عمر أميرلاي: أصلي
عثماني من خليط قومي شركسي كردي تركي وعربي، وُلدت في الشام عام 1944 على
مرمى حجر من مقام شيخنا الأكبر محيي الدين بن عربي، معطّراً بروحانيته
مباركاً باسمه وكنيته، وقد عاهدت نفسي مذ صرت مخرجاً أن أنذر له ذبيحتين
على روحه الطاهرة كلما رزقت فيلماً. واليوم في رصيدي نحو 20 فلماً حققتهم
على مدى 35 عاماً في ممارستي مهنة السينما، طفولتي فيما بعد أمضيتها في حي
الشعلان على بعد خطوات من المقرّ التاريخي لحزب البعث الذي صار اليوم
دكاناً لبيع الألبسة الجاهزة، وفي بيت عربي متواضع كان أضخم ما فيه نوافذه
العريضة المطلة على الشارع العام الصاخب بالحركة والناس، من خلال تلك
النوافذ التي كان أخي الكبير يصلبني وراءها ليشغلني عن المطالبة بأمي
الغائبة في الوظيفة تربيت على الفضول وعلى حب الملاحظة وعلى تشريح الناس
والأشياء ورصد تفاصيل الحياة اليومية للحارة والجيران، وعلى وجه الخصوص
صاحب صيدلية الانقلاب الذي صرعه استقرار البلاد بعد قيام الحركة التصحيحية،
طفولة مسترخية بامتياز أتيح لها الانشغال بالآخرين ومراقبتهم والتفرغ
لقصصهم ما يدحض القول المأثور السخيف: "من راقب الناس مات هماً"، أما والدي
رجل الأمن النزيه الذي قضى نحبه شاباً على طريق دوما عام 1950 وهو يطارد
المهرّب الأعور الشهير لورانس الشعلان، فقد أبى - رحمه الله - إلا أن
يورثني صفارة الخدمة خاصته وشيئاً آخر أعتز به اليوم أكثر ألا وهو احتقار
السلطة وأهلها من الساسة والعسكر من محترفي مهنة الأمر والنهي والتصرف
بأحوال البلاد والعباد.
أحمد الزين
: أستاذ
عمر يعني السؤال الأول بيتبادر للذهن من موقعك كمثقف وسينمائي كنت تلتقط
دائماً هيك لحظات إنسانية عالية وتوثّق لحوادث ولشخصيات ربما تكون نادرة
بالحياة ولبيروت كان إلها حصة كبيرة بتجربتك كسينمائي عبر أكثر من فيلم،
يعني الآن السؤال هو كيف ترى إلى تداعيات المشهد في بيروت وبالتالي في
دمشق؟
عمر أميرلاي: أول
شي أنا عندي رعب حقيقي من كلمة الجماهير، ومشهد الجموع لأني فيه عندي مخاوف
حقيقية من كل شي اسمه ظاهرة جماهيرية، يعني الجماعة اللي بتتحرك..
أحمد الزين
: اللي
بتتحرك بـ
Order
من غيرها مش إنو بتلقائية..
عمر أميرلاي: هي
غالباً هي غالباً يعني ما عدا الفوضى وما عدا الفَلَتان يعني كل عملية
بتحرّك مجاميع من الناس أنا أحذر منها بصراحة، لأنّو في شي اسمه الغريزة
الجماعية يلّي هيّ بينسحق فيها الفرد وبيصير الفرد بيفكّر بمنطق الجماعة،
وبيرعبني فعلاً لأنّو أنا جاية من بلد بتتحرك فيه الجماهير بعصا، بفرمان
سياسي، بقرار رئاسي، ومعلب ومؤطّر بالأجهزة، سواءً بالحزب، منظمات شعبية
إلخ.. على غرار ما كان يجري بالجمهوريات الشمولية يعني..
أحمد الزين
: بس
يعني عمق السؤال أستاذ عمر هو أنا عم بسألك كسينمائي ومثقف إنّو أنت كيف
بتشوف تداعيات هذا المشهد اللي حدث في بيروت في العمق العربي، العمق السوري
وربما العمق العربي بشكل عام؟
عمر أميرلاي: هلأ
إذا واحد قرأ الصورة من الخارج وقرأها بشكل ظاهري لا شك يعني تنتابه فرحة
عميقة يعني إنّو هاي الشعوب اللي مغيبة دائماً وهيّ عبارة عن أرقام وهيّ
عبارة عن كم بنظر حكّامهم وبنظر الأنظمة اللي شو اسمه.. عانوا تحتها،
فلمرّة هذا الكم حرّك نفسه ولم يحرّكه الحاكم، لعلها يعني سابقة..
أحمد الزين
: قد
تؤسس لشيء يعني؟
عمر أميرلاي: قد
تؤسس لشيء، بس أنا لا أبني عليها تفاؤلاً، لسبب بسيط إنّو بغياب آلية
ديمقراطية، عملية ديمقراطية بمراحل توصّل لنضج قائم على وعي على مواقف
سياسية واضحة إلخ.. أنا ترعبني الغرائز، وأنا اعتدت بسينمائي إنّو دائماً
أشتغل على الإنسان يلّي إلو اسم، يلّي إلو هوية، يلّي إلو حكاية شخصية، أما
لما بتصوّر جماهير ما بيعود فيه حكاية.
