حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أيام قرطاج السينمائية الـ 24

المخرجة السينمائية المغتربة سنيا برك الله لـ«التونسية»:

شريطي «انطلاق خاطئ» رحلة في عالم الموت السريري

سنية برك الله مخرجة عصامية التكوين تونسية الأصل فرنسية المنشأ، لم تكن تخطط يوما أن تجذبها أضواء الفن السابع وتذوب في عوالمها السحرية، زياراتها لتونس لا تتجاوز عدد اصابع اليد شأنها شأن كل التونسيين المغتربين الذين يبحثون عن السكينة في مسقط رؤوسهم.

وتزامنا مع أيام قرطاج السينمائية تزورنا هذه الايام لتتابع آخر المستجدات على الساحة السينمائية وللاعداد للمشاركة في مؤتمر عالمي حول الطب النفسي سيقام بسوسة وستعرض خلاله شريطها السينمائي الحدث «انطلاق خاطئ».

حول تجربتها السينمائية وسر إقدامها على خوض تجربة الافلام الوثائقية كان لنا معها هذا الحوار:

·        في البداية لو تعرفيننا بنفسك؟

ـ سنية برك الله مخرجة سينمائية عصامية التكوين لم تكن لي أية دراية في الاخراج السينمائي ولكن بالعزيمة والايمان بالذات استطعت ان اكسر حاجز الجهل في نفسي وان أكون نفسي بنفسي وأن ادخل مغامرة الإخراج في عمل طالما استهواني وأثقل كاهلي بالهواجس.

·        لننطلق من العمل «انطلاق خاطئ»

ـ هو شريط وثائقي يحكي الابعاد الغيبية لعديد من الحالات التي نشطت مخيلتها ما بعد الموت من خلال تجارب حقيقية.

·        ماذا تقصدين بالحياة ما بعد الموت؟

ـ البداية كانت من خلال كتاب قرأته La vie après la vie «الحياة ما بعد الحياة» من خلال تجارب من وقفوا على شفا حفرة من الموت للعالم النفساني Raymond Moody رمون مودي وكان هذا الكتاب ورقة الانقاذ التي حددت مصير حياتي وقد كنت قبلها أعيش حالات من الاكتئاب والضياع النفسي وصل إلى حد الانهيار العصبي وعشت حالات نفسية رهيبة وكنت في حالات الإغماء أشاهد أشياء في مخيلتي تحدث على أرض الواقع وهذا صعب تصديقه، وفجأة وجدت عالمي المجهول من خلال هذا الكتاب الرهيب فكان عبارة عن سفر مجاني لتجارب من فارقوا الحياة كلينيكيا ومن عاشوا تجربة الموت وحقيقة مثل هذا الكتاب سفرة في غياهب المجهول وإجابة عن جميع التساؤلات مما فتح لي شهية المعرفة والاطلاع أكثر فأكثر فقد حرصت شخصيا على لقاء هذا الطبيب النفساني المعجزة وكان لي ما أردت حيث التقيته بعيادته بكندا واكتشفت عمق هذا الرجل وثقافته العلمية والاجتماعية الواسعة وعند العودة الى فرنسا قمت بمساع جبارة من اجل اقامة ندوة علمية يلقيها هو بنفسه وكانت المفاجاة أن حضر المحاضرة قرابة الالفي شخص.

·        وكيف أمكن لك إخراج شريط سينمائي بهذه الطريقة المبتكرة والجميلة وأنت عصامية التكوين؟

ـ هذا صحيح أنا عصامية ولكني صاحبة الفكرة والنص والتصور العام والرؤية الإخراجية وبالتالي ليس من الصعب الاعتماد على محترفين لتنفيذ أفكاري ومشاريعي وقد ظللت أعد هذا الشريط قرابة ثلاث سنوات ليرى النور بتكلفة ناهزت 160 ألف اورو والحمد الله وجد هذا الشريط صدى لم أكن أتخيله رغم جرأته وملامسته لمواضيع قد يستشف منها أنها من الغيبيات التي لا ينبغي التطرق إليها وقد عرض في عديد قاعات وشاشات العالم وترجم إلى الانقليزية في بادرة أولى وستليها ترجمات أخرى في قادم الأيام.

