لا أعرف «نوراة
عمر باشا»، مع الاحترام الكامل لشخصها الكريم!.. ولعلي لم أسمع باسمها، قبل
أن يقع بين يدي ذاك الكتاب الذي يحمل عنوان «لمحة عن رحلة عمل المخرج محمد
الناصر الخمير»، والذي أصدره مهرجان الشرق الأوسط السينمائي، في أبو ظبي،
في دورته الثانية أوكتوبر 2008. ولقد سألتُ وبحثتُ، لكنني لم أقع على جواب
يفيد بمعلومة واحدة، أبداً!..
ولم أسمع
بأحد، من قبل، يتحدث عن المخرج التونسي الكبير «الناصر الخمير»، فيجعل من
اسمه: «محمد الناصر الخمير»!.. فالمتعارف عليه والدراج بين عموم من يهتم
بالسينما العربية عموماً، والسينما التونسية خصوصاً، هو التعامل مع هذا
المخرج المتميز باعتبار أن اسمه «الناصر الخمير».. وفي الكتاب نفسه ما يثبت
ذلك، ويناقض عنوانه.
وفي
العموم لا هذه ولا تلك، تثير الحفيظة، التي ترتقي إلى مستوى الغيظ، وتجعل
الأمر معيباً تماماً، بحق سينمائي كبير، كان يراد تكريمه والاحتفاء به..
المعيب
حقاً، هو أن يضع الكتاب، على صدر غلافه الأول، أنه «حوار مع نوارة عمر
باشا»!.. فهل هذا معقول؟..
من يحاور
من؟..
بقدرة
قادر، وبصريح العبارة التي لا لبس فيها، أضحى المخرج «ناصر الخمير» في حوار
«نوارة عمر باشا»!..
أي لياقة
في هذا الكلام؟..
هل هكذا
نكرم مخرجينا، ونحن نصنع عنهم كتباً، غايتها الاحتفاء والتكريم؟..
أما كان
من باب اللياقة والاحترام، أن يتم تكليف أحد نقادنا السينمائيين الكبار، من
ذوي الخبرة والدراية والمعرفة العميقة، على الأقل بعالم «الخمير»
السينمائي، لينجز كتاباً نقدياً عنه، يفيد ويثري معرفتنا، ويكرم المخرج،
ويفيه حقه؟..
لعلها
هفوة؟.. نعم.. أو ربما!.. ولكن ما كان يجب أن تمرّ، خصوصاً بحضور ناقد
سينمائي من العيار الثقيل، هو الأستاذ سمير فريد.. وإذا كان أستاذنا سمير
فريد، ومهرجان أبو ظبي، قد مرراها، لسبب أو لآخر، فمن الواجب أن نتوقف
عندها.. لنتساءل على الأقل!..
والأدهى
والأمر، والتي تكمل طين النقطة الأولى بلّة، أننا عندما نقرأ الكتاب بتأن،
لن نجد أي حضور لذاك الحوار المفترض، فيما بين المخرج الناصر الخمير،
ومؤلفة الكتاب (نوارة عمر باشا)!.. نعم.. لا حوار يدور على صفحات هذا
الكتاب، إذ يبدأ الكتاب بعشرين صفحة (5 – 25)، تتضمن نصاً طويلاً، فيه
أشكال جميلة من البوح والاعترافات، أو الشهادة، المنسابة على لسان المخرج
الناصر الخمير، حتى لتبدو كأنها أشياء من دفتر مذكراته، أو تخطيطات أدبية
أولية لكتابة سيرة ذاتية، مفعمة..
وكان من
الممكن لنا، التذاكي قليلاً، واعتبار هذه الصفحات العشرين، خلاصة حوار، أو
ثمرة رسائل متبادلة، فيما بين المخرج والمؤلفة، لولا أن النص ينتهي بتوقيع
المخرج، الذي جاء باسمه «الناصر الخمير» (انظر ص 25، حيث التوقيع باسم
«الناصر الخمير»، وليس «محمد الناصر الخمير»!)..
وعندما
ينتقل الكتاب إلى الجزء الثاني منه، والذي يحمل عنوان «سيرة.. محمد الناصر
الخمير»، سوف نجد أنفسنا أمام مقتطفات من نصوص وحوارات عديدة كتبها نقاد
وصحفيون، تناولوا جوانب من مسيرة المخرج الناصر الخمير السينمائية..
وهنا
يمكننا أن نتساءل: ما الذي يتبقى من الكتاب، الذي لا يتجاوز 70 صفحة من
القطع الصغير، لو حذفنا ما كتبه، كل من: (صالح الجاجة، خالد النجار، محمد
بن رجب، سمير غريب، وليد شميط، سامي السلاموني، أحمد عامر، حسن شاه، سمير
نصري، صلاح هاشم، د. جمال الدين بن شيخ، بترجمة عبد الحليم المسعودي، خالدة
سعيد، ناخب الخشناوي، محمد الأحمد، د. رفيق الصبان، محسن عبد الرحمن، محسن
الزغلامي)؟..
حتى أن
الكتاب ينشر مقالة كتبتها «خالدة سعيد»، تمتد على قرابة 8 صفحات (51 – 59)
دون الإحالة إلى المصدر، أو المرجع، المنشورة فيه المقالة الأصلية.
وسنلاحظ
هنا أن غالبية هذه النصوص والحوارات التي كتبها وأجراها نقاد وسينمائيون،
على مدى قرابة أربعة عقود من تجربة المخرج السينمائية، لم يتم تحقيقها، أو
الإشارة إلى تواريخها، لا في المتن أو الهوامش، مما يمكن أن يوقع القارئ في
خلط..
لنأخذ
مثالاً واحداً فقط، حيث يقول المخرج في الصفحة 32، وفي حوار مع خالد
النجار، ما يلي: «وفي المهرجان الأفريقي الأول للشباب الذي انعقد في الصيف
الأخير بتونس قدمت مرثية المتسولين العرب بقصبة الجزائر».. والكتاب،
والمؤلف، لا يشيران بوضوح إلى أن هