إنطلاقة
مهرجان «أفلام من الإمارات»:
بين وعود المواهب الخليجية وواقع المنطقة العربية
محمد رضا
منذ بدايته سنة ٢٠٠٢، ومهرجان »أفلام من الإمارات« أشبه بشاشة واحدة كبيرة جداً
على صفحتها تُعرض مجموعات كبيرة من الأفلام في شتى الميادين والإهتمامات
والأساليب. إنه ليس للسينما القصيرة وحدها ولا للسينما الطويلة وحدها. لا يفضّل بين السينما التسجيلية او السينما الروائية،
وهو غير معني بما يود السينمائي طرحه. شرطه الوحيد هو أن يكون الفيلم على
حد أدنى من الجودة بحيث يستأهل دخول إحدى مسابقاته. وإن لم يكن على حد عال
من الأهمية والجودة فعلى الأقل على مستوى كافٍ للعرض خارج المسابقات.
هذا المجال الواسع هو حرّية كبيرة للسينمائيين.
أمر يتيح لهم الشعور بأنهم مشاركون في اللعبة التي يمارسونها وصولاً الى
المشاركة في تفعيل أدوارهم في المهرجان ذاته. لكن هناك شيء آخر يعكس حرّية
السينمائيين في الإمارات ومنطقة الخليج بأسرها، وهو أن القوالب المفتوحة
والأساليب المتحررة والقواعد غير المحدّدة تمنح السينمائي
الشاب حرية الإختيار رغم أنها حريّة قد يستطيع لجمها وتوجيهها او يسقط تحت
ثقلها. لكن وجودها هو أفضل، بالنتيجة، من عدمه.
الحرية التي يتم الحديث عنها هنا هي
حرية إختيار الشكل السينمائي للموضوع. طبعاً، حرية إختيار الموضوع هي
الحرية المسبقة لإختيار الشكل، لكن في حسبان هذا الناقد أن الحديث عن حرية
إختيار الموضوع هو تحصيل بدهي حاصل. تريد تصوير فيلم ما،
فإن أول ما تفكّر به هو الموضوع.
لكن لبنة العمل لا تختمر وبل لا تنطلق الا مع البحث عما سيكون
الفيلم عليه.
عن لغة الفيلم ومفرداته وأسلوب تنفيذ فكرته. والسؤال ما إذا كان الفيلم سيُنجز على أساس أنه فيلم روائي
او فيلم تسجيلي او بين الإثنين او إذا ما كان سيتم تحقيقه كفيلم تجريبي او فيلم كرتوني ليس سوى المدخل لمعضلة أكبر وأهم:
لقد أختار المخرج موضوعه.
كيف سيختار طريقته.
# من كان
يعلم؟ #
لكن قبل هذا الولوج الى المنطقة الصعبة،
وقد أصبح لدى هذا الناقد بضعة نماذج مُشاهدة من هذه الدورة لكي يتحدّث عنها بعد قليل،
فإن كل هذه الحريات التي يتمتع بها السينمائي ما كانت أن تكون لولا عوامل
الدعم الرسمية من المسؤولين في الحكومة (متمثّلة بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع)
وهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (ممثلة بمدير الهيئة العام محمد خلف
المزروعي)
وبذلك المحارب العنيد (والشرس مسعود أمر الله،
المشرف العام للمهرجان ومدير مسابقته.
الأسس كانت وُضعت قبل خمس سنوات وخلال هذا التاريخ شهد
المسؤولون كما السينمائيون كما النقاد والإعلاميون كيف أن فتح المجال أمام
المواهب الشابّة قليلاً
سينتج عنه إرتفاعاً متزايداً في الإقبال عاماً بعد. من أقل من مئة فيلم الى
أكثر من مئة، الى أكثر من مئتي فيلم الى أكثر من
300
فيلم حصيلة الإشتراكات الهابطة فوق سماء الدورة لعرضها في كافّة الفروع.
من كان يعلم حين بدأت الدورة الأولى أن الثانية ستكون أكبر
والثالثة أكبر وأكبر والدورة السادسة ستكون أكبر الدورات؟
الزميلة ريما المسمار تسألني
في مقابلة تلفزيونية إذا ما كانت هذه فورة. أقول لها لو كانت فورة لما
استمرّت، بل هي اليوم أكبر من مجرد ظاهرة. إنها حقيقة خلقتها الحاجة
والرغبة في إستغلال مناسبة تم تأسيسها: تريدون تحقيق الأفلام.... هذه هي
فرصتكم. لا داعي بعد اليوم للشكوى من عدم وجود فرص.