·     انطلقت من تجربة ذاتية لتخرجي شريطا سينمائيا فهل يمكن القول ان هذا الشريط هو الاول والاخيــــر باعتبارك عبرت عما تريدين قوله؟

ـ طبعا لا وإنما هذا الشريط هو انطلاقة لا غير وهو بوابة فتحت لي الآفاق نحو عوالم أخرى ولن أحيد عن عالم الافلام الوثائقية وما يحيط بنا في العالم بأسره هو عبارة عن مخبر تجارب انسانية لا تنضب مواضيعها.

·     قدمت الشريط السينمـــــائي بصورة وبطريقة إخراجية محترمة فأي المدارس الأقرب إليك اخترت اتباعها؟

ـ حتما هي المدرسة الامريكية وقد ظللت طويلا أشاهد البرامج الوثائقية العالمية بمنظار الراغب في الاطلاع على اسرار الصورة فأنا ضد النمطية الفرنسية في الاخراج ومع روح الإثارة في الاخراج الامريكي.

·        أين تصنّفين نفسك: هل أنت تونسية في ثوب فرنسية أم فرنسية من جذور تونسية؟

ـ سؤال يحيرني ويطرح في ذهني ألف سؤال حول المعنى الحقيقي للهوية الذي يحمله المغترب. فأنا تونسية الجذور والدماء والعروق ولكنني فرنسية المولد والمنشأ والثقافة فأنا مثل ذلك النحات الذي أبدع منحوتة جميلة بثقافته وتركيبته ولكنه اعتمد على المادة الاولية من مكانها الأصلي فأنا كذلك احمل المادة من تونس والتحف بالثقافة الفرنسية كفكر وثقافة وحضارة.

·        أشعر ان هذا السؤال أربكك نوعا ما؟

ـ هذا صحيح لأننا نعيش في منزلة ما بين المنزلتين ففي فرنسا لا ينظر إلينا كفرنسيين وإنما كمهاجرين تركوا اوطانهم وستظل هذه النظرة متوارثة رغم طول فترة الاقامة والحياة وعندما نزور اوطاننا ينظر إلينا كمواطنين بالخارج مصنفين في مرتبة معينة وهذا ما يخلق في نفسي عدم الاتزان واعتقد انك اوحيت لي بفكرة شريط سينمائي يغوص في نفسية هذه الوضعيات.

·        في أي إطار تندرج زيارتك الى تونس هذه الايام؟

ـ في إطار الاعداد للملتقى الدولي للاطباء النفسانيين حول traum الذي سينعقد بسوسة في شهر فيفري حيث سيحظى شريطي بالمتابعة والدرس بحضور ما يقارب 600 طبيب نفساني مختص من تونس ومن الخارج وانا سعيدة جدا بالدعوة التي تلقيتها من الاطباء الاساتذة سفيان الزريبي رئيس الجمعية التونسية للاطباء النفسانيين والمهن الحرة وكذلك الطبيب سمير العيادي.

وسعادتي كانت مضاعفة على أساس تواجدي المتزامن مع ايام قرطاج السينمائية وقد كان حضوري مبرمجا ليكون متزامنا مع هذه التظاهرة بفضل حرص الصديقين الأستاذ الجامعي ورجل الثقافة توفيق القرقني والصديق محمد عبد الخالق وقد وجدت في تونس أجواء منفتحة خلال هذه التظاهرة وأمكن لنا الاحتكاك بعديد السينمائيين والمشرفين على الفن السابع واتمنى ان يكون هذا تعاون مستقبلي بين عديد الأطراف.