أحمد الزين
: عمر
أميرلاي دمشقي المنبت والهوى متعددٌ كما المصدر، وله جولات في التعبير عن
هذا الانتماء في أبعاده الإنسانية وقد أرّخ عبر الصورة والتوثيق والفيلم
التسجيلي شهادات إبداعية لا تحتمل التأويل أو التزوير، شقية مداعباته كما
يروي، ومشاكس لغاية كسر الجمود وزعزعة اليقين، عاشقٌ على طريقته وشفاعته
مقام ابن عربي العاشق الأكبر، نذر له مشاهد من حياة الناس والحقائق، وأوفى
بـ 20 فيلماً، عمر على بدايات الستينات من عمره غير مسرف إلا في انشغالاته
بحياة الناس وبشخصيات نادرة، كان أن التقيته على أواسط آذار من عام 2005
وكان المشهد العربي على مزيد من التداعي المأساوي والمشهد اللبناني في ذروة
سخطه على اغتيال قائد يحب عمر أن يسميه "أبو بهاء" هو الرئيس الشهيد رفيق
الحريري، وكان قد حقّق فيلماً عن حياته قبل سنوات قليلة من رحيله.
والدة عمر أميرلاي
: وصيتك
ماما إنّو يعني هيك إنسان بدّك تنتبه له، تنتبه كتير بتصويره وبحديثك معه
وإنسان طيب ومعروف بالعالم كله خاصةً نحنا عنا ببلدي أنا.
[مشاهد
من فيلم الرئيس رفيق الحريري]
[عمر
أميرلاي:دولة
الرئيس بيروت رح تكفيك؟
دولة الرئيس رفيق الحريري: ]هذا
السؤال ملغوم يا عمر؟ بيروت أنا بشوفها مدينة كبيرة وعظيمة وفعلاً بشعر
بالاعتزاز لأني بمثّلها.
أحمد الزين
: شو
هيّ الحوافز اللي خلتك تفكر تعمل فيلم عن رفيق الحريري؟
عمر أميرلاي: بصراحة
ما في حافز شخصي لأنو إجا هذا نتيجة سلسلة أفلام حول علاقة السلطة بالمال،
بعدة دول أنا يعني كوني اعتدت إني اشتغل على المنطقة دائماً لصالح
التلفزيون الفرنسي فأكيد الاسم البارز اللي كان بتجتمع عنده..
]
أحمد الزين
: هذه
الصفات..
عمر أميرلاي: هذه
الصفات إنّو رجل جاية من الأعمال وملياردير وإلخ.. وبنفس الوقت صار رئيس
وزراء وصاحب مشروع سياسي، فطبعاً بعتقد إذا يعني عملت أي عملية مسح سريعة
للعالم العربي لا شك إنّو "أبو بهاء" كان النموذج البارز اللي بتجتمع عنده
هالخصائص هاي.
أحمد الزين
: صحيح،
طيب أستاذ عمر يعني من خلال إنجازك لهذا العمل هذا من خلال مرحلة التصوير،
طبعاً هوّ يبدو كثير تواطأ معك حتى تطلع نتيجة كويسة، شو هيّ الشي الجوهري
اللي اكتشفته بهالشخصية شخصية رفيق الحريري؟
عمر أميرلاي: الشي
اللي هيك اكتشفته عنده للوهلة الأولى إنك مَنَّك مضطر إنك تطلع لعنده، ولا
هو ينزل لعندك..
أحمد الزين
: تلتقوا..
عمر أميرلاي: تلتقى
في مكان ما، فمباشرةً المخاوف اللي إنت بتكون جاية فيها لتقابل رجل سلطة
ومال وإلخ..
أحمد الزين
: بتزول..
عمر أميرلاي: بتزول
نهائياً بتختفي بتتبخّر ومباشرةً بتشوف يعني أنا شبهتها متل رايح على مكان
بتتوقع إنّو يطلع واحد لابس سموكينغ بتقوم بتلاقيه طالع بالبيجاما وحامل
بإيده بفنجان قهوة وعم يقول لك: صباح الخير، فمباشرةً انقلاب الصورة بين ما
هي موجودة في المخيّلة وكيف بتفاجئك بالواقع بتفقدك توازنك في لحظة ما.
أحمد الزين
: وأثّرت
يعني.. أثّر ذلك على يعني ازدياد تفكيرك بالسيناريو اللي حاطه على الورق
ربما لمعالجة الفيلم أو لتصوير الفيلم..
عمر أميرلاي: هو
أكثر منه سيناريو كان موقفاً وهذا الموقف ما تغير عندي يعني أنا يعني أنا
شخص جاي من اليسار ولذلك في عندي حذر من موضوع المال وأصحاب المال..
أحمد الزين
: وهذا
الحذر ظل قائم يعني بعد انتهاء الفيلم وبعد ما تعرفت عليه مظبوط؟
عمر أميرلاي: لأ
ما اختفى من ذهني من خلفية الدماغ عندي إلخ.. بس غلب عليه الحضور الإنساني
حضور هذا الشخص، هوّ على كل حال يعني كل مواجهة من هذا النوع بين المثقف
ورجل السلطة دائماً بتكون لمصلحة ما يمثل هذا الشخص من سلطة ومال.
[مشاهد
من فيلم الرئيس رفيق الحريري]
[دولة
الرئيس رفيق الحريري: أنا
بعتبر حالي بعيد عن المثقفين، بأي معنى يعني إنت عم تحكي ومفترض الآتي: إنك
إنت مثقف و..
عمر أميرلاي: وغيرك
غير مثقف..
دولة الرئيس رفيق الحريري: وغيرك
غير مثقف هذا مش صحيح، يعني كمان أنا يعني ما بحب قولها هي بس أنا كمان
ثقافتي ما بتشكي من شي أبداً..
عمر أميرلاي: لأ
هون مثقف كمهنة.
دولة الرئيس رفيق الحريري: معلش..
معلش وإلا بالأول أنا ما كان يمرق أسبوع بدون ما اقرأ كتاباً وكتابين
أحياناً، فاحتكارك للثقافة يا أستاذ عمر هذا الأمر أنا يعني بعترف فيك
كمثقف، بس ما بقبل تعترف فيّ إني أنا جاهل وإنت مثقف، أنا جاهل معي فلوس
وإنت مثقف على باب الله..
عمر أميرلاي: أنا
ما قلت هيك قلت من موقع العلاقة السلطوية..
دولة الرئيس رفيق الحريري: بعرف..
بعرف، هلأ، إنت عندك بعض التساؤلات شايفها بالمناقشة ما قدرت تضوّي عليها،
أنا مش قاصد، رغم ذلك ما صار شي لسّه الفيلم ما خلص فينا نضوّي عليها..]
عمر أميرلاي: كان
فعلاً من الشهامة بمكان إنّو لم يطلب لمرة واحدة أن يشاهد الفيلم..
أحمد الزين
: قبل
بثه يعني؟
عمر أميرلاي: قبل
بثه، وقبل انتهائه يعني هذا غالباً هو الشرط اللي بيضعوه الشخصيات العامة
اللي إلها يعني..
أحمد الزين
: هذا
يمكن نتيجة ثقته أو طيبته..
عمر أميرلاي: جداً
بعتقد ثقة لأنو صار في بيناتنا عقد..
أحمد الزين
: ود.
عمر أميرلاي: عقد
ود وعقد هيك أخلاقي وفروسي.
[مشاهد
من فيلم الرئيس رفيق الحريري]
عمر أميرلاي: كيف
شايف بيروت من هون دولة الرئيس؟
دولة الرئيس رفيق الحريري: يعني
هوّ الجمال فيها إنك تقدر تشوف البحر والجبل والبيوت بنفس الوقت.
عمر أميرلاي: والناس؟
دولة الرئيس رفيق الحريري: الناس
ما بتشوفهن من هون، هيدي الشغلة المؤسفة ما فيك تشوف الناس، وهذا خطأ يلّي
بيتطلّع من فوق دائماً للأمور بيبطّل يحسّ بالناس، منشان هيك بيسموه برج
عاجي مش هيك؟ ليه بيقولوا له: عاجي مش عالي؟ بده يكون حدا بالزمان برجه
عاجي.[يضحك]
عمر أميرلاي: لو
علمت أن قول الحقيقة كاملة في صراع لم تُشفَ منه الجروح والحساسيات بعد، هو
أبعد من أن يكون بديهياً ولو علمت أن التطرق لموضوع صراعنا مع إسرائيل
سيقودني إلى مزيد من اليأس من واقعٍ تتلاشى فيه فرص السلام يوماً بعد يوم،
لو علمت ذلك من قبل لكنت بالتأكيد جنّبت نفسي التورّط في هذا المشروع، ولكن
الآن وقد مضيت فيه فإني لا أجد له مدخلاً آخر يعبّر عن جوهر سياسة إسرائيل
سوى ما ارتكبه جيشها في القنيطرة عام 1974 حين قام بتدميرها عن بكرة أبيها
وذلك لدى انسحابه منها بعد احتلال دام 7 أعوام، ولكي لا تغيب السينما عن
هذا المشهد المروّع للصراع فقد نجا من بين هذا الدمار كله مبنى مدني واحد
على بعد أمتار فقط من الشريط الحدودي وهو صالة عرض سينمائية، هذه المفاجأة
طبعاً ما كانت لتمرّ دون أن تستحضر معها شريط التداعيات، وبالتالي ذكرى
التماس الأول بهذا الصراع وكيف سمعت للمرة الأولى بإسرائيل؟ المكان هو بيت
خالتي في حي من أحياء بيروت الفقيرة، والزمان يوم لاهب من أيام آب من عام
1950 يومها كنت في السادسة من عمري وإسرائيل لم تكن قد جاوزت بعد عامها
الثاني عن تلك الزيارة الأولى لبيت خالتي عدت اليوم أروي لها حكايتي،
وأستجوبها عن صحة ما سجّلته عن معاناتها في تلك الأيام.الجولان وطن محتل
بلا مشروع مقاومة
أحمد الزين
: لننتقل
من بيروت على القنيطرة، أيضاً القنيطرة أنجزت فيلماً من زمان عن القنيطرة
ومنطقة الجولان يعني أين أصبحت القنيطرة في الذاكرة في الوجدان وأيضاً في
السياسة؟ هذا سؤال وبالتالي بتقديرك ليش ما حدث في هذه المنطقة الجزء
الكبير المحتل من الوطن أو ما تكررت التجربة تجربة المقاومة في لبنان؟
عمر أميرلاي: أول
شي بعتقد فيه سبب مهم كتير هو قرب الجولان من دمشق ويعني هيّ دقائق ربما
أقل من ساعة بيصير الخطر دائم على دمشق وعلى الدولة، فبعتقد ربما اللعب
بالباحات الخارجية..
أحمد الزين
: أكثر
أماناً..
عمر أميرلاي: والمواجهة
والمقاومة أكثر أماناً وأقل خطراً على الكيان الدولي.
أحمد الزين
: آنذاك
أنت من كم سنة..؟
عمر أميرلاي: شي
مؤسف إنّو الناس بسوريا بيعرفوا مساحة شبعا بجوز صاروا يعرفوها حجرة حجرة
وبحصة بحصة أو إلخ وهيّ لا تتجاوز بستاناً صغيراً من الجولان يلّي هوّ ربما
مساحة الجولان قدّ مساحة الجنوب كاملاً، وهذا التغييب من ذاكرة الناس ومن
وعيها لا أعتقد إنه كان عفوياً..
أحمد الزين
: مقصود؟
بدّن يتخلّوا عن الجولان الجماعة؟ [يضحك]
عمر أميرلاي: لا
ما بالضرورة هي الجولان ليست ورقة مقاومة لأن اللعب فيها خطر.
[مشهد
من فيلم الجولان]
عائلتان تتبادلان التحيات بمكبرات الصوت على طرفي الأسلاك
الشائكة الحدودية، وسارة عسكرية إسرائيلية تقوم بدورية
عمر أميرلاي: على
ذكر أحوال البلاد أنا أعيش اليوم في بلد يؤلمني أن أقول عنه أنه يمضي إلى
خرابه بظلفه، بعدما خذله حكّامه، وهجره عقلاؤه ونأى عنه مفكروه ومثقفوه
وفنانوه، بلد يعيش منذ أكثر من نصف قرن في صراع مع إسرائيل، قضى النصف
الأول منه في اضطراب سياسي وهو يتساءل: متى ينتهي الصراع على الحكم كي يبدأ
الصراع مع إسرائيل؟ والنصف الثاني منه في استقرار سياسي وهو يتساءل: متى
ينتهي الصراع مع إسرائيل كي يتحقق الحكم الوطني العادل؟ وضعٌ أظن أنه قد
جنى عليّ وعلى الكثيرين من أمثالي عندما أملى علينا خيارات في الفن والحياة
ما كنا نتمناها يوماً لأنفسنا وأحد هذه الخيارات هو انحيازي منذ بداية عهدي
بالسينما إلى الفيلم التسجيلي الذي حوّلته مقاربة الناس ومحاكاة الواقع إلى
قناعة راسخة عندي بأن التعامل السينمائي المباشر مع الحياة بقصصها وأبطالها
الحقيقيين هو أغنى وأروع بكثير مما يسع على سبيل المثل تخيله أو إبداعه،
وإن كنت أحرص دائماً في أفلامي على إقامة حوار ذاتي وندّيٍّ مع الحياة
والناس لأُثيرَ من خلاله الأسئلة والشكوك وأؤرخ لأشخاص وأحداث وتحوّلات قد
يطويها النسيان أو ينكرها الزمن.
عمر أميرلاي: مسألة
أخرى تقلقني في عملي السينمائي وهي مسألة البحث عن الحقيقة التي برأيي من
أركانها الظن، وأنا أمارس هذا الظن كفضيلة لا كإثم كما يريده المسلّمون
بِمُنزَل الحقائق والكتب، فكل حقيقة بنظري مشتبه بها وملتبسة ونسبية ما لم
يُخضعها الوعي الإنساني والتاريخ لقانون محاسبة ما، ولعل في ذلك ما يفسّر
تماوج أفلامي بين التسجيلي والروائي، الذي أعزيه إلى نزعة متأصلة عندي
لمماحكة الشك ومداعبة الالتباس.
