مهرجان مراكش السينمائي في دورته الثامنة
سيغورني ويفر
تطلّ على ثلاثين ألفاً في القلب النابض للمدينة القرميدية.... المغرب بلد يبحث
عن
صالات في خمسينية سينماه التي تنظر الى بعيدٍ آتٍ
مراكش ـــ من هوفيك حبشيان
كانوا
نحواً من ثلاثين ألفاً مساء الأحد الفائت
لاستقبال سيغورني ويفر في ساحة جامع الفنا المراكشية. كباراً وصغاراً،
أطفالاً
ونساء، تابعوا تحت ضوء القمر، الأجزاء الثلاثة من
Alien،
التي عرضت على التوالي
امام حشد تعوّد، منذ بضعة أعوام خلت، المجيء الى هذا القلب النابض للمدينة
القرميدية، لمشاهدة شريط على شاشة ضخمة نُصبت بالقرب من باعة البهارات
والأعشاب
والفواكه المجففة ومخضبات الحناء ومروضي الأفاعي ومدربي القرود
والحكواتيين
والفلكيين والفكاهيين، حيث الحركة على مدى 24 ساعة، وحيث الليل والنهار
حليفان
متلازمان. لم تعد العروض التي تنظم في هذا المكان مجرد احتفالية سياحية
ومراعاة
لـ"كبت" الجمهور المحلي وتلبية رغبات مَن لا يملك منهم بطاقة
دخول الى قصر
المؤتمرات. طبعاً هي وجدت أيضاً لهذه الأسباب، لكن على مرّ الوقت، باتت
أكثر، اذ
تجذب منذ دورتين على الأقل، مشاهير لجعلهم يصطدمون بطبقات أخرى من
المشاهدين
يختلفون قليلاً عن المشاهدين التقليديين في الصالات المظلمة.
في العام
الماضي،
جاء مارتن سكورسيزي الى هنا، وبعد درس في السينما منحه لجمهور من المثقفين
والمهتمين وطلاب المعرفة، ذهب الى حيث اخذته غريزته، فشاهدناه يغنّي ويصفق
صحبة
"فرقة ناس الغيوان"، التي كانت مصدر إلهام بالنسبة اليه بحسب
تصريحاته، الى حدّ انه
ساهم في ترميم الفيلم الذي خصص لهذه الفرقة المخرج المغربي أحمد المعنوني
سمّاه
"الحال".
ولم يغب سكورسيزي عن هذه الدورة، وإن يكن غير حاضر، فأرسل الوثائقي،
"لمعان ضياء"، الذي انجزه عن فرقة الرولينغ ستونز، وعُرض عشية
افتتاح الدورة
الثامنة (14 - 22 الجاري)، وذلك على بضعة امتار من مكان شي اللحم وباعة
العصير
وعروض الفكاهة، علماً أن ساحة جامع الفنا كانت في الماضي البعيد مكاناً
لتنفيذ
أحكام الاعدام العلني في حق المجرمين. صدام ثقافات أو حوارها،
لا يهمّ، ما دامت
السينما هي هنا لتوقيف الزمن، أياً يكن هذا الزمن، ولتجميد عقارب الساعة،
ولجعل
الصمت في صفوف المشاهدين الكلمة الأقوى. هم المعتادون على صناعة الضجيج
بشتى
انواعه، ربما قد يكونون فوجئوا أيضاً مساء الأحد الفائت، بأن
صوت قلي السمك تبخر في
السماء الخريفية، وبأن الدخان المتصاعد على الدوام من أكشاك المأكولات
الشعبية صار
أكثر حشمة وخجلاً.
