في الوقت الذي تحظى فيه الأعمال ذات الخلفية الدينية باهتمام واسع في
العالم، لم يخرج هذا النوع من الأعمال الفنية العربية، بشقيه التلفزيوني
والسينمائي، من الإطار التاريخي القصصي، ورغم أن الدراما التلفزيونية
الدينية تشهد شبه استفاقة خلال شهر رمضان، فإن الأفلام "الدينية" تمرّ منذ
مدة طويلة بمرحلة سبات عميق، فآخر فيلم من هذا النوع كان "الرسالة" للراحل
مصطفى العقاد، وهو أضخم إنتاج سينمائي تناول بعثة الإسلام، ومنذ ذلك
التاريخ "1977" لم تسجّل أي تجربة تذكر ارتكزت على خلفية تاريخية دينية سوى
"المهاجر" ليوسف شاهين. وعلى مدى تاريخ السينما لم نشهد فيلما يقدم لنا
المجتمع العربي الإسلامي بإيقاع معاصر، يناقش بجرأة وموضوعية قضايانا
الاجتماعية والتي من بينها التفاصيل الدينية. ألم يحن الوقت بعد ليتفطّن
المسلمون إلى أهمية أن ينتجوا أفلاما تدافع عن الإسلام وتغيّر الصورة
السيئة التي لحقت بهم جراء الدعاية الموجهة ضدهم؟.
لا نزال مقصرين مع الأفلام الدينية أو التاريخية الإسلامية. ولا نقصد هنا
بالسينما الدينية، الأفلام التي تكون على شكل حكاية تاريخية تسرد وقائع
وأحداثا بعينها من التاريخ الإسلامي، بل شكلا جديدا من الأفلام غير تلك
الأفلام التي تعودنا على مشاهدتها، في كل عيد وكل مناسبة دينية، والتي بقيت
أسيرة فترة محددة من التاريخ وهي فترة ظهور الإسلام والصعوبات التي تعرّض
لها.
نقطتان هامتان تواجهان الانتاج الفني الذي يتناول مواضيع دينية، النقطة
الأولى تتمثّل في عدم الاهتمام الكافي من قبل جهات الإنتاج بهذا النوع من
الأعمال. فقد كانت الدراما الدينية، في عهد القنوات التلفزيونية المحلية،
من أولى الأعمال المدرجة على الخريطة الرمضانية، ولكن وبعد أن أصبحت
الإعلانات تتحكم في الإنتاج واختيار النجوم أصبح إنتاج المسلسل التاريخي أو
الديني مجرد تقليد وجب اتباعه في الموسم الرمضاني لسدّ أوقات الفراغ بين
مسلسل اجتماعي وآخر كوميدي.
أما النقطة الثانية وهي الأهمّ، فتتمثل في أن الأعمال القليلة لا تتوجّه
إلا إلى المشاهد العربي وفي وقت محدد من السنة هو شهر رمضان، في حين أن
العالم الاسلامي اليوم وفي ظل صراع الحضارات والأحكام المجحفة التي تطلقها
بعض الجهات على الإسلام والمسلمين، في حاجة ملحة، أكثر من ذي قبل، إلى
أعمال "دينية" معاصرة، تخاطب الآخر وتلقي الضوء على جانب مهم من حقيقة
العالم الإسلامي، وأصبح تفعيلها في هذه المرحلة ملحا وضروريا لتقديم صورة
الدين الإسلامي الحقيقية إلى الغرب تصحيحا للصورة الخاطئة، التي زادت قتامة
بعد أحداث 11 سبتمبر، وما ألقته من ظلال سوداء على المجتمع الأمريكي وعلى
المجتمعات الغربية بصفة عامة، والتقرير السنوي الذي قدمه مجلس العلاقات
الاسلامية الأمريكية بواشنطن يؤكد ذلك، إذ يقول إن التمييز العنصري ضد
المسلمين ارتفع بنسبة 15% عن معدلاته السابقة بل واتهم أيضا المسؤولين
الأمريكيين في إدارة بوش بأنهم ساعدوا هوليوود على تقديم عدة أفلام
سينمائية تصور المسلمين بصورة سلبية.
ما من سلاح أنجع من سلاح الفن والسينما في الردّ على هذه "الضربات" ومواجهة
اساءات من قبيل الرسوم الكاريكاتورية أو فيلم "فتنة" للسياسي الهولندي جيرت
فيلدرز الذي ما انفكّ يستفز المسلمين بمواقفه المعادية للإسلام. وما من شك
في أن الفيلم العربي بدأ يشهد حضورا مميزا في المهرجانات السينمائية
العالمية، فلماذا لا يتم استغلال هذه المناسبات والمحافل الدولية لابراز
الجوانب الإيجابية للمسلم والعربي أيضا، جوانب تصحح الصورة المضللّة التي
رسمتها السينما العربية واستغلّها الغرب في إعلامه.
قد يبرر البعض غياب مثل هذه الأعمال بقدسية الشخصيات الدينية التي تحرّم
المؤسسات الاسلامية تشخيصها، أو بعدم جماهيرية مثل هذه الأعمال، لكنها تبقى
تبريرات ضعيفة، فالحجة الأولى يمكن أن يتجاوزها المخرج نسبيّا، حيث يلعب
الذكاء الإخراجي دوره في مثل هذا النمط من الأفلام دون المساس بحرمة الرموز
الدينية. أما العذر الثاني فلا طائل منه أيضا، خاصة إذا كانت مثل هذه
الأعمال ذات الخلفية الدينية من أكثر الأعمال رواجا في الغرب وفي أمريكا
بالتحديد ولا أدلّ على ذلك من النجاح الذي يحققه هذه الأيام فيلم "ملائكة
وشياطين"، الجزء الثاني من فيلم "شيفرة دافنتشي"، حيث تشير الاحصائيات إلى
أنهما حققا نجاحا مدويا، ومثلما نجح فيلم "شيفرة دافنتشي" تتصدّر "ملائكة
وشياطين" إيرادات السينما الأمريكية وحصد الفيلم الجديد 48 مليون دولار في
أول ثلاثة أيام من عرضه، ونفس النجاح حصدته أعمال استندت إلى خلفيات دينية
مثل فيلم "آلام المسيح" لميل جيبسون الذي أثار ضجة قوية عند صدوره.
لا شكّ في أن الفنون البصرية، سينما وتلفزيون وبرامج وثائقية... وسيلة هامة
يمكن استغلالها للتعريف بالاسلام وحقيقته. ولو يهتمّ بها يمكن أن تثري
الساحة الدرامية العربية وتساهم في تقديم نوع جديد من الأعمال التي تجذب
المشاهدين، وتعرض التاريخ الإسلامي بشكل جذاب ومغاير للشكل الذي حفظناه عن
ظهر قلب في أفلام "الشيماء" و"فجر الإسلام" و"الناصر صلاح الدين" وغيرها من
الأعمال التي تعرض في كل مناسبة دينية وفي جميع القنوات العربية منذ سنين
طويلة، فمجال الدراما الدينية من أبرز الفنون التي تتطلّب تطويرا من أجل
التجاوب مع متطلبات العصر.
العرب أنلاين في
22/05/2009 |