موقع "التونسية" في

25/11/2012

 

لماذا ننظم مهرجانا للسينما؟

عامر بوعزة  

شاهدت الشريط التونسي «الأستاذ» لمحمود بن محمود ضمن عروض مهرجان الدوحة السينمائي الذي يتزامن مع أيام قرطاج. كل العلامات تدل على تفاوت الامكانات المادية بين مهرجانين أحدهما عريق نافذ في محيطه العربي الافريقي والثاني يتحسس طريقا نحو التجذر في افق العالمية، علامات قد تكون بسيطة او بلا اهمية لدى البعض ولكنها ضرورية في نظري بدء بتصميم مواقف السيارات الأرضية لتفضي مباشرة الى قاعات العرض والمتطوعين الذين يستقبلون المتفرجين القادمين من وسط المدينة عبر حافلات مجانية ويوجهونهم الى القاعات، وصولا الى مكونات القاعة التي عرض على شاشتها الشريط وما توفره من جودة في الصوت والصورة وراحة في الجلوس، حتى الميكروفون اللاسلكي الذي تحتاجه اذا شاركت في الحوار مع المخرج والممثلين اثر العرض يصلك بسهولة وبمجرد الاشارة.

هذا الجانب المادي نحن منهزمون فيه لا محالة اذا اردنا المقارنة، والمقارنة في مثل هذه الحالات تفرض نفسها فرضا، فأصداء الدورة الحالية لأيام قرطاج دون المأمول والصور التلفزيونية القليلة التي تصلنا عن هذا الحدث عبر شاشة الوطنية الاولى تتحدث بوضوح عن فشل تجمعت ربما عن غير قصد كل مكوناته.

الفرق الجوهري بين المهرجانين يكمن في الرؤية الاستراتيجية: لماذا ننظم مهرجانا للسينما؟ انه سؤال يحتمل اكثر من اجابة، ولكن الاجابة الاهم ان يكون الحدث أداة لتوسيع قاعدة السينما الجماهيرية في ظل ما تشهده من انحسار بسبب تزايد أدوات الصورة الحاضرة بقوة في حياة الناس اليومية.

هذا التوجه هو الذي تنطق به كل عناصر مهرجان الدوحة، فبرنامج الدورة كان جاهزا منذ اكثر من شهر ومعروضا على شبكة الانترنات لا في شكل ملخصات نصية قصيرة وإنما مصحوبا بالفقرات الترويجية للأفلام ذاتها، موقع الواب يقدم لك ذلك ويطلعك على اماكن العروض وتوقيتها واسعار التذاكر ويخبرك عن عدد الاماكن المتبقية في ذات العرض ويتيح لك امكانية شراء التذكرة الكترونيا، او ارشادك إلى الكيفية التي تمكنك من اقتناء تذكرة في آخر لحظة اذا ما كان العرض مزدحما دون ان يغفل عن توجيهك الى الفضاء الذي ستعرض فيه الأفلام مجانا في الهواء الطلق!

قبل حوالي شهر من يوم الانطلاق توزعت في الفضاءات التجارية الكبرى اكشاك تحمل الشارات المميزة للمهرجان عمل فيها شبان متطوعون على استقطاب الفضوليين من الزوار بتوضيح البرنامج وشرح مزايا اقتناء التذاكر مبكرا بأسلوب تسويقي لا يختلف عن الأسلوب الذي يعتمده تجار المواد الاستهلاكية الاخرى.

وتزامنا مع ذلك اجتاحت معلقات المهرجان كل واجهات العرض الاشهاري في الدولة اذ كانت المعلقة الاساسية صورة لاشخاص بصدد الفرجة ويحمل كل وجه من الوجوه ملامح وقسمات انفعالية مميزة، وتم تفكيك هذه اللوحة الأم الى عشرات اللوحات توزعت في الشوارع حاملة كل واحدة منها وجها من الوجوه بتعبير مختلف!

كل هذه العناصر التنظيمية تدل على ان المهرجان يدرك التحديات التي اصبحت تحول دون اقبال الناس بكثافة على العروض السينمائية فصمم ليحمل السينما الى اليهم. واذا قارنا هذه الخطوات البسيطة غير المكلفة بما يحدث في أيام قرطاج السينمائية الأعرق في المنطقة الافريقية والعربية فإن سؤال الجدوى يطرح نفسه من جديد بكل إلحاح فما قيمة صرف أموال على حدث ثقافي يذهب جزء كبير منه هباء ولا يمكث منه شيء في الارض.

موقع "التونسية" في

24/11/2012

 

 

العرض الأول لفيلم النوري بوزيد في تونس

"منموتش" رؤية إخراجية عالية الحرفية وطرح فكري قابل للنقاش

نجلاء قموع 

"منموتش" للنّوري بوزيد فيلم يحمل أكثر من رمز انتظرته الجماهير التونسيّة وتشوّقت لمتابعة أحداثه خاصة بعد إلغائه لأسباب تقنيّة علنا وأسباب أخرى في كواليس الجلسات السينمائية.. مسألة حسمها النوري بوزيد قبل انطلاق عرض فيلمه ليلة أول أمس بقوله :"لا رقابة في تونس إلى حد الآن ونحن سينمائيون ولسنا بساسة."

بين ذاتيته المفرطة وواقع البلاد في خضمّ الثورة تندرج أحداث "منموتش" في رصده لتطلّعات الشباب لغد أفضل وخوف الآباء من المستقبل القادم.. عائشة وزينب فتاتان شاركتا في ثورة الحرية والكرامة.. عائشة فشلت في الحب وتحمّلت مبكّرا مسؤولية تربية أختيها بعد وفاة الأم.. ينتابها الخوف رغم شجاعتها الخارجيّة في مواجهة واقعها.. أمّا زينب فتعيش صحبة والديها بدلال وترغب في دراسة الموضة والزواج من إبراهيم رجل الأعمال المقيم في فرنسا.. التغيّرات التي لونت الأيام الأولى من الثورة وتكهن البعض بصعود الإسلامييّن للحكم وظهور متطرّفين باسم الدين أدخل عديد التحويرات على ملامح شخصيات «منموتش» فصار الحجاب فرضا من إبراهيم على خطيبته زينب حتى يمهد لعلاقته مع الشركاء الجدد من الإسلاميين وأصبح حجاب عائشة عبئا على صاحب عملها الذي يجد في سترتها خسارة له ولعمله فيما تتحوّل شخصية حمزة أخ زينب وحبيب عائشة من سجين إسلامي متطرّف إلى رجل يبحث عن حياة طبيعيّة بين أبناء بلده.

«منموتش» المغرق في الرمزيّة انطلاقا من أسماء أبطاله (عائشة.. زينب.. إبراهيم.. حمزة..) وأماكن تصويره في أحياء العاصمة القديمة التي جمعت بين سكّانها مختلف فئاته وانتماءاته وحتى أقليته من مسيح ويهود فهذا المكان كان للجميع، البعض يصلي والبعض الآخر يسكر ولم يكن أحد يعتدي على أحد.. هذه عبارات من حوار والد زينب مع ابنه المتديّن.. التساؤل عن المستقبل كان الهاجس الذي يشغل النوري بوزيد صاحب المشروع السينمائي الحداثي من خلال جل شخصياته.. كيف ستكون نهاية هذا الصراع بين العلمانيين والإسلاميين في بلادنا وماذا عن الحريات الفردية؟ وهل سيتواصل الاعتداء على المبدعين؟

إن حضور عازف الأكورديون الأعمى أدى الشخصية باقتدار النوري بوزيد- وموته في الشارع ودفنه مجهولا تحت عبارة متشرد لا أهل له هي صورة تعكس عمق ألم الفنان في تونس ولعل النوري بوزيد يدرك هذه الحقائق أكثر من غيره من المبدعين بسبب علاقته الشائكة بالسلطة فسجنه في النظام البورقيبي وعلاقة المد والجزر التي لونت تعاملاته مع السلطة الثقافية في سنوات البنفسج والاعتداء عليه إبان الثورة من قبل ملتحين هي ردود فعل سلبية وعنيفة من أطراف ترفض اختلافه عنهم فكريا ورغم مأساة هذه الصورة التي جسدت عملية غسل جثة العازف ومشاهدها التي تقطع أحداث الفيلم من حين إلى أخر اختار النوري بوزيد حمل سلاح المقاومة والأمل بمستقبل حداثي للجميع انطلاقا من اختياره الرمزي للقصبة كفضاء للحوار والنقاش وبين أزقتها حملت عائشة آلة الأكورديون صحبة صديقتها زينب وأختها الصغرى وتعالت أنغام الموسيقى فرحا بسقوط النظام ومعه سقط حجاب عائشة فلم تسعى لإعادته لعلها وضعته خوفا وبانتهاء زمن الخوف اختارت علم تونس غطاء لها..

