في حواره مع
السينمائيين بمهرجان الإسكندرية:
وزير الثقافة يدعو لإنشاء لجنة قومية لإنقاذ السينما
المصرية
أيمن الحكيم
* فاروق حسني: الدولة مستعدة لتقديم الدعم للسينما الجادة علي الطريقة
الفرنسية
* ورقة العمل التي تستقر عليها اللجنة مستعد لرفعها إلي الرئيس مبارك
.. وأثق أنه سيذلل كل الصعوبات
* محمود حميدة يقترح مشروع قانون خاص بالسينما ..ومحمود ياسين يقدم قائمة
بالمخرجين الجادين المستحقين للدعم
في هذه المرة لم تكن الأزمة مجرد ندوة وأوراق وحوار وجدل واتهامات تلقي هنا
وهناك، بل كانت أزمة السينما شاخصة يطل شبحها برأسه أمام منظمي الدورة
العشرين لمهرجان الإسكندرية السينمائي، إذ اضناهم البحث عن فيلم مصري يمثل
مصر في المسابقة الرسمية وداخوا «السبع دوخات» عن عمل لائق، وكاد الأمر
ينتهي بفضيحة في حق السينما المصرية كلها التي فشلت بكل تاريخها وعراقتها
في أن تخلق فيلما يمثلها في مهرجان سينمائي دولي يقام علي أرضها ووسط
جمهورها .. فالأفلام المتاحة كلها ساذجة مسطحة بلا عمق ولا مضمون، وتنحو
نحو التجارية ومشاهدها عبارة عن افيهات مجمعة خالية من الفن، وقد تليق
بالعرض لجمهور المولات الباحث عن ضحكات عابرة وتسلية طارئة لكنها لا تليق
أبدا بدخول المسابقة الرسمية والمناقشة علي جوائزها.
وحتي الأفلام اللائقة اعتذر أصحابها أو قل تهربوا طمعا في تمثيل مصر في
مهرجان القاهرة السينمائي، ودرءا للفضيحة لم تجد اللجنة المنظمة أمامها سوي
«خريف أدم» فيلم القليوبي الذي اعتمد خلال العامين الأخيرين علي أنه فيلم
المهرجانات، وبقي جاهزا في كل وقت ليطوف العالم لتمثيل مصر في المحافل
السينمائية وليلعب دور «المنقذ» باقتدار لا يحسد عليه.
وبشجاعة ممزوجة بالغضب اعترف الناقد الكبير رؤوف توفيق بهذا المأزق، وبرحلة
الأهوال التي كان عليه أن يخوضها لاختيار فيلم مصري وسط عشرات مما يسميه
بأفلام شهري يولية وأغسطس، وهي الأفلام الكوميدية التي تنتج خصيصا للعرض في
موسم الصيف بمواصفات تجارية غير فنية، وتخاطب جمهورا من المراهقين الخارجين
من موسم تعليمي طويل، ويتلهف عمن يزيل عنه آثار العدوان .. ولو بأفيه
سينمائي «بايخ».
ولم يكن جديداً ما ذكره رؤوف توفيق عن الأفلام الثلاثة التي وجدت اللجنة
العليا للمهرجانات نفسها مضطرة للاستعانة بها في تمثيل مصر بالمهرجانات
الدولية علي اعتبار أنها تحوي «سينما» وليس افيهات.
في أجواء متوترة كهذه عقدت يوم الخميس الماضي الندوة المفتوحة مع وزير
الثقافة الفنان فاروق حسني في إطار فعاليات مهرجان الإسكندرية، وكان طبيعيا
أن تلقي الأزمة بظلالها علي الحوار.
وامتلأت القاعة عن أخرها بعشرات من السينمائيين والمهمومين بشئون السينما
المصرية وأحوالها المتردية ليطالبوا الوزير بالتدخل لإنقاذ ما يمكن انقاذه
كان هناك محمود ياسين ومحمود حميدة وفايز غالي وماجدة موريس وعبد الحي أديب
وفاروق صبري ورمسيس مرزوق وغيرهم كثير من نجوم السينما وكتابها ومخرجيها.
فتح الوزير صدره لسماع شكاوي السينمائيين ومخاوفهم وهو ما تولي ممدوح
الليثي شرحه في بداية الحوار وإشارته إلي الأحوال المتردية التي وصل إليها
مستوي الأفلام السينمائية في الفترة الأخيرة، بعد أن رفعت الدولة يدها عن
تلك الصناعة العريقة وسحبت الإشراف عليها من وزارة الثقافة، وحولتها إلي
قطاع الأعمال وهو الأمر الذي وصفه الليثي بأنه «كارثة» لأن السينما المصرية
تحولت بعدها إلي «ابن لقيط» توزعت جهات الإشراف عليه بعد أن كان «الابن
المدلل» لوزارة الثقافة .. ومع ذلك لم يفقد السينمائيون الأمل في أن تمد
لهم الوزارة يد العون لإخراج السينما من كبوتها.
وتميز الحوار الذي جمع الوزير بالسينمائيين بمصارحة كاملة، ومكاشفة تامة لم
يخف فيه الوزير غضبه مما يردده بعض السينمائيين من اتهام له شخصيا بأنه لا
يحب السينما، وبأن وزارته هي التي تركتها حتي غرقت .. وقال فاروق حسني
بوضوح «للأسف فيه نقاد كبار وسينمائيون لهم تاريخهم يرددون مغالطات صارخة
عن جهل .. منهم من قال صراحة أنني أكره السينما .. هذا كلام سخيف .. لعلمكم
أنا بحب السينما أكثر منهم وأفهم في تحليلها ونقد أفلامها أكثر منهم .. أنا
أعشق السينما كإبداع ورؤية واستمتع بالفرجة عليها».
وقال فاروق حسني إن حبه للسينما ليس مجرد كلام بل تحول إلي أفعال وقرارات
فلا يستطيع أحد أن يتجاهل مساهمات الوزارة في إنشاء بنية تحتية قوية لصناعة
السينما ... استديوهات ومعامل ودور عرض « شفت مرة فيلم في سينما ميامي
وحزنت من رداءة الصورة .. شوية موف .. وشوية رصاصي .. قلت علشان يبقي عندنا
سينما حقيقية يبقي لازم نعمل بنية تحتية .. فلا شك أن أداء الممثل وإبداع
المخرج ومستوي الفنيين سيرتفع عندما تكون عندنا دور عرض محترمة واستديوهات
مجهزة وتقنيات متطورة.
أعاد الوزير التذكير بأن وزارة الثقافة هي التي دعمت اقامه دور العرض
الجديدة ووقفت وراء قوانين الجمارك التي تخدم صناعة السينما، ودعمت اقامة
المهرجانات السينمائية بل إنه رفض فكرة أن تؤمم الوزارة مهرجان الإسكندرية
السينمائي عندما ثارت حوله العواصف في دوراته الأخيرة، فإنه لا يشعر بسعادة
إذا أضيف إلي قائمة مهرجانات الوزارة مهرجان جديد بل فضل أن يقف وراء
المهرجان حتي يتجاوز أزمته، ولن يتواني عن تقديم الدعم لكل حدث ثقافي جاد.
وقدم الوزير رؤية متكاملة لأزمة السينما المصرية من وجهة نظره: فترة ازدهار
السينما ارتبطت بظروف مواتية .. كان فيه سوق توزيع متسع .. ولم يكن سوق
الأفلام الأمريكية بتلك الشراسة .. أسعار الخامات معقولة .. لم تكن قد ظهرت
بعد وسائل الإبهار المنافسة التي خطفت الجمهور من قاعات العرض مثل الدش
والـ
C.D .
في تلك الأثناء كان أغلب أبناء العالم العربي يتلقون تعليمهم في القاهرة
ويتأثرون بثقافتها وينشرونها في بلادهم ، فكان ذلك عاملا مساعدا قويا في
انتشار السينما المصرية عربيا.
