هل هناك معادلات محسوبة -: أو قواعد ثابتة لصناعة فيلم جيد؟ هذا هو السؤال
الذي ألح علي ذهني طوال مشاهدتي لفيلم - وترجمته الأقرب للدقة هي العبور
وإن كان يعرض تجاريا في مصر باسم الهروب من تأليف وإخراج واين كريمر وبطولة
النجم الأمريكي الشهير هاريسون فورد ومجموعة كبيرة من الممثلين. في
السيناريو كل شيء محسوب بدقة تكاد تقترب مما تنص عليه كتب الدراما. لا توجد
أخطاء فادحة واضحة يمكن رؤيتها بالعين المجردة. يحفل الفيلم أيضا بشخصيات
متعددة -: لكل منها أبعادها ال محددة. وهو -ي تناول قض -ي ة جادة بل تعد ه
-ي القض -ي ة الأهم وموضوع الساعة الذ -ي - -ي شغل الأمر -ي ك -يي ن -: بل
والكث -ي ر من مواطن -ي العالم عن أوضاع الهجرة والإقامة غ -ي ر القانون -ي
ة وك -ي ف -ي ة التعامل مع المهاجر -ي ن غ -ي ر الشرع -يي ن الذ -ي ن -ي
قدر عددهم بالولا -ي ات المتحدة بحوال -ي 45 مل -ي ون نسمة. ي تن -اول
الفيلم قصصا مختلفة عن مهاجرين من مختلف الجنسيات معظمهم يقيمون بطريقة غير
شرعية جاءوا من المكسيك ونيجيريا وبنجلاديش وإيران وإنجلترا وكوريا
واستراليا. قد تتوهم للوهلة الأولي أن هذه الخريطة البانورامية المعقدة
الواسعة هي التي تتسبب في إثقال الفيلم بأح م -ال ينوء بها. وفي الحقيقة
أنه علي الرغم من تنوع وتعدد هذه الشخصيات إلا أن الخطوط لا تفلت من
السيناريو أبدا. فتوزيع المشاهد علي الشخصيات يتحقق بمقدار محسوب ولا يمكنك
أن تشعر بالتشتت أو الالتباس أثناء المتابعة أو أن هناك شخصيات غابت لفترة
طويلة أو قفزت في الأحدا ث فجأة بدون مناسبة. وربما -ي رجع هذا إل -ي
اعتماد الف -ي لم ف -ي بنائه الدرام -ي عل -ي أسلوب ف -ي لم كراش الذ -ي -:
أصبح الأكثر ش -ي وعا وتأث -ي را ف -ي الس -ي نما الأمر -ي ك -ي ة و العالم
-ي ة. : 0 0 0 خل -ي ط من الأجناس : 0 0 0 ف -ي الهروب -ي سع -ي البعض
للحصول عل -ي الكارت الأخضر أو الإقامة الدائمة ف -ي الولا -ي ات ال -متحدة
بأي وسيلة. فالشاب الموسيقي اليهودي الإنجليزي الملحد يزعم أنه مدرس لاهوت
ليتمكن من البقاء في أرض الأحلام.أما صديقته الأسترالية الجميلة التي تحلم
باقتحام - -عالم الفن والشهر ة - لا تجد سبيلا لهذا سوي بإقامة علاقة جنسية
لمدة شهرين - يابلاش - مع مسئول منح تراخيص الإقامة. وفي المقابل تعمل زوجة
هذا المسئول دينيس فرانكل - أشلي جود - كمحامية للدفاع عن المهاجرين غير
الشرعيين وتتعاطف معهم إلي حد سعيها إلي تبني أحد أطفالهم. هناك أيضا من
يأسوا من تحقيق حلم الإقامة بشكل رسمي فليس لديهم حيلة أو إمكانيات لتحقيقه
فلا يجدوا أمامهم مفرا سو -ي الهروب من ضباط جهاز الهجرة. ومن ب -ي ن هؤلاء
الضباط نتعرف عل -ي ماكس بروجان - هار -ي سون فورد - وهو رجل وح -ي د -ي
تعاطف مع المهاجر -ي ن بشدة و -ي سع -ي لمساعدتهم و -ي أخذ عل -ي كاهله
مهمة البحث عن أم مهاجرة - أل -ي س براجا - لتوص -ي لها إل -ي ابنها الذ -ي
أوصته عل -ي ه ح -ي ن ألق -ي -: القبض عليها. كما نتعرف علي زميله الإيراني
الأصل حميد - كليف كيرتز - وهو ممثل بارع يملك قدرات خاصة في التعبير
بالعينين - الذي يستعد والده لإجراء مراسم الحصول علي الإقامة بينما تتسبب
شقيقته في حالة من التوتر والشقاء للعائلة المسلمة بمظهرها وسلوكها المتحرر
وسعيها للاندماج بقوة في المجتمع الأمريكي. . عفوا لم تنته الحكايات بعد،
فهناك تسليمة وهي صبية عمرها 15 عامًا تعرض أسرتها البنجلاديشية للتشتت
بسبب مقال كتبته بفصلها الدراسي تكشف فيه عن تعاطفها مع مرتكبي أحداث 11
سبتمبر. وبالتحري عن الأسرة تكتشف السلطات أنها تق -ي م بشكل غ -ي ر شرع -ي
. وهناك ا -ي ضا مراهق كور -ي - -ي تورط ف -ي ارتكاب جر -ي مة -: تحت ضغط
وإلحاح -: بعض الزملاء الأشق -ي اء. : 0 0 0 بلادة الصورة : 0 0 0 ربما -ي
ساهم ف -ي هذه الحالة تلك البلادة والروت -ي ن -ي ة الت -ي - -ي نتهجها
المخرج ف -ي تعامله مع بناء حركة المشهد بشكل كلاس -ي ك -ي وبتقط -ي ع تقل
-ي د -ي جدا -ي خلو من أ -ي محاولة للتعبير المبتكر. وهو ما تلاحظه بوضوح
في مشهد الحفل الذي يقيمه الأب الإيراني بمناسبة الموافقة ع ل -ي منحه
الإقا م -ة فهو مشهد خبري و لا تمارس فيه الصورة أي دور لإشاعة أجواء مبهجة
قبل وصول الأخت المنبوذة. ومن الشائع في السينما من أيام عمنا أنور وجدي بل
وبالتأكيد من قبله بزمان أن الحفل هو عادة فرصة لتقديم أجواء جذابة ودفع
الإيقاع وتدعيم الصورة بعناصر الإبهار.. ولكن المخرج لا يجيد صنع المود
العام والكاميرا في حالة من الجمود -: والحرص علي القيام بواجبات محددة..
والمخرج بوجه عام وطوال المشاهد يعجز عن إيجاد أي وسي لة للتأث -ي ر إلا من
خلال الوجوه الحز -ي نة الباك -ي ة والدموع المنهمرة والجثث المثخنة
بالجروح. كما -ي عتمد ف -ي تصو -ي ره للمشاهد الجنس -ي ة القل -ي لة عل -ي
الإضاءة المباشرة بلا أ -ي تعب -ي ر لتبدو كمشاهد إثارة صر -ي حة عل -ي طر
-ي قة أفلام البورنو.. : 0 0 0 عاصفة من البكاء : وعل -ي الرغم من محاولات
-الفيلم الدائبة لفرض تأثيره بالمشاهد الحزينة الباكية والظلم الذي تتعرض
له الشخصيات والتضحيات التي تضطر لبذلها و النهايات الدامية لبعضها. إلا
انك لن تدرك علي الإطلاق من الذي يدينه هذا الفيلم علي وجه التحديد. فهو
بالتأكيد لا يدعو لان ي ت -ولي العمل في جهاز الهجرة كائنات كالأطياف عليهم
أن يدخلوا في قلوب المهاجرين الطيبين ليتأكدوا من طيبتهم ونبل غاياتهم. وهو
لا يدين القوانين أو النظم أو الإجراءات التي لم نر فيها قسوة أو تعنتا
رغما عن بكاء وعويل من طبقت عليهم. وليس من الجائز أيضا أن يدعو الفيلم إلي
إلغاء قوانين الهج رة عل -ي الإطلاق ف -ي بلد كان ومازال قبلة لكل المغامر
-ي ن من أنحاء العالم الحالم -ي ن بالنجاح والثروة. إنه ف -ي لم لا -ي د -ي
ن الب -ي روقراط -ي ة ولا القوان -ي ن المنظمة للهجرة ف -ي امر -ي كا فمن
الطب -ي ع -ي أن تستر -ي ب السلطات ف -ي صب -ي ة مسلمة تكتب مقالا تدافع ف
-ي ه عن مرتكب -ي أحداث 11 سبتمبر. وم -ن الطبيعي أيضا أن يتم ترحيل أفراد
أسرتها عندما يثبت أن إقامتهم غير شرعية. ولا يمكن أن ننتقد هذه الحكومة
لأنها تلقي بالقبض علي مهاجرة غير شرعية بل وتودع ابنتها في دار عناية
بالأطفال. ومن العادي جدا أن يوجد مسئول في أي مكان في العالم علي استعداد
لمراودة فتاة جميلة عن نفسها في مقابل منحها تأشيرة الإقامة الدائمة خاصة
لو كانت -: من بقايا فتيات الراحل حسن الإمام علي استعداد لأن تضحي بشرفها
دون الحاجة لكأس به سائل أصفر اللون. لا شك أن الفيلم يهدف لإثارة التعاطف
مع المهاجرين والبكاء من أجلهم ولكنه بميلودراميته الفجة ومبالغاته المفرطة
قد وصل إل -ي نت -ي جة عكس -ي ة وه -ي إثارة الضحك والسخر -ي ة. لا أعتقد
عل -ي الإطلاق كما قد -ي ظن البعض من منطلق نظر -ي ة المؤامرة الفن -ي ة ان
الف -ي لم -ي هدف إل -ي ان -ي جعلنا نحب أمر -ي كا. إنه باختصار ف -ي لم لم
تنضج رؤ -ي ته بعد وكان ف -ي حاجة إل -ي المز -ي د من تطو -ي ر الس -ي نار
-ي و ل -تخليصه من الشعرة الفاصلة بين الدراما والميلودراما وأن يمنح
شخصياته دماء حقيقية حارة ويكسيها باللحم ويكسبها مشاعر حقيقية. إن أسوأ
أنواع التراجيديا هي تلك التي يبكي فيها الممثل استجداء لبكاء المشاهد. وفي
النهاية فإن الأفلام العظيمة ليست هي التي تخلو من الأخطاء ولكنها تلك التي
تتسلل إلي القلب وتسكن في الذاكرة بالرؤي الواضحة المحددة لصانعيها
وبتفاصيلها المنسوجة ببراعة لخدمة الموضوع وتصعيده و بمواقفها الصادقة
وشخوصها التي تتحول في ذاكرتنا إلي بعض من معارفنا وأصدقائنا وأحبابنا
وأعدائنا وكأننا عرفناهم عن قرب وعاشرناهم بالفعل. : 0 0 0
جريدة القاهرة في
12/05/2009 |