكيل نيابة أو
صحفى.
فى سيناريوهاته، اتجه رفيق الصبان إلى مصادر متنوعة، فمن تنسى وليامز،
قام بتحويل «قطة على سطح صفيح سخن» إلى «قطة على نار» لسمير سيف 1977،
و«عربة اسمها الرغبة» إلى «الرغبة» لعلى بدرخان 2002. ومن الروايات العربية
أخذ «ريم تصبغ شعرها» لمجيد طوبيا، التى أصبحت «قفص الحريم» لحسين كمال
1986، وحول عدة روايات ليوسف السباعى إلى سيناريوهات، مثل «حتى آخر العمر»
لأشرف فهمى 1975، وبين الأطلال «اذكرينى» لبركات 1978.. تتضمن قائمة أفلامه
ثلاثين عملا، ربما يكون أهمها «ليلة ساخنة»، مع بشير الديك، لعاطف الطيب
1996، و«المهاجر» ليوسف شاهين 1994.
أما بقية أعماله، فإنها تدخل فى نسيج السينما المصرية التجارية، وهذا
ليس تقليلا من شأنها، أو شأن السينما التجارية، فى أهم سبب لبقاء الفن
السابع على قيد الحياة، وفى أفلامه تلك، سواء كانت كوميدية، أو ميلودرامية،
أو غنائية، لا بد أن تجد لمعة إبداع هنا وهناك. رفيق الصبان، كتلة النشاط،
لا تراه إلا على عجلة من أمره، يريد اللحاق ببداية عرض إحدى الأوبرات، أو
العودة إلى بيته فورا، للانتهاء من تصحيح أوراق طلبته فى قسم السيناريو
بمعهد السينما.. إنه طاقة كبيرة، أطلقها، بجدية، ومهارة، فى عدة اتجاهات،
وبالضرورة، أصبح اسما مضيئا، فى الثقافة المصرية.
الشروق المصرية في
27/08/2013
رفيق الصبان الذي «ورّطنا» في حبّ السينما
خليل صويلح
رائد الموجة الثالثة للمسرح السوري، غاب كاتباً وناقداً من طراز خاص،
مخلّفاً وراءه أرشيفاً ضخماً في السينما والتلفزيون وأبي الفنون. بعيداً عن
بلاده، رحل صاحب «زائر الفجر» في القاهرة، حيث أمضى أربعين عاماً، لم يزر
خلالها دمشق إلا في المناسبات
يشبه الناقد الراحل رفيق الصبان (1931ـــ 2013)، صورة سوريا خلال فترة
عودته إليها من باريس في أواخر خمسينيات القرن المنصرم. بلاد تعيش نشوة
الوحدة السورية المصرية، والحماسة الوطنية المتأججة لجيل يتطلّع إلى تأسيس
ثقافة تنويرية تردم الفجوة التي أحدثتها الانقلابات العسكرية المتلاحقة.
هكذا، أطلق هذا المسرحي الرائد «ندوة الفكر والفن» (1959)، وكانت أول نواة
مسرحية تستقطب الأفكار والتجارب الجادة، والوجوه الجديدة، ثم أسّس «فرقة
المسرح القومي» (1960) كأول فرقة مسرحية رسمية، إذ استعان بنصوص من
سوفوكليس، وشكسبير، وموليير، وألبير كامو، وتوفيق الحكيم، وألفريد فرج،
بمشاركة كوكبة من الفنانين المتحمسين لتأصيل خشبة مسرحية مغايرة، مثل هاني
صنوبر، ونهاد قلعي. وبذلك كان رائد الموجة الثالثة للمسرح السوري، بعد أبي
خليل القباني، وعبد الوهاب أبوالسعود. ما أن وضع اللبنة الأساسية للمسرح
الحديث في سوريا، حتى التفت إلى الفنون الدرامية الأخرى، فأسّس «فرقة
الفنون الدرامية التلفزيونية»، وأسهم في تأسيس «سينما الكندي» التي شهدت
عروضاً سينمائية طليعية، وندوات ترافق هذه العروض بإشراف «النادي
السينمائي». نحن إذاً، إزاء مؤسسة في رجل، نقل مخزونه المعرفي الذي راكمه
خلال سنواته الباريسية إلى عاصمة الأمويين، بكامل شغفه وحيويته وطليعيته،
لكن هبوب ريح أخرى مضادة في مطلع السبعينيات، أفرز ورشة جديدة ذات أجندة
مختلفة في علاقتها مع الجمهور، ومفاهيم ثقافية ذات طابع تعبوي في المقام
الأول، لتتكشّف عن روحية معادية، أجهضت أحلام رفيق الصبان ورفاق دربه. بدأ
زمن علي عقلة عرسان وأشباهه، زمن تأويل النصوص أمنياً، وإطاحة حرية الخشبة
في مهدها. عند استعادة ستينيات المسرح السوري اليوم، المسرح الذي اعتمد
الفصحى، والنصوص الكلاسيكية العالمية، قد لا نوافق تماماً، على نخبوية هذه
العروض، وقطيعتها مع المسرح الشعبي، وإقصاء عروضه عن خشبة المسرح القومي،
لكنه سوف يبقى علامة استثنائية في تأصيل الفرجة المسرحية السورية، وصناعة
ذائقة رفيعة، وفقاً لتطلعات تلك الحقبة الذهبية الخاطفة.