كل هذه الظروف اختلفت .. حدث غزو شرس للسينما الأمريكية .. العالم العربي
أصبح يرسل ابناءه لتلقي تعليمه في أوروبا فيعودون محملين بثقافة غربية
مختلفة الصناعة نفسها أصبحت مكلفة جدا .. في ظل تلك الظروف المعاكسة كان
لابد أن تتراجع صناعة السينما المصرية.. إنها في أزمة ولا شك وحتي لو كانت
تابعة لوزارة الثقافة حتي الآن لطالتها الأزمة فلابد أن الروتين وشغل
الموظفين كان سيعرقل تطورها وخروجها من كبوتها وقدرتها علي المنافسة.
ويضيف فاروق حسني: «السينمائيون أنفسهم كانوا جزءا من تلك الأزمة وأحملهم
جزءآ لا بأس به من المسئولية .. فمنذ سنوات وهم يفضلون اللعب في المضمون..
اتجهوا إلي إنتاج أفلام تجارية خالية من الإبداع .. ليست هي الأفلام التي
يمكن أن اتشجع وأدعمها كوزارة وأساهم في إنتاجها كما تفعل الحكومة الفرنسية
مع السينما الجادة».
لجنة انقاذ
إذن اتفق السينمائيون مع وزير الثقافة علي وجود أزمة حقيقية تواجه السينما
المصرية، وأنه لابد من تدخل عاجل فلم تعد تكفي الندوات ولا الكلمات البراقة
.. والأمنيات الطيبة .
وفي هذه المرة جاء فاروق حسني ومعه الحل .. فالخبر الجديد السعيد الذي زفة
إلي السينمائيين هو دعوته إلي تشكيل لجنة انقاذ تتشكل من السينمائيين
أنفسهم يتحدد من خلال اجتماعاتها ورقة عمل تشمل ما يطلبونه من الدولة
لإنقاذ صناعتهم وسوف تحتشد وزارة الثقافة وراءها ليأخذ السينمائيون حقهم من
الدولة .. واقترح الوزير أن تعقد اللجنة اجتماعا مع لجنة الثقافة والإعلام
بمجلس الشعب لتحصل علي مؤازرتها.
أكد الوزير أن الدولة مستعدة لدعم السينما ومن الممكن توفير مبلغ في حدود
عشرين مليون جنيه توجه لدعم السينما الجادة علي أن تحدد اللجنة من يستحق
الدعم فعلا.
فاروق حسني أعلن أنه مستعد لأن يرسل ورقة العمل التي تستقر عليها لجنة
الإنقاذ إلي الرئيس مبارك، وقال إنه متأكد أن الرئيس لن يقصر أبدا في
مساعدة السينما لأنه يعرف قيمتها ودورها وتأثيرها .. بشرط أن تكون مطالب
الإصلاح واضحة ومحددة وموضوعية.
وتدخل الفنان القدير محمود ياسين في الحوار معلنا ترحيبه بهذا الاقتراح
وتأييده لصيغة التعاون بين الدولة والقطاع الخاص لإصلاح أحوال السينما
المتردية، وقال إن ما يطرحه الوزير هو حل عملي جاد لأن دعم الدولة يجب أن
يتوجه إلي السينما المحترمة التي تقدم إبداعا حقيقيا ولا تجد من يساندها،
في ظل هروب جهات الإنتاج منها وتكالبهم علي الأفلام الضاحكة مضمونة الربح
والجمهور.
وبحماس زائد قال محمود ياسين إنه مستعد لأن يذكر علي مسئوليته الشخصية
قائمة بأسماء عشرة مخرجين أكد أنهم شديدو الإبداع والموهبة ويقدمون سينما
شديدة الرقي، ومستواهم لا يقل بأي حال من الأحوال عن كبار مخرجي هوليود -
عاصمة السينما العالمية - ومن هؤلاء ذكر محمود ياسين أسماء يسري نصر الله
وأسامة فوزي وعاطف حتاتة وخالد يوسف وداود عبد السيد وشريف عرفة.
هؤلاء يجب أن تتولاهم الدولة حسب رأيه برعايتها وتساعدهم في إنتاج أفلامهم
الجادة التي تعد الجانب المضييء الباقي في السينما المصرية.
أما الفنان محمود حميدة فقال في مداخلته: إنه من واقع خبرة 15 عاما قضاها
ممثلا ومنتجا يري أن أحد أهم مهام اللجنة هي تبني وضع قانون تنظيمي لصناعة
السينما، ينظم العلاقة بين اطرافها بدلا من تلك الفوضي الحادثة ..
فالقوانين الموجودة غير كافية لحل النزاعات التي تنشأ .. ولابد من المسارعة
ببلورة قانون شامل للسينما وعرضه علي البرلمان.
في حين اقترح رؤوف توفيق أن تساهم الوزارة بعشرة ملايين جنيه لإنتاج ثلاثة
أفلام كبيرة وجادة من خلال المركز القومي للسينما باعتباره أحد المؤسسات
السينمائية القليلة التي مازالت تتبع الوزارة.
ورد الوزير بأن الوزارة ليست جهة إنتاج سينمائي ولا يصح أن تكون كذلك لأن
الروتين الحكومي وشغل الموظفين قد يعرقل عجلة الإنتاج ولكن الأهم من كل ذلك
أن توجه الدولة من خلال الوزارة دعمها لمستحقي الدعم الحقيقيين وهذه مهمة
اللجنة القومية المزمع انشاؤها.
أعلن الوزير كذلك أنه سيعتبر شهر أكتوبر فرصة للسينمائيين لتقديم
اقتراحاتهم وتوصياتهم للاستفادة منها عندما تبدأ اللجنة عملها.
ومن الواضح أن وزير الثقافة ألقي الكرة هذه المرة في ملعب السينمائيين علهم
يكفون عن الشكوي وكيل الاتهامات ويوجهون كل جهدهم لإنقاذ سمعة السينما
المصرية.
والسؤال الذي يتردد بعد قرارات وزير الثقافة في حواره مع السينمائيين في
مهرجان الإسكندرية: هل آن أوان الحل؟!
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
|
هذه المرة نجح
بتقدير مقبول
مهرجان الإسكندرية يتخلص من أخطائه
التاريخية
الإسكندرية/ بشير حسن
ينتظر العاملون في الساحة السينمائية
والراصدون لحركتها شهر سبتمبر من كل عام لمشاهدة مسرحية هزلية اسمها مهرجان
الإسكندرية السينمائي الدولي, ويستعد أبطال المسرحية قبل رفع الستار بشهر
علي
الأقل لمواجهة المهرجان بأدوار ضعيفة مهترئة, وعلي المسرح
تتداخل الأدوار وتفشل
المسرحية, فيلقي كل ممثل بالمسئولية علي زميله, هذا العام انتظر الجميع
المسرحية حتي يضحكوا علي ما آلت إليه المهرجانات المصرية, لكن جاءت
المفاجأة,
حيث فوجيء السينمائيون والنقاد بمسرح مختلف وأحداث جديدة
وممثلين جدد وآخرين
استبعدوا, ورغم جدية العرض والتصفيق له, إلا أن بعض المفردات غابت عن
أبطاله,
فكانت ثغرة للمتربصين بالمهرجان نفذوا منها إلي فعالياته, وحاولوا
التشويش عليها
إلا أن الرغبة في إنجاح المهرجان كانت مانعا قويا حال دون
إخفاق الدورة العشرين
لمهرجان الإسكندرية السينمائي ذي الطابع الخاص في المكان والزمان والضيوف
والدول
المشاركة.
