مهرجان
الأفلام
التسجيلية والروائية القصيرة
الحروب والشعوب في الإسماعيلية
الإسماعيلية/ علا الشافعي
نستطيع أن نطلق علي الدورة الثامنة
لـ مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة والتي انعقدت في
الفترة
من11 سبتمبر حتي16 من نفس الشهر, الدورة الكاشفة, وبمعني آخر دورة
الحروب
والمآسي الإنسانية والأزمات الاقتصادية, فهذه هي السينما
التسجيلية ترفع شعار
سينما القضية وتعري وتناقش وتكشف أزمات العالم بدءا من الوجه القبيح
للسياسة
الأمريكية وتبنيها لسياسة الحرب الوقائية ضد الإرهاب وصولا لمحاربتها فلاحي
العالم
بفرض سياسات اقتصادية تجاه حقوق الفلاحين والعمال, من خلال الشركات
متعددة
الجنسية.
لعلها مفارقة مثيرة أن يتم افتتاح المهرجان يوم11 من سبتمبر, وهو
نفس يوم الحدث العالمي بالهجوم علي أمريكا وتفجير برجي
التجارة, وشكل هذا اليوم
محورا أساسيا لمعظم الأفلام التي عرضت بالمهرجان سواء بالنسبة لأفلام
المسابقة أم
البانوراما, فالحرب حاضرة بقوة ورعونة بوش تفرض نفسها علي المنتج الفني
العالمي, فالصور تتحرك أمامنا لترصد أحداث11 سبتمبر
وشهادات من تأثروا بها,
وناشطين متابعين للأحداث ومحللين سياسين وصحفين مهتمين بكل ما يجري, وإذا
كانت
الأوساط الثقافية والإعلامية مشغولة حاليا بكتاب القصة الحقيقية لعائلة بوش
الذي تم
وصفه بالفضائحي لتناوله أسرار عائلة بوش, بدءا من الجد السيناتور وصولا
للأب
والابن, وهو الكتاب الذي استغرق أربع سنوات من التحضير وجمع
المعلومات من العائلة
وأبرز من تحدثت فيهم هي شارون بوش الزوجة السابقة لأخي الرئيس نيل بوش وفي
هذا
السياق جاءت الأفلام التي عرضت بالمهرجان مؤكدة ومتسقة مع ما جاء في
كتابكاثي كيلي
بدءا من فيلم الافتتاح العالم كما يراه بوش لوليم كاري, إنتاج ـ فرنسي
والفيلم تم
وصفه بأنه مناهض لسياسة بوش, ويفضح كيف أن بوش الأب والابن
لا يكتفيا بتناول
العشاء مع الشيطان, بل كانا دوما شريكين له وجمعتهما المصالح وطالما
أعتمد جورج
دبليو بوش علي أسرة بن لادن في تمويل مسيرته السياسية لسنوات طويلة واستمر
هذا
التحالف غير العادي حتي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر,
فالطائرة الوحيدة التي
سمح لها بالتحليق في الأجواء الأمريكية عشية الحادث هي الطائرة التي حملت
عائلة بن
لادن؟ ليس ذلك فقط, فمازال بوش الأب يرأس قمة الهيكل الوظيفي لواحدة من
أكبر
الشركات الاستثمارية الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية,
وهي مجموعة تذهب معظم
استثماراتها إلي صناعة السلاح والدبابات والصواريخ التي استخدمت أخيرا في
حرب
العراق الأخيرة وصنعتها شركات تابعة لمجموعة كاريل الذي يعد بن لادن أحد
المساهمين
فيها.
كما كشف الفيلم معلومات مهمة جاءت مفاجئة لمتابعي فعاليات المهرجان كيف
أن جد بوش كون ثروة كبيرة بسبب تعاونه مع النازيين وقيامه بغسيل أموالهم,
وقامت
السلطات الأمريكية حينها بمصادرة هذه الثروة وقدمته للمحاكمة, ليس ذلك
فقط بل
تحدث الفيلم بصراحة عن الدور الذي لعبه بعض المسئولين العرب
لغزو العراق, ومنهم
مسئول أردني سابق صرح لأحد المسئولين الأمريكيين والذي قابله المخرج إذا لم
تجدوا
أسلحة الدمار الشامل فاخترعوها, واتسمت لهجة الفيلم بالعدائية الشديدة
تجاه آل
بوش وكذلك المملكة العربية السعودية, والتي وصفها المحللون
والمتابعون للسياسة
الأمريكية الذين أدلوا بشهاداتهم داخل الفيلم بأنها منذ فترة أصبحت تشكل
قوة ضاغطة
في القرار الأمريكي, وإذا كان الفيلم قد خص المملكة العربية السعودية
بالقاسم
الأكبر من الهجوم والعدائية, فإننا لا نعرف سر تجاهله لباقي
الدول العربية
الأخري, المعروفة أيضا بعلاقات وطيدة مع واشنطن.