أحمد الزين
: في
الحلقة السابقة ذهبنا مع عمر أميرلاي إلى مدينة القنيطرة في الجولان، حيث
أعادنا إلى مشهد الفراق القسري بين أهل البلاد وروى لنا حكايةً من تلك
الحكايات، وعبر انتقالنا من مطرح إلى آخر، من صورةٍ إلى صورة تعرفنا على
بعض مواقفه وآرائه في قضايا السياسة والحياة وعلى كيفية معالجاته
السينمائية لهذه القضايا، والآن في هذه الحلقة نعود معه بدايةً إلى بيروت
ثمانينات القرن الماضي في يوم من أيام الحروب، كان عمر آنذاك ينجز فيلماً
عن تلك المآسي، المكان: كورنيش الروشة مدينة بيروت ولمن يذكر أنه تحوّل إلى
سوق شعبية ارتُجلت خلال الحرب، وخلال تصويره لفيلمه آنذاك "مصائب قوم" وقع
انفجاران هائلان غيّرا معالم المكان الذي تناثر ركاماً وحريقاً، بالطبع تلك
صدفة من الصدف المأساوية التي أضافها عمر إلى فيلمه، أما الشيء غير المتوقع
على الإطلاق ولن يخطر ببال فهو أن الشخصية المحورية في ذلك الفيلم تكشّفت
على حقيقتها بعد مرور سنوات وسنوات؛ فذلك الرجل الذي كان يعيش على نقيضَيْ
الحياة والموت تكشّف لعمر أنه كان عميلاً لإسرائيل، يبدو هناك من يستطيع
إخداع الكاميرا وإن كانت تنقل الحقيقة، فقناع "أبو علي" سائق التكسي
المزدوجة الوظيفة، تكسي لنقل الأحياء وإسعاف لنقل الأموات وأيضاً مزدوج
الدور وربما أكثر هو أيضاً كان يغسل الأموات وقناعه كثيف وشديد الخداع.
أحمد الزين
: شو
السؤال اللي هيك بيتبادر إلى ذهنك؟ السؤال هيك اللي طرحته على نفسك بس عرفت
هذا الشخص إنو هوّ كان عميلاً لـ..؟
عمر أميرلاي: أول
شي هذا دليل على إنه ما فيه حقيقة مطلقة سواء كنت مثقفاً أو كنت سينمائياً
أو كنت شو ما كان وخاصة نحنا اللي مندّعي.. - السينمائيين التسجيليين -
علاقتنا الوطيدة بالواقع، وعلاقتنا العضوية بالحياة وإلخ..، ولما أنت
بتتشاطر وبتظنّ إنك إنت مَسَكْت مرةً أخرى مجاز بتقدر تبني عليه فيلمك
باكتشافك لشخصية كانت عم تعبر من خلال الحياة اليومية في بيروت وبنفس الوقت
لما لفت نظري هذا الشخص اكتشفت وطبعاً أنا لما لفت نظري إنو كيف هذا
المجتمع اللي عايش على هذا الحدّ الفاصل بين الحياة والموت؟ كيف عم يقدر
يواصل حياته ويعيش هالحالة الفلسفية من الاستمرار؟ وبالتالي لما شفت هذا
الشخص مباشرةً كان ظهوره فاقعاً يعني وبالتالي لما تقرّبت منه..
أحمد الزين
: عرفت
شو بيشتغل..
عمر أميرلاي: وعرفت
شو بيشتغل تبيّن إلي إنو هوّ شخص مزدوج، في علاقته كمان مع ازدواجية الحياة
اللي هيّ الحياة والموت، ولم أكتشف في تلك اللحظة إنّو هذه الازدواجية اللي
أنا ظنّيت نفسي إني بذكائي يعني إني..
أحمد الزين
: عثرت
عليها؟
عمر أميرلاي: عثرت
عليها وسجّلتها كانت مو بس مزدوجة..
أحمد الزين
: مثلثة.
عمر أميرلاي: مثلثة
أو يعني متتالية الوجوه، وفعلاً هذا الشخص تبيّن فيما بعد إنّو من أهم
عملاء إسرائيل واللي عايش اليوم في كيبوتس.
أحمد الزين
: فظيع..
عمر أميرلاي: طبعاً
فهذا هوّ.. هيّ هلأ الأفخاخ اللي ممكن ينصب لك إياها الواقع حول موضوع
الحقيقة، ما فيه حقيقة مطلقة، وأنا..
أحمد الزين
: إنت
بتخاف من فخ يُنصب لإلك؟
عمر أميرلاي: يعني
برفض عيش بعُصاب وبرفض عيش بالـ.. صحيح إني أمارس الظن وأمارسه كفضيلة مو
كإثم يعني كما..
أحمد الزين
: إن
بعض الظن إثم.
عمر أميرلاي: تماماً
كما.. بس يعني برفض إنّو أمارس هذا الظن مع الإنسان، مستحيل.
أحمد الزين
: إنت
ولا مرة يعني وقعت في فخ مع حدا حدّ لك من جرأتك من طموحك من رغباتك يعني
كمثقف كسينمائي عم بحكي مش كفرد؟
عمر أميرلاي: ما
حدا إلا نفسي..
أحمد الزين
: أنت
بتراقب نفسك عادةً؟
عمر أميرلاي: طبعاً
وبكره نفسي لما..
أحمد الزين
: بتمارس
الرقابة عليها..
عمر أميرلاي: براقب
نفسي.
