حالة
تربص.. هذا هو حال كثيرين ممن كانوا ينتظرون مشاهدة فيلم محمد هنيدى الجديد
«رمضان مبروك أبوالعلمين»، وللتربص أسبابه، فهذه هى المرة الأولى التى
يبتعد فيها هنيدى عن موسم الصيف ويقبل بكامل إرادته التواجد فى موسم آخر..
ولذلك كان هناك من ينتظرون إجابة عن السؤال المهم: هل يستطيع هنيدى تحقيق
الإيرادات الضخمة التى اعتاد عليها فى أفلامه السابقة وهو هذه المرة بعيد
عن الموسم الأهم تجاريا؟! إلا أن اختلاف الموسم وترقب إيرادات هنيدى ليس
السبب الوحيد وراء حالة التربص، فهناك أيضا من كانوا يعتبرون فيلم هنيدى
الجديد فيلما حاسما فى مشواره. وعندما التقيت هنيدى قبل عرض الفيلم قلت له
أن هناك من يرون فيلمك الجديد هو الفيلم الحاسم فإما النجاح أو... واعترض
هنيدى وقال لى لايوجد شىء فى الفن اسمه «إما.. أو». ورغم أننى أوافقه وأرفض
تماما تصنيف فيلم فى مشوار نجم مهما كانت الظروف التى تحيط به على أنه
الفيلم الحاسم لكن هذا لايمنع أن هناك بالفعل من كانوا يرون أن فيلم هنيدى
هو الحاسم فى مشواره وربما فسر البعض تعاون هنيدى مع المؤلف يوسف معاطى
لأول مرة على أنه محاولة من هنيدى لإنقاذ نفسه تدعمها شركة إنتاج ضخمة هى
جود نيوز التى تعاون معها هنيدى لأول مرة أيضا، لكننى سأتوقف عند من يرون
أن رهان هنيدى الأكبر كان على «يوسف معاطى» و«جود نيوز» وهو كلام لا أظنه
صحيحا، لأنه مع احترامى للجميع لكن هناك أفلاما ليوسف معاطى لم تحقق النجاح
وجود نيوز أيضا بكل إمكانياتها لم تستطع توفير النجاح لفيلم مثل «ليلة
البيبى دول» بكل نجومه.. إذن الرهان لم يكن على شخص أو شركة إنتاج بقدر ما
كان على تكامل الفيلم ككل من ورق وتمثيل وإخراج وإنتاج وصورة، وهذا هو سر
نجاح «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة»، فالفيلم يقدم شخصية صعبة لأستاذ لغة
عربية من الريف متمسك جدا بقواعد وأصول اللغة ومتمسك أكثر بالقيم
والتقاليد، وهى شخصية صعبة فى أدائها وشكلها وطريقة النطق، لكن إتقان هنيدى
لمفردات الشخصية كان أحد أسباب نجاحه فيها بدءا من الشكل الذى جاء ليرسم
بالبدلة والنظارة والشارب والعجلة، صورة خاصة جدا لرمضان مبروك، بالإضافة
إلى أداء هنيدى المناسب لطبيعة شخصية المدرس القوى الشخصية لنكون بذلك أمام
كوميديا الشخصية، وهى كوميديا بقدر سلاستها بقدر صعوبتها أيضا لأنه يكون من
التجاوز الفنى أن تبتعد عن طبيعة الشخصية وأسلوبها فى التعامل والكلام
وبالتالى لا مجال للإيفيهات أو المواقف الكوميدية المصطنعة وهى صعوبة نجح
فى التغلب عليها المؤلف يوسف معاطى وساعده بالتأكيد قدرة هنيدى على الإمساك
بمفردات الدور وحفاظ وائل إحسان كمخرج على إيقاع الفيلم. لقد نجح «رمضان
مبروك أبوالعلمين» فى تفجير الضحك من خلال مواقف كوميدية كثيرة منطلقة من
طبيعة شخصية رمضان وعلاقته بمن حوله سواء فى قريته ومدرسته أو فى المدرسة
الراقية بالقاهرة، وطلابها من أبناء الوزراء والشخصيات المهمة، ولم تتوقف
الشخصية عند منطقة الضحك فقط، فهى شخصية من لحم ودم، وبالتالى نجد مبروك
يحب ويضعف ويقدم تنازلات أيضا ومثلما نجح هنيدى فى أداء المواقف الكوميدية
التى فجر بها الضحك نجح أيضا فى أداء مشاهد تراجيدية خاصة المشهد الذى يجد
فيه والدته أمامه وهو يلم النقوط خلف زوجته المطربة، وأيضا المشهد الذى
يحبسه فيه الطلاب داخل الغرفة ليتبول على نفسه فيشعر بإهدار الكرامة.. وهو
مشهد أداه هنيدى بشكل رائع. ومع هنيدى كان هناك آخرون تألقوا.. يوسف معاطى
ككاتب ووائل إحسان كمخرج وسيرين عبدالنور التى كان الفيلم فرصة كبيرة لها
لتقدم نفسها للجمهور خاصة أن أول أفلامها فى مصر «المسافر» لم يعرض بعد ولا
يضمن لها نفس النجاح الجماهيرى لفيلم من بطولة هنيدى، وهناك أيضا النجوم
الشباب الذين تألقوا فى الفيلم، وكانت عودة ليلى طاهر للسينما بعد غياب
طويل أمرا يحسب لرمضان مبروك أبوالعلمين. لقد نجح هنيدى ليس فقط فى تفجير
الضحك ولكن فى أن يستنفر كل طاقاته كممثل، فشخصية رمضان لم تكن تحتاج
كوميديانا فقط ولكن ممثلا يعرف كيف يجسد الشخصية فيضحك ويبكى أيضا بها،
ونجاح هنيدى هو فى الحقيقة رسالة واضحة لكل من حاولوا التربص له ولكل من
راهنوا على أنه لن يستعيد مكانته مرة أخرى، لقد فعلها هنيدى.. استعاد
مكانته عند الناس كأبرز نجوم جيله وأكد أن الممثل قد يظلمه الورق أحيانا
وقد يخونه الاختيار أحيانا لكنه فى النهاية لا يمكن أن يتراجع خاصة إذا كان
نجما فتح بوابة الفرص لنجوم جيل بالكامل وأعلن الناس فى أكثر من فيلم له
أنهم يراهنون عليه.. هنيدى لم يعد ككوميديان يعرف كيف يضحك الناس من
قلوبهم، لكنه عاد أيضا كممثل ينطبق عليه اللقب الغالى «المشخصاتى»، لقد
تذكرت وأنا أشاهد «رمضان مبروك أبوالعلمين» هنيدى وهو فى قمة نجاحه فى «صعيدى»
و«همام» و«فول الصين» وأحسست وهو يقول عبارته الشهيرة فى الفيلم «أنا رمضان
مبروك أبوالعلمين حمودة» مدرس أول اللغة العربية» وكأنه يقول أنا محمد
هنيدى مدرس أول الكوميديا فى جيلى.
صباح الخير المصرية في
3
يناير 2009 |