يلفت هذا الى حقيقة أن الأسباب التي
جابهت هواة السينما من قبل إيجاد المهرجان وتركتهم باردين حيال الإقدام على
شيء هي أنه- وببساطة- لم يكن هناك أي فرصة لكي يتم عرض هذه الأفلام. لم تكن
هناك المناسبة التي سيتوجّه فيها المخرج والمنتج والكاتب والممثل والمصوّر
والموسيقى، كل بإبداعاته، اليها لعرض نتاجهم، وبالتالي لم تكن هناك
المسابقة التي تحفّزهم مرة بعد مرّة.
أما وقد وقعت هذه المناسبة وتم إيجاد تلك الفرصة،
فإن الكبت السينمائي تلاشى... او قل أنفجر مئات الأفلام التي توجّهت الى
الدورات السابقة او الى هذه الدورة.
# سينما
وسينمائيين #
الأفلام، إذاً كثيرة ومتوفّرة خصوصاً
وأن التصوير بالدجيتال له شروطاً تقنية وتنفيذية وإنتاجية أخف ثقلاً بكثير
من التصوير السينمائي. لكن ما هو المفقود؟
وراء كل فيلم مجموعة من العاملين.
هذا واقع. لكن هل هناك مجموعة من السينمائيين؟
للإفصاح عن المقصود فإن المسألة التي
يجب النظر إليها ليس إذا ما كان يمكن القول بأن هناك سينما خليجية (او
إماراتية إذا شئنا الحديث عن دولة الإمارات وحدها) او هي مجرّد أفلام (على
كثرتها)، بل إذا ما كان هناك سينمائيين.
الجواب السريع هو بالطبع هناك سينمائيين والا من هم الذين
كتبوا وأخرجوا وصوّروا ووضعوا الموسيقى وأنتجوا ومثّلوا
(في حالات الفيلم الروائي) إذا لم يكونوا -بكل ضرورة- سينمائيين؟
حرفا الهمزة والياء في
»سينمائي« تعنيان الإنتماء والتجسيد. ولكي يكون هناك إنتماء وتجسيد
متفاعلان وممتزجان، فلا بد من الخبرة والخبرة تأتي من عدة موارد صنع
الأفلام واحد منها، التجارب المتعددة واحد منها، لكن البحث في السينما وعن
السينما والإنصهار بتجارب الآخرين الكبار ومشاهدة كل ما لمع وبرق من أفلام
على الشاشة هو الطريق الأهم.
»بينهم«
لمحمد راشد بو علي ربما الأوفر من بين ما شاهدناه الى الآن لناحية توفير
الدلائل على كيف أن مجرد صنع الفيلم لا يُحيل صانعيه الى سينمائيين
تلقائيين وكيف أن الطريق صعبة وتتطلّب مواظبة والكثير من الجهد.
»بينهم«
(القادم من البحرين والمشترك في مسابقة الفيلم الخليجي) هو، في الخلاصة،
فيلم رعب روائي مصنوع على شاكلة الفيلم الشهير »مشروع ويتش بلير« الذي كان
خرج قبل نحو ثماني سنوات وشهد إقبالاً كبيراً. في ذلك الفيلم الأميركي
المصنوع بخمس دولارات ونصف، فريق من الطلبة الذين يريدون تحقيق فيلم تسجيلي
يتسللون الى غابة يُقال أن غموضاً يلفّها. غابة لم يخرج منها أحد دخلها الى
الآن. الكاميرا التي بصحبة الفريق تتحوّل الى الكاميرا التي ننفذ منها نحن
المشاهدين الى ما
يحدث مع الفريق، وذلك في معظم الأحيان.
»بينهم«
لديه كل تلك العناصر المكوّنة لفيلم مشابه:
هناك فريق تصوير وهناك مكان مسحور يسكنه الجن وشخصيات خائفة وليل طويل وتصوير بالأبيض والأسود.
لكن كل ما من شأنه الاستفادة من هذه العناصر هو دون مستوى الإجادة: التمثيل
واستخدام الموسيقى والتصوير والشؤون المتعاقبة الأخرى. الجهد مبذول في كل تلك الأصعدة لكن أيضاً
المزج غير المجدي بين ما هو فنّي وما هو إستعارات تقنية. تلك الموسيقى
الصادحة مسرفة بلا هوادة.
