|
ويندي ولوسي
ليس توافق عرضه، مع تفاقم الأزمة المالية العالمية التي تعصف بعالمنا
اليوم، هو ما ساعد على نجاح فيلم «ويندي ولوسي»، كما قد يخطر في بال البعض،
بل قدرة المخرجة كيلي ريتشارد على تجسيد أزمة ذوي الدخول المحدودة في
الولايات المتحدة وارتفاع نسب العاطلين عن العمل منذ سنوات ليست بالقليلة،
هي من وفر لفيلمها أسباب النجاح الى جانب عناصر فنية أخرى من بينها
انتسابها الى مدرسة السينما الأميركية المستقلة.
الطريقة التي عرضت بها المخرجة كيلي ريتشارد قصة ويندي وكلبها لوسي، تذكر
من دون عناء بالاتجاه السينمائي المعروف بـ«دوغما 95» الذي أسسه الدانماركي
لارس فون تيرير، والمعتمد على الانعتاق من القواعد السينمائية المتبعة
واستبدالها بقواعد جديدة تلغي الضوء والمؤثرات الصوتية مثلا وتستبدلها
بالضوء والصوت الطبيعيين. ولا أدري لماذا لم تنسب فيلمها الى هذه المدرسة
مع ان أسلوب شغلها كله تقريبا، ينحو هذا المنحى السينمائي؟ على أي حال، فان
عدم أخذ فيلمها الى هذه الوجهة، لم يؤثر على مستواه، بأي شكل من الأشكال،
بل ربما أضفى عنصرا جديدا الى السينما المستقلة، حاول المزج بين أكثر من
أسلوب مع الاحتفاظ بمبادئها. وهذا تماما ما اعتمدته كيلي.
في معالجتها قصة الشابة القادمة من منطقة انديانا الأميركية، التي توجهت
ذات يوم الى ألاسكا، بحثا عن عمل، مصطحبة معها كلبتها لوسي ومعها مبلغاً
زهيداً من المال، صورت كيلي اللحظات العصيبة التي عاشتها في بلدة بورتلاند،
أثناء تعطل سيارتها القديمة عن العمل. جعلت المخرجة من هذا المكان واقعا
اميركياً «مصغرا»، تعاني فيه شرائح اجتماعية واسعة من تدني مستوى عيشها ومن
انعدام أي ضمان اجتماعي لديها. وكلمة «مصغر» تناسب توصيف طريقة شغل كيلي
ريتشارد المهمة أصلا بالبحث عن التفاصيل الصغيرة في المشهد السينمائي،
والذي، موضوعيا، يأتي على حساب التقليل من شأن عناصر أخرى من بينها الشد
والتصعيد الدرامي، وقد يهدد التركيز على التفاصيل فقط في انهيار العمل كله.
ولهذا لجأت، ادراكا منها لهذا الخطر، الى تقصير طول شريطها الى 80 دقيقة،
وهو أمر غير مألوف في الانتاج السينمائي الحالي، إذ لايقل طول الفيلم عن
140 دقيقة، مراعية بهذا الاجراء قلة اندفاع الحركة الدرامية فيه واعتماده
بالأساس على تعابير وجه بطلته وعلى حركة الكاميرا الغائرة في عمق المشهد
«الساكن» في معظم الأحيان. ومع غياب الأحداث الدرامية فيه، بمعناها المألوف
طبعا، فإن «ويندي ولوسي» يظل مشحونا، طوال الوقت، بأسى ووجع وهو يجسد بشكل
مذهل حالة ضياع الفرد، بكل تجلياتها في مجتمع يعيش الكثير من ناسه حالة
اغتراب داخلي، ليشكل هذا بديلا عن التصعيد الدرامي الخارجي للحدث. الشابة
ويندي كانت تعاني اغتراب في وطنها، وحين وقفت وسط تلك البلدة المقفرة بدأ
شعورها بالضياع يتجلى. فلا مكان يؤيها ولا مال يحميها. وعندما تهم بسرقة
علبة طعام محفوظ تسد بها جوعها وجوع كلبها، تجد أمامها كل سطوة الدولة
وبيروقراطيتها تعمل بحماس وجدية. أما من تكون والى أين تتجه ومن المسؤول عن
سوء حالها، فلا شأن لهذه المؤسسات به. في المشهد الذي يحضر متشرد فيه الى
الغابة ويجدها نائمة على أرضها الرطبة يقول لها كلاما موجعا. يقول: أنا
أكره سكان هذه البلدة لأنهم يشموننا. يشمون الفقير المعدم وينفرون منه.
