أهمية المسلسلات الذاتية لا تأتي من الشخصية وحدها بل من
بعض التفاصيل الدقيقة التي تتناولها عن المراحل التاريخية الثرية.
أفلام ومسلسلات
السير الذاتية أي تلك التي تتناول حياة شخص معاصر سواء كان سياسياً أو
دينياً أو
فنياً أو أدبياً، بدءاً من مسلسل "طه حسين"، والشيخ محمد متولي الشعراوي،
والشيخ
عبد الحليم محمود، والشيخ عبد الله النديم وأم كلثوم، والملك
فاروق، ومصطفى كامل،
والرئيس السادات، والرئيس عبد الناصر،
وبديعة مصابني، وأسمهان، وأخير إسماعيل يس
وبليغ حمدي، وغيرها من المسلسلات والأفلام، تناولت حياة وسيرة هؤلاء
الذاتية دون أن
تتعرض لحقيقة إيجابياتهم أو سلبياتهم أو المواقف التي ارتكبوها بحق أنفسهم
أو ضد
آخرين في مسيرتهم الإنسانية أو الحياتية، بل جاءوا أقرب إلى الملائكة الذين
لا
يخطئون الأمر الذي يطرح التساؤل حول رؤية تقديمهم خاصة وأن عدد مثل هذه
المسلسلات
في ازدياد فما يتم الإعداد له، وما يتم العمل فيه وما انتهي تصويره يبلغ
حتى الآن 25
مسلسلاً جميعها سيتوزع إذاعتها خلال المرحلة القادمة، ولا يستبعد أن يذاع
منها
الكثير في رمضان القادم.
وبداية يؤكد الناقد محمد صالح أن السير الذاتية المفترض فيها أن تكون أقرب
ما
يكون لواقع حياة الشخصية، ويرى أن تقديم
شخصية فنية يختلف عن تقديم شخصية سياسية.
ويقول "عندما تقدم شخصية لها زعامة ودور قيادي أو ريادة جعلت منها علامة
بارزة
في الحياة، هنا تتحول لقيمة ويجب تقديمها للأجيال الجديدة بشكل يؤكد كل
المعاني
الجميلة والتي يمكن أن تؤثر في تشكيل هذه الأجيال بصورة متميزة، فمثلا
الرئيس عبد
الناصر في مسلسل ناصر غالى الكاتب في إظهاره كشخص حاد ومتجهم ومتشنج طوال
الوقت،
وهذا برأيي ليس لصالح الشخصية والدور العظيم الذي لعبته في حياة الشعبين
المصري
والعربي سياسيا، وليس معنى هذا أن نغالي في إظهار المحاسن فقط، ففي
الحالتين سنخرج
عن تقديم رؤية موضوعية تفيد المشاهد".
وترى الناقدة خيرية البشلاوي أن تعبير السيرة الذاتية تعبير غير دقيق لوصف
ما
تقدمه هذه الأعمال، السيرة الذاتية هي ما يكتبها صاحبها بنفسه، ثم إنه ليس
هناك
حقيقة مطلقة في معالجة حياة شخصية على الشاشتين الكبيرة والصغيرة.
وتقول البشلاوي "هي أعمال بها جانب من الحقيقة وفقا لما يراه المؤلف الذي
ليس هو
الشخص نفسه، أي أنه ليس صاحب السيرة، فحياة أسمهان وأم كلثوم وعبد الناصر
وغيرهم
مليئة بأشياء لا يمكن سردها درامياً ولا يعرفها كثيرون ومن يعرفونها لن
يذكروها".
أيضا كاتب هذا المسلسل أو ذاك قد يكون لم يعاصر هذه الشخصية وكل كتابته
اعتمدت
المراجع والشهادات التي كتبها مجايلوه، أما بالنسبة لما يجب أن يقدم
للجمهور فهو
الدراما الجذابة والشيقة المصنوعة بحرفية عالية إخراجا وأداء، وليس عيباً
أن يتم
تناول سلبيات هذه الشخصية أو تلك.
ويتساءل الناقد رفيق الصبان "إذا قدمنا الواقع كما هو في حياة الشخصية فأين
الإبداع ؟ أين رؤيتي ككاتب؟ أين المعالجة الفنية للمخرج والممثل
والسيناريست؟ ليس
صواباً أن أطلب بمطابقة الشخصية في المسلسل بالشخصية في الحياة أو السيرة
الذاتية
لها، إن عملية المكاشفة هي الأمر المهم في هذه الأعمال دون تجميل ودون هوى
من
الكاتب لسرد ما يناسبه ويناسب رؤيته".
ويقول الصبان "إن الصورة التي يقدمها المسلسل لهذه الشخصية أو تلك يتم
تقيمها من
جانب المشاهد الذي غالباً ما يكون لديه خلفية عنها، فليس هناك من سيكره
الرئيس عبد
الناصر أو السيدة أم كلثوم لمجرد أن أشار المسلسل إلى سلبية أو موقف ضدها،
وكما
أشرت الإبداع جانب مهم في تناول الشخصية، وأي كاتب يقيم معالجته وفي إطاره
رأيه
الشخصي، هناك حقائق ثابتة وهناك أيضا فراغات من حقه أن يملأها من خياله
ورؤيته
الإبداعية والشخصية للشخصية الدرامية".
ويرى الصبان أن هناك فارقاً بين الفيلم التسجيلي أو الوثائقي وبين العمل
الدرامي
أو الفيلم الروائي حتى لو تناول حقيقة الشخصية، ثم إن هناك من الجمهور من
يفضل أن
تظل صورة الشخصية في ذهنه علي ما هي عليه من رفعة وجمال وتقدير ومثالية،
كما حدث في
مسلسلي أم كلثوم وأسمهان.
ويؤكد الناقد طارق الشناوي على أننا كلنا بشر نصيب ونخطئ، ومن ثم ينبغي عند
معالجة حياة هذه الشخصيات دراميا أن نتعامل
من هذا المنطلق، ليس هناك مانع من
الاحتفاظ لهم بصورتهم الجميلة، وليس هناك ما يعيب انتقاد الجميل، العيب أن
نغفل
معالجة قضايا الشخصية التي ارتبطت بالمجتمع علي أي مستوى كان.
إن أهمية تلك المسلسلات لا تأتي من الشخصية وحدها ولكن من بعض التفاصيل
الدقيقة
التي تتناولها عن تلك المراحل التاريخية الثرية بأبعادها السياسية
والاجتماعية
والفنية التي عاشت فيها الشخصية.
ميدل إيست أنلاين في
29/05/2009 |