فجأة وجد رفيق الصبان نفسه محاصراً، بأوامر إدارية بيروقراطية لا
تتواءم مع مشاريعه الراديكالية في نقل أنوار باريس إلى أزقة حواري دمشق،
فغادر البلاد إلى القاهرة، ولم يعد إليها إلا ضيفاً في مهرجاناتها، بلهجة
مصرية خالصة، كان قد تدرّب عليها جيداً، خلال سنواته الأولى في مصر مدرّساً
لمادة «كتابة السيناريو» في المعهد العالي للسينما، وسيزداد اسمه بريقاً مع
كتابته سيناريو فيلم «زائر الفجر» (1972) للمخرج ممدوح شكري، الفيلم الذي
أحدث ضجة كبرى خلال الأسبوع الأول من عرضه، قبل أن يجري منعه، ويُسمح به
لاحقاً، بعد قص أجنحته رقابياً، وستتبعه عشرات الأفلام الأخرى، وإن لم ترق
في طليعيتها إلى مستوى فيلمه الأول، أو حتى كتاباته النقدية عن أفلام
الآخرين، لكنّ أهمية رفيق الصبان تتمثّل في تلك المروحة الواسعة من التجوال
النقدي على مختلف التيارات السينمائية في العالم، خلال قرن كامل، من أورسون
ويلز إلى أكيرا كيروساوا، وأمير كوستاريكا، مروراً بالموجة الفرنسية
الجديدة، وأفلام الواقعية الإيطالية، والسينما العربية، كما وثّقها
موسوعياً، في كتابه النقدي «السينما كما رأيتها» (2012)، و«توريط» قارئه في
مشاهدة الأفلام التي يكتب عنها، لفرط حماسته أولاً، ورحابة النسيج الذي
يحوك به نصوصه لإقناع الآخرين بأهمية الكنز الذي اكتشفه، وإبراز القطبة
المخفية في هذه النصوص. وهو في ذلك، لا يضع مسافة نقدية، بين فيلم لمعلم
كبير، أو لمخرج شاب يقف عند عتبة تجربته الأولى. هناك أيضاً حضوره الشخصي
الذي يضفي بصمة خاصة، تميّزه عن سواه، لجهة نبرة الصوت، وغزارة المفردات في
توصيف عناصر موضوعاته المشحونة بعاطفة وجدانية خلّاقة، وعابرة للجغرافيات،
تتناوبها القسوة والشفافية في آنٍ واحد، بقصد تدريب الذائقة على الشغف
بالجماليات المضمرة.
غاب رفيق الصبان كاتباً وناقداً من طراز خاص، مخلّفاً وراءه أرشيفاً
ضخماً في السينما والمسرح والتلفزيون، بعيداً عن بلاده، من دون أن يتخلى عن
هويته الأصلية، فهو لم يُمنح الجنسية المصرية طوال أربعين عاماً من الإقامة.
الأخبار اللبنانية في
27/08/2013
المقال الأخير للناقد رفيق الصبان
مطربون..