عشوائية المهرجان تبدأ كل عام بعمليات تسكين ضيوفه سواء من النقاد
أو الفنانين والصحفيين, لكن نظاما غير معهود في الدورات
السابقة أوحي للجميع بأن
الدورة العشرين ستكون مختلفة, حيث عهدت جمعية كتاب ونقاد السينما بمهمة
تسكين
الضيوف إلي صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة, فتحول موظفو
الصندوق
إلي شعلة نشاط وضبطوا عملية التسكين لكن بعض المستفيدين من المهرجان,
والذين
ينتظرونه كل عام لاصطحاب ذويهم, اخترقوا نظام التسكين
المحكم, وفرضوا ذويهم علي
المهرجان, ثم يأتي حفل الافتتاح منظما وغير مترهل مثلما يحدث كل عام,
حيث قدم
المخرج خالد جلال استعراضا بعنوان الكنز مدته ست دقائق وبذلك ابتعد عن
الملل وانتزع
تصفيق الجمهور, لكن طعم الاستعراض الحلو والثناء علي تنظيم حركة المكرمين
وأعضاء
لجنة التحكيم علي المسرح, زال مع عرض فيلم الافتتاح مكان
للروح لمخرج الإيطالي
ريكاردو ميلاني, حيث عرض الفيلم بمصاحبة ترجمة فرنسية, وكانت المفاجأة
أن إدارة
المهرجان لم تشاهد النسخة التي عرضت في حفل الافتتاح, ولأن الفيلم لم
يترجم إلي
الإنجليزية أو العربية, انصرف عنه الجمهور, ولم يشاهده سوي عدد محدود
من الذين
يجيدون اللغة الفرنسية, وبذلك ضاع علي الجمهور متعة الاستمتاع بالفيلم
والتعرف
علي لغة سينمائية جديدة منوط بالمهرجان تقديمها للمتخصصين والجمهور, وإذا
كانت
هذه الواقعة الغريبة تشكل أولي سلبيات الدورة العشرين, فإن
أولي إيجابياته أطلت
أيضا من حفل الافتتاح, حيث تغيب دور ممدوح الليثي, رئيس جمعية كتاب
ونقاد
السينما الذي لعبه في الدورات السابقة ومن خلاله فتح كثيرون نيران أقلامهم
علي
المهرجان, ويبدو أن إدارة الجمعية أدركت أن الدور الذي يلعبه
الليثي هو بوابة
الهجوم علي المهرجان, فنحته جانبا ووظفته بذكاء في مهمات أخري لم يستطع
غيره
القيام بها, صعد ممدوح الليثي علي المسرح في حفل الافتتاح مكتفيا بالوقوف
بجوار
فاروق حسني, وزير الثقافة وعبدالسلام المحجوب, محافظ
الإسكندرية ليصافح
المكرمين وأعضاء لجنة التحكيم دون أن يلقي كلمته الطويلة التي يستغلها في
الثناء
علي وزير الإعلام, ودعم التليفزيون للمهرجان, وكانت الكلمة الوحيدة في
حفل
الافتتاح للناقد رؤوف توفيق, رئيس المهرجان, أما الدور
الذي أسند لممدوح الليثي
والذي لم يستطع غيره القيام به, فهو دعوة الفنانين لحضور المهرجان
والتوسط لدي
محافظ الإسكندرية لتذليل كل العقبات, أما المهمة الأولي, فكان نجاح
الليثي فيها
محدودا, حيث اقتصر حضور الفنانين علي ثمانية فقط منهم اثنان
مكرمان, حتي فيلم
الافتتاح لم يحرص أحدهم علي مشاهدته وتراصوا أمام الكاميرات لإلتقاط الصور
التذكارية.
ويتساوي مهرجان الإسكندرية مع باقي المهرجانات المصرية في أزمة
البحث عن فيلم يمثل مصر في المسابقة الرسمية, وتضطر إدارة
المهرجان لقبول فيلم
خريف آدم الذي شارك من قبل في مهرجان القاهرة السينمائي وفاز بجوائز,
ولأن هذه
الأزمة مستمرة, خصص المهرجان ندوة لبحثها, وكالعادة خرجت الندوة عن
عنوانها
الرئيسي البحث عن فيلم مصري لتتحول إلي تنظير وتداخل في الآراء
عن حضور ضعيف تحدث
فيها, وكعادته تحدث ممدوح الليثي عن جهاز السينما الذي يرأسه والإنجازات
التي
حققها وفيلم الكرنك الذي أنتجه وتكلف90 ألف جنيه, وأفلام الشباب التي
انحدرت
بالذوق العام والهجوم غير المبرر علي جهاز السينما.
ورغم أن إدارة المهرجان
كانت قد حصلت علي وعد من مدير الندوة باستضافة العديد من النقاد والمنتجين
والفنانين, ورغم أن الوعد لم يتحقق, إلا أن الناقد رؤوف
توفيق دخل في جوهر
الندوة وطلب من السينمائيين مساندة جمعية كتاب ونقاد السينما في تقديم ورقة
عمل بها
تشخيص لحالة السينما المصرية لتقديمها لفاروق حسني, وزير الثقافة الذي
طلب ذلك في
لقائه السنوي مع النقاد والسينمائيين, وإذا انتقلنا إلي لقاء الوزير هذا
العام
سنجده مثل لقاءاته السابقة, لكن السينمائيين أبوا إلا أن
يورطوا الوزير في التدخل
لإنقاذ السينما والمشاركة في العملية الإنتاجية, ورغم أن الوزير كان
جاهزا لكل
انتقاد يوجه إليه, إلا أنه اقترح تشكيل لجنة تضم خبراء مشهودا لهم
بالكفاءة لوضع
روشتة لعلاج السينما المصرية ووعد بتنفيذ أي مشروع تقترحه
اللجنة حتي لو وصل به
الأمر لتقديم مطالب اللجنة إلي الرئيس حسني مبارك, وتلك مهمة أنجزها
المهرجان هذا
العام, ويبدو أن السينمائيين لمسوا الجدية في وعد الوزير وبدأوا الترتيب
لعمل
اللجنة.
وإذا كانت وزارة الثقافة قدمت الدعم الأكبر لمهرجان هذا العام, فإن
الدعم الذي عرضته وزارة الإعلام, لم يستفد منه أحدا, لأن
المائتي ألف جنيه قيمة
الدعم, تقدم للأفلام المصرية المشاركة في البانوراما, ولأن البانوراما
ألغيت
هذا العام لإحجام المنتجين عن المشاركة فيها, عاد الدعم إلي وزارة
الإعلام,
ويتمثل هذا الدعم في إعلانات يعرضها التليفزيون لأحسن الأفلام
المصرية.
