أكثر من مجرد لعبة

يقلّب المخرج الجنوب أفريقي جنيد أحمد في فيلمه «أكثر من مجرد لعبة» صفحات مجهولة من تاريخ نضال شعبه ضد سياسة التمييز العنصري التي مارسها البريطانيون خلال أكثر من قرن. صفحات لم يقرأها الناس من قبل، تحكي عن لعبة كرة القدم، اللعبة نفسها، وكيف تحولت في سجن «جزيرة روبين» أداة للتحرير.

يعيدنا الشريط الى فترة صعود اسم القائد الوطني نيلسون مانديلا، واشتداد النضال الوطني ضد المحتلين الإنكليز خلال ستينيات القرن الماضي على وجه التحديد، والذي دفع القوات البريطانية، المهيمنة على مقاليد البلاد، الى تشديد قبضتها، والقيام بحملات اعتقال واسعة ضد أبناء البلد الأصليين. كان النشطاء منهم ينقلون الى سجن جزيرة روبين النائية، كما نقل مانديلا من قبل، ليقضوا بين جدرانه سنوات عمرهم المتبقية. من بين هؤلاء رجال بقوا على قيد الحياة، ولأنهم عاشوا التجربة لجأ المخرج الى ضمهم كعنصر رئيسي في فيلمه، ليضفي عليه طابعه الوثائقي، ولأنه يتحدث عن الماضي استفاد من أحاديثهم لاعادة نسجها روائيا. وبهذا جمع في فيلمه، الوثائقي والروائي معاً.

في بداية الشريط يتقدم خمسة أشخاص، هم كما سنعرف لاحقا، مؤسسو اتحاد جنوب أفريقيا لكرة القدم داخل السجن ليتحدثوا عن تجربتهم في تأسيس اتحادهم. هم يحكون عن اتحاد رياضي للعبة جماهيرية، تلعب عادة على أكبر مساحة مكشوفة، تأسس داخل سجن في جزيرة نائية. انها مفارقة، من دون شك، ولهذا يسارع جنيد أحمد الى تحويلها الى فيلم مبهر. في دقائقه الأولى يضعنا الشريط في صورة الوضع الذي كانت عليه جنوب أفريقيا في ستينيات القرن الفائت. الشرطة تقتحم البيوت وتعتقل الشباب والشيوخ على سواء. تفتيش في كل مكان وعنف ضد السود من دون رحمة. آلاف من الشباب ينقلون الى سجن «جزيرة روبين» ليقضوا أحكاما طويلة بالأشغال الشاقة. عملهم الوحيد، هناك: تكسير الصخور الى أجزاء صغيرة، وهذه الى أصغر وهكذا دواليك. أحكام أريد بها إنهاك أجسادهم ومن بعد القضاء عليهم بطريقة غير مباشرة. في المقابل كانت حماسة الوطنيين السود تتنامى وصدى حركة الخارج تصلهم. فهم سياسيون، في المقام الأول، همهم إيجاد أفكار تنقذ البلاد وأهلها. وكي لا يموتوا اخترعوا مثل بقية سجناء العالم ألعابا خاصة بهم، كالشطرنج مثلا. الفرق هنا أنها ممنوعة ومصدر لتعذيب إضافي إذا ما كشفت. لكن الخيال والطموح بلا حدود. من الورق ستتشكل أولى الكرات ومن بعد سيتفنن السجناء في صناعتها من مواد أخرى كالخرق والحبال. وستتحول قاعات السجن الى ملاعب كرة سرية. ولأنهم سياسيون ويجيدون التنظيم قاموا بحملة ضغط للسماح لهم بلعب الكرة خارج جدران السجن. كانت إدارة الشرطة ترفض طلباتهم، وهم بدورهم كانوا يعاودونها. ذات مرة ولأغراض دعائية أرادت إدارة السجن الظهور أمام مفتشي الصليب الأحمر بمظهر البشر المتحضرين، فأصدرت أمرا، يسمح لهم بلعبها رسميا. هذا القرار الخطأ! كما جاء على لسان أحد السجناء، سيكلف المحتل كثيرا. لم يدرك المحتلون أنهم بقرارهم هذا إنما زادوا من عزيمة السود، وحسنوا من وضعهم الصحي وشدوا من لحمتهم، بل، قربوا وجهات نظر ممثلي الأحزاب السياسية الناشطة في السجن. هكذا تحولت كرة القدم الى أداة لمقاومة الموت والفعل السياسي، ولهذا أبعد المحتل مانديلا عنها كليا حتى لا تتذرع الشرطة بوجوده وتمنع انصاره من ممارستها. كان قرارا صائبا، اسهم في تكوين قيادات سياسية منفصلة عن مانديلا، في تشكيل ادواتها النضالية، مع التزامها مساره الوطني. كانوا يعرفون، جيدا، ان لعبتهم الجديدة إذا ما اتسعت، ستفرح قلب قائدهم، وصراخ المشجعين قد سيصل الى زنزانته المنفردة، التي لا تبعد عن سجنهم سوى أمتار قليلة، لتخبره ان شعبه ما زال حيا وقادرا على مواصلة الكفاح.