ويمضي الشريط في تصعيده الدرامي الداخلي حين يصور لنا حالة ويندي وهي تضيع
كلبتها. لقد تركتها وحيدة في الشارع بعدما طلبت الشرطة منها الحضور الى
مركزها. الشعور بالضياع تنقله لنا المخرجة بهدوء، تساعدها عليه قدرة
الممثلة ميكلي ويليامس على تجسيده والتعبير عنه بأدق الحركات والايماءات.
وتأتي الخاتمة بسيطة ومكثفة. وبدلا من اضفاء سعادة غامرة على بطلته لأنها
عثرت أخيرا على لوسي، تقرر ويندي السفر وحدها وترك كلبتها في حديقة الناس
الذين عثروا عليها. تمضي وحيدة. تصعد عربة قطار بضائع لا تعرف وجهته وتظل
تراقب الغابات وأشجارها الساكنة وهي في حالة شرود، وقد ملأ داخلها شعور
بالضياع.
«سريع وغاضب» عنف في الشوارع
انه بحق اسم على مسمى. لأن لا شيء فيه سوى الغضب والسرعة. سرعة السيارات
وهي تتسابق وسط شوارع المدينة، وغضب بطله على مقتل صديقته بأيدي تجار
المخدرات الذين يروجون تجارتهم بشكل منظم بن المكسيك والولايات المتحدة
الأميركية. لكن المثير، في الشريط رغم تواضع مستواه، حجم إيراداته من دخول
شباك التذاكر، والتي بلغت في الأسبوع الأول من عرضه 72،5 مليون دولار
أميركي. هذا الرقم يكشف مدى ولع الجمهور بأفلام مغامرات السيارات رغم كساد
تجارتها العالمية. حكاية الفيلم مثل الأجزاء الثلاثة التي سبقته تدور حول
تجار المخدرات وصراع بطلها ذي العضلات المفتولة دومنيك توريتو (الممثل فين
ديزيل) معهم. وكالعادة كانت ساحة صراعهم الشوارع المزدحمة والضيقة. أما
هدير محركات السيارات فقد غطى على ما سواه. في البداية نتعرف الى «توريتو»
كعضو في عصابة لسرقة البنزين المنقول بالشاحنات. سرقته تتم عبر حركات
بهلوانية مثيرة. لكنه سرعان ما يترك هذا العمل المشين، ليعود بطلا يحارب
تجارة المخدرات، انتقاما لصديقته. الحركة المثيرة واللقطات المنقولة بعشرات
الكاميرات والمؤثرات الصوتية التي تشعرك بقوة المحركات ورائحة البنزين
المتصاعدة منها يشد المشاهد خصوصاً الذي يحب هذا النوع من الأفلام. والمثير
ان مخرجه جوستين لين لم يترك لمشاهدي فيلمه ثانية واحدة يريحون فيها
أنفاسهم، وهو الشيء الوحيد الجديد الذي يحسب لصالحه. أما نهايته وكل تفاصيل
الحكاية فسيعرفها المشاهد بعد خمس دقائق من بدئه. انه فيلم مغامرات مكرر
لكن أرباحه تفوق عشرات الأضعاف مداخيل أفلام جيدة وجادة.
الأسبوعية العراقية في
24/05/2009 |
