"البنات
دول".. فيلم تسجيلي، مدته 58 دقيقة، يرصد حياة أولاد الشوارع، أو على وجه
التحديد حياة “بنات الشوارع” بحذافيرها ودون "رتوش" على الإطلاق. صاحبة
الفكرة والإخراج هي المخرجة تهاني راشد التي اشتهرت بأفلامها الواقعية
التسجيلية التي تتناول قضايا حساسة في المجتمع المصري المعاصر.
يتخذ
الفيلم منطقة ”أبو السعود” العشوائية مكانا لكي يصور جزءا كبيرا من حياة
بعض الفتيات اللواتي يعشن في الشارع، بعضهن مشردات وبعضهن يرفضن العودة إلى
بيوتهن لأسباب مختلفة لكنها كلها أدت إلى أن أصبح الشارع هو المأوى والحياة
بأكملها بالنسبة إليهن.
من
الاختطاف إلى الاغتصاب عنوة أو إلى الحمل سفاحا أو السرقة أو المطاردة من
قبل الشرطة، هذه هي المشاكل التي تواجه هؤلاء البنات كضريبة للحياة في
الشارع، وهن يعرفن هذا جيدا ويحاولن التأقلم مع هذه الأوضاع بشتى الطرق،
العديد منهن مدمنات سواء على”الكلة” أو الـ”برشام” ويعتبرن هذا شيئا حتميا
طالما أنهن يعشن في الشارع.
لكن
الفيلم لا يصور الجزء السيء من حياة هؤلاء الفتيات فقط وإنما يعرض أيضا
جانبا ربما لا يعرفه الكثيرون عنهن وعن حياتهن؛ فعلاقة الصداقة التي تجمع
فيما بين الفتيات قوية إلى الدرجة التي قد تدافع واحدة منهن عن صديقتها ولو
اضطرت إلى أن تعرض نفسها للخطر، أو ترعى طفل صديقتها إذا غابت أو تعرضت للـ”حجز”
في قسم الشرطة.
يعرض
الفيلم أيضا علاقة الـ”بنات” بسيدة ينادينها بـ”أبلة هند” يحببنها ويحترمن
رأيها كثيرا فهن يقلن عنها: "هي اللي علمتنا الصح والغلط وبتخاف علينا زي
أمنا أو أختنا الكبيرة"،جدير بالذكر أن”هند” لم يتجاوز سنها الثلاثين عاما
وهي ليست خريجة ”الخدمة الاجتماعية” ولم تدرس ”علم النفس”، لكنها شعرت بأن
هؤلاء الفتيات بحاجة إلى من يحبهن ويظهر حنانه وعطفه عليهن، ولكونها لم
تنجب شعرت أنها تحتاج إلى هؤلاء البنات بقدر ما يحتجن إليها. عنهن قالت
إنهن يبحن لها بكل أسرارهن ويلجأن إليها حين يواجهن مشكلة ما.
يُظهر
الفيلم أيضا تلك العلاقة الوثيقة بين البنات وبين”أبلة هند” حينما تتوسط
لفتاة منهن عند أبيها بعد علمه بحمل ابنته سفاحا ويقرر أن يقتلها، تتدخل
“هند” لتمنعه وتطمئنه بأنها ستسعى جديا لأن تحصل ابنته على ورقة زواج وعلى
شهادة لطفلها.
ونموذج”هند” الذي وضحه الفيلم لم يكن إلا محاولة للتقريب بين المجتمع
وهؤلاء البنات، فهن لا يحتجن إلا إلى الحب والحنان الصادق من الناس، يحتجن
إلى ألاّ يعتبرهن المجتمع مشاكل وأمراضا مجتمعية فقط بل أن يتم الأخذ في
الاعتبار أولا وأخيرا أنهن بشر ولهن احتياجات ومشاعر كالجميع.
عن الفيلم
تقول المخرجة تهاني راشد إنها قررت أن تنقل الواقع كما هو دون أي تجميل أو
"رتوش"، حتى أنها تركت الشتائم في الفيلم كما هي وكأنها لم تشأ أن تنقل
الصورة ناقصة.
وتقول عن
البنات إنهن فقط أردن أن يحصلن على حقهن في الحياة حتى لو كان ذلك في
الشارع، وإنهن لم يرفضن تصويرهن لشعورهن بأن الكاميرات تعطيهن الفرصة
ليتحدثن ويصفن حياتهن بالكامل وكأنهن يبحثن عن متنفس لكي يقلن كل ما يرغبن
فيه عبره.
وأضافت
المخرجة أيضا أنها لم تشأ أن تنقل الجانب السيء من حياة هؤلاء البنات فقط
لأن الكل يعلم المآسي التي تحدث لهن، لكنها أرادت أن تنقل حياتهن بحلوها
ومرها، بضحكاتهن ودموعهن، لأنها تسعى أولا وأخيرا إلى أن تقرب بين المجتمع
وهؤلاء “المنبوذات”، أن تجعل الناس ينظرون لهن نظرة مختلفة وأن يبدأوا
اهتمامهم بهن، أن يكون هناك العديد من “أبلة هند”. إضافة إلى أنها أرادت أن
توضح مدى قوة هؤلاء الفتيات وصلابتهن وقوة تحملهن لما يواجهنه في حياتهن كل
يوم.
وخلال
مناقشة الفيلم، أكدت المخرجة تهاني راشد أن جانبا كبيرا من الفيلم تناول
حياة أكثر من فتاة حملت سفاحا لأنها-المخرجة- أرادت طرح قضية هامة وهي: هل
يكون للمرأة حق في أن يحصل طفلها على شهادة ميلاد موثقة من المؤسسات
الحكومية حتى لو كان الطفل غير شرعي؟ في رأيها أكدت أنها ترى أن هذا حق من
حقوق المرأة والطفل وأن حياة العديد من الأطفال تتوقف على هذا الحق.
تقول
تهاني راشد أيضا إنها لا تتوقع أن يُعرض الفيلم في التلفزيون المصري لما
يحويه من ألفاظ قد لا تتقبلها الرقابة. وأضافت أنها حزينة لأن حياة هؤلاء
البنات لم تتغير حتى بعد عرض الفيلم، وأن المؤسسات الحكومية المعنية بحماية
أطفال الشوارع لم تعط اهتماما كافيا ولم تقدم أية حلول لهن لكنها تأمل أن
يحدث ذلك مستقبلا.
العرب أنلاين في
16
يناير 2009 |