فيلم النوري بوزيد انتقد راكبي الثورة من مافيا النظام البائد والباحثين عن السلطة بمطية الدين..»منموتش» هو انتصار للحرية الإبداع والفن.

ورغم بعض مشاهده المسقطة والتي يمكن الاستغناء عنها باعتبار طابعها الإستفزازي قدم النوري بوزيد عملا فنيا مميزا على المستوى التقني.. هو المعلم الذي يحظى باحترام أهل المهنة في جمالية مشاهد أفلامه وفي «منموتش» كانت فضاءات التصوير جزء لا يتجزأ من العمل. أبدع النوري بوزيد في رؤيته الإخراجية وإدارته لممثليه فلطفي العبدليّ كعادته تميز في شخصية ابراهيم في أداء عالي الحرفية وتفوّقت سهير بن عمارة في دور عائشة على إمكانياتها الفنية التي ظهرت بها في أعمالها السابقة.

لعّلنا نوافق النوري بوزيد في أفكاره أو نختلف معه في كيفية صياغتها وطرحها لكنه لا يمكننا سوى الوقوف إعجابا بالأدوات السينمائية التي يعتمدها شيخ السينمائيين التونسيين في عمله والمستوى الراقي فنيا في إدارة ممثليه.

الصباح التونسية في

25/11/2012

جملة اعتراضية

السينما ضرورة حياتية كذلك

حياة السايب 

في نهاية المطاف ومهما كثرت الأخطاء ومهما كانت الإحترازات على البرنامج ومهما كان التذمر من سوء التنظيم ومن المشاكل التقنيّة ومن الفوضى التي برزت بالخصوص في حفل الإفتتاح فإن تنظيم أيام قرطاج السينمائية في دورتها الأولى بعد الثورة التونسية يعتبر رهانا ناجحا.

لماذا؟ لأن الحدث بباسطة أخرج البلاد وخاصة العاصمة من ذلك الرّوتين القاتل الذي اسمه التّجاذبات السياسيّة ووفر للناس فرصة للذهاب للسينما. ولعلّ المفاجأة السارة التي كانت في انتظارنا أن التونسيين لم يهجروا عادتهم في الإقبال على هذا الموعد العربي الإفريقي الذي ينتظم ببلادنا مرة كل عامين والذي يتغيّر فيه وجه العاصمة طيلة أيّام المهرجان. إنها رسالة نستشعر منها أن التونسيّين ومهما ألهتهم مشاكل الحياة اليوميّة التي ازدادت تعقيدا بعد الثورة (خلافا لما كان متوقعا أو مؤمّلا منها) فإنهم لم يفقدوا حماستهم للفن ولم يضيّعوا الرغبة في الإنتصار للثقافة. وإذ كان الواقع يفرض على الملاحظ أن يتوقع موقفا مختلف هذا العام أو حتى عزوفا من التونسيين على المهرجان نظرا للأسباب الموضوعية المعروفة ومنها بالخصوص الصعوبات التي تعيشها بلادنا في هذه المرحلة الإنتقالية والدقيقة في تاريخنا وبحكم الأولويات المفروضة على المواطنين فإن الحقيقة كانت مختلفة. ولعلّ الإقبال المكثف على العروض السينمائية التي وقعت برمجتها خلال الدورة 24 لأيام قرطاج السينمائية التي انطلقت منذ السادس عشر من نوفمبر الجاري وتواصلت إلى يوم أمس السبت 24 من نفس الشهر يكشف أن الثقافي جزء من حياة التونسيين وأن التونسيين يحبّذون حياة نوعيّة يكتسي فيها الغذاء الروحي مكانة كبيرة لا تقل قيمة عن غذاء البدن. ورغم أنّ الحدث تخللته للأسف مناسبة أليمة تمثّلت في العدوان الصهيوني على غزّة اهتزت لها قلوب التونسيين وهي عوامل ربما كانت تقلل من حظ التظاهرة الثقافية في استقطاب الجمهور فإن الإقبال كان جد طيب. السينما ليست مقترح فني جمالي فحسب وإنما لحظة مهمة تسرقنا من عالمنا الأرضي. لحظة نحتاجها كي نجدد الطاقة وننشط الذاكرة ونقوي مناعتنا ضد الرداءة وقلة الذوق وبلادة الذهن.. التونسيون متحمسون جدا للسينما وخاصة لسينما البلاد وهو ما يحمّل المبدع مسؤولية أكبر وهو ما يدفعنا لطلب المزيد من هذا الفن. إنه ضرورة حياتية.

