عمر أميرالاي.. أفلام تسجيلية أشبه بتجارب حية
الجزيرة نت
عندما يقرر المخرج عمر أميرالاي ابن مدينة دمشق وبعد عودته من فرنسا
أن يتحرك في ريف سوريا لاستكشاف واقع قد يبدو قصيَّا عليه فإنه يبرهن أن
أفلامه ليست مجرد صناعة وإنما تجربة وفرصة له لكي يفحص فيها العلاقات بين
الإنسان وواقعه. في السبعينيات وفي تجاربه الثلاث الأولى في فيلم محاولة عن
سد الفرات والحياة اليومية في قرية سورية وفيلم الدجاج في قرية صدد نرى أن
هذه الأفلام تصبح مرجعا وسؤالا في بحثه كإنسان وكمخرج للأفلام التسجيلية.
الواقع يتحدث عن ذاته بعد النكسة
عمر أميرالاي: أنا بطبيعتي يعني وبعمقي هيك جيناتي الشخصية شخص يعني
عبثي وعَدَمي وساخر وكذا وإلى آخره يعني ما بأخذ الحقائق يعني أصلا كمسلمات
وكمنتهيات وإلى آخره، طبعا هزيمة 1967 كانت يعني برأيي أول صحوة يعني أو
صفعة الواحد بيتلقاها بشبابه يعني وصادف بنفس الوقت حوادث الطلبة يعني من
جامعة مونتير اللي كنت أنا عم بأتلقى دروسي فيها بمعهد السينما، هزيمة 1967
كانت الوعاء شايفة كيف وثورة الطلبة 1968 كانت هي المحتوى يعني فركبوا على
بعض يعني وصارت طبخة اسمها عمر أميرالاي، فهون بأعتقد عمته كانت لأبو خليل
اللي هو كان مدخلنا للضيعة وكذا وإلى آخره كانت ساكنة هون لحالها فاستأجرنا
عندها ثلاثة شهور، سكنَّا بعليَّة بطريقة هيك كثير عجيبة وكانت كثير فترة
سوداوية لأنه كانت بالشتاء بعز الشتاء والضيعة بتنهجر بالشتاء يعني كل
شبابها بيهجروها وما يبقوا إلا العجائز يعني أنا بصراحة تعرفت على صدد عن
طريق صديق لي بالصدفة شو اسمه كان مسؤول عن الوحدات الإرشادية لصناعة
البِسط لأنه هون مشهورين بصناعة البسط تفاجأت طبعا بعراقة الصدد ياللي
عمرها فوق الأربعة آلاف وثلاثمائة سنة خمسمائة سنة مذكورة بالتوراة
باعتبارها أنه هي كانت يعني على الحدود الشمالية لإسرائيل الكبرى، لاحظت
فيها شو اسمه هذا التحول العجيب من ضيعة تقليدية عريقة كذا وإلى آخره لدخول
نمط يعني برأسمال صناعي اللي هو تربية الدواجن، هذا كان سنة 1977 تقريبا
بحدود الـ1977، ما فيه بيت كان بنهاية السبعينيات يعني لم يحوّل غرفة أو
غرفتين وأحيانا معظم بيته إلى مدجنة ويعيش بين الدجاج وينام بين الدجاج ولا
يخاطب أحدا إلا الدجاج فكانت ظاهرة شو اسمه يعني هيستريا بكل معنى الكلمة،
إذا البشر صاروا حقيقيين يعني إذا الدجاج صاروا حقيقة، البشر بالفيلم صاروا
مجازيين وهو فيلم يعني صُنِّف ويُدرَّس بالجامعات بفرنسا وكذا وإلى آخره
أنه من جنس هذه الأفلام التي تتحدث عن البشر بلغة الحيوان، هو تعبير عن
القهر.. يعني عن قهر المثقف وربما أحيانا عن عجزه على إنطاق الناس فالدجاج
كان.. فيلم الدجاج كان رد فعل الصراحة على فيلم الحياة اليومية يعني ياللي
أنه خلاله صار فيه تحول بعلاقتي أنا مع الواقع ومع الأفكار اللي هيك
المطلقة وخاصة العلاقة مع الإنسان من بوابة النظرة الإيديولوجية لها الكائن
البشري وإلى آخره فالإنسان يعني لم يعد هو ضحية قوانين جائرة في المجتمع أو
صراعات أو طبقات أو إلى آخره، ممكن أنه الإنسان العادي أو الإنسان البسيط
يكون ضحية نفسه، هو أنا رجعت سنة 1970 يعني مع الحركة التصحيحية طبعا كان
فيه بذهننا مشروع سعد الله ونوس وأنا من باريس من 1968 أنه نعمل سلسلة
أفلام بعنوان الحياة اليومية فيه ثلاث نقط يعني في قرية في مصنع في حي شعبي
في مدرسة، رحت أنا استطلعت الفرات اللي صرت بأعرفها بناءً على فيلمي الأول
والأخير وعملت فيلم الحياة اليومية، صورته سنة 1972 وتوقفت تقريبا سنة
وشويه لأنه أخذوني خدمة عسكرية حتى أشارك بحرب تشرين.