وبعدما
عُرض "مملكة السماء" لريدلي سكوت، الذي صوّرت منه
أجزاء في المغرب، سيكون هناك المزيد من المشاهير في جامع الفنا على مدار
الأيام
المقبلة: رئيس لجنة التحكيم باري لافينسون سيأتي لتقديم فيلمه
الشهير "رجل المطر"؛
والممثلة ميشال يو ستحضر هي الأخرى في اطار تكريمها، لتقدم تحفتها الأهم
"النمر
والتنين"، لآنغ لي. أما مساء الأحد، فكانت الساحة لسيغورني ويفر. ولدى
انتهائها من
تقديم ثلاثيتها التي مضت على انجاز الحلقة الاولى منها قرابة
ثلاثة عقود، وصلت الى
قصر المهرجان حيث بضعة الآف من "أنصارها" الفضوليين كانوا في انتظارها على
أحر من
الجمر خلف السواتر الأمنية والحواجز التي وضعت أمام الادراج
المؤدية الى داخل
الصالة المكتظة بالناس. ثم كان التكريم الذي خُصص لها والذي جاءت من أجله
أسبوعاً
كاملاً الى مراكش، وحظيت خلاله باهتمام اعلامي وشعبي ورسمي لم تعرف مثله في
حياتها.
ومن يد
رومان بولانسكي الذي سبق أن أدارها في "الفتاة والموت" قبل 14 عاماً،
تسلمت جائزتها الفخرية. ولم يتوانَ مخرج "تشاينا تاون" عن
مغازلة امرأة ساحرة، في
الستين من عمرها، وقفت على خشبة المسرح بقامتها الطويلة جداً، فبدا
بولانسكي الى
جانبها قزماً. فالتفت اليها قائلاً: "لم أرك منذ عام 1994
[تاريخ فيلمهما معاً]،
لكن التجاعيد لم تتكاثر على وجهك مثلما لم تكبر قامتي سنتيمتراً واحداً".
وبعد
تبادل كلمات الشكر والمجاملات الكلاسيكية، خاطبت ويفر الجمهور وحكت عن
أوباما
والأمل بالتغيير الذي انبعث في داخلها اثر انتخابه رئيساً
للولايات المتحدة
الأميركية. فكان تصفيق مؤيد من جانب المغاربة سدّ الآذان. التصفيق ذاته
تكرر في
محطات أخرى من كلامها. التصفيق هنا موقف وتعبير، أحياناً نفهم لماذا يأتي
وأحياناً
أخرى يبقى طيّ السر. وتحدثت ويفر أيضاً عن هيلاري كلينتون وكم
عززت المرشحة السابقة
دور المرأة في الحياة السياسية الأميركية...
نحو عشر
دقائق فصلت حفل التكريم عن
عرض فيلم من بطولة ويفر، خرج خلالها أكثر من 50 في المئة من الحاضرين. وكان
واضحاً،
في
غضون الفترة كلها التي سبقت دخول المشاركين في المهرجان الى الصالة، اهتمام
المغاربة بنجومهم. اذ كانت الهيصات والصفير والتصفيق تصل الى
مستوياتها الاعلى عند
وصول نجم مغربي الى القصر. هم نجوم محليون معظمهم ليسوا معروفين خارج
المغرب. لكنّ
هؤلاء هم الذين كانوا أسياد حفل التكريم. ومن النجمات غير
المغربيات، وحدها دخول
يسرا أحدث رد فعل كبيرا لدى الجمهور. كذلك ويفر، وكذلك بولانسكي، الذي بات
وجهاً
مألوفاً هنا، بعد ترؤسه لجنة التحكيم في دورة عام 2006. والمغاربة لا ينسون
الوجوه
بسرعة كما يبدو!