أحمد الزين
: طيب
هي الرقابة منين ورثتها إنت؟ من المجتمع؟ من الخوف المتراكم؟
عمر أميرلاي: هلأ
يعني لما بتشوف أفلامي بتقول..
أحمد الزين
: جريء
كتير..
عمر أميرلاي: إي
طبعاً بس لا يكفيني هذا الشيء.
عمر أميرلاي: إذن
سينمائي باختصار هي مجرد مداعبات شقية للحياة استدراجات لها إلى مطارح لا
ينفك الكائن البشري يدهشني فيها بغموضه وتعقّده، ألبوم من الصور
والانفعالات والشهادات التي تختزن مرارة يخفيها كبرياء وجرأة لا أساوِم
عليها قط، أما السخرية عندي فهي شكل من أشكال تعويم اليأس بالمكابرة،
بادعاء الترفع عن الجرح وإنكار الشعور بالعجز ورفض الاستسلام لألم الواقع
والتمرّد عليه، إنها بعبارة أخرى تعبير عن امتعاض شخصي من عبث الحياة
وظلمها ومن دور الإنسان في جعل هذه الحياة أكثر عبثاً وظلماً.[مقطع من
فيلم]أنور السادات: السيد رئيس الكنيست، أيها السادات والسادة، اسمحوا لي
أولاً أن أتوجه إلى السيد رئيس الكنيست بالشكر الخاص لإتاحته هذه الفرصة لي
لكي أتحدث إليكم، وحين أبدأ حديثي أقول: السلام عليكم ورحمة الله، والسلام
لنا جميعاً بإذن الله..سعد الله ونّوس: حين زار السادات إسرائيل لم أعرف
كيف أصف شعوري، كان فيه شيء من الذهول، جلست وكتبت أن الجنازة والمشيّعين
معاً، كان ذلك أعتقد آخر نص تلته فترة طويلة من الصمت، تناولت حبة منوّم
وحاولت أن أخرج من حالتي بالنوم، بعد ساعتين أو أقل استيقظت أشد توتراً
وضيقاً وكانت الظلمة شاملةً أمامي، في تلك الليلة أقدمت على محاولة
الانتحار الجدّي.
أحمد الزين
: سعد
الله ونّوس - الله يرحمه - الكاتب والمثقف العربي السوري تناولته أنت أيضاً
بفيلم عن حياته وخلال مرضه تحديداً لأنه عانى من مرض كتير صعب وتوفي، طبعاً
هوّ يمكن إنت بدأت الفيلم بجملة له عم يقولها خلال زيارة السادات إلى القدس
وكان يروي إنو أنا ما عشت بزماني مرارة أو ما شعر بمرارة بمقدار تلك
المرارة التي أحس بها خلال زيارة السادات للقدس وأنت بتعرفه منيح لسعد الله
وأنت تقريباً من هذا الجيل، هل أنت كنت تشعر بنفس المرارة خلال تصوير
الفيلم؟
عمر أميرلاي: خلال
تصوير الفيلم أكيد، لأني كنت عارف بقرب المصير يعني ولذلك..
أحمد الزين
: بقرب
المصير لسعد الله..
عمر أميرلاي: اللي
رح يعني يغيّب سعد الله، وكان شعوراً يعني فعلاً مقبض تماماً لكن من وقت ما
دارت الكاميرا.. فظيع سعد الله أنسانا هذا الغمّ وأنسانا أنه مريض لأنو كان
بحالة وجدانية هيك يعني متألّقة لدرجة إنك إنت كنت عم تخاطب شخصاً كأنه
ولدان جديد مو كأنه راحل..
أحمد الزين
: جميل..
بدي يعني.. وكأنك أردت إنت في هذا الفيلم نوع من المزاوجة أو التزاوج بين
مأساة عبد الله كشخص ذاهب إلى الموت يعني بمعرفته ومعرفة الآخرين أصدقاء
غير أصدقاء، وبين مأساة هوّ عم يحكي عنها يعني مأساة الأمة من وجهة نظره
هوّ..
عمر أميرلاي: سعد
الله له شخصية كتير خاصة يلّي هيّ شخصية المثقف العضوي بكل ما في هذه
الكلمة من معنى، ويعني ليست علاقة عضوية ذهنية مع الواقع لكن أيضاً جسدية
وفسيولوجية، وبدون طبعاً ما نركّب أساطير على الناس إنما كان إنساناً
كُلّياً خاصةً في موضوع علاقته بالسياسة، وهذا الشيء أعتقد هوّ الفخ اللي
كنا عم نحكي عنه قبل شوي فخ الإيمان بالحقائق المطلقة..
أحمد الزين
: وبالعقائد..
عمر أميرلاي: وبالعقائد
وبالأفكار يلّي هوّ أبداً ما بيشبه شخصيتي..
أحمد الزين
: بس
في ناس بيلاقوا فيها خلاص هيدي يعني مثلاً إنت بتلاقي فيها فخ مثلاً
الانتماء إلى عقيدة أو حزب أو أيديولوجيا، هل هؤلاء الناس هم مضلّلين يعني؟
عمر أميرلاي: لا
أبداً يعني أنا بحترم هؤلاء الأشخاص، بس طالما ما عم يصنعوا فنّاً فمسموح
لهم يكونوا كُليين، أما اللي بيفوت لمحراب الثقافة والفن..