ممثلون
فيما
يتعلق
بدخول
المطربين
مجال
السينما..
سبقت
السينما
المصرية
نظيرتها
الأمريكية
بأشواط
كثيرة..
أمريكا..
أفسحت
المجال
بشكل
ضيق
لبعض
مطربيها
كي
يحتلوا
شاشتها..
نلسن
مثلاً
شكل
ثنائياً
غنائياً
مع
جانيت
ماكدونالد..
سرعان
ما
اختفى
تاركاً
المجال
لمغنى
آخر (بنج
كروسبى)
الذى
حاول
أن
يثبت
مقدرته
التمثيلية
دون
جدوى..
والذى
ميزه
فى
هذا
المضمار
كل
من
دين
مارتن
الذى
تخصص
فى
أدوار
كوميدية
وبالأخص
فرانك
سيناترا
الذى
أمسك
المجد
من
طرفيه..
الغناء
والتمثيل..
ورشح
لنيل
جائزة
الأوسكار..
وعمل
فى
أفلام
كثيرة
لم
يغنى
فيها..
وإنما
أثبت
مقدرته
التمثيلية
الفذة
كما
فى
فيلم
(من
هنا
وإلى
الأبد)
لفريد
زيتمان،
والرجل
ذو
الذراع
الذهبية
لاوتو
برمنجر.
أما
فى
السينما
المصرية
فالحال
اختلف
تماماً..
كل
المطربين
الذين
ظهروا
منذ
الثلاثينيات
أخذوا
حقهم
فى
السينما
وأكثر
كثيراً
مما
يستحقون..
وتوالت
أفلامهم
واحداً
تلو
الآخر
لتشكل
باقة
الأفلام
الغنائية
الاستعراضية
التى
تزهو
بها
السينما
المصرية
حتى
اليوم.
بداية
من
محمد
عبدالوهاب،
وأفلامه
السبعة،
يليه
فريد
الأطرش
وأفلامه
التى
زادت
على
العشرين،
ومحمد
فوزى
الذى
زامن
هذه
الفترة
بأفلام
كثيرة،
ولكن
كل
من
هؤلاء
المطربين
الثلاثة
الكبار..
لم
يحلم
يوماً
أن
يثبت
مقدرته
التمثيلية
قدر
ما
وجد
فى
السينما
وسيلة
إضافية
لتدعيم
نشاطه
الغنائى..
رغم
أن
عبدالوهاب
مثّل
قصة
لتوفيق
الحكيم
؟؟
لروميو
وجولييت
وإعداداً
درامياً
لقصة
الفونس
كار
جوزنين
فى
فيلم
دموع
الحب.
ورغم
أن
طموح
فريد
الأطرش
جعله (يمثل)
إلى
جانب
الغناء
فى
فيلم
مقتبس
عن
قصة
ستفاف
زنايج (رسالة
من
امرأة
مجهولة)،
ومسرحية
لتوفيق
الحكيم (الخروج
من
الجنة)
وإعداد
قصة
غادة
لكميليا..
ركز
فيه
على
البطل
أكثر
من
البطلة!
أما
محمد
فوزى..
فاكتفى
بأداء
أدوار
خفيفة
لا
تحتاج
إلى
جهد
تمثيلى
تاركاً
بصوته
وموسيقاه
المجال
الأول..
أما
بقية
مطربى
هذه
الفترة..
فإن
السينما
ظلت
تراودهم..
رغم
عدم
صلاحيتهم
جسمانياً
لها..
مثل
عبدالمطلب
الذى
مثّل
أكثر
من
فيلم..
وعبدالعزيز
محمود..
وكارم
محمود
وحده
الذى
كان
يملك
المظهر
السينمائى
المناسب..
مما
جعله
يلعب
البطولة
أمام
كل
من
ليلى
مراد
وأم
كلثوم
ولكن
حياته
القصيرة
لم
تساعده
على
الاستمرار
فى
مسيرة
فنية
كان
يمكن
أن
يكون
لها
تأثير
قوى.
أما
الجيل
الثانى
الذى
تبع
هؤلاء
المغنيين
الكبار..
كان
أكثر
طموحاً..