العالم كما يراه بوش هو
تحقيق تليفزيوني, قدم لنا صورة كاشفة من خلال جهد بحثي مضن لأسلوب ممارسة
السلطة
في أكبر دولة في العالم تدعي الديمقراطية.
(تنويعات علي11 سبتمبر)
وباسم الحرية,
الفجر القرن21, وهي أفلام أخري تناولت بشكل مباشر وغير مباشر أحداث11
سبتمبر
ومن أهمها فيلم الفجر للمخرج غابريل زامبرين, حيث قدم للمشاهد الأسباب
التي جعلت
من انتخابات عام2000 في الولايات المتحدة, علامة مهمة في
تاريخها وصولا إلي
الهجوم الإرهابي,( الفجر هو فيلم مكون من سبعة أجزاء) يتناول مخرجه
الإعلام
الأمريكي بشكل عام, عرض منها جزء واحد في مهرجان الإسماعيلية, والفيلم
وصف
سياسة بوش بالمضللة حيث تعمد هو ومستشاروه إخفاء الحقائق عن
الشعب الأمريكي,
وأساسا اعتبروا فوزه مشكوكا فيه, وهو ما دفع العديد من المشاهير للتظاهر
والاعتراض علي الحرب وعلي ما سمته إدارة بوش بالإرهاب القادم من العراق
ومنهم
الممثلة سوزان ساراندون وتيم روبنز, ويظهر الفيلم مفكرين
أمريكيين معارضين للحرب
علي العراق ومنهم المؤرخ جور فيدال, الذي تحدث عن نهاية الإمبراطورية
الأمريكية.
والملاحظة المهمة أنه بدون اتفاق بين عدد من مخرجي السينما
التسجيلية حدث وتناولت أفلام عربية وأجنبية معاناة الشعوب بسبب
إخفاء الحقائق
والتضليل المتعمد من حكوماتها, مثلا في فيلم سيدي الرئيس القائد ـ
إماراتي ـ عرض
خارج المسابقة للمخرج جاد أبي جميل والذي رصد حركة الشارع العراقي بعد سقوط
نظام
صدام حسين, وألقي الفيلم الضوء علي الدور الذي لعبه بالإعلام
في التكريس لنظرية
القائد ولكن من الواضح أن مشاهد الكاميرا ومن التقاهم المخرج في الشارع
أخذوا
المخرج إلي اتجاه آخر, إذ عبر العديد من العراقيين عن حبهم للرئيس صدام
حسين
وتمسكهم به كقائد استطاع أن يحقق لهم الأمان والخبز
والكهرباء, وتناقضت الأقوال
بينهم, فالبعض رصد الخوف من الكلام, وحتي الخوف من التفكير إلا أن
الأغلبية
انتصرت لصدام, حيث قالوا إن صدام حسين أغلي من عيوننا, نحب رئيسنا
والأمريكيون
هم الذين اعتدوا علينا, وتضمن الفيلم مشاهد تسجيلية من عراق صدام والعراق
الآن
حيث تحولت بغداد إلي بقايا مدينة.
وأنهي المخرج فيلمه ومن الحب ما قتل,
بمعني أن اعتياد السجن, قد يجعلك أيضا تعتاد حب سجانك, وكما أن الحياة
تسير في
بغداد بعد سقوط الرئيس إلا أنها تسير أيضا في شنغهاي التي ذهب إليها المخرج
الصربي
لوردان زافرنوفيتش, ليخرج فيلمه سيمفونية المدينة
السماوية, والذي عرض ضمن
المسابقة ويقدم الفيلم الذي أنتجه راديو وتليفزيون صربيا مقارنة بين الحرب
والسلام
في مدينة شنغهاي يعرضها مرة بالأبيض والأسود وأخري بالألوان, ليقارن
المتفرج بين
الماضي والحاضر, الحرب والسلام الغزو الأمريكي في مظاهر
الحياة.