أحمد الزين
: المفروض
ياخذ هامش أو ياخذ مسافة..
عمر أميرلاي: ما
بيمشي الحال لأن العملية الفنية هي عملية ظنية وليس..
أحمد الزين
: فيها
ريب..
عمر أميرلاي: وليس
فيها مسلمات..
أحمد الزين
: فيها
أسئلة كتير وأجوبتها قليلة.
عمر أميرلاي: طبعاً..
أحمد الزين
: ما
فيها أجوبة جاهزة على فكرة..
عمر أميرلاي: هيّ..
دور الثقافة والفن إنو كل ما فتحت باباً..
أحمد الزين
: ترى
باباً آخر موصداً..
عمر أميرلاي: بتلاقي
أمامك آلاف الأبواب..
أحمد الزين
: أي
باب وصلت هلأ إنت بفتح الأبواب؟
عمر أميرلاي: أنا
شخص مثل ما بيقولوا بنطّ من الطاقة.. من النافذة ما بحب فوت من الأبواب
وخاصة الأبواب المُشرَعة هيّ مباشرةً بتجنبها لأني أنا بطبيعتي الفنية لص،
لص بأي معنى إنو أُغافل الحقيقة..
أحمد الزين
: وتقولها..
عمر أميرلاي: وأقولها،
بتكون ما عم تعمل شي نهائياً إذا يعني جئت أو قاربت الناس من الزاوية اللي
هنّ عم ينظروا منها..
أحمد الزين
: إلى
أنفسهم..
عمر أميرلاي: إلى
الواقع أو إلى أنفسهم وإلى أي موضوع، شايف كيف؟
أحمد الزين
: جميل..
عمر أميرلاي: فأنا
شخص..
أحمد الزين
: بعجبك.
عمر أميرلاي: بعجبك.[يضحكان]
[مقطع
من فيلم]
طفلة من أطفال المدرسة (تدير مسألة الإنشاد): انتبه..
استعد.. صيحة: "قادتنا أهلاً بكم". واحد.. اثنين.الأطفال (يرددون): قادتنا
أهلاً بكم.. مرحب شرفتونا..مدير مدرسة في سوريا: هؤلاء الناشئة والأطفال
عندما ننادي بمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي تُغرس كالغرسة في الأرض
الطيبة تُغرس هذه المبادئ في هذا الطفل ويتعوّد الطفل على حب الوطن وحب
القومية العربية وينادي بالوحدة والحرية والاشتراكية وتعلّمه حب تراب هذا
الوطن كما قال الرفيق القائد المناضل رحمه الله: لن نفرّط بذرة تراب واحدة
من تراب هذا الوطن، هذه المبادئ تعلمنا على حب الوطن.
أحمد الزين
: شو
حكاية هذا الفيلم؟ ولماذا الطوفان يعني الآن من فترة أنت أنجزت هذا الفيلم
تناولت فيه مسألة كتير دقيقة؟
عمر أميرلاي: الطوفان
هوّ طوفان محلي سوري، أنا صوّرت سنة السبعين فيلماً قصيراً عن سد الفرات،
لما أتيح لي إني أكتشف وجود سد الفرات وإلخ فكان قررت مباشرةً إني أعمل
شهادة وهي عبارة أنشودة عن..
أحمد الزين
: سد
الفرات..
عمر أميرلاي: عن
تشييد هذا السد ولو كان حزب البعث هوّ اللي عامله - اللي أنا ما بتفق معه
نهائياً لا بأفكاره ولا بأيديولوجيته ولا بما صنعه في سوريا - فبعد ما رجعت
إلى سوريا بعد غياب تقريباً عشرين سنة قرّرت أعمل فيلماً عن سوريا، فعلاً
كنت يعني مرعوب كيف اليوم بقدر أعكس بفيلم ساعة ما جرى في سوريا خلال 25
سنة يعني من الـ 1977 لـ 2003، ولذلك وأنا بمرحلة الاستطلاع انهار سدّ
بسوريا اسمه سد زيزون تزامنت مع اكتشاف تقرير قدّمه أكاديمي سوري خبير
بالسدود للوزارات المختصة عم يحذر فيها..
أحمد الزين
: عن
احتمال انهيارات أخرى في الطوفان..
عمر أميرلاي: عن
احتمال انهيار كل السدود اللي شُيّدت بفترة البعث.. 36 سدّاً..
أحمد الزين
: هيدي
ربما..