وإذا انتقلنا إلي الأفلام المشاركة
في المهرجان, فلم نجد العشوائية التي اعتادها الجمهور في الدورات
السابقة, فكل
فيلم عرض في الوقت المحدد له وأثرت الآراء الكثيرة في الندوات التي أعقبت
عرض هذه
الأفلام, حتي شاشات العرض ارتقت إلي مستوي الحدث, فلا ملاءة سرير تحولت
إلي
شاشة ولا أصوات خارجية أفسدت متعة المشاهدة, وعندما نذهب
لقراءة أسماء المكرمين
هذا العام, نجد أن المهرجان وفق في اختيار الكاتب والمخرج الفرنسي ألان
روب
جرييه, الذي أحدث ثورة أدبية في فرنسا برواياته الأربع, وخلق موجة
جديدة في
السينما المصرية بأفلامه العشرة, وجرييه يعشق النساء, لذلك
تزوج من تركية لأن
تركيا تمثل لرجال فرنسا البلد الخيالي والطبيعة الساحرة والنساء اللائي
تتزين
بالخجل فتحرك مشاعر الجنس لدي الرجال, ويبدو ولع جرييه بالشرق ومقدسات
الإسلام
واضحا في فيلمه الخالدة الذي عرضه المهرجان في إطار تكريم,
حيث المساجد والآذان
والمصلين دون التطاول علي الإسلام ولكن بفهم واع لطقوس الصلاة, ولم يمنع
ولع
جرييه بالشرق من تصريحه بأنه لا يعرف من العرب سوي نجيب محفوظ ويوسف
شاهين, أما
الأول فلم يستطع جرييه تذوق أدبه, لأنه يؤمن بأن الترجمة
تفسد روح الرواية وتظهر
فيها شخصية المترجم أكثر من شخصية المؤلف, ويدعو الأديب والمخرج الفرنسي
من
يرغبون في الاقتراب من أدبه أن يقرأوه باللغة الفرنسية لأن الترجمة تفرغه
من بعض
محتواه, ويؤكد جرييه أن أدب نجيب محفوظ يتذوقه العرب لأنه
مكتوب بلغتهم, وأشار
إلي أن الأدب العربي لا يصل إلي أوروبا بالشكل الذي يتمناه, أما علاقته
بالمخرج
يوسف شاهين, فقال جرييه عنها أنها قوية لأنه شاهد أغلب أفلامه والتقاه في
المهرجان, كما أن اهتمام يوسف شاهين بفرنسا جعله معروفا لدي
الفرنسيين, ويستمر
توفيق المهرجان في اختيار مكرميه, حيث اختار فايزة عبدالجواد أشهر
كومبارس في
السينما المصرية, والتي اشتهرت بالضرب بالروسية, وهي لفتة طيبة من
المهرجان لأن
فئة الكومبارس تتجاهلها كل المهرجانات, وقد لفتت فايزة أنظار ضيوف
المهرجان ومنهم
ألان روب جرييه الذي أمعن النظر فيها خاصة عندما أطلقت زغرودة
علي المسرح, وقبل
أن تبرح فايزة عبدالجواد لابد من الإشارة إلي أن زوجة الناقد رؤوف توفيق
رئيس
المهرجان اشترت لفايزة فستانا ترتديه أثناء التكريم, لكنها فوجئت باعتراض
رؤوف
الذي أصر علي أن تظهر فايزة بالشكل الذي اعتاده الجمهور أن
يراها به, وإذا ذهبنا
إلي بعض الشخصيات التي أثرت في المهرجان سواء بالسلب أو بالإيجاب تجد وجوها
كثيرة
تغيبت عن مهرجان هذا العام وأغلبها من منظمي فعالياته, فلم يسمع أحد مسمي
أمين
عام المهرجان أو مدير المهرجان, وذهبت المسئولية إلي الناقد
مجدي الطيب وهو
الجوكر الذي انتقل من فعالية إلي أخري وكان جريئا في اتخاذ القرار الذي
يعرضه أولا
علي رؤوف توفيق, ومن خلال الطيب, ظهرت علامات الرضا علي الحضور من
المصريين
والعرب والأجانب, فقد حرص علي الالتزام بما تم توزيعه قبل
بدء المهرجان من جداول
لعروض الأفلام والندوات, كما أنه حفظ ماء وجه المهرجان عندما طرح فكرة
مشاركة
فيلم خريف آدم في المسابقة, ومن الذين غابوا عن دورة هذا العام شلة ممدوح
الليثي
التي تشغل عددا كبيرا من الغرف المخصصة للضيوف, أما الوجوه التي حرصت علي
الحضور
فلم يسبق لها المشاركة في أنشطة المهرجان من قبل وتشمل أعضاء
لجنة التحكيم وعددا من
السينمائيين العرب والأجانب, حيث حرصت إدارة المهرجان علي استبدال
الشخصيات التي
دأبت علي حضور الدورات السابقة بأخري, لم تحضر من قبل وبذلك ضاعت فرصة
الزيارات
المتبادلة علي الذين استفادوا من المهرجان, حيث يرسلون دعوات
المشاركة علي شخصيات
بعينها مقابل دعوة هذه الشخصيات لهم للمشاركة في مهرجانات عربية
وأجنبية*
علي هامش المهرجان
* قال فاروق حسني وزير
الثقافة, أنا لا أكره السينما وأنا تحت أمرها,السينما
المصرية يتربص بها عدو
اسمه السينما الأمريكية
* قال ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما.. إيرادات
فيلم يوم الكرامة مخجلة, و فيلم هنيدي سرق الجمهور من فيلم يوسف شاهين.
وأضاف
أن فيلم معالي الوزير حقق مليونا و500 ألف جنيه أرباحا, أما فيلم هندي
فغطي
تكاليفه.
* المخرج محمد كامل القليوبي: لست أراجوزا حتي أضحك الناس وتفتح
دور العرض أبوابها لأفلامي
و كثرة دور العرض وراء نكسة السينما المصرية, و بعض
المنتجين لا يريدون أفلاما كثيرة حتي يستولوا علي دور العرض,
وأضاف أن الدراسة
الوحيدة التي أجريت علي السينما المصرية مضي عليها نصف قرن.
* قال الفنان
محمود حميدة: صناعة السينما تحتاج إلي قانون ينظمها, و
انتجت جنة الشياطين ولست
نادما علي خسارتي.
* رمسيس مرزوق, مدير التصوير: فرنسا استثنت الثقافة
من اتفاقية الجات حتي تستفيد من فرض ضرائب علي الفيلم الأمريكي.
* الفنان
محمود ياسين: لابد من توجيه جهود وزارتي الثقافة والإعلام
لإنقاذ
السينما.
|
أحمد الخضري
يكتب:
مهرجان الإسكندرية من ليالي «كمال الملاخ».. إلي «زنار
النار»
* خروج الدورة العشرين بهذا المستوي رغم كل العقبات والظروف المعاكسة
يعد نجاحاً يستحق التهنئة
بعد انتهاء هذا المهرجان الذي امتد أسبوعاً من الأربعاء 8 إلي الثلاثاء 14
سبتمبر 2004، يمكننا أن نتحدث عنه من واقع ما تم خلاله فعلاً وما تم تحقيقه
من مكاسب وما يمكن أن نقترحه لكي يخطو هذا المهرجان الذي نحبه خطوة أخري
إلي الأمام في أعوامه المقبلة إن شاء الله، حيث إنني شخصياً أحد المهتمين
به والمسئولين عن إعداده وتنفيذه منذ دورته الأولي حتي دورة عام 1996، حين
كنت رئيساً له وقتئذ، ولسبع دورات سابقة علي ذلك.
* البداية
بدأت الفكرة علي يدي الفنان والناقد الكبير الراحل كمال الملاخ، مؤسس
الجمعية المصرية لكتّاب ونقاد السينما، والذي ندين له جميعاً بفضل إنشاء
وتنظيم جميع مهرجانات السينما في مصر. جاءت البداية عندما فكر كمال الملاخ
في تنظيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عندما خطط له ونفذه من خلال
الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما وبتعاون أعضاء الجمعية فجاءت دورته
الأولي في عام 1976. ثم خطط لإقامة نشاط مماثل في مدينة الإسكندرية فنفذ ما
أسماه وقتئذ «ليالي السينما المصرية» في عام 1979، وكان نشاطه مقتصراً علي
عرض الأفلام المصرية، كما هو واضح من عنوانه، وليضم نشاطه في الإسكندرية
إلي نشاط المهرجان السينمائي الدولي في القاهرة، تنفيذاً لهدف الجمعية في
نشر الثقافة السينمائية.
ثم توقفت «ليالي السينما المصرية» في عام 1980، حيث انتقل كمال الملاخ
بالفكرة ليحولها إلي مهرجان سينمائي دولي تقتصر مسابقته علي أفلام دول
البحر الأبيض المتوسط، إلي جانب عرض باقي أفلام العالم المتاحة خارج
المسابقة في أقسام المهرجان الأخري، وتم هذا لأول مرة في عام 1981.
وإذا كانت الدورة الأولي لمهرجان الإسكندرية السينمائي قد تمت في عام 1981
والدورة العشرون قد تمت في عام 2004، فيعني هذا أن المهرجان قد توقف أربع
سنوات. فعلاً توقف المهرجان أعوام 1985 و1986 و1987، لصدور قرار من وزير
الثقافة وقتئذ الأستاذ/ عبدالحميد رضوان بأن إقامة المهرجانات السينمائية
من حق الوزارة فقط وليس الجمعيات. ولكن الوزارة لم تتول تنفيذ مهرجان
الإسكندرية خلال هذه السنوات الثلاث، بل اكتفت بتنفيذ مهرجان القاهرة. وفي
عام 1988، بعد وفاة كمال الملاخ، تولي الكاتب والصحفي فوميل لبيب التفاوض
علي إعادة إسناد تنظيم مهرجان الإسكندرية إلي الجمعية المصرية لكتاب ونقاد
السينما، ووفق في محاولته هذه، ولكنه توفي للأسف قبل أن ينفذ مهرجان
الإسكندرية 1988، فواصل كاتب السيناريو المعروف عبدالحي أديب مهمته كنائب
لرئيس الجمعية وتوليت أنا مهمة إدارة المهرجان، بالتعاون مع عدد من الزملاء
أعضاء الجمعية الذين كانوا يقومون بأعمال مماثلة في دورات سابقة. ثم توليت
أنا كاتب هذه السطور رئاسة الجمعية في عام 1989 إلي جانب رئاسة المهرجان.