كرة جليد

بالفعل، اتسعت كرتهم، وصارت مثل كرة جليد، تتسع كلما حركتها أقدام السجناء. ولم يكتف هؤلاء بلعبها عشوائيا، بل شكلوا، من أجل تحسين مستواها، فرقا، واختاروا مدربين ونظموا بطولات. وأخيرا، وضعوا لائحة سميت لائحة «مكانا» التي سيبنى عليها لاحقا، النظام الداخلي لاتحاد الكرة. تحولت الكرة الى مصدر للحياة والحيوية، وتحول الشريط السينمائي الى مصدر متعة حقيقية للمشاهد. نحن أمام صنعة بصرية مذهلة، تكشف عن تطور الحرفة السينمائية الأفريقية. فالمشاهد التي صورت بالأسود والأبيض، للتذكير بالماضي، تنقل المناخ الذي عاش فيه السجناء والدور الذي لعبته الكرة في حياتهم، وأسهمت شهادات الساسة (بالألوان) في ربط الأجزاء التسجيلية بالروائية بشكل رائع. قدموا بكلامهم مادة سردية غنية وأضفوا على الشريط روحا حية. حكوا كل شيء. السيئ، مثل الصراع الذي نشأ بين فريق الدرجة الثالثة والمحترفين، والجيد مثل التفاهم على ضوابط وقيم لم يحيدوا عنها في أحلك الظروف، فساعدت في صمودهم. آلفت الكرة بين قلوبهم وجعلت منهم أسرة واحدة. ومشهد تجمع اللاعبين وتركهم الساحة حين يلمح أحدهم مانديلا مقيدا والسجناء ينقلونه الى قاعة أخرى من السجن. ثم الهياج الذي عم بعدها وتصاعد هتافاتهم باسم الحرية... المشهد عبّر بوضوح، عن العلاقة المتينة بين الهم الوطني وحب اللعبة العجيبة، وهذا ما عبر عنه أحد الشهود حين قال: لم نضف موروثا جديدا لأجيالنا بتأسيسنا اتحادا للكرة، ليس هذا فقط، لقد أسسنا لقيم هي أكثر من الكرة نفسها، فالكرة كانت داخل السجن أكثر من مجرد لعبة.

مور يوثق الأزمة المالية

يسابق المخرج الوثائقي الأميركي والحائز على جائزة الأوسكار مايكل مور الزمن، من أجل الانتهاء من أعداد مواد فيلمه الجديد عن الأزمة المالية، التي تعاني منها الولايات المتحدة الأميركية والتي تركت آثارها الخطرة على العالم قبل نهاية العام. والسبب وراء ذلك، كما صرح لصحيفة «الغارديان»، أنه يريد توثيق الأزمة الحالية ويحلل أسبابها قبل نهايتها. ولأنها تثير احساسا يشبه الإحساس الذي يتولد عند الناس قبل سقوط الإمبراطوريات.

سياسيون في أفلام جديدة

بعد فيلمه «W». عن الرئيس الأميركي المنتهية ولاية جورج بوش، يعد المخرج أوليفر ستون فيلما جديدا عن الرئيس الفنزويلي المثير للجدل هوغو تشافيز. فكرة الفيلم، كما يقول ستون، خطرت في باله بعد لقائه تشافيز في شهر شباط (فبراير) الفائت عندما حضر عملية التفاوض لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى منظمة «فراك» الكولومبية المسلحة وساعد تشافيز في حلها. ولم يكشف ستون الكثير من التفاصيل واكتفى بالقول أن الفيلم يركز على تشافيز والثورة في أميركا اللاتينية ودوره السياسي داخل وخارج وطنه، وأنه يأمل في الانتهاء منه خلال الموسم المقبل.

فاتسلاف هافل ممثلا

بدوره أقنع المخرج ميلوس فورمان، الرئيس التشيكي السابق فاتسلاف هافل بالمشاركة في فيلمه الجديد الخاص بمعاهدة ميونيخ التي أبرمت في العام 1938. قصة الفيلم اعتمدت على أحداث رواية الكاتب والصحافي جورج مارس بينامو المعنونة «معاهدة ميونيخ» والتي تعيد سرد ما جرى في الاجتماع الذي جمع هتلر وموسوليني بتشامبرلين والفرنسي دالدير في ميونخ وتقرر فيه تقسيم تشكوسلوفاكيا بين بولندا والمجر نزولا عند رغبة الألمان التوسعية والتي تذرعت بحجة تحرير المواطنين الألمان الأصليين قاطني المناطق الحدودية الفاصلة بين ألمانيا وتشكوسلوفاكيا المعروفة بأراضي «سودتنلاند» التي طالب هتلر في النهاية بضمها للأراضي الألمانية وكان له ما أراد، ليطلق عليها التشيك فيما بعد اسم اتفاقية ميونيخ الخيانية. الفيلم يعيد حكاية صحافي أميركي- تشيكي حاول في ستينيات القرن الفائت مقابلة رئيس وزراء فرنسا دالدير وسؤاله عن حقيقة ما جرى في ذلك الاجتماع.

الأسبوعية العراقية في 4 يناير 2009