عرض فيلم 'دكان شحادة' لخالد يوسف للمرة الاولى بعد أن
مانعت السلطات بسبب الجرعة السياسية المفرطة.
يبدو أن خروج عرض
فيلم "دكان شحاتة" للنور قد بات محل جدل بعد مجموعة الأزمات التي يواجهها
فيلم
المخرج خالد يوسف خليفة المخرج الكبير يوسف شاهين، حيث أثار الفيلم موضع
علاقة
الرقابة بالمبدعين التي تشهد توترا دائما.
فقد اجتاح الأوساط السينمائية غضب شديد بعد الأزمة التي يواجهها عرض الفيلم
وهو
من بطولة محمود حميدة وعمرو سعد وهيفاء وهبي وغادة عبد الرازق
وسيناريو ناصر عبد
الرحمن.
وعرض الفيلم للمرة الاولى امام الصحافيين الجمعة في القاهرة بعد اشكاليات
عدة
بسبب رؤيته النقدية لاحداث سياسية واجتماعية شهدتها مصر.
وبعد العرض تحدث المخرج خالد يوسف في مؤتمر صحافي عن "المصاعب التي واجهت
عرضه
من قبل العديد من الجهات فوصلت في النهاية الى قناعة بعرض الفيلم خصوصا
اننا جميعا
نحرص على حب الوطن ومصلحته".
وطالب المخرج "بالغاء الرقابة على المبدعين لانهم ليسوا اقل حبا لوطنهم من
الجهات السيادية التي تقرر عرض او عدم عرض الفيلم" في اشارة الى عدة وزارات
بينها
وزارتا الداخلية والدفاع.
وأعربت الناقدة ماجدة موريس عن حزنها الشديد لهذا المنطق الذي يتم به تعامل
الرقابة مع المبدعين، مؤكدة صدمتها فى الرقابة الفنية على
المصنفات التى تشعبت،
وأصبح هناك عدة رقباء من وزارة الداخلية إلى الأزهر والكنيسة، أما أن يضاف
لها جهات
سيادية توصف بالعليا فتلك هي المفاجأة الكارثية، خاصة أننا جميعا نعرف من
هو خالد يوسف وطبيعة أعماله السينمائية على جميع
المستويات الفكرية والإبداعية، مما يجعلني
أجزم بأن الفيلم لا يوجد به ما يجعله يترقى رقابياً حتى هذه
الدرجة، وهل في سلم
الرقابة جهة أعلى من تلك الجهات، ولماذا على العمل الفنى أن يتقدم للرقابة
الفنية؟
أما المخرج محمد كامل القليوبي فانتقد القرار ثائراً لما حصل لفيلم "دكان
شحاتة"، مؤكداً بأن وجود الرقابة الفنية على المصنفات في الأصل
غير قانوني،
وبالتالي فكل ما يحدث حالياً ليس قانونياً بل يدعو للاشمئزاز، داعياً كل
السينمائيين إلى مواجهة ما سماها ببلطجة الدولة والتصدي لها.
وقال "سكوتنا على تدخلات الدولة بشكل غير قانوني هو ما أدى إلى وصولنا لتلك
المرحلة".
واعتبرت الناقدة علا الشافعي ان الفيلم الذي يدور في عالم من المجتمع
العشوائي
هو "مرثية لمصر على مدار الثلاثين عاماً الاخيرة ويقوم على ادانة سياسة
الانفتاح
التي وضع اسسها الرئيس المصري الراحل محمد انور السادات وما تبعها حتى الآن".
وأكد المخرج مجدي أحمد علي كذلك أنه ضد تحويل أى فيلم إلى أي جهات أخرى غير
الرقابة الفنية على المصنفات، ولا أعلم كيف استطاع علي أبو
شادي أن يقول إنه حول
الرقابة إلى مكان لتحويل الأعمال لجهات أخرى.
ويقول الناقد عصام زكريا إن ما يحدث حالياً من ضغط وكبت وقمع سيؤدى الى
عواقب
وخيمة على المبدعين والعملية الإبداعية ككل، وتساءل زكريا عن
الغباء الذى تدار به
مؤسسات الرقابة التى تخاف من عرض مجرد فيلم، رغم أن العديد من الأفلام عرضت
مسبقا
مثل "هي فوضى" و"حين ميسرة" ولم تقم ثورة شعبية مثلا بل تناسى الجمهور كل
أحداث
الفيلم.
ويضيف متعجباً "ماذا نقول عن دولة أشبه بالدولة البوليسية لا يريد القائمون
على
صناعة الفن استيعاب متغيرات العصر الذي نعيشه وان عصر القمع وفرض الوصاية
على عقل
المبدع قد ولى وانتهى بلا رجعة، فالعالم كله سار خطوات واسعة نحو
الديمقراطية وحرية
التعبير، بينما نتراجع نحن للخلف عشرات السنوات رغم أن هذه القرارات لم تكن
لتتخذ
الا في عصور ظلامية بائدة".
فهل يصبح أمر عرض فيلم المخرج خالد يوسف الجديد "دكان شحاتة" في يد جهات
سيادية
عليا أمراً مشكوكاً فيه وهل سيتعرض الفيلم للتشويه عن طريق مقص
الرقيب وذلك بعد أن
وصلت المفاوضات بين المخرج من جهة والرقابة ووزارة الداخلية من جهة أخرى
إلى طريق
مسدود، حيث تعترض الأخيرة على مشهد النهاية الذي يصور حدوث حالة فوضى شديدة
في
المجتمع المصري.
ورغم أن موقف الفيلم ما زال غامضاً، إلا أن شركة الباتروس المنتجة ما زالت
تنتظرالتصريح النهائي.
ويبدو أن قضية فيلم خالد يوسف ستفتح الباب مرة أخرى للخلاف ما بين الرقابة
والمبدعين، حيث تستعد بعض المراكز ولجان الحريات فى النقابات المختلفة لدعم
الفيلم،
وحرية الإبداع، والتي باتت تتعرض لمصادرة وتدخلات شديدة دائماً.
ويذكر أن الفيلم يتناول قضية الحجاب والنقاب في مصر ويسلط الضوء على لعب
الكثير
من الجهات في عملية الأصولية الدينية التي تنتشر في المجتمع
المصري الآن، وأن
المشهد الذي عليه الخلاف ويحتمل حذفه أو تخفيف حدته هو مشهد النهاية الذي
يتضمن
مظاهرة ساخنة يشترك فيها الإخوان المسلمون مع أحزاب المعارضة ضد نظام الحكم
ويطالب
فيها الجميع بإقالة الحكومة وتحميلها مسؤولية كل ما يعانيه
المجتمع من سياسات تخدم
شرذمة قليلة من الشعب تتمتع بالاستقرار والثراء الفاحش على حساب محدودي
ومعدومي
الدخل.
ومن الطريف أن المطربة هيفاء وهبي سوف تلعب دور شخصية الفتاة الفقيرة "بيسة"
التي يقع في حبها الشاب البسيط شحاتة الذي يقوم بدوره الممثل الشاب عمرو
سعد الذي
يتزوجها بعد ذلك ثم يجبرها على ارتداء الحجاب ثم النقاب، لنرى لأول مرة
هيفاء
بالحجاب ثم بالنقاب.
ومنذ لقطاته الاولى يعطي الفيلم الانطباع بانه ادانة لكل ما يجري من خلال
استعراض الاحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها
مصر.
ومن ابرز الاحداث التي صورها الشريط الانتخابات الرئاسية العام 2005 وغرق
عبارة
مصرية ذهب ضحيتها 1400 شخص ومعارك الخبز واقتحام الجدار العازل
بين مصر وقطاع غزة.
وكذلك حريق بني سويف الذي ذهب ضحيته اكثر من 60 مسرحياً بين كاتب وناقد
وفنان
وحريق قطار الصعيد الذي قضى فيه المئات ونزول الجيش الى
الشوارع باحداث الامن
المركزي واختيار حسني مبارك لرئاسة الجمهورية مع وعده انذاك بتحديد فترة
الرئاسة
بولايتين ومشهد اغتيال السادات.
وكان المشهد-الذروة في الفيلم عندما اوقفت مجموعة من السكان قطارا ونهبت
القمح
الذي فيه والاشتباك الذي تلاه مع رجال الشرطة في اشارة الى
الفوضى العارمة التي قد
تصيب المجتمع نتيجة ازدياد درجة الفقر.
وتضمن الفيلم كذلك مجموعة من الاغاني تحمل كلماتها وجع الشعب المصري من فقر
وقمع
وانتهاك للحقوق من قبل السلطة وغيرها.
وشكلت هذه المشاهد حجر عثرة امام عرض الشريط الذي مر على غالبية الجهات
المعنية
ولا سيما وزارتي الداخلية والدفاع وغيرهما من السلطات حتى سمح
بعرضه اخيرا.
وتلعب هيفاء وهبي في هذا الفيلم دوراً يرمز الى مصر المقهورة والمغتصبة في
حين
يلعب حبيبها عمرو سعد دور الشعب المصري المسامح والطيب
والكريم. اما شقيقته غادة
عبد الرازق فتقوم بدور المرأة المقهورة التي تعرف الحق ولا تعرف كيف تستطيع
تحقيقه
لانها تفتقد القدرة والقوة على تحقيق العدل امام جبروت الشقيقين الاكبرين
من ام
اخرى.
ورأت ان الشقيقين اللذين يمثلان السلطة "رمزين لسلطة السادات ومبارك في حين
يمثل
الاب محمود حميدة مرحلة عبد الناصر".
وجاء اداء هيفاء وهبي في هذا الدور المركزي في اول ظهور لها على شاشة
السينما
اكثر من المتوقع. اما غادة عبد الرازق فاتى اداؤها مؤثراً
واخاذاً وهذا ما ينطبق
على عمرو عبد الجليل وعمرو سعد وبقية ابطال الفيلم.
والفيلم ينضح بالسياسة والانتقادات الجارحة.
لكن الناقد محمود الكردوسي اعتبر انه "فيلم جيد اثقلته السياسة وكان
للسياسة ان
تقل قليلاً ليأخذ الفيلم مجراه الفني والابداعي".
ميدل إيست أنلاين في
16/05/2009 |