عمر أميرلاي: كلها
إلها دلالات مجازية يعني وبالتالي من هذه الدلالة المجازية قرّرت أن أصنع
هذا الفيلم.[مقطع من الفيلم]مدير مدرسة في سوريا: نعم توجد مادة تربية
عسكرية ولكل صف من هؤلاء الصفوف حصتان تربية عسكرية في الأسبوع، الهدف من
توحيد اللباس هناك إزالة الفوارق بين التلاميذ، يعني ما بدنا طالب مثلاً
يكون هذا الطالب لابس لباساً جيداً من عائلة ثرية وهذا طالب لابس لباساً
متواضعاً بما نسميه من عائلة فقيرة، والغاية كذلك النظام، مثل الجيش أبداً
بالضبط نظام ضمن نظام داخلين مدارسنا ضمن نظام وهذا النظام استوحاه الرفيق
المناضل الخالد حافظ الأسد أثناء زيارته لكوريا الديمقراطية.
أحمد الزين
: طيب
نحنا حكينا شوي عن التجربة بس ما حكينا ليش إنت اخترت أن تكون سينمائياً
وتحديداً السينمائي ما بيتعاطى مع الدراما بصناعة الدراما بيتعاطى مع
السينما من ناحية التوثيق يعني مع الديكيومنتري والتسجيل لحوادث وشخصيات
أنت تراها يعني بعينك يعني ليش اخترت أن تكون سينمائياً ووثائقياً.
عمر أميرلاي: برجع
لموضوع اللي هوّ منطلق يعني علاقتي بالحياة وبالواقع وبالتالي بالحقيقة
اللي هو الالتباس اللي هو مشروعي إني خلخل عند الناس..
أحمد الزين
: بعض
اليقين؟
عمر أميرلاي: هذا
اليقين الأعمى وبالتالي وأفضل وسيلة لتخلخل هذه القناعات إنك تنطلق من
الواقع.
أحمد الزين
: طيب
إنت شو الدافع عندك أردت يعني تريد أن تزعزع هذا اليقين عند الناس يعني؟ أو
تطرق الأبواب الموصدة؟ أو يعني تتجرأ حيث ربما الآخر يفكر قبل أن يذهب إلى..
عمر أميرلاي: مجرد
رغبة في المشاكسة..
أحمد الزين
: إنو
هيدي رسالتك كمثقف!! رغبة في المشاكسة فقط!!
عمر أميرلاي: رغبة
في المشاكسة يلّي لها هدف يعني هي ليست مشاكسة مجانية من أجل المشاكسة.
أحمد الزين
: طيب
هاي المشاكسة خلتك تدفع ثمناً شي يوم؟ أو دفعت ثمنها شي يوم؟
عمر أميرلاي: لا
أبداً، بدفع ثمنها الحقيقي لما بفشل بالمشاكسة، لما بفشل بمسك يعني حقيقة
ما، وخاصة لما بفشل فنياً أنا برأيي هاي ذروة..
أحمد الزين
: العقاب.
عمر أميرلاي: العقاب،
فعلاً بقول لك فيه عقاب إلهي، أنا بقول فيه عقاب فني.
أحمد الزين
: تعاقب
نفسك يعني..
عمر أميرلاي: تعاقب
نفسك.. ويعاقبك الجمهور كمان.
أحمد الزين
: طيب
عمر يعني طبعاً أنت تتعامل مع الأمكنة والناس بكل شغلك، شو هوّ المكان يعني
يلّي بتحسّه فعلاً هوّ حميم بالنسبة لك، قريب منك، يعني بتحب تقعد فيه،
تلجأ له؟
عمر أميرلاي: العزلة.
أحمد الزين
: العزلة،
غريب مع إنو يعني إنت كثير إنسان تتعاطى مع الواقع بفجاجته حيناً، بظلمه
حيناً، بمآسيه حيناً، يعني ما بتختار الموضوعات هيك اللي بتعمل متعة هيك
فقط متعة يعني..
عمر أميرلاي: لأ
فرح..
أحمد الزين
: اختيارك
للموضوعات اللي ربما فيه فرح فني وإبداعي بس مؤلمة.
عمر أميرلاي: مؤلمة
صح.
أحمد الزين
: يعني
هيدي العزلة بتقديرك تخليك تشوف أكتر الواقع؟
عمر أميرلاي: المسافة
هيّ يلّي.. لما قلت العزلة أعني المسافة، المسافة يلّي هي مسافة مو لإنقاذ
الروح أو الذات، هيّ بالأحرى مسافة للابتعاد عن الألم عن هذا الانشغاف
بهموم الناس ومشاكلها وعذاباتها ومظالمها..
أحمد الزين
: نعم..
نعم..
عمر أميرلاي: فهي
استراحة محارب بصراحة..
عمر أميرلاي: بالنهاية
يجب أن أعترف أني لولا السينما لما كنت خضت في وحل واقعنا، ولما كنت عرفت
الإنسان وأحببته، ولما كنت اكتشفت تلك الحقيقة البديهية من أنني جزء من
الحياة وليس العكس، ولما كنت ربطت طبعي الأعتمي ونزقي قبل أن أعرف إلى
السينما سبيلاً، ولما كانت انكسرت عندي مرآة الذات وأنانيتها. وأخيراً لولا
السينما لما كنت تركت نفسي كل هذه السنين أنخدع بوهمها وبعجزها عن أن تغيّر
شيئاً فينا وفي الحياة من حولنا. |