من خلال هذا الفيلم الذي سيتم مونتاجه بعد سنتين يرصد عمر الحياة
والواقع الريفي المهمل في قرية مويلح في منطقة دير الزور ويؤسس لعلاقة
عضوية مع هذا الواقع لا تنتهي بانتهاء الفيلم التسجيلي.
عمر أميرالاي: فعلا ما طرحت على نفسي مرة واحدة إن هو يعني وصلت
لمنطقة من مناطق الاختيار إنه طيب هلا حتى أعمل سينما مضبوط أنا لازم أعمل
روائي، أنا ما سألت ليه حالي مرة واحدة إنه هلا خلاص للتسجيلي خلينا نفوت
للروائي أو شو اسمه، أنا بالنسبة لي يعني حتى الآن الفيلم التسجيلي لم
يخذلني على مستوى التعبير ولا على مستوى علاقتي بالواقع لأنه أنا بالنسبة
لي الفيلم هو نتاج عَرَضي لعلاقة جديدة أبنيها مع الواقع عند كل مشروع فيلم
والفيلم يأتي يعني كمحصلة لها المغامرة الجديدة يالي الواحد بيرمي نفسه
فيها في الحياة وفي اكتشاف الناس، انجذابه لهم فأنا بيقولوا لي أنت عم تعمل
فيلم تسجيلي إلى آخره أنا عم سايب السينما، على فكرة هذا نهر الخابور يالي
بيعبر قريب منطقة الموالح وياللي كان بهاديك الفترة طبعا يعني مياهه غزيرة
يعني منسوبها أعلى من هيك وأهم بس الشيء اللي شو اسم الشيء اللي بيتغير
يعني اللي هو فعلا نسبة الخضار بالمساحات اللي عم تمتد حول النهر يعني
بتشوف إنه ربما الطبيعة عم تتحول بس حال البشر يعني كأنه هو اللي عم
بيتسحَّر.
في الثمانينيات لم ينقطع عمر أميرالاي عن السينما فقد عمل على مجموعة
من الأفلام خارج سوريا مثل فيلم مصائب قوم إبان الحرب الأهلية اللبنانية
وفيلم الحب الموءود في مصر والعدو الحميم عن المهاجرين العرب في فرنسا،
كانت جميعها من إنتاج التليفزيون الفرنسي، من خلال هذه النقلة خرج عمر من
موضوعاته حول الواقع السوري المحلي إلى البحث في واقع ووعي الإنسان العربي
في دائرة أوسع وأكثر تعقيدا.
عمر أميرالاي: يعني مرة أخرى يعني أفلام بتشتغل على تطور المفاهيم
والطباع عند الإنسان العربي يعني أنا هذا الشيء كتير بيعني لي لأنه هو نقطة
البداية يعني لما بيبدأ الإنسان العربي يطرح أسئلة على نفسه وبالتالي يبدأ
يكتشف واقعه وبؤس واقعه ويعني يقرر إنه يغيره بأعتقد بتكون هاي نقطة
البداية للتغيير الحقيقي يعني ولذلك أنا اشتغلت دائما على ها المساحة من
الوعي عند الفرد العربي يعني.
أحد شخصيات الفيلم: أنا اسمي الحاج علي من الجنوب، والله حبيت أشتغل
بها الشغلة الأموات من مراحل الحرب اللي صارت عندنا بتلاقي جثث بالشوارع،
صرت أدفنهم، أنا مصلحتي شوفير بأسوق على الإسعاف بس يكون عندي نقلة على
الجنوب بأطلعها أو على بعلبك أو على طرابلس محل ما بتجينا نقلة لأني شوفير
على سيارة الإسعاف وحبيت معاشرة الأموات أحسن من معاشرة ها.. معاشرة
الأموات أحسن من معاشرة الأحياء لأنه أريح وأخف لبكة.