الصباح التونسية في

25/11/2012

 

 

 

اختتام أيام قرطاج السينمائة 2012

السنغال تسافر بالذهب في دورة إفريقية بامتياز

تونس – صالح سويسي

اختتمت مساء السبت الماضي بقاعة الكوليزي بقلب العاصمة فعاليات الدورة الرابعة والعشرون من أيام قرطاج السينمائي بحفل نشطه منذر القلعي معوضا بذلك رمزي بن ملوكة ومريم بن حسين منشطي حفل الافتتاح، هذه الدورة التي غلب عليها طابع الارتجال في كثير من نواحيها، بدأً من الافتتاح الذي أسال حبرا كثيرا حول سوء تنظيمه وعدم ملاءمته لأقدم تظاهرة سينمائية عربية إفريقبة، مرورا بفقرات حفل الافتتاح التي لم تكن عند المأمول حسب أغلب المتابعين والمهتمّين بالشأن السينمائي والثقافي في تونس، وبدا واضحا أنّ جانب الاجتهاد كان منعدما في تأثيث الحفل فضلا عن الاختيار غير الصائب لمنشطة السهرة ولو لا الخبرة الكبيرة والمهنيّة العالية لرمزي بن ملوكة لتحوّل حفل افتتاح قرطاج 2012 لنكتة يتناقلها الناس، وصولا إلى ما شاب بعض العروض من تعطيلات أجلّت عرض بعضها، ليختتم الكرنفال الارتجالي بحفل توزيع الجوائز والذي كانت تونس فيه غائبة او تكاد.

مصالحة مع الجمهور أم مجرد ظاهرة؟

وبعيدا عن حفل الافتتاح وسوء تنظيمة وبعده عن تكريس تاريخ التظاهرة وإظهار أبعادها الحضارية والجمالية في دورة أولى بعد الثورة، كانت النقطة التي نعتبرها مضيئة فعلا وتشي بكثير من التفاؤل ألا وهي الإقبال الكبير وغير المتوقع على الأعمال السينمائية التونسية وخاصة منها الطويلة سواء المشاركة في المسابقة الرسمية أو في باقي الأقسام. فشريط النوري بوزيد "ما نموتش" والذي سبق أن فاز صاحبه بجائزة احسن مخرج عربي في الدورة الأخيرة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي حضيَ باستقبال جماهيري فاق التوقعات ورغم أنّ العرض تأجل في مناسبتين إلاّ أنّه كان سيتمّ أمام شبابيك مغلقة نظرا لنفاذ التذاكر في وقت مبكر بل وقياسيّ أيضا. ولم يكن شريط "خميس عشيّة" لمحمد دمق والذي احتضنته قاعة الكوليزي بمنأى عن هذه الحفاوة حيث شهد العرض ازدحاما وتدافعا وإقبالا هامّ أيضا، باقي الأعمال التونسية شهدت بدورها متابعة جيّدة سواء "مملكة النمل" لشوقي الماجري أو "الأستاذ" لمحمود بن محمود والذي نال جائزة أفضل سيناريو. فيما يتعلّق بالأفلام القصيرة والوثائقية كان الإقبال متفاوتا ولكنه في أغلب الحالات كان محترما جدا. قلنا أنّ هذا الإقبال ينبئ بمصالحة بين الجمهور التونسي وسينماءاته وهو أمر في غاية الأهميّة خاصة في هذه الفترة التي تشهد كسادا على مستوى الإنتاج خاصة لدى بلدان عرفت بصناعة السينما مثل مصر. ولكنّ البعض يرى أنّ هذا الإقبال ليس إلاّ ظاهرة لن تتواصل طويلا بحكم عدة اعتبارات لعلّ اهمها الوضع السياسي والاجتماعي المحتقن في البلاد، دون أن ننسى أنّ تذاكر العروض كانت بسعر رمزيّ جدا فضلا عن الاشتراكات المحفزة، وهو ما سيجعل الإقبال أقل بكثير خلال الأسابيع المقبلة في رأي بعض المتابعين.