بيد أن
خيار عرض فيلم "الفتاة في المتنزه" لديفيد أوبرن لم يكن
خياراً موفقاً، بمعنى انه كان في الامكان الاستغناء عنه، لأن
الفيلم على رغم قصته
اللافتة والمؤثرة، ظل نصه مرتبكاً بين المنحى الميلودرامي والمقاربة
النفسية لعائلة
أميركية متوسطة الحال، من خلال عيني امرأة (ويفر) لا تجد نفسها ضمن
التركيبة
القائمة، ولا سيما بعد انتكاسة عائلية كبيرة. انها قصة جوليا
اذاً، التي، بعد مرور
خمسة عشر عاماً على اختفاء ابنتها في ظروف غامضة (كانت في الثالثة)، تلتقي
فتاة في
عمر يسمح لها بأن تكون ابنتها. وبعدما تتعرف اليها وتستمع الى
ماضيها غير الواضح،
شيء ما في داخلها يجبرها على الاعتقاد ان هذه الفتاة التي لا مكان تذهب
اليه، هي
ابنتها! مذاك، سيكون من نصيبها ونصيب المشاهد سلسلة مفارقات. اذ، ما إن
تتأكد من
نظريتها حتى يأتي ما يثبت النقيض، فيتيه الفيلم في تشويق سخيف
لا نهاية له، وحتى
المخرج لا يعرف كيف يختمه ومتى، فيختار النهاية المفتوحة والحل السيناريستي
السهل
حين يبلغ السيناريو جداراً مسدوداً، فيُقفل في وجهه إمكان الذهاب أبعد من
هذا.
خلافاً لأداء الممثلة النيويوركية في الكثير من الأفلام التي عرفت كيف
تستخدم
تقاسيم
وجهها الحادة وابتسامتها الرقيقة، يسلب "الفتاة في المتنزه" من ويفر كل
احتمال لفرض طاقات تمثيلية، فتظل تالياً أسيرة امرأة تعيش في الماضي، ولا
تنظر الى
المستقبل الذي يتقدم امامها بآمال مختلفة (رجل، نجاح مهني،
صداقة...)، الاّ من خلال
جرح عميق تسعى الى تضميده، لكنها تُجبَه بالرفض واللامبالاة والأكذوبة.
على رغم
ان الفيلم
لم يحمل أي مزايا جمالية وتقنية، فإن متابعته لم تكن مزعجة، لكن أقل
بكثير مما كانت متابعة الفيلم الفرنسي "من أجلها" (خارج المسابقة)، الذي
سمّرنا على
كراسينا
طوال ساعة ونصف الساعة. مع هذا الثريللر المشوق جداً، أوجد فريد كافاييه
حركة تصويرية دائمة وايقاعا لا يهبط الاّ في لحظات قليلة، أي القدر الذي
يحتاج اليه
الفيلم كي ينطلق مجدداً كما في لعبة كرة قدم. أيضاً وأيضاً
انها قصة عائلة متوسطة
الحال؛ هناك الزوج والزوجة والملاك الصغير الذي زيّن وجودهما منذ ولادته.
لكن ذات
صباح مثل باقي الصباحات العادية، وفيما تستعد الزوجة (ديان
كروغر) للذهاب الى
انشغالاتها، تقتحم الشرطة المنزل وتلقي القبض عليها متهمة اياها بجريمة لم
ترتكبها.
في
لقطة استعادية، نكتشف أن ليزا (هذا اسمها) بريئة وما حصل لها هي "حقيقة"
شوهدت
من زاوية أخرى، تحجب الحقيقة الأصلية. نتيجة التهمة، يُحكم
عليها بالسجن لمدة 20
عاماً، وبعد محاولات متكررة لا تجدي نفعاً من جانب المحامية للطعن في قرار
المحمكة
عبر جلسات استئناف، لا يجد الزوج (فانسان لاندون، رائع في
ادائه المتحجر) المحبط
والشجاع حلاً سوى تحضير عملية تهريبها من السجن، بعد استشارة أحد الخبراء.
ومن أجل
حبه لزوجته (هؤلاء الرجال موجودون أيضا!)، هو مستعد لكل شيء، الممكن وغير
الممكن...
الفيلم
برمته عن الاستعداد لعملية الفرار التي يخطط لها الزوج بأعصاب
مشدودة، ومن دون ان يخبر حتى أقرب المقربين اليه بهذا السرّ.