وفي عام 1990 توقف المهرجان للمرة الرابعة تحسباً لما قد يحدث في منطقة
الشرق الأوسط بعد عدوان العراق علي الكويت وتدخل أمريكا بقصد تحرير الكويت
وكان هدفها تدمير القوة العسكرية للعراق أولاً. (وفي العام نفسه توقف أيضاً
مهرجان المسرح التجريبي الذي تنظمه وزارة الثقافة وعاد المهرجان إلي
الانعقاد في خريف 1991 بعد انتهاء المهمة التي ادعتها أمريكا).
وفي عام 1996 وبعد انعقاد مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ12
تقدمت إلي مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما مقترحاً اعتزالي
من منصبي رئاسة الجمعية والمهرجان. وتمسك المجلس برئاستي للجمعية سنة أخري
حتي أتمكن من متابعة سير عجلة العمل في الجمعية، علي حين تولي رئاسة
المهرجان الكاتب والصحفي المعروف رءوف توفيق خلال دورة 1997 ثم دورة 1998.
ثم توالي بعد ذلك علي رئاسة المهرجان كل من الزملاء محمد صالح ومصطفي محرم
ود.محمد كامل القليوبي. وأخيراً عاد رءوف توفيق لتولي رئاسة المهرجان في
دورته الأخيرة العشرين.
* تنظيم الدورة الأخيرة
واصلت وزارة الثقافة دعمها المالي المعتاد للمهرجان (إلي جانب دعم محافظة
الإسكندرية المالي أيضاً)، إلا أن ما استجد من ناحية وزارة الثقافة هذا
العام وكان له الأثر الواضح الفعال في تنظيم مهرجان الإسكندرية هو إصرار
الوزارة، بناء علي تعليمات السيد الوزير الفنان فاروق حسني علي تذليل كل
العقبات التي كانت تقف أمام الجمعية في الدورات السابقة، وذلك عن طريق
تشكيل لجنة عليا للمهرجان تضم كلاً من ممدوح الليثي رئيس الجمعية ورءوف
توفيق رئيس المهرجان وأحمد الحضري كاتب هذه السطور ممثلين للجمعية، إلي
جانب ثلاثة آخرين مسئولين في وزارة الثقافة هم علي أبو شادي رئيس المركز
القومي للسينما ود.مدكور ثابت رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية وقتئذ
(مدير أكاديمية الفنون حالياً) وصلاح شقوير رئيس صندوق التنمية الثقافية.
وكان لجانب وزارة الثقافة فضل كبير في تيسير كل ما كان يحتاج إليه جانب
الجمعية، فقام صندوق التنمية الثقافية بدعم إداري غير مسبوق بفريق ترأسه
السيدة إيمان عقيل، تولي أعباء متعددة في إدارة وتنظيم المهرجان، بحيث لا
يمكن أن أتصور عدم قيام الفريق نفسه في الأعوام القادمة بنفس الإسهام.
كما كلف صلاح شقوير رئيس صندوق التنمية الثقافية المخرج المسرحي خالد جلال
بتنفيذ الاستعراضين الخاصين اللذين يستهل بهما حفل الافتتاح وحفل الختام.
وكان الاستعراضان خير تقديم من حيث الفكرة المبتكرة الصالحة للمناسبة والتي
تربط الاستعراض بما سيدور بعده علي خشبة المسرح من تقديم للفنانين المكرمين
وأعضاء لجنة التحكيم في الحفل الأول ومن تقديم للفائزين بجوائز المهرجان في
الحفل الأخير. وكان العرضان في قمة التماسك والتركيز وحسن الإعداد وتصميم
الديكور وتناسق الألوان، بما يشهد للمخرج خالد جلال، إلي جانب أعماله
المسرحية السابقة، بالتميز في هذا المجال وسيطرته علي كل العناصر المساعدة
في خدمة العمل الفني. بقي أن أذكر في هذا الصدد أن حفلي الافتتاح والختام
قد تما في مسرح سيد درويش (أوبرا الإسكندرية حالياً) بعد ترميمه واكتسابه
هذا المظهر المشرف، وهذا دعم آخر من وزارة الثقافة.
هذا إلي جانب أن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما استعانت إلي حد أكبر
بأعضائها المقيمين بمدينة الإسكندرية في هذه الدورة، وهم منتمون في الوقت
نفسه إلي جمعية آفاق الفنون (الفن السابع). وكان من بين هؤلاء الزملاء سامي
حلمي الذي قام بمهمة مدير المهرجان لأول مرة فكان كسباً جديداً، وإبراهيم
الدسوقي الذي شارك في رئاسة تحرير النشرة اليومية التي كانت تحمل اسم «مجلة
المهرجان»، يساعده أحمد الحفناوي وعلي نبوي. وكانت هذه النشرة، التي أسهمت
مطابع محرم الصناعية بالإسكندرية بطباعتها إهداء منها للمهرجان، خطوة أخري
إلي الأمام بالنسبة للنشرات السابقة من حيث الطباعة. كما قامت أيضاً مطابع
محرم الصناعية مشكورة بطبع أفيش المهرجان إهداء ودعماً منها.
وكان تصميم الأفيش للدورة العشرين قد طرح لأول مرة في مسابقة بين طلبة كلية
الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية وفناني الإسكندرية بصفة عامة حتي تزيد
مشاركة أبناء الإسكندرية عن ذي قبل. وفاز التصميم المقدم من الفنان أحمد
حسين الباز، الرسام بمكتب جريدة الأهرام بالإسكندرية ومن مواليد الإسكندرية
أيضاً.
ولابد أن أذكر هنا أن محافظة الإسكندرية في عهد السيد المحافظ الحالي محمد
عبدالسلام المحجوب تولي المهرجان اهتماماً خاصاً غير مسبوق، كما نخص بالذكر
هنا وكيل الوزارة للإدارة المركزية للسياحة بالإسكندرية اللواء إيهاب
فاروق، علي ما يقدمه من إسهام وتسهيلات تزيد من دور مدينة الإسكندرية في
إنجاح هذا المهرجان عاماً بعد عام.
وبعد هذا التوضيح لما استجد من دعم ورعاية للمهرجان في دورته العشرين،
واعترافاً بفضل كل هؤلاء، ننتقل إلي ما قدمه المهرجان من أفلام.
* أفلام المهرجان
تضمنت عروض المهرجان هذا العام 32 فيلماً طويلاً من 16 دولة موزعة كما يلي:
7 أفلام من كل من فرنسا وإيطاليا، 3 أفلام من البرازيل، فيلمان من كل من
إسبانيا ومصر، وفيلم واحد من كل من اليونان والبوسنة والصرب وتركيا وسوريا
ولبنان وتونس والمغرب وألمانيا والمجر وإيران.
* أفلام المسابقة
وهي قاصرة علي أفلام دول البحر الأبيض المتوسط وعددها في هذه الدورة 11
فيلماً تمثل 11 دولة مختلفة، والأفلام المشاركة في المسابقة هي: «اقتلني
برفق» (أسبانيا) إخراج رامون دي إسبانيا، «ياجودا في السوبر ماركت» (الصرب)
دوسان ميليك، «فيوز» (البوسنة) بيير زاليكا، «المواجهة» (تركيا) عمر كافور،
«نصف أجرة» (فرنسا) إيزيلد لوبيسكو، «خريف آدم» (مصر) محمد كامل القليوبي،
«لا توجد مشكلة» (إيطاليا) جيان كارلو بوتشي، «رأس في السحاب» (اليونان)
نيكولاس سبانوس، «دار الناس» (تونس) محمد دمق، «زنار النار» (لبنان) بهيج
حجيج، «فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق» (المغرب) محمد عسلي.