جوائز المهرجان

خرجت المشاركة التونسية خالية الوفاض من دورة استثنائية على جميع الأصعدة، وهنا لابد أن نشرير إلى ضرورة الجلوس سريعا حول تفاصيل الدورة الرابعة والعشرين لواحد من أعرق المهرجانات السينمائية العربية للوقوف عند أسباب التراجع والبحث في الظروف التي تظافرت كي تكون دورة ضعيفة حتى لا نتجنّى وندّعي انها فاشلة مقارنة بدوراتها السابقة على الأقل وليس مقارنة بمهرجانات فتيّة أصبحت في الواجهة وبعيدا عن لغة المال قوّام الأعمال وهو ما لا نشك فيه أبدا، وجب التبنيه أنّ النوايا الطيبة لا تصنع مهرجانات كبرى وناجحة، ثمّة ما يجب أن يأخذ أولوية الحضور في أذهان القائمين على الأيام وهو التحضير المبكر والتنظيم الجيّد وحساب كل شاردة وواردة وعدم ترك ثقب واحد يمكن أن يدخل منه النشاز على عزف الأركسترا وتناغمها

لم تحضَ السينما التونسية إلاّ بتانيت فضي في مسابقة الأفلام الوثائقية من خلال شريط "تدافع 9 أفريل 1938" سوسن صايا وطارق الخالدي وجائزة أفضل سيناريو لمحمود بن محمود صاحب شريط "الأستاذ"، عدا ذلك عادت أغلب الجوائز للقارة السمراء حيث نال شريط "الزورق" صاحب التانيت الذهبي جائزة الجمهور أيضا وفي سجلّ الجوائز نجد بوركينا فاسو ورواندا والموزمبيق وأنغولا، فيما اكتفت مصر بالتانيت الفضي للأفلام الطويلة بشريط "الخروج على النهار" لهالة لطفي. وفيما يلي تفصيل للجوائز:

جائزة الجمهور:

الزورق – موسى توري من السينغال

ورشة المشاريع:

-جائزة الألكسو:

العلم-فراس خوري من فلسطين

-المعهد الفرنسي للتعاون:

بنتي -ليلى بوزيد من تونس

ليبرو-مهدي هميلي من تونس

-المركز الوطني للسينما بفرنسا:

  • باكيتالاكي-آداما سالي من بوركينا فاسو 

  • زهرة من حلب-رضا الباهي من تونس

-TV5 Monde  : الزيتونة الحمراء-كريم بن صالح من الجزائر

-المنظمة الدولية للفرنكفونية:

  • أسطول صغير نحو غزة-لطفي عاشور من تونس

  • نزيلات الجناح ج –محمد نظيف من المغرب

*مسابقة الأفلام القصيرة:

-تنويه خاص: ثلاث - سابين شماع من لبنان 

-تانيت برونزي: ذكاء - ناري كليمنتين دوزا بيجمبو من رواندا

-تانيت فضي:تدافع: 9 أفريل 1938- سوسن صايا وطارق الخالدي من تونس

-تانيت ذهبي:حياة قصيرة - عديل الفاضلي من المغرب

*مسابقة الأفلام الوثائقية:

-تانيت برونزي: كل هذا وأكثر -  وسام شرف  من لبنان

-تانيت فضي: العذراء والأقباط وأنا - نمير عبد المسيح من مصر

-تانيت ذهبي: الرئيس ديا - عصمان وليام مباي من السينغال 

*مسابقة الأفلام الروائية الطويلة:

