عن
منشورات وزارة الثقافة في سورية وضمن سلسلة الفن السابع رقم (33) صدر كتاب
“ سينما ساتيا جيت راي “ من تأليف شيداناندا داس غوبتا وترجمة ناصر ونّوس.
يعد “
ساتيا جيت راي” من أهم صانعي الأفلام الهندية في القرن العشرين وقد ولد في
كالكوتا / ولاية البنغال عام 1921 وصنع أول فيلم له بعنوان “باتر بانشالي”
( أي “أغنية الطريق” ) عام 1955 وحقق من خلاله شهرةعالمية إذ فاز بجائزة
مهرجان كان السينمائي عام 1956 ثم تبعه بفيلمين آخرين عرفا مع الفيلم الاول
بالثلاثية أو “ثلاثية آبو” وقد وصل عدد الأفلام التي أخرجها حتى وفاته عام
1992 إلى ستة وثلاثين فيلماً.
وهذا
الكتاب الذي كتبه صديق “راي” الناقد غوبتا عام 1980 بمناسبة مرور 25 سنة
على إخراجه لفيلم “باتر بانشالي” وهو يقدم رؤية متعددة الأبعاد لفن (راي)
واختبارا للعلاقة بين رؤية “راي” للحياة والشكل الذي وجدت هذه الرؤية
تعبيراتها فيه من خلال فنه.
إن (راي)
، في رأي المؤلف ، هو كلاسيكي وريث المفهوم الهندي التقليدي للفن ، إذ يكون
فيه الجمال غير منفصل عن القيم الأخرى كالحقيقة والخير وعلى البرغم من أن
راي كان فهمه عميقاً للثقافة الغربية الواسعة غير أن هنديته هي التي تعطيه
قيمته. إن ربع قرن من عمله الإخراجي يعد تاريخاً للتغيير الاجتماعي في
الهند على مدى أكثر من قرن. ففي فيلم “لاعبو الشطرنج” يجسد الانهيار الأخير
لمجد المغول وفي فيلم “حجرة الموسيقى” إشارة إلى انهيار النظام الاقطاعي
ويجسد في “ثلاثية آبو “ حركة البراهمة المتعبة بين الهند التقليدية والهند
الحديثة ويشير إلى يقظة النخبة الهندية للأفكار المتطورة في فيلمي “ الإلهة
“ و “شارولاتا” وبداية تحرر المرأة في فيلم “ المدينة الكبيرة” ومعاناة
العاطلين عن العمل بعد عقود من الاستقلال في فيلم “الخصم“ والموت الحتمي
للضمير في مجتمع فاسد في فيلم الوسيط. ويقول المؤلف أن أعمال (راي) تقتفي
ما هو جوهري في التطور الاجتماعي للطبقة الوسطى في الهند الحديثة.
وفي فصل “
النهضة البنغالية والتأليف الطاغوري” يستعرض الكاتب تاريخ مدينة كالكوتا
ومقاطعة البنغال وبدايات النهضة فيها إذ كان قربها من مقر السلطة أعطى
للبنغاليين الفرصة لاحتلال صدارة النافذة المطلة على الغرب وكان صعود طبقة
متوسطة جديدة في البنغال في القرن التاسع عشر استجابة للمحفز الغربي تصادف
مع الحاجة اللغوية وأثمر ما سمي بالنهضة البنغالية وقد تطور النموذج نفسه
في كل مكان من الهند. وكان لعشيرة طاغور وعي عالمي قوي فلقد ترجموا مسرحيات
موليير إلى البنغالية ونظموا معرضا للباوهاوس في كالكوتا عام 1921 وتجول
رابندرانات طاغور ( 1861 - 1941 ) في كل أنحاء العالم وكانت له علاقات مع
الكثير من الكتاب والفنانين وقد تأصلت الهند والبنغال في قبيلة طاغور وخلق
نماذجاً لثقافة متكاملة هي حصيلة اندماج الثقافتين الشرقية والغربية.
وفي
الواقع أن فهم “ ساتيا جيت راي” للفن الغربي والحضارة الغربية كان فهماً
عميقاً والميراث الثقافي لـ”راي” مختلق من مزيج غني من التقاليد الهندية
والغربية ومدعّم بالاقتراب من الطاغوريين والعبقرية الخلاقة لجده ووالده
وإن ولعه الدائم بالموسيقى الكلاسيكية الغربية جعل لديه شعورا بالبنية
والشكل والايقاع وفهمه للقيم الحديثة والغربية أعطاه بصيرة في أداة
السينما. وبعد سؤاله عن كيفية تعلمه صناعة الفيلم كان يقول : عن طريق
مشاهدة الأفلام القادمة من الغرب.
