في تجربتة
الاولي مع الاخراج قدم المخرج احمد حداد حالة فنية فريدة شديدة الرومانسية
من خلال فيلمه الروائي القصير كل البنات بتحب الشيكولاتة الذي عرض للمرة
الاولي الاسبوع الماضي في عرض خاص بمركز الابداع الفني الفيلم من بطولة
المطربة انوشكا والوجوه الشابه مني هلا وأية حميدة و نجلاء يونس و بسمة
ياسر و نادين الحكيم .يروي الفيلم الذي تدور أحداثه في أقل من عشرين دقيقة
حالة اجتماعية منتشرة في اغلب البيوت المصرية وهي حالة الجمود العاطفي
والفراغ الاجتماعي الذي يجتاح حياة المرأه بعد تجاوزها الاربعين من عمرها
وتدهور شكل العلاقة بينها وبين زوجها ووصول كل منهما الي درجة من درجات
الملل الزوجي الذي أدي بهم إلي إهمال وجود الطرف الثاني فنري الزوجة والأم
بروتين حياتها اليومية الذي لا يكسره أي تغيير بداية من الاعتناء بابنتها
ومنزلها الي محاولاتها المتكررة ان تسترجع الاحساس بينها وبين زوجها بعد
مشاهد متكررة توضح لنا فتور العلاقة الزوجية بينهما ورفض الزوج دائما اي
محاولة منها لتجديد هذا التواصل الطبيعي الذي كسته الأيام والسنون بغبار
السرعة والجري وراء المادة دون الاهتمام لدعم العلاقات الانسانية بينهما
.تدهور العلاقات الزوجية بين الزوجين واحدة من المشكلات التي تصيب إحساس
المرأة علي وجه الخصوص بعد مرور فترة طويلة علي هذا الارتباط , خضوعها
لروتين حياة ثابت يفقدها مع مرور الوقت جزءا كبيرا من مشاعرها الطبيعية
كأنثي لها حق طبيعي في تغيير هذا الروتين كما يفعل الرجل دوماً سواء
بانشغاله بعمله او توفر علاقاته بالاصدقاء , عرض لنا الفيلم أحد جوانب
أسباب هذه المشكلة وهو خضوع الزوج طوال الوقت للبحث عن المال وتوفير حياة
افضل فيما حوله لنا المخرج الي صورة ديناميكية جدا اشبه بالالة المنظمة
التفكير وثابتة الحركة , تنظر في جهة واحدة لا تحيد عنها وهي شرعية وجود
الزوجة في حياته لترتيب اموره وتربية ابنته فقط .أعطانا المخرج في هذا
العمل بعض المفاتيح التي تقود الي وجدان وقلب اي امرأة في العالم من خلال
سرده الحالم والرومانسي للتفاصيل والمفرادات الدقيقة والصغيرة جدا التي لو
ادركها الجنس الآخر لتمكن بسهولة شديدة ان يجد فن السعادة التي يبحث عنه
الكثيرون في علاقاتهم وخصوصا علاقاتهم الزوجية , فالرومانسية الحالمة التي
تمزقت مع عجلة الزمن السريع وبين اختفاء المشاعر الهادئة والامان النفسي
والاجتماعي بين الزوج والزوجة باتت أشبه بالنوادر الساخرة التي ينكرها
الكثيرون , فكما رأينا في هذا العمل شخصية الزوجة البسيطة اقصي ما تتمناه
في حياتها هو شعورها ولو من خلال قطعة شيكولاته يهديها لها زوجها بأنها
مازالت مفضلة لديه كامرأة وزوجة وحبيبة لا كخادمة أو سكرتيرة تعمل لديه ,
لكن الآلة التي إلي جوارها لا يمكن لأحد أن يحيدها علي وجهتها فقد تلاشي
دورها كأنثي في البيت حتي اصبحت كقطعة الأثاث غير المرئية بعيون هذا الزوج
الذي ربما قد نسي ملامح وجهها , هذا نموذج قد نراه احيانا ولكن هناك نموذجا
آخر اصر المخرج ان يبرزه لنا سريعاً من خلال الاحداث الهادئة للفيلم وربما
هذا الموقف كان هو ذروة انفعال الحدث داخل الفيلم فمن جهة اخري نري تركيبة
مضادة لتركيبة الزوجة لكنها ايضا امرأة لم تسجن نفسها داخل اطار الملل بل
حولته الي خيانة و لهو بمشاعر الغير , فنري الزوجة يوم ميلادها يلقي لها
غريب مار الي جوارها في الشارع بهدية لا تعرفه ولا يعرفها لكنها تجد كل
امنيتها داخل هذا الطرد مجموعة كبيرة من قوالب الشيكولاتة التي حملها الي
حبيبته والتي سخرت منها ومنه والقت به من شرفة حياتها وذهبت الي رجل آخر ,
فما كان له إلا ان يتخلص من هذا الحمل الي اول شخص يصادفه , عرض المخرج
نموذجين مختلفين تماما لشخصية المرأة فلكل منهما قناعتها واخلاقها و سلوكها
لكنهما لا يجتمعان سوي في النوع فقط فمن الممكن ان يكون ضحية انعدام
المشاعر رجل او امرأة لذلك اخرجنا المخرج سريعا من الدائرة المغلقة التي
تقذف الرجل دائما بالقسوة والوحشية ضد المرأة الي معادلة صحيحة هو ان
الاثنين بشر يمكن ان يكون احدهما الجاني والآخر هو المجني عليه , ويستمر
المخرج في سرده لبعض الحكايات الجانبية لبعض الفتيات الاخريات صديقات ابنة
البطلة التي تلعب حلاوة الشيكولاتة التي اقتسموها مع الأم في رؤسهن وكأنها
علاج سحري يجعهلن أكثر سعادة وصراحة عند تناولهن لقالب منها كما جاء علي
لسان احداهن ان قالب الشيكولاتة هذا يدعمهم للبوح بما يكمن بداخلهن وهو في
الحقيقة مجرد سبب وجدن فيه المخرج من ازمتهن او إكسير الصراحة التي يمحوا
منهن اي حرج في الحديث فتبدأ كل واحدة منهن مثل السكاري بسرد مشكلتها التي
تجتمع جميعها في قالب واحد وهو نظرة مجتمعهن لهن والاضطهاد الذي يعانون منه
سواء داخل بيوتهن او داخل مجتمعهمن فبرغم بساطة المشاكل لكنها تضيع لحظات
كثيرة من السعادة علي هؤلاء الفتيات الصغيرات جدا وبالطبع ينعكس هذا الكبت
علي علاقتهن بالاخرين .اما الزوجة التي برعت في ادائها الفنانة انوشكا بوجه
مليء بالهدوء والرومانسية لخصت كل مشكلتها ومعاناتها وربما معاناة الكثيرات
من النساء في جملة واحدة ساعات الست ما يهمهاش بروش ألماظ .. قد حتة
شوكولاتة من إيد حبيبها .قدم لنا احمد حداد قطعة شيكولاتة فنية تذوب احساس
المشاهد ووجدانه , ويضيف بهذا العمل نقطة جديدة الي رصيد السينما المستقلة
التي ستصبح بعد سنوات قليلة جدا اكبر وأوسع انتشارا وانتاجا مما نتوقع
فمازالت السينما المستقلة تجاهد رغم المعوقات التي تقف حائط صد لنموها .
جريدة القاهرة في
6
يناير 2009 |