وبالطبع
يقف
على
رأسهم
جميعاً (عبدالحليم
حافظ)
الذى
استطاع
وحده
من
بين
كل
مغنى
جيله
أن
يحقق
معادلة (المطرب
والممثل)
فى
كثير
من
أفلامه..
بل
إنه
كان
يطمع
فى
مسيرة
تشابه
مسيرة
سيناترا
بأن
يمثل
دون
أن
يغنى،
ولكن
القدر
لم
يمهله
لتحقيق
هذا
الحلم.
أما
بقية
المطربين
زملائه
فى
هذه
الفترة..
فقد
كان
حضورهم
السينمائى
باهتاً
رغم
شهرتهم
الغنائية..
وفشلت
جميع
المحاولات
لتصعيد
محرم
فؤاد
كمطرب
منافس
لعبدالحليم،
وفشلت
محاولات
هانى
شاكر
فى
إثبات
نفسه
سينمائياً..
رغم
وقوف
منتج
سينمائى
كبير
هو
رمسيس
نجيب
وراءه..
كذلك
الحال
مع
محمد
منير
رغم
ثقة
يوسف
شاهين
به
وإعطاءه
أكثر
من
فرصة..
كذلك
الأمر
مع
على
الحجار
الذى
فضل
أن
يمارس
هواية
التمثيل
فى
المسرح
عوضاً
عن
السينما
التى
خذلته.
حتى
المغنى
الشعبى
الكبير
عمرو
دياب..
فشل
فى
تقديم
نفسه
ممثلاً
ومغنياً
رغم
لجوئه
إلى
مخرجين
كبار،
ورغم
تواجد
عمر
الشريف
ويسرا
فى
أحد
أفلامه..
لذلك
آثر
الابتعاد
والاكتفاء
بجماهيريته
الغنائية.
وحده
تامر
حسنى..
حقق
لنفسه
نجاحاً
مرموقاً
لدى
المراهقين
فى
أفلامه
المتعددة،
ولكن
هذا
النجاح
الجماهيرى..
لم
يرافقه
أى
نجاح
تمثيلى
حقيقى،
أو
أى
فيلم
غنائى
مرموق..
يضع
اسمه
فى
سجل
الأفلام
الغنائية
المصرية.
ظاهرة
الممثل-
المطرب
فى
مصر..
لم
تكن
على
مستوى
ظاهرة (الممثلة-
المطربة)
وأخفقت
حقاً
فى
تقديم
مطرب-
ممثل..
يفرض
نفسه
على
الجمهور
كما
حدث
مع
ليلى
مراد
مثلاً
أو
صباح
وشادية..
وتبقى
ظاهرة
عبدالحليم
وحدها..
استثناء
كبير
فى
هذا
المجال،
ولكن
بعيداً
عن
الحماس
والإعجاب
بأسطورة
عبدالحليم
يمكننا
أن
نتساءل
أيضاً
بحيادية
كاملة:
هل
كان
عبدالحليم
ممثلاً
حقيقياً..
أم
شخصية
فنية
لها
كاريزما
لا
تقاوم؟
سؤال
دقيق..
من
الصعب
حقاً
الإجابة
عليه.
أخبار النجوم المصرية
في
24/08/2013
عاش 82 عاماً تقاسمتها بالتساوي دمشق والقاهرة وأنجب ولدين..
مات السيناريست والناقد رفيق الصبان بعد نصف قرن من الكتابة
للشاشتين والخشبة
محمد حجازي
آخر مرة إلتقيناه فيها كانت في الجزائر حين كان عضو تحكيم في مهرجان
سينمائي، وتم تأجيل حفل الختام لساعة للإطمئنان على صحته، بعد نقله على
عجلة إلى أقرب مستشفى في العاصمة إثر غيابه عن الوعي في غرفته بالفندق.
د. رفيق الصبان.
كان ينادى دائماً بـ دكتور، ولطالما جالس زملاء شباباً ومخضرمين، وكان
يسأل كلاً منا عن أحوال الفن في بلادهم، وأكثر ما كان يعنيه هو السينما في
الدول المغاربية، كان يعتقد أن أفلام هذه المنطقة بإمكانها أن تقلب
الموازين في صورة سينمانا لو أنها تمتلك اللغة العربية تماماً.