عمر أميرالاي: وين؟ يعني وين هذا العقل وين مشغول يعني وين شو يالي
مستلبه يعني شو يالي معتقله يعني شو يالي عن بيجعله عصي على التحول وعلى
التطور وعلى الانعتاق من خاصة من التقاليد والتراث والفكر الديني.
أحد شخصيات الفيلم: مربحة بس بأيام النهاردة الله بيرزقنا مثلا هذا
بيموت بيروح بشوفير بالأمبلس بيروح، ما بيروح عندي سيارة هاي بأتكتك عليه
زق عليه ركاب بيشغلها بالأجرة، النهاردة ما فيه أموات على الأمبلنس بيشتغل
هيدا على الأحياء.
عمر أميرالاي: ولذلك مصائب قوم كان فيلم عن الحرب الأهلية في لبنان
بذروة معمعة الحرب الأهلية يعني اللي يعني السنتين اللي سبقوا العدوان
الإسرائيلي على لبنان وغزو لبنان يعني واحتلال للمرة الأولي عاصمة عربية
اللي كانت بيروت ولذلك يعني كان الفيلم تقريبا عم بيستشرف يعني وقوع
الكارثة.
وفي فترة التسعينيات انتقل عمر أميرالاي إلى العمل على مجموعة كبيرة
من البورتيرهات والتي كانت مدخلا لرؤية عمر النقدية وتساؤلاته حول المجتمع
والحراك السياسي والتاريخي في المنطقة من خلال تصوير الأفراد وحياتهم ومن
أهم هذه الأفلام، في يوم من أيام العنف العادي عن صديقه ميشيل سورا وفيلم،
هنالك أشياء كثيرة كان يمكن أن يتحدث فيها المرء عن صديقه سعد الله ونوس.
البحث عن الذات في الواقع التسعيني
عمر أميرالاي: يعني الاثنين بتعرف قد إيش اتنين صديقين يعني وقد إيش
صعب هيك فقدان الأصدقاء والأحبة يعني لأنه بالواقع بالأخير هم يعني هم شو
بيسموه المقطع الأساسي من الحياة بيكون وبالتالي لما الواحد يعني مثل ما
بيقولوا بيرحلوا بيخاف الإنسان من مواجهة الفراغ.
صديقي ميشيل كيف لي اليوم أن أنجز فيلما عنك دون أن يخدش ذلك ذاكرتنا
ودون أن يفتح مناطق موصدة وينكأ جروح مضى عليها الزمن لذلك فكرت أن أتراجع
ولكن بعد أن علمت بما حدث لأبيك قررت أخيرا أن أذهب إلى نهاية مشروعي.
عمر أميرالاي: لما بيصنع الواحد هيك أفلام كأنه عم بيقبل ها الحقيقة
المرة وعم يعني بيكمل حداده تجاه هؤلاء الأشخاص وإلى آخره.
سعد يبدو أن هي محاولة اليوم للحديث عن علاقة جيلنا بموضوع الصراع مع
إسرائيل عن يكون بالضرورة حديث عن عمرنا اللي ارتبط مصيره من البداية بمصير
هذا الصراع يعني من نكبة فلسطين عام 1942وصولا إلى ما يطلق عليه اليوم
عملية السلام، لا أخفيك إنه من لحظة ما فكرت فيك لتكون لسان حال وجداننا
بهذا الصراع وأنا ما عم يفارقني هذا الشعور الحزين والمتشائم من إنه إحنا
اليوم على أعتاب نهاية مرحلة من حياة جيلنا.
عمر أميرالاي: يعني شعور معذِّب يعني أنا لما بأشوف فيلم سورا أو فيلم
سعد الله بأكتشف إنه يعني من هي كذبة إنه الواحد بيقف ليك حالة حداد أو
بيختم حالة حداد وإلى آخره ما صحيح لأنه بكل مرة بيكون مشاهدة تُنكأ الجراح
يعني ويُنكأ ألم يعني وبالتالي بيتجنب الوحدة أنا بأتجنب أشوف هال الأفلام
لما بتنعرض.