يدرس أصغر التفصيلات
من
الألف الى الياء، ويعاين المراحل كافة: نقل الزوجة من السجن الى المستشفى
بعد أن
يكون قد زوّر تحليل المختبر الخاص بها، ثم عملية تزوير
الجوازات، والخروج من نقطة
مراقبة الأوراق الثبوتية في مطار لياج البلجيكي. الوتيرة لا تنقطع عنها
الحماسة ولو
لدقيقة واحدة، ولا سيما في مشاهد الفرار التي تقطع الأنفاس من شدة تقارب
المسافة
بين الشرطة والهاربين الثلاثة. مصوَّر على الطريقة الأميركية
من دون توفير في
الامكانات، لا يأبه النصّ بما هو سليم سياسياً وما هو غير سليم، فيضع
الشخصيات أمام
مبادراتهم الفردية لتأخذ العدالة حقها بيديها الاثنتين، في منحى يقوم عليه
جزء كبير
من السينما الأميركية. طبعاً، هناك بعض الثوابت التي لا بدّ
منها: العربي المهاجر
مزوّر جوازات السفر واللص، والشرطي المستبد الذي لا يقل عن المهاجر سفالة.
فكيف
للمُشاهد أن يتعاطف، حتى في ظلّ انعدام البدائل، مع سلطة كهذه ومع قوانين
مبرمة في
حقه، وان كانت القارة التي نحن نتحدث عنها هي أوروبا، والمدينة
مدينة ولدت فيها
شرعة حقوق الانسان. لكن هذا كله لا يعني أن الفيلم فوضوي في نظرته الى
النظام
الأوروبي، وأن المخرج لا يتجاوز كونه مراهقاً مشاغباً.
###
المشهد
بات
مألوفاً.
مخرج مخضرم يجلس امام حفنة من السينيفيليين وطلاب المعاهد ليعطيهم من باعه
الطويل في مجال التصوير وادارة الممثل وكتابة النص واختيار الموسيقى واماكن
عملية
التقاط المشاهد. لكن المحاضرة لا شأن لها بإحدى مدارس السينما،
انما ضمن نشاطات
مهرجان، واطلقت عليها تسمية "درس في السينما". كان "مهرجان كانّ" سباقاً في
تكريس
هذه العادة، واليوم كثر يقلّدونه، وأحياناً بنتائج تفوق نتائج
كانّ، مثلما كانت
الحال العام الفائت مع "درس السينما" الخاص بمارتن سكورسيزي الذي كان من
تنشيط
ميشال سيمان. وكان الناقد الفرنسي الكبير سبق له ان حاور
سكورسيزي في كانّ، لكن
الأخير زاد كرماً في مراكش، بحسب سيمان. في دورة هذه السنة من مهرجان
مراكش، فإن
المخرج الانكليزي هيو هادسون هو الذي تسلم مهمات اعطاء هذا الدرس.
في مهرجان
قائم قبل
أي شيء آخر على التنوع والتوزيع الملائم غير المجحف بين الفنّ والاستعراض
والبهرجة، أخذت احتفالية خمسينية السينما المغربية المكانة الوجدانية الأهم
في
الدورة الحالية. وكانت بدايات هذه السينما مع "الابن العاق"
(1958) لمحمد عصفور.
علماً ان بعضهم يعارض اعتباره أول فيلم مغربي، ويقول إن افلاماً كثيرة
صوِّرت قبل
هذا التاريخ، ولو أُخذت في الحسبان، لكانت السينما المغربية تحتفل هذه
السنة
بتسعينيتها. قبل انجازه هذا الفيلم، كان عصفور (1926 - 2005)
بائعاً متجولاً للصحف
في
صباه. عندما صار في الرابعة عشرة من عمره ابتاع كاميرا قياس 9 ملم، وراح
يصوّر،
شاغلاً في الحين نفسه منصب كاتب السيناريو والمنتج والممثل وعامل الاضاءة
والمخرج.
منذ البداية، اختار غابة سيدي عبد الرحمن ليصور فيها، على الأقل ثلاثة
أفلام، أعطى
فيها نفسه دور البطولة. وعُرف عصفور بميله الى تدبير أموره بذاته، وهذا ما
جعله
يبتكر أول المؤثرات الخاصة في السينما المغربية.