غاب الدكتور عن 82 عاماً، عاش نصفها في سوريا والنصف الآخر في مصر
التي وصلها أوائل السبعينات، وفيما ترك دمشق مخرجاً مسرحياً (الزير سالم،
حكاية حب، بنادق الأم أمينة، تارتوف، براكساجور، الخروج إلى الجنة،
والعادلون) باشر حضوره في القاهرة كاتباً لسيناريوهات سينمائية في وقت كانت
فيه الإنتاجات تتأرجح بين أفلام المقاولات السطحية، وبعض الأعمال ذات الوزن
الجاد والمميز، قبل ظهور تيار السينما الجديدة (مع علي عبد الخالق، خيري
بشارة، سمير سيف، عاطف الطيب) فبدأ حياته وعرَّف الوسط الفني على نتاجه من
خلال نص: «زائر الفجر» الذي تصدت لإنتاجه الفنانة ماجدة الخطيب ولعبت
الأدوار الرئيسية إلى جانب عزت العلايلي، تحية كاريوكا، شكري سرحان، يوسف
شعبان، وأسندت الإخراج إلى ممدوح شكري الذي إعتبر شهيد الشريط فهو لم يحتمل
أن يمنع فيلمه بعد أسبوع من عرضه في القاهرة، وأن يرفض الرئيس أنور السادات
إعطاء موعد لاستقبال منتجته، وبعد بتر نسبة عالية من مشاهده عرض مجتزءاً،
فمات بعد أيام فقط من رفعه من الصالات.
لكن هذا لم يثن الصبان، وبالتالي لجأ إليه العديد من المخرجين الذين
إعتبروا أنفسهم في خانته لجهة الرغبة في إبراز نواقص وإرهاصات الحياة
العامة في البلاد وراح يعمل ليل نهار على تلبية الطلبات المتكاثرة عليه،
ليكون الشريط التالي: الإخوة الأعداء وتعرف فيها على الفنان نور الشريف
وقدم معه الكثير من المشاريع السينمائية بدأها بـ: قطة على نار (عام 77)،
وإنتظرا ثلاث سنوات حتى قدما الفيلم الذي أعاد عهد الرومانسية إلى السينما:
حبيبي دائماً، وجمع بين الزوجين (المطلقين حالياً) نور وبوسي، وهو بقي على
الشاشات المصرية واللبنانية والأردنية والسورية أسابيع طويلة، وأمنت للمنتج
نور قدراً مرتفعاً من الأرباح.
وقدم الصبان الشريط الذي لطالما كرر الفنان محمود ياسين أنه أجمل
أدواره: قاهر الظلام، وفيه جسد شخصية عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين،
ولم ينافسه لاحقاً في الشخصية سوى الفنان (الراحل) أحمد زكي، عندما لعب
الشخصية تلفزيونياً في «الأيام»، ثم ظهرت أشرطة من تأليفه:
العاشقة، وادي الذكريات، عالم وعالمة، الأرملة والشيطان، الزمار، قفص
الحريم، ويبقى الحب، الطعنة، المشاغبات والكابتن، ليه يا هرم، عنتر زمانه،
قدارة، دانتيلا، عرس القمر، فتاة من اسرائيل، الرغبة، الباحثات عن الحرية
وآخر نصوصه: الصمت، وكان قدم: حتى آخر العمر، أذكريني، حساب السنين، رحلة
داخل امرأة.
وكان الصبان كتب للكبير يوسف شاهين واحداً من أقوى افلامه: المهاجر،
ثم تعاون مع تلميذته أسماء البكري فكتب لها سيناريو: كونشرتو درب سعادة،
كما كانت له محطة جماهيرية مع الكبير دريد لحام فوضع له خلالها سيناريو
فيلمه: كفرون، وكان بين إلتزامه بالسيناريوهات يهب واحداً، ويعطي فرصة
لنفسه يتفرغ فيها للنقد أو لوضع مؤلفات وقد صدر له: السينما كما رأيتها،
أضواء على الماضي: انطباعات نقدية سينمائية، نبيلة عبيد، نظرات في الأدب
الأميركي، في النقد السينمائي الفرنسي (وضعه مع جان لوي بوري) الإسلام
والمسرح (وضعه مع محمد عزيزة).