وعندما تأكدت لنا الهزيمة بإعلان استقالة عبد الناصر أحسست أني سأموت
تلك اللحظة، أحسست أني أختنق، بكيت وبكيت وكان لديّ الشعور بأن تلك هي
النهاية، نهاية ماذا لا أدري.
عمر أميرالاي: صار الواحد يعني يبحث عن شيء يتمرى من خلاله فكانت هي
يعني نقلة انتقالية بين يعني إلغاء الذات بالأفلام الأولي لاكتشاف الذات من
خلال الآخرين لا بالأفلام الأخيرة ما عاد عنده حرج الواحد إنه يحط حاله
يعني تحت.. يعني تحت شمس النقد يعني ولإعادة النظر ويكون هو موضع أفلامه
فهي نقلة على ثلاث مراحل وثبة ثلاثية يعني خلينا نسميها أرجو إنه ما تكون
الأخيرة يعني.
انتظر عمر أميرالاي طويلاً لكي يعود ثانيةً إلى منطقة الفرات، مكان
الجريمة الفنية الأولى كما يراها، فهنا كان فيلمه الأول محاولة عن سد
الفرات عام 1970 وهنا جاء فيلمه الأخير الطوفان كإغلاق للدائرة عام 2003.
عمر أميرالاي: بعد ها الثلاثة يعني 35 سنة أو 33 سنة مضت على الفيلم
الأول ولما صار اللحظة المناسبة قررت أعمل فيلم عن سوريا ولحتى أقدر أحقق
هذا المدخل للنقد الذاتي كان لابد إن الواحد يتناول أول عمل له اللي صادف
إنه كان عن سد الفرات وبوادي الفرات بالذات، لما عملت استطلاع أي بحيرة لأن
بحيرة الأسد اللي تشكلت وراء سد الفرات كانت مفاجأة يعني هزتني الصراحة لما
اكتشفت إنه هاي البحيرة اللي كانت طبعاُ بقعة لا بأس فيها صارت طبعاً بحر
بكل معنى الكلمة.
عمر أميرالاي: بلقاء هيك مع أهالي المنطقة عملت هاي المراجع لا هذا
الحماس الأعمى اللي كان موجود اللي ما اكتشف إنه سد الفرات قد إيش سبب مآسٍ
حضارية بتخص سوريا فبحثت وبمحض زرت قرية اسمها الماشي وكانت المفاجأة عندي
إنه الضيعة اسم الماشي تسكنها عشيرة واحدة كلهن يعني سليلين عشيرة الماشي
زعيم الضيعة ماشي، بير المياه بالضيعة اسمه الماشي فتماماً ها الحالة
الشمولية اللي بتشبه حالة البلد ككل يعني، كان هو عبارة عن استعارة أو مجاز
ليقول إنه الطوفان يعني كان شموليا ليس بالماء فقط وإنما أيضاً بهذه
الأيديولوجيا اللي أغرقت البلد بعقلية يعني بده يقول الواحد زلابية لأنه
بالتحديد اشتغلت على الوعي واشتغلت على العقل.
عمر أميرالاي: حاولت أنا ما بأعرف بالأخير أنتم والجمهور بيعرف يعني
هل 18 ساعة اللي هي تقريباً مجموع ما صنعه الواحد لما الواحد بيحطهم ساعة
وراء ساعة وبيشاهدهم يا ترى ممكن يقول بعد عشرين سنة ثلاثين سنة إلى آخره
إنه كيف والله هذا وجه من وجوه العالم العربي لسنوات السبعينيات
والثمانينيات والتسعينيات هاي كان بهاي الدرجة هاي كل واحد بيدور على حاله
إلى آخره، أنا بألاقي هذا هو الهم الأساسي عندي اللي هو تصوري إن أنتِ
مثلاً صورتي ثلاثين فيلما ما لاحظتيش الواحد بيعيش لحتى يصور أفلام كلاتها
بتُختصر بالعشرين 25 ساعة بالأخير فبساعة تشيل الساعة من الشهادة على واقع
معين أنتِ عشتيه على حياة أنتِ عشتيها على ناس أنتِ تعرفتي عليهم وبالنهاية
تكون خلاصة حياتك، من هلا ورايح بدي أعمل سينما فُراتية يعني سينما متدفقة
جارية غير ساكنة، حلوة ها؟ السينما يعني سبق وقلتها هي ساقية صغيرة أنا
اخترتها لحتى توصلني لها النهر الفسيح والواسع اللي اسمه الحياة مثل
الفرات.
|