أياً يكن،
فإن المشوار الصعب
للسينما المغربية بدأ منذ نصف قرن. وظلت هذه السينما يتيمة وأسيرة
اللامبالاة طوال
35
عاماً.
لكن الأشياء تغيرت في مطلع التسعينات من القرن الماضي، ويعتبر مخرج فيلم
"حجاب
الحبّ" عزيز سلمي، الذي عُرض في المهرجان في اطار التحية، ان "بحثاً عن زوج
زوجتي"
لمحمد عبد الرحمن الطازي كان منعطفاً في تاريخ السينما المغربية. منذ تلك
الفترة، وتحديداً منذ منتصف التسعينات، تشهد هذه السينما تطوراً لا مثيل له
مقارنة
بالسينمات العربية الأخرى، وبلغ عدد الأفلام المغربية الروائية
الطويلة المنجزة
الـ200. في السنة التي شهدت ولادة السينما المغربية، كان الملك حسن الثاني
(انذاك
ولي العهد)، قد دعا مستثمري الصالات في المغرب الى عقد اجتماع. في السنة
عينها،
عيّن أحمد بلهاشمي رئيساً للمركز السينمائي المغربي الذي كان
تأسس عام 1944، لخدمة
الصورة الاستعمارية في المغرب. ولا شك أن "الابن العاق" مهّد الطريق لكثر
من
السينمائيين الذين شجعتهم خطوة الرائد عصفور الجريئة لمواصلة
"النضال". في
السبعينات، عصف تيار السينما المستقلة بالمغرب، وجاء على متنه حميد بناني
وفيلمه
"ياشما"
الذي يعتبره كثيرون مانيفست السينما المغربية الحديثة. بيد أن بداية
التقليعة الانتاجية الحقيقية كانت مع تأسيس صندوق الدعم الوطني
الذي كان خلف انتاج
نحو من اربعة أفلام سنوياً في نهاية الثمانينات، وصولاً الى 15 فيلماً
روائياً
طويلاً في السنوات الأخيرة، بالاضافة الى 50 فيلماً قصيراً. مع العلم أن
الموازنة
الحكومية المخصصة للأفلام تضاعفت لتصبح 60 مليون درهم (ستة
ملايين أورو).
هذا
كله جعل السينما المغربية تجسد الأمل الباقي في القارة السمراء
على صعيد الصورة. مع
ذلك يبدو الاهتمام الشعبي ضئيلاً ("ماروك" لليلى مراكشي لم يحقق الاّ 130
ألف
مشاهد، على رغم الجدال الذي أحدثه)، قياساً بعدد السكان وبعدد
الأفلام المنتجة.
المشكلة،
عدا انها متصلة بالقدرة الشرائية، كامنة أيضاً في أن المغرب يفتقر الى
الصالات التجارية، وصولاً الى أن ثمة مدنا تنعدم فيها الصالات كلياً.
مبادرات كثيرة
يقوم بها المركز السينمائي المغربي لتشجيع الناس على الذهاب
الى السينما، منها
المهرجانات التي تُعقد دورياً. في الواقع، ثمة دراسات اثبتت ان 60 في المئة
من
المغاربة لا تطأ أقدامهم الصالات المظلمة، وهذا ما جعل جزءا كبيرا منها
يقفل من دون
ان يلتفت أحدهم الى مصيرها. مع هذا وبحسب مدير المركز
السينمائي المغربي نور الدين
الصايل، يحصى في المملكة اليوم نحو من 90 شاشة، وهو رقم بائس، قياساً بعدد
السكان،
علماً ان بيروت وحدها تحتوي على عدد مماثل من الشاشات، في حين ان عدد
سكانها لا
يتجاوز خمسة في المئة من عدد سكان المغرب. ويؤكد الصايل، الذي
يشغل ايضاً منصب نائب
رئيس مهرجان مراكش، أن الهدف الذي وضعه المغرب نصب أعينه، من الآن حتى خمس
سنوات،
هو
ايصال عدد الشاشات الى 250. ولعل التجارب الحديثة لمجمع "ميغاراما" في
الدار
البيضاء الذي بلغت ايراداته 700 ألف مشاهد من أصل أربعة ملايين
بطاقة بيعت في عام
2006،
تؤكد ان ثمة فراغا لن يتأخر القطاع الخاص عن سدّه، بالتعاون مع السلطات.