المشهد الذي تم تأطير لقطته بشيء من الضبابية وتصوير الرجل فيها على نحو
ظللي متأرجح، لا يعني شيئاً في الفن. ثم وقبل كل ذلك وبعده، فإن الثقة -ثقة
المخرج بعمله- لم تُمنح الوقت الكافي لكي تختمر فيستدل الى الأسلوب الأفضل
للتعبير والطريقة الأنجح لاستخدام كافّة العناصر والمفردات.
ما ينجح به المخرج محمد راشد بوعلي،
هو تكوين الحالة البصرية. إختياراته من المواقع ومن مفردات اللقطة. هذا
يُحسب له.
ناصر اليعقوبي الذي شارك بكل دورة من دورات المهرجان السابقة
(بإستثناء واحدة) ينتقل الى الفيلم الروائي عبر »المتسلل«. ما يلفت هنا
حقيقة أن هناك حالة إنسانية تشغل بال هذا المخرج متبلورة في قصّة شاب
(بقميص وسروال- إذاً هو مختلف من الأساس) هارب من شيء ما، يهيم في الصحراء
حتى وصوله الى بيت منعزل يختبيء في بعض نواحيه. الى البيت يصل رجل وإبنه
ويكتشف الإبن مكان المتسلل ويبدأ بفهمه والتعاطف معه وإطعامه. لولا أن الأخ
اليعقوبي لديه أيضاً الإعتقاد بأن التأثير في إطار الصورة/ اللقطة الواحدة،
هو أفضل من التأثير في إطار المفهوم العام للفيلم بأسره، لكان حصل على
نتيجة أفضل بكثير.
# أفلام من
السعودية #
»طفلة
السماء« لعلي حسن محمد الأمير هو واحد من نحو عشرة أفلام سعودية.
العدد بحد ذاته إنجازاً مهمّاً دون أن يعني ذلك حكماً على النوعية.وفي
حين أنه حين
يتم الدخول في
عملية التقيمم يصبح لزاماً تذكّر أن الأفلام هي
الأولى
بالنسبة للمملكة وهي الأولى بالنسبة لصانعيها.
ولابد أن نجول، في موضوع لاحق، في هذه المرحلة الأولى من ميلاد السينما في
السعودية التي بدأت في العام الماضي بأربعة أفلام فيلمين قصيرين وآخرين
طويلين.
بالعودة الى »طفلة السماء«، هذا فيلم مصنوع بقدر عال من النيات
الجادة والطيّبة.
للأسف الإختيارات التعبيرية هي التي لا تمكّن العمل بأسره من الوصول الى
المصاف الذي يستحقّه. أولاً هو فيلم مع الأنثى (الطفلة والزوجة رغم غياب الثانية) ضد سلطة الرجل القمعية،
وثانياً هو فيلم ضد العنف الممارس عليها. أكثر من ذلك يذهب الى حد القول
»نعيش في زمن الردّة، لقد إنهار مجتمعنا للأسف الشديد«. ويضيف الفيلم
لاحقاً، وبصوت بطلته الطفلة أيضاً: »أنا ضحية مجتمع« فتجيبها صديقتها »لأنك
في مجتمع لا يريدك أن تتحرري«.
يُرصد أن الفتاة التي
في الفيلم تمثّل وتنطق اللغة الفصحى (التي يتكوّن التعليق منها) بإجادة لا
نجدها عند كثيرين من الراشدين الذين يستعينون بالفصحى تعبيراً
عما يريدون قوله. ويحسب للفيلم صرخته ضد إساءة معاملة المرأة وجرأته في طرح القضية التي يتعامل معها.
وفيلم آخر من السعودية شوهد في
اليوم الثاني من االمهرجان هو »عودة الماضي«، فيلم رسوم متحركة للمخرجة
الشابّة فرح إبراهيم عارف التي استمدت من عملها مقدّمة لبرامج أطفال في
التلفزيون السعودي إهتمامها لتنفيذ فيلم كرتوني يناسب تلك السن ويقدّم قصّة
تحاول أن تكون ترفيهية. لكن شريط الصوت المسطّح والخالي
من استخدام جيد للمؤثرات، يجعل من الصعب التمتع بالعمل، بصرف النظر عن أي
مشاكل أخرى.
|