-أفضل دور نسائي ثان:إيفا موغاليلا - مارغاريدا العذراء من الموزمبيق 

-أفضل دور رجالي ثان:شادي حداد - رجل شريف من لبنان

-أفضل ممثلة:شيلاّ ليما -كل شيء هنا على ما يرام من أنغولا 

-أفضل ممثل:علي سليمان - الجمعة الأخيرة من الأردن

-أفضل سيناريو:الأستاذ – محمود بن محمود من تونس

-لجنة التحكيم:اليوم تاي- ألان غوميز من السينغال

-تانيت برونزي:  الخروج إلى النهار – هالة لطفي من مصر

-تانيت فضي:موت للبيع- فوزي بن سعيدي من المغرب

-تانيت ذهبي: الزورق- موسى توري من السينغال

الجزيرة الوثائقية في

25/11/2012

 

ضمن عروض أيام قرطاج السينمائية

الفيلم الإماراتي «ظل البحر» يحظى باهتمام الجمهور 

تابع الجمهور التونسي الاول للشريط السينمائي الاماراتي الطويل «ظل البحر» للمخرج نواف الجناحي والذي أدرجه مهرجان أيام قرطاج السينمائية ضمن مسابقته الرسمية للأفلام الروائية الطويلة وأجمع المشاهدون على أن الفيلم قدّم لهم فرصة مهمة لاكتشاف السينما الاماراتية التي تؤسس لمدرسة ذات خصوصية في اطارها الخليجي والعربي، وتنطلق من مميزات الحياة اليومية للمجتمع في جوانبه الحميمية التي لا يستطيع غير الفن رصدها وتقديمها ونقلها عبر الصورة المجسّدة للوقائع والاحداث والملامح والمشاعر.

و«ظل البحر» هو أول فيلم إماراتي يدرج ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج السينمائية الذي انتظمت دورته الاولى في العام 1964

ويتناول الفيلم قصة منصور وكلثم، الشاب والفتاة اللذين ينموان ويترعرعان في حي شعبي بالقرب من شاطئ البحر في مدينة رأس الخيمة، ويدخلان في رحلة اكتشاف الذات من خلال رصد مشاعرهما العاطفية الغضّة، ومن خلالهما تتنقّل كاميرا الجناحي بين تفاصيل الحياة اليومية للحي والاسرة، وفقدان البنتين كلثم ومريم للرعاية الأسرية بعد وفاة والدتهما وإهمال والدهما لهما، في حين تتعرّض أسرة الشاب منصور الى هزّة عنيفة بعد تعرّض عائلها الى إعاقة مزمنة تمنعه من القيام بواجباته تجاهها

ومن خلال سيناريو محمد حسن أحمد، تنتصر مشهدية الفيلم عبر بانوراما حيّة، للمشاعر المكبوتة للفتى منصور (عمر الملّا) الذي عجز عن التعبير بما يجيش في خاطره لحبيبته كلثم (نيفين ماضي) خوفا من صدّها وخجلا من البوح، ليجد ملجأ عاطفيا في صورة الفتاة الجميلة والمندفعة التي تحب الفن والحياة بانطلاق كامل، ولكن مرّة اخرى يحول خجل منصور دون التعبير عن رغبتة المكبوتة التي تمثّل جزءا من شخصية الشاب العربي المرتبط بالعادات والتقاليد والبيئة الشعبية التقليدية في كل بلاد العرب من المحيط الى الخليج

لم يكن «ظل البحر» محايدا في قراءته للواقع، وإنما تعامل مع آفاق الصورة بكثير من الواقعية والشفافية، حيث نقل للجمهور التونسي الصورة الحية اليومية في حي شعبي في دولة الامارات العربية العربية، لا يختلف في الكثير من تفاصيله، خصوصا في التعاطي مع المشاعر والرغبات المكبوتة، عن بقية الدول العربية، وقد كانت الفرصة ملائمة للمشاهدين والنقاد ليقتربوا من نبض الحياة كما تنقله كاميرا السينما التي يؤكد المخرج التونسي ناصر القطاري أن «من مهامها أن ترصد تفاصيل الحياة بكل شفافية، وأن تصوّر طبيعة المجتمع والواقع وتقدمها طازجة كما هي للعالم والتاريخ» .

النهار الكويتية في

26/11/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)