الكاتب الراحل يحمل وسام الأداب والفنون الفرنسي كتب العديد من
المسلسلات (زهور شتوية، رجل على الحافة، نساء بلا أجنحة، وعادت الأيام،
ويأخذنا تيار الحياة، والدوغري (مع دريد) والسهرات (الألبوم، عندما تشرق
الأحزان، كبرياء وعاطفة - الرماد).
لا شك أن الكاتب الصبان ترك أثراً عميقاً في الحياة الفنية المصرية
وكان يتحدث المصرية بطلاقة، ويشارك في عضوية لجان تحكيم العديد من
المهرجانات، واللجان التي تشكلها وزارات الثقافة حتى أن البعض كان يتصرف
معه على أنه مصري أباً عن جد، وهو يحمل الجنسية المصرية، ولم يغب عن
المهرجانات العالمية خصوصاً. كان البندقية، برلين، كارلو فيفاري، عدا عن
معظم المهرجانات العربية ما بين دمشق وقرطاج، ومراكش وتطوان، وغيرها. رحمه
الله، والعزاء لنجليه.
اللواء اللبنانية في
20/08/2013
رفيق الصبان..
تاريخ غني من المسرح والسينما والنقد
بديع صنيج/ دمشق-سانا
رحل أول أمس الناقد وكاتب السيناريو رفيق الصبان عن اثنين وثمانين
عاماً تاركاً وراءه إرثاً غنياً من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات والسهرات
التلفزيونية إضافة إلى عدد كبير من المقالات النقدية والأبحاث والدراسات في
الفكر والفن فضلاً عن معرفة عالية بالإدارة الثقافية برزت بشكل واضح في
مسيرته الفنية.
بدأ الدكتور الصبان حياته الفنية في سورية عام 1961 باشتراكه في تأسيس
المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة بعد عودته من فرنسا حاصلاً على شهادة
الدكتوراه من جامعاتها حيث أخرج أول عروضه تحت عنوان "براكساجورا" تأليف
أرسطوفان وإعداد توفيق الحكيم والتي عرضت على مسرح المقاومة في سوق ساروجة
الأثري ليليها بعرض "الخروج من الجنة" للحكيم أيضاً ثم "العادلون" لألبير
كامو مقدماً من خلالها رؤية إخراجية خاصة أهم معالمها الالتزام بفن الإخراج
والقدرة على إدارة الممثل بطريقة علمية صحيحة كيف لا وهو المتدرب على يد
المخرجين الأكاديميين الفرنسيين "جان لوي بارو" و"جان فيلار".
تابع الصبان من خلال فرقة خاصة به أسسها تحت اسم "فرقة الفكر والفن"
مسيرته في إخراج روائع النصوص المسرحية العالمية منها والعربية وهي
انتغونيا لسوفكليس وتاجر البندقية وماكبث ويوليوس قيصر لشكسبير وحكاية حب"
لناظم حكمت والزير سالم لألفرد فرج إلى جانب "طرطوف"، و"بنادق الأم أمينة"
و"حكاية حب"، ومسرحية "الزير سالم" وكلها عكست فهمه الخاص للمسرح وأهميته
الاجتماعية والسياسية إلى جانب دور أبو الفنون في تحقيق المتعة والفائدة في
الوقت نفسه لاسيما أن تلك الفترة شهدت إقبالاً منقطع النظير من مشاهدي
العروض المسرحية وصل في بعض الأحيان إلى الثلاثين ألف متفرج.
إسهام آخر للصبان تم في عام 1963 حيث أسس "فرقة الفنون الدرامية
للتلفزيون" وألحقت بالتلفزيون وكان من بين أعضائها كل من هاني الروماني..
سليم كلاس.. رياض نحاس.. يوسف حنا.. كوثر ماردو.. آرليت عنحوري.. وبعد مضي
فترة من الزمن تم إلحاق فرقة الفنون الدرامية بالمسرح القومي إدارياً
لاسيما بعد أن شغل الصبان منصب مدير المسرح القومي.