ومن أهم
السينمائيين الذين برزوا في السينما المغربية منذ مطلع سنوات الألفين،
محمد العسلي الذي أنجز "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق".
ومن هواجس العسلي
التحدث عن المدن العربية، يقول: "للبورجوازية العربية مسؤولية كبيرة في
انشاء
المواطن وتعليمه، ولكنها يا للأسف، بورجوازية جاهلة وظالمة. نرى جيداً وجود
البورجوازية والبيروقراطية في التطور الاجتماعي، المواطن متروك
الى مصيره المجهول
والطبقة الميسورة لا تفكر إلا في القوة الاقتصادية والسياسية. في مدننا
يسيطر الخوف
والنظام القمعي لا يُشعرنا بالأمان. لا أستطيع التجول بحرية في الدار
البيضاء، فهي
أشبه بمحطة للأوروبيين والأميركيين. لا أعتقد أن المواطن
العربي يعيش في مدن، بل في
منامات، والعمود الفقري للمدينة العربية ليس الإنتاج والراحة. انها ليست
مدناً
حقيقية. مدينة كالقاهرة وكازابلانكا توجعني حالاتهما، واذا خيّرت بين
بورجوازية
عربية بلا وعي ولا مسؤولية وطنية، وبين الأوروبيين أو
المستعمرين، أقول ان للآخرين
حساً وطنياً أكثر من هذه البورجوازية التي جاءت نتيجة الاستعمار. ما يهمني
على هذه
الأرض هو الإنسان، ولا أريد ان أفكر في العيش لحظة واحدة وأنا أرى هذا
الإنسان
ذليلاً ومحطماً على أيدي حمقى هم أناس أيضاً".
###
يشهد
المهرجان هذه
السنة تعزيزاً للأمن داخل أروقة قصر المؤتمرات والفندق الذي يؤوي الضيوف.
حتى بطاقة
الدعوة تخضع لمراقبة الكترونية خشية أن تزوَّر، كما لو كانت نقوداً ورقية!
رجال
الأمن ببزاتهم السوداء هم أسياد هذه الدورة. يحتلون كل
الفضاءات الخاوية والممكنة.
هناك احساس لدى البعض بأنه مشتبه فيه حتى اثبات العكس، وان المكان عليه أن
يستحقه
قبل الدخول اليه. هذا الشيء ولّد بعض التململ في صفوف الصحافيين. فالدخول
الى
السينما، يجب ألاّ يكون كالدخول الى السفارة الأميركية.
والمهرجان ينبغي له أن يحرص
على حرية تحرك ضيوفه من دون أن يشعر الآتي من بعيد ان كل خطوة له يجب أن
تكون
محسوبة بالسنتيمترات المكعبة. هذا المهرجان، في بلد منفتح كهذا على أشياء
وتناقضات
ليس من السهل استيعابها وفهمها، من شأنه أن يلقن درساً للبلدان
التي لا تنعم
بالحرية الموجودة هنا، وأن يكون مثالاً في رحابة الصدر، ولا سيما انه من
هذا الخليط
الفرنكومغربي العجيب الذي، إن شئنا أو أبينا، يعطي مهرجان مراكش هوية خاصة،
هوية
أخرى. مديرون مخضرمون في مهرجانات دولية أخرى قد لا يقولون
العكس: هذه أمكنة ليست
فقط للوهب ولكنها أيضاً للتلقي.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb )
النهار اللبنانية في 20
نوفمبر 2008
|