ولكن اللافت
للنظر حقا هو الطريقة التي يتعاطي بها المتابعون للمهرجان والجمهور الذي
حضر
الفعاليات فكل فيلم يقدم شيئا ضد أمريكا هو بالتبعية لصالح
العرب, وهذا هو المأزق
الذي علينا أن نخرج منه, فإذا كنا قد احتفينا بـ مايكل مور والعالم كما
يراه
بوش, إلا أننا علينا أن نعيد قراءة هذه الأفلام في ضوء الصراع الانتخابي
الأمريكي
ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي, خاصة مع وجود شخصيات
داخل هذه الأفلام
لتؤكد أنها ستغير انتماءاتها من الجمهوري إلي الديمقراطي منهم ضابط أمريكي
الذي
حارب في العراق وأصيب بعاهة, يؤكد لمخرج فيلم العالم كما يراه بوش, أنه
فور
خروجه من المستشفي غير انتماءاته الحزبية.
(فلسطين.. الحاضرة دوما)
وإذا كان بوش
وقضية العراق حاضرين بقوة, فإن فلسطين ستظل هي القضية الأزلية والمؤرقة
دوما
للعرب, فهناك العديد من الأفلام التي تناولت القضية
الفلسطينية من أهم هذه
الأفلام هو الفيلم التسجيلي الطويل سريدا امرأة من فلسطين, للمخرجة
المصرية
المقيمة بكندا, تهاني راشد, صاحبة أربع نساء من مصر, وتدور أحداث
الفيلم
في119 دقيقة, وأجمل مافي فيلم تهاني راشد, هو أنها تجعلك
تدخل معها اللعبة
فهي تتعايش مع شخصياتها معايشة طويلة, وتصبح أنت كمتفرج جزءا من هذه
المعايشة,
فطوال الوقت تصبح في حالة ترقب لما ستقوله الشخصيات أو ما ستفعله, فنحن
مع
سريدا, المرأة الفلسطينية الشجاعة, وتعيش داخل منزلها ومع
جيرانها
وأسرهم.
الجديد في فيلم تهاني أنه يقدم صورة لا نراها دوما للفلسطينيين الذين
يسكنون المدن عندهم حياة تماثلنا لحظات إعداد الطعام التجمع
النسائي لشرب القهوة
وتبادل الأحاديث, شخصيات من لحم ودم تبكي وتضحك معها, فهناك إحدي جارات
سريدا
والتي تخبرنا يوميا بأحلامها وكوابيسها, فهذا هو شارون يطاردها حتي في
لحظات
نومها مرة تاره وهو يعلق الفلسطينيين علي حبل غسيل الملابس
قائلا: خليهم كده,
بين السماء والأرض, ومرة أخري تراه عملاقا ضخما يطاردها, وفجأة يتقزم
هذا
العملاق, ولا يتبقي منه سوي مسدسه, الفيلم كان في حاجة لاختصار دقائق
منه في
المونتاج لشد إيقاعه أكثر, إلا أن تعلقك بالشخصيات وتداخلك
معها ينقذك أحيانا من
لحظات الملل.
نستطيع أن نقول إن لجنة تحكيم مهرجان الإسماعيلية للأفلام
التسجيلية قد وفقت إلي حد كبير في منح الجوائز حيث تنوعت
الأفلام الفائزة ما بين
السياسي والإنساني و جاءت النتائج مرضية إلي حد كبير.
جوائز في محلها
فاز الفيلم التسجيلي الهولندي
الطويل النصر الأخير لجون أبيل بالجائزة الكبري لمسابقة الأفلام التسجيلية
الطويلة
في الدورة العاشرة لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية
القصيرة.
والفيلم الهولندي الذي تبلغ مدته88 دقيقة وكتب السيناريو له المخرج
يدور حول الأقلية الإيطالية في مدينة باليو المعتمدين في
معيشتهم علي تربية
الخيول, ومحاولاتهم المتكررة عاما بعد عام للفوز في مهرجان خاص بالفروسية
وجمال
الخيل, إلا أنهم يفشلون في كل مرة دون أن يفقدوا حلمهم في الفوز ليحافظون
علي
كبريائهم, وقد التقطت كاميرا المخرج الحالة الإنسانية التي
يعيشونها بمنتهي
الشفافية إلي جانب اختيار موسيقي رائعة متوافقة مع الحدث الذي يعالجه
الفيلم.