كان لدى
عائلة راي ولع بأدب الأطفال وكانت قصائد والده محفوظة في ذاكرة الأطفال
البنغاليين ونشر مجلة للاطفال سميت “سانديش” وأصبحت مجلة شعبية ذات نطاق
واسع.
في عام
1923 مات الأب وكان عمر ساتيا جيت سنتين وربته أمه في بيت أخيها وسط عائلة
كبيرة وكانت العائلة قريبة من الطاغوريين وبعد تخرجه في الكلية الرئاسية في
كالكوتا ذهب راي إلى إحدى الجامعات في “ شانيشنيدكيتان” لدراسة الرسم وكانت
مركزا لليقظة الهندية في الأدب والفنون في العالم وبعد تخرجه عمل مصمماً
للاعلانات التجارية وتصميم أغلفة الكتب ومن بين الكتب التي زينها نسخة
مختصرة من رواية “ باتر بانشالي” لمؤلفها بيبهوتي بهوشان بانديوبادهايا.
وظهر في
هذه الأثناء اهتمامه بالسينما وأسس عام 1947 جمعية كالكوتا السينمائية وكتب
مقالات عن مشكلات السينما الهندية وكانت الجمعية هي الوسيلة الوحيدة
لمتابعة عروض السينما العالمية ومن بين الذين التقاهم في الجمعية رينوار
وبودوفكين وجون هيوستون وخلال عامي 48 - 49 جاء للتعرف على جان رينوار الذي
كان في كالكوتا للتحضير لفيلم “ النهر” وقد قضى راي وقتاً طويلاً مع رينوار
وكتب عنه لمجلة أكسفورد السينمائية وتم إرساله إلى لندن عام 1950 لتلقي
المزيد من التدريب وبقي هناك أربعة أشهر شاهد ما يقارب من مئة فيلم من
بينها “سارقو الدراجة” إلى جانب افلام أخرى من الواقعية الايطالية الجديدة
التي تركت أثراً كبيراً عليه وخلال عودته في السفينة إلى الهند كتب نص فيلم
“باتر بانشالي”.
إن نقل
الأدب إلى السينما كان من صلب عمل راي ففي بداياته تعامل راي حصراً مع
الأعمال الكلاسيكية بمهارة صاعداً بها نحو مستوى إبداعي راق كما في “ثلاثية
آبو “ و “شارولاتا” وهي قصة لطاغور. وفي أفلامه الأخيرة كان يلتقط أعمالا
أدبية لكتاب شباب وقصصاً طويلة مثل “أيام وليال في الغابة” و “الخصم” و
“الشركة” و “الوسيط” ويخلق مستويات لم يحلم بها مؤلفوها.
وفي فصل
مقاربات إبداعية يشير المؤلف إلى أن (راي) كتب دوماً سيناريوهاته الخاصة
ولم يحلم بصناعة فيلم بالاعتماد على سيناريو لشخص آخر وفي كل خطوة في صناعة
الفيلم مهما كانت صغيرة هي بالنسبة (لراي) عمل حميم يتعامل معه باهتمام
كبير. أما الحوار فيؤدي في أفلامه دوراً مختلفاً جداً عن دوره في المسرح
وهو جزء متمم جداً للبيئة إذ أن التدريب عليه يفقد معناه وهو يعتمد على
الشخصية الطبيعية وجاذبية الشخص ليعطي للإيماءات التي يمليها شكلاً ذا مغزى
إنساني. والشخصية الطبيعية للممثل لدى راي مهمة حتى في حالة الممثلين
المحترفين والتمثيل ضد الطبع لدى الممثل غير مقبول لديه وهو بمجرد ما ينصب
الكاميرا ويتم اختيار زوايا التصوير حتى تصبح القرارات كلها قرارته.
وخلال
الكتاب يقوم المؤلف بتحليل أفلام (راي) وتقنياتها الابداعية ويلقي الكثير
من الأضواء عليها وينتهي الكتاب بمسرد لأفلامه
المدى العراقية في
12
يناير 2009 |