* لجنة التحكيم
تكونت من سبعة أعضاء من بينهم اثنان من مصر كما تنص لائحة المهرجان،
والسبعة هم: المخرج الفرنسي إيف بواسييه رئيساً، والمخرج الأسباني أوجستين
فيلارونجا، والمخرج السوري محمد ملص، والمخرج التونسي نوفل صاحب الطابع،
والناقد الفرنسي آلان ريو، والناقدة المصرية خيرية البشلاوي، ومدير التصوير
المصري سعيد شيمي أعضاء.
* جوائز المهرجان
ــ جائزة أحسن فيلم (بالإجماع): «فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق»
(المغرب) إخراج محمد عسلي.
ــ جائزة لجنة التحكيم الخاصة: «فيوز» (البوسنة) إخراج بيير زاليكا.
ــ جائزة أحسن مخرج: جيان كارلو بوتشي عن فيلم «لا توجد مشكلة» (إيطاليا).
ــ جائزة أحسن سيناريو: رامون دي إسبانيا عن فيلم «اقتلني برفق» (أسبانيا).
ــ جائزة العمل الأول أو الثاني إخراج: محمد دمق عن فيلم «دار الناس»
(تونس).
ــ جائزة أحسن إنجاز فني: د.نيل كاراجليكا وديجان سبارافاتو عن موسيقي فيلم
«ياجودا في السوبر ماركت» (الصرب).
ــ جائزة أحسن ممثل: بوجادين كليك عن دور الأب في فيلم «فيوز» (البوسنة).
ــ جائزة أحسن ممثلة: انجريد روبيو عن دور ماريبل في فيلم «اقتلني برفق»
(أسبانيا).
* ملاحظات علي الجوائز:
ــ حصل فيلم «فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق» (المغرب) علي جميع أصوات
أعضاء لجنة التحكيم من أجل جائزة أحسن فيلم، وهي الحالة الوحيدة للإجماع.
أما باقي الجوائز فتمت بأغلبية الأصوات.
ــ حصل كل من الفيلم الأسباني وفيلم البوسنة علي جائزتين من الجوائز
الثماني، بينما حصل كل من الفيلم المغربي والإيطالي والتونسي والصربي علي
جائزة واحدة، ولم يحصل كل من الفيلم الفرنسي أو اليوناني أو التركي أو
اللبناني أو المصري علي أية جائزة. وهذا يدل علي أن أعضاء لجنة التحكيم
كانوا منصفين في أحكامهم ولم يحاولوا توزيع الجوائز الثماني علي ثماني دول
من باب المجاملة، علي الإطلاق.
ــ الأعمال التي كانت قريبة من الفوز لولا أن التصويت لم يكن في صالحها
بفارق صوت واحد من الأصوات السبعة هي الفيلم اللبناني «زنار النار» إخراج
بهيج حجيج عن جائزة العمل الأول أو الثاني إخراج، والديكور في الفيلم
الصربي «ياجودا في السوبر ماركت» عن جائزة أحسن إنجاز فني، والتي فازت بها
الموسيقي عن الفيلم نفسه.
* فيلما الافتتاح والختام
كان فيلم الافتتاح الذي أعقب الاستعراض الرائع الذي قدمه المخرج خالد جلال،
هو الفيلم الإيطالي «مكان الروح» (إيطاليا) إخراج ريكاردو ميلاني. وهو ليس
من أفلام المسابقة. وهو فيلم رائع مقنع في كل تفاصيله، أكسبه ممثل الدور
الأول ميشيل بلاسيدو مصداقية تفوق الوصف، سواء في علاقته مع زملائه العمال
حين يقررون الاحتجاج علي غلق المصنع الذي يعملون فيه، ويصلون في احتجاجهم
هذا إلي حد إعلان وجهة نظرهم في قنوات التليفزيون، وإلي انتخاب ثلاثة عن
العمال ليسافروا إلي أمريكا ليعبروا عن موقفهم أمام الملاك الأصليين لهذا
المصنع، ويكون هو أحد هؤلاء الثلاثة.. وكذا في علاقته الخاصة مع صديقته
الحميمة التي يعرض عليها أن تتزوجه وتستقر معه في مدينته، بينما تعرض هي
عليه أن ينتقل هو إلي مدينتها لكي يلتحق بعمل هناك.. حتي يموت البطل أثر
إصابته من الغازات والأدخنة التي أصابته من خلال عمله في المصنع، فتأتي
صديقته وتزور الغابة التي كانا يتنزهان بها وتتأمل المكان الذي كان محبباً
له ولا يريد أن يغادر مدينته من أجله. فيلم مليء بالمشاعر والأحاسيس التي
ينقلها المخرج إلي المتفرج بكل مقدرة وإبداع.
أما الفيلم الذي أعقب عرضه الاستعراض الختامي وتوزيع الجوائز فهو الفيلم
المغربي «فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق» وقد نال جائزة أحسن فيلم عن
جدارة وبالإجماع، كما سبق أن ذكرت. وهناك فرصة لمشاهدة هذا الفيلم أثناء
انعقاد دورة مهرجان القاهرة السينمائي في نوفمبر القادم، حين سيعرض ضمن
أفلام قسم البانوراما أيضاً.
* ملاحظات عامة
لا شك أن إسهام صندوق التنمية الثقافية في مرحلتي الإعداد والتنفيذ كان له
أثر واضح في زيادة نجاح هذه الدورة عن سابقاتها، وكذا الاستعراضان اللذان
قدمهما خالد جلال فقد فاقا كل ما سبقهما في هذا المضمار، وكذا زيادة مساهمة
فناني الإسكندرية في الجهود المطلوبة.
ونأمل في الدورات القادمة إن شاء الله أن تزيد عدد الشاشات التي تعرض عليها
أفلام المهرجان حتي يزداد تحقيق هدف الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما
من نشر الثقافة السينمائية بين المهتمين بمثل هذا النشاط من سكان مدينة
الإسكندرية وضيوفها.
والأمل الأكبر، وهو ما نحلم به جميعاً، هو أن يزداد الإنتاج السينمائي
المصري حتي يتوافر للمهرجان في دورته القادمة وما يليها عدد واف من الأفلام
المصرية الروائية الطويلة، وحتي يعود قسم «بانوراما السينما المصرية» إلي
وضعه القديم، لتتنافس الأفلام المصرية الجديدة علي الجوائز الفنية فيما
بينها، وعلي الجوائز الإعلانية، التي كانت وزارة الإعلام تنوي تقديمها في
حدود عدة مئات من آلاف الجنيهات، لولا اقتصار التواجد المصري علي فيلم واحد
جديد داخل المسابقة وفيلم آخر قديم داخل البرامج الخاصة.
* وأخيراً
نهنئ الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما علي توفيقها في تقديم هذه الدورة
إلي هذا الحد الذي لمسناه جميعنا، ونخص بالذكر الجهد الذي بذله الزميل
ممدوح الليثي رئيس الجمعية والزميل رءوف توفيق رئيس المهرجان وسائر
معاونيه.
|
في دورته
العشرين في مهرجان الإسكندرية للسينما
لم يتحدث أحد عن السينما إلا فاروق حسني!
د.صبحي شفيق
في هذا العام حقق مهرجان الإسكندرية السينمائي العديد من المكاسب الثقافية،
فقد أتاح لنقادنا وصحفيينا وكتابنا ومتذوقي الفن فرصة اللقاء الحميم مع
واحد من رواد الرواية الجديدة والسينما الجديدة في فرنسا هو: آلان روب
جرييه.
كذلك تكرر اللقاء مع المخرج الفرنسي أيضا، إيف بواسيه وقد لا يعرفه الجيل
الحالي، وكان يجب أن يعرض المهرجان «رستروسيكيف» لأفلامه، فهو من أوائل
السينمائيين الذين وقفوا إلي جانب قضايا المغرب والجزائر ويذكر جيل
السبعينيات فيلمه الثوري الرائع: «الاختطاف»
Lصattentat وهو يكشف عن القوي الخفية التي ترصدت المناضل المغربي المهدي بن
بركة، حتي تم اختطافه وتصفيته وقيمة هذا الفيلم تكمن في إنجاز عمل فني
متكامل، لا أثر فيه للدعاية أو الخطابة كما نفعل هنا بل أعاد دراميا ما حدث
مرتكزا علي شهادة ابنة الراحل وقد روت لي في بيتي بباريس مدي الجهد الذي
بذله إيف كي يصل إلي أرضية وثائقية يقيم عليها بنية الفيلم.
وفي فيلمه التالي: «لم يستدل علي شيء» «R.A.S»
كشف عن مصير الشباب الفرنسي الذي يتحتم عليه أداء الخدمة العسكرية فإذا به
في جيش يهاجم الثوار الجزائريين في بلادهم، ويتتبع إيف بواسيه ردود أفعال
الشباب وهو يكتشف يوما بعد يوم أن النظام قد استخدمه وقودا لحرب ليسوا
شركاء فيها، ولا يوجد بينهم وبين الجزائريين ثأر قديم، أو ضغينة وغالبا ما
يلقي المجند حتفه في حفرة ما، أو وسط مستنقعات وعندما يسأل الأهل عن
الغائب، يجدون الابن قد تحول إلي دوسيه كتب عليه «لم يستدل علي شيء» وهو
تعبير فرنسي عسكري حروفه الأولي «R.A.S»
والجملة هي: «Rien a
signaler».
ولا أذكر من أعمال إيف إلا ما يتعلق بقضايانا ولاشك أن اختياره رئيسا للجنة
التحكيم ينبع من تقدير الزملاء منظمي المهرجان وعلي رأسهم رؤوف توفيق وبنفس
الوعي بأهمية وجود سينمائيين ونقاد صوتهم مسموع في بلادهم وفي أوروبا وفي
قارات العالم الخمس بلا أدني مبالغة، بنفس هذا الوعي وجهت الدعوة إلي واحد
من كبار نقاد فرنسا هو: «آلان ريو» «Alain
Riou» المسئول عن قسم السينما بمجلة «نوفيل
أوبسرفاتور» الأسبوعية، ذات الاتجاه التحليلي ومساندة حركات التحرير الوطني
أينما وجدت.
وخبرات آلان تتجاوز الأربعين عاما، شارك خلالها في إرساء أسس النقد الجديد،
وتحليل الاتجاهات الطليعية، كما أنه عرف الجمهور الأوروبي بالعديد من
زملائنا العرب: اللبنانية جوسلين صعب وزميلها برهان علوية، والتونسي الطيب
الوحيشي وزميله التونسي أيضا نوفل صاحب الطابع وقد أتاح لنا مهرجان القاهرة
في العام الماضي، أن نتعرف عليه من خلال فيلمه المتكامل البناء، والذي يدور
حول موضوع «الهوية الثقافية» وأعني به فيلم «الكتيبة» و«القائمة الطويلة».
شخصية أخري جاءت من إسبانيا لتشارك في نفس الحوار: الناقد والمخرج
السينمائي أوجستين فيلارونجا
A.villaronga
ومعه زوجته يولاند فيلارونجا، الناقدة السينمائية بصحيفة «الباييز» «ILPais» وتعادل «الأهرام» عندنا، وفيلارونجا له اتجاه متفرد في سرد الموضوع
السينمائي فالإنسان عنده كون مصغر والمجتمع ثم العالم كون كبير والاثنان في
حالة تفاعل مستمر، قد ينضب جهد الإنسان وقد يصبح عدوانيا وقد يتحول إلي
ثوري أو يخضع للنظم المجمدة للحياة، وفي العام الماضي تعرف مهرجان
الإسكندرية علي آخر أفلامه «أروتولتبين في عقل قاتل» إنتاج 2003 .
ولن أتحدث عن باقي الشخصيات المشاركة في الحوار لأنهم أصحاب المهرجان محمد
ملص من سوريا خيرية البشلاوي، بموضوعيتها وبحرارة حماسها لحركات التجديد
«العاقلة ـ في زيها» وأحمد الحضري الذي أسميه باستمرار اجزاكتا لدقته في
البحث وفي الإدارة أيضا ومحمد عبدالفتاح الناقد الموضوعي الكسول.
ومع نهاية كل مهرجان أتساءل كما يتساءل الآلاف غيري ما هي محصلة هذا العام؟
أعني: من حيث الأفلام المعروضة.
رغم قلة عدد الأفلام فاختيارها يدل علي معاصرة لجان المشاهدة لتيارات
السينما العالمية حاليا، فالبانوراما الفرنسية التي اختار أفلامها الناقد
المغترب، الفرنسي تارة و المصري تارة أخري صلاح هاشم جاءت لتعكس بالفعل
نماذج لاتجاهات سينمائيي فرنسا الآن: الكشف عن عناصر تدمير المجتمع الحالي،
كعصابات تهريب الأموال كما في «علي شفتي» أو استنفاد مقومات الحياة
الاجتماعية والبحث عن مبرر للوجود في اللذة الجنسية، إلي حد التمزق، بسبب
آلية إيقاع العمل، وما يصحبه من ملل، ويتضح ذلك في فيلم «ماري جو وحبيباها
الاثنان» أو في فيلم «في قلوب الرجال».
لكنها أفلام كلاسيكية، لا تضيف شيئا إلي ما لم تصل إليه لغة التعبير البصري
السمعي إلي وقتنا هذا لاجتياح أجهزة التصوير والمونتاج الديجيتال «الرقمية»
لاستوديوهات العالم، دون أي تصور منهجي لتصبح الآلة وسيلة والإبداع غاية،
الفيلم الوحيد الذي عرض ولم ينتبه إلي حداثته أحد بل هوجم بعنف، هو فيلم
«نصف أجرة» ومخرجته في الخامسة والعشرين من عمرها ممثلة محترفة لكنها زجت
بنفسها في مغامرة الإخراج السينمائي لتعالج موضوعا لا يتحدث عنه الإعلام
الفرنسي، ولا يفطن إليه من يتحدثون عن الحضارة الأوروبية دون معايشتها. إنه
موضوع الأطفال الذين تلقي أمهاتهم بهم علي الرصيف، إما بسبب انعدام الموارد
المادية أو لكراهية الأب وهي حالات عصبية، عاصرتها وأذهلتني عندما كانت
ضيفتنا ناديج كلير، بطلة أكثر من 15 فيلما من أفلام الموجة الجديدة، لقد
قالت لي «أرادت أمي أن يطلقها أبي، ولما لم يستجب هربت مع عشيقها وألقت بي
أنا وأختي علي قارعة الطريق ونقلنا إلي ملجأ».
وأخت ناديج أكبر مثَّالة في فرنسا حاليا.
أذكر هذا لدهشتي من إجماع النقاد، فيما عدا آلان ريو، علي أن الفيلم مجرد
لعب بكاميرا ديجيتال، ولم يرجع ناقد بذاكرته إلي الوراء عندما فتح الكنديان
برو وبرا طريقا جديدا للفيلم الروائي بتصوير الشخصيات في بيئتها الحقيقية،
وهو ما فعله روسيلليني وهو اتجاه سينما الحقيقية ـ
cine -verite ورائدها الفرنسي جون روش.