وكان الدكتور الصبان أول من أسس سينما خاصة في دمشق أطلق عليها اسم
"الكندي" التي ترافقت مع إنشاء ناد للسينما يعرض فيه كل أسبوع أفلاماً
عالمية تناقش مع الجمهور كما شغل منصب مدير دائرة الشؤون السينمائية في
المؤسسة العامة للسينما وتوج إبداعه السينمائي بكتابته لأكثر من خمسة
وعشرين فيلماً بدأها بسيناريو فيلم "زائر الفجر" الذي أخرجه ممدوح شكري
وكان من بطولة ماجدة الخطيب وعزت العلايلى وشكرى سرحان ومديحة كامل ويوسف
شعبان وتحية كاريوكا.
اعتبر النقاد هذا الفيلم من أول الأفلام المصرية في مطلع السبعينيات
التي تفضح مراكز القوى في النظام المصري أيام السادات وتكشف ما كان يجري في
المعتقلات ولم يهنأ الصبان كثيرا بالإشادات النقدية التى حصدها الفيلم حيث
منعته الرقابة بعد أسبوع واحد من عرضه لأسباب أمنية ولم يسمح بعرضه إلا بعد
حوالي ثلاث سنوات وحذفت الرقابة الكثير من مشاهده.
تلا هذا الفيلم مجموعة أفلام كتب الصبان السيناريو لها منها "الإخوة
الأعداء.. اذكريني حبيبي دائماً.. قطة على نار ..ليلة ساخنة..البؤساء"
وآخرها فيلم الرغبة المأخوذة عن مسرحية "عربة اسمها الرغبة" للأمريكي تينسي
ويليامز ويرى النقاد أن كتابته للسينما ظلت موءسسة على جماليات الحوارات
المسرحية ورؤيته الإخراجية للمشهد ما أضفى نكهة خاصة على ما يكتبه الصبان
لدرجة بات وجود اسمه على أي فيلم بمثابة ضمانة حقيقية لجودته.
بقي الصبان ملتزما في سينماه بالقضايا التي تهم المواطن والمجتمع
العربي عموماً حيث بالإمكان تلمس لمحات درامية اجتماعية في مختلف ما كتب
للفن السابع ومنها فيلمه "الأخوة الأعداء" المقتبس عن دوستوفسكي وبطولة
حسين فهمي ونور الشريف وميرفت أمين وعماد حمدي.
كما يحفل تاريخ السيناريست الصبان بعدة أفلام رومانسية تعد علامات
بارزة فى تاريخ السينما ومنها فيلم "حبيبى دائما" عام 1980 بطولة النجم نور
الشريف و"ليلة ساخنة" عام 1996إلى جانب فيلم "الباحثات عن الحرية" وما حققه
من حضور نقدي هام مع المخرجة إيناس الدغيدي الذي شاء رحيله ألا يتحقق فيلمه
الثاني معها تحت عنوان "الصمت".
ومنذ انتقاله إلى مصر أوائل سبعينيات القرن المنصرم ساهم صاحب كتاب
"السينما كما رأيتها" مساهمة فعالة في الحركة الفنية المصرية لاسيما بعد
عمله كأستاذ زائر في أكاديمية الفنون في القاهرة بحيث بات يعتبر أحد أبرز
مدرسي مادة السيناريو في هذه الأكاديمية وهو الحاصل على وسام الفنون
والآداب الفرنسي من درجة فارس ولذلك كان الوحيد الذي حصل على عضوية نقابة
السينمائيين المصرية والجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما رغم أنه لم يحصل
على الجنسية المصرية.
ترك الصبان المئات من المقالات النقدية في السينما والدراما
التلفزيونية والعروض المسرحية والموسيقا وسيترك رحيله فراغاً كبيراً في
الوسط الفني والنقد السينمائي خاصة أنه تزامن مع رحيل المخرج المصري "توفيق
صالح" صاحب "المخدوعون".
يذكر أن الصبان من مواليد 17 آب عام 1931 وتزامن رحيله مع ذكرى ميلاده
الثانية والثمانين وسيتم إهداء الدورة الثالثة لمهرجان الأقصر للسينما
الإفريقية المقرر عقدها في شباط المقبل لروحه تقديراً لإسهاماته في السينما
المصرية ودوره البارز في الحركة النقدية.
وكالة الأنباء
السورية في
19/08/2013 |