وأعلن رئيس لجنة التحكيم الدولية المخرج الجزائري أحمد راشدي, كذلك
فوز الفيلم الروسي التسجيلي الطويل مت في طفولتي لجورجي
باراجوف يصور حياة المخرج
الروسي المعروف سيرجي باراجانوف الذي يعتبر من أهم مخرجي القرن العشرين
بجائزة لجنة
التحكيم الخاصة في هذا الفرع من المسابقة.
وحصل الفيلم المصري يعيشون بيننا
لمحمود سليمان علي جائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير يصور حياة مطلقة تعمل في سن
السكاكين وتدور في الشوارع منادية علي مهنتها كي تعيل أبناءها الذين بقوا
في
رعايتها بعد طلاقها.
وشخصية المرأة درامية جدا كان يمكن للفيلم أن يذهب إلي
أعماق أبعد مما ظهر فيه لو ترك المخرج الحوار يجري بتلقائية
بدلا من تلقين الأطفال
والمرأة حوارا جاهزا مما أفقده العفوية.
وكذلك فاز الفيلم القطري غير خدوني
أسم الفيلم علي أسم أغنية تراثية مغرية للمصري تامر سعيد, بجائزة أفضل
فيلم
تسجيلي طويل والفيلم من إنتاج قناة الجزيرة القطرية يصور حياة9 معتقلين
مغاربة لم
يعرفوا يوما سبب اعتقالهم ولا سبب الإفراج عنهم.
ومنحت لجنة التحكيم جائزة
خاصة للفيلم الكوري التسجيلي القصير الكيلو صفر لهو ميكايو لي وسيناريو
هاينسوك
يوه, وهو يصور أحداث المؤتمر الخامس لمنظمة التجارة العالمية في مدينة
كنكن
المكسيكية والاحتجاجات المحلية والعالمية ضد السياسة الأمريكية
والعولمة والشركات
المتعددة الجنسية.
وأخذ الفيلم اسمه من خلال الموقع الذي حدده المشاركون في
الاحتجاجات التي أعلنت ضد المؤتمر باسم الكيلو صفر ويصور
الفيلم أيضا ضمن السياق
حادثة انتحار الكوري كابونجي لي احتجاجا علي سياسة منظمة التجارة العالمية
في سحق
الفلاحين.
وفاز الروس بالجائزة الأولي في مسابقة أفلام الصور المتحركة(
الكارتون) عن فيلم الجنوب من الشمال لأندريه سوكلوف الذي
يصور الصراع بين صيادين
اجتمعا علي قارب واحد ويسعي كل منهما للسيطرة عليه.
وحصد الأسباني جائزة أفضل
فيلم روائي قصير عن فيلم عشر دقائق لألبرتو روز روجو ويصور إمكانية تعويض
فقد شيء
عزيز علي الإنسان بشيء أفضل منه عندما يحاول رجل إقناع عاملة شركة
الاتصالات
للهواتف المحمول أن تعطيه آخر عشرة أرقام اتصلت به إلا أنها
ترفض بناء علي تعليمات
العمل لينتهي الفيلم وأفق علاقة جديدة تبدأ بينهما.
وحصل الفيلم المصري ألوان
من الحب لأحمد غانم ابن الروائي المعروف فتحي غانم علي جائزة تقديرية حصلت
عليها
الفنانة كارولين خليل عن دورها في الفيلم كأرملة تستعيد لحظات الفرح
والمتعة مع
زوجها الذي اختطفه الموت فجأة وكذلك لحظات البؤس التي عاشتها
معه أيضا.
ومنحت
لجنة التحكيم جائزتها الخاصة للمخرج البلجيكي جوناس جيرذات عن فيلمه حياة
مسطحة
وجائزة لجنة التحكيم الخاصة أيضا للفيلم السويسري البولط
الأخضر لروكسندر
زنيدي.
ومنحت اللجنة أيضا شهادات تقديرية للأفلام الأمريكي القرن21 الفجر
والفرنسي رمادي رائع والبلجيكي ووترلو.
أخيرا ومع انتهاء الفعاليات علينا أن
نهمس في أذن الناقد علي أبوشادي, رئيس المهرجان بأن المهرجان من المفترض
أنه مخصص
للتجارب الشابة والاحتفاء بها, ولكن للأسف هذا لم يتوافر في هذه
الدورة, فعدد
صناع الفيلم من الشباب الحاضرين كان قليلا جدا مقارنة بالأعوام الماضية,
كذلك شكل
غياب السينمات العربية مثل السينما اللبنانية والتي تشهد حركة
تسجيلية وروائية
قصيرة نشطة تجعلنا نتساءل عن غيابها هذا
العام*
|