المخرجة هي ايزيلد لوبيسكو
Isild Le Besco
وفيلمها يقوم علي أن يعيد أطفال هجرتهم الآن: بنتان وولد - ولا ندري إن كان
شقيقها - يعيدوا أمام الكاميرا كيف واجهوا هذا المصير: البحث طعام، ويقوموا
بسرقته بخفة نادرة من السوبر ماركت، لكنهم يريدون أن يتعلموا وفي المدرسة
يتعرضون للإهانة، ومع ذلك إصرارهم لا يقهر.... ومواصلاتهم قفز من مداخل
المترو الممغنطة، ليركبوا مجانا، ولا أحد منهم يدرك معاناته، بل يستسلمون
لأحلام وردية، أو يبثون همومهم لماريونيت «دمي» يلعبون بها ألعابا مسرحية،
لإقامة حوار هو في الحق مونولوج طويل.
ولنترك فيلم أيزيلد ومنتجه إلي المخرج المغربي «محمد علي» وإلي فيلمه
«الملائكة لا تطير فوق كازابلانكا» لقد أذهلني الفيلم، فهو يحقق مفهوم
الدراما المعاصرة، بالإعراض عن السيناريو الذي يحصرنا بين رجل وامرأة أو
فتاة وعشيقها أي الذي يحكي حكاية أشخاص ويتصور كاتب السيناريو أن أي شخصية
تحمل في داخلها مصيرها وأن المسألة مسألة طباع أو عادات سلوكية، بينما أي
واحد منا مشروط بالنظم التي تتحرك حياته في آلياتها وهي التي تمصر الفرد أو
تحوله إلي متأقلم طيع حمل لذيذ، أو إلي متمرد، أو إلي مهرب، أو إلي رجل
أعمال من الماركات الحالية إلخ.
الفيلم له محور رئيسي: مدينة كازابلانكا «الدار البيضاء» المدينة مدينة
سياحية وموطن للمهربين ولصناع الرقيق الأبيض، وهي من أجمل مدن المغرب، تقع
علي المحيط ومع ذلك لو تركتها وقمت بجولة وسط الجبال الزرقاء ـ البيضاء
الجميلة التي تحيط بكازا، سوف يصدمك وجود بيوت وهي أكواخ أو حظائر قديمة
يعيش فيها البدو، بعيدا عن المجتمعات الاستهلاكية لم يفقدهم مقرهم إيمانهم
بقيمهم ولم يشوه براءة أي منهم وفي قرية من هذه القري نري حضريا تزوج من
بدوية هي «عائشة» أنجب منها طفلا، وهي الآن تحمل في أحشائها الطفل الثاني،
ومعني ذلك بالنسبة لزوجها سعيد أن عليه أن يبحث عن مصدر آخر للرزق أين؟ ليس
أمامه سوي كازابلانكا وتعارض عائشة إلا أنه لا يجد حلا آخر ويرحل.
في كازابلانكا مطعم فاخر، يعجب صاحبه باستقامة سعيد، فيعهد إليه مهاما
رئيسية، ومع سعيد شابان أحدهما تنحصر كل أحلامه في شراء حذاء أنيق ثمنه
1200 درهم ويسخر زميلاه من رغبته المجنونة، يقولون له: لو فرض واشتريت
هذا الحذاء فلابد أن تشتري زي سهرة «ريدينجوت» وبابيون وتكون لك سيارة،
وأيضا فيلا وزوجة جميلة ويحلم الشاب، أما زميله الثاني فيملي رسالة إلي
سائق شاحنة، موجهة إلي أمه، نعرف منها أنه يرسل مبلغا زهيدا، لكنه يسرف في
جمع الخبز الجاف، لكي يكون طعام جواده ويقول عن جواده: «إنه أعز شيء في
حياتي»
الفيلم يكسر قواعد السينما التقليدية، أي ما يدرس في معاهد السينما وما
يتصور كتاب السيناريو «الصنايعية» إنها السينما، فهو يعرض عن السينما
القائمة علي تأريخ ما حدث في الماضي، أي السرد بالطول بمنهج وبعدين وبعدين
كأنما مصائر البشر حدوتة فالبناء الدرامي دائري والزمن هو الحاضر المستمر
مركز الدائرة المطعم الفاخر رمز المجتمعات الاستهلاكية ومحيط الدائرة القري
التي هاجر شبابها إلي كازا بحثا عن عمل ومنهم شخصيات فيلم «الملائمة لا
تطير فوق كازا» كل شخصية لها أحلامها وكل شخصية ترتطم بصخور الواقع صاحب
الجواد يستجيب لرغبة أمه في تخليصه منها فيأخذه إلي المدينة وما إن يري
الجواد الزحام والضجيج حتي يلقي بالسرج وبصاحبه وينطلق عائدا إلي الريف،
ويتعرض صاحب الحذاء الأنيق لمغامرة أخري فلا الأتوبيس يحترم ركابه هذا
الكنز الذي تحمله قدماه فالكل يدوس علي الحذاء وكذلك الأرض ومساميرها،
فالبلد في حالة انفتاح وحركة البناء لا تنقطع.
أما سعيد فتصله رسالة من قريته تخبره بسوء حالة عائشة الصحية، فلم تعد
قادرة علي الحراك بل علي النطق ويمضي إلي القرية يريد أن يحملها إلي طبيب
في كازا وفي الطريق يكتشف أنها فارقت الحياة.
محمد العسيلي لا يستخدم أسلوب الكاميرا الوصفية بل حركة الكاميرا تنبع من
رؤية الشخصيات لما حولها ومن هنا هذا البناء السيمفوني الذي يكشف لنا عن
مصائر تذوب أرواحها في زحمة المدينة السياحية وفي الجبال الزرقاء ـ البيضاء
الرابضة فوق المحيط، وهو بهذا الأسلوب يسجل طفرة جديدة في تاريخ السينما إذ
ينقلنا إلي نوع من الواقعية الشاعرية التي تدورعلي أرضية اجتماعية ـ
اقتصادية ولا يرينا أبدا شخصياته بمعزل عن السياق الاجتماعي ـ الاقتصادي
إلي بناء سينمائي قريب من بناء فيلم محمد العسيلي فيلمان مهمان: أولهما من
البوسنة ويدور حول حدث فريد في قرية تحاول أن تسترد أنفاسها بعد الحرب
الأهلية فتفاجأ بأن رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون قد اختارها لزيارته
وقبل الزيارة تنقسم القرية إلي اتجاهات متناقضة: العمدة وفوقه مفتش من
البنتاجون أو السي آي إيه لا أدري هو الذي يستخدمه لتنظيم الزيارة ويرفض
رئيس شرطة المنطقة هذا الخضوع الأعمي ويترك وظيفته ليهم في الجبل، تاركا
ابنا له يتعلق بفتاة ذهبت لدراسة اللغة الألمانية في برلين كي تعود مدرسة
في بلدها، وإذا بالسلطات الجديدة وهي تطارد المهربين علي الحدود تصيبها
بطلق ناري، وإلي جانب ذلك نري تهريب الفتيات ونقل العاهرات إلي مراكز
الرقيق الأبيض، وكل ما يصاحب تحولات مجتمع تمزق ووقع في براثن الاحتكارات
الكبري.
هذا هو فيلم «انصهار» وعنوانه «فيوز» أي فيوزات لوحة الكهرباء، ومخرجه بيير
زاليكا وقد شارك أحمد إيماموفيك، كتابة السيناريو وقريب من هذا البناء أيضا
فيلم يا جودا في السوبر ماركت للمخرج الصربي «دوزان ميليك».
بقي الحديث عن الندوات، كنت أود أن أشارك بالكثير من خبراتي، ولدهشتي وجدت
الوزير الفنان فاروق حسني يتحدث عن السينما كبناء تشكيلي للكادر، وكإيقاع
موسيقي لحركات الكاميرا، والنقلة من سيكوانس إلي سيكوانس «أي شريحة مكانية
زمنية لها وحدتها» لكنني أكرر تعليقي علي حديث الوزير، وقد قلته أثناء
اللقاء معه.
إننا أساتذة السيناريو والفيديو، نقوم بتعليم أولادنا في الصباح آخر ما
رحلت إليه لغة التعبير البصري ـ السمعي علي أسس علمية وإذا بالتليفزيون
يسكب بترولا علي جهودنا في المساء، بعرض مسلسلات وأفلام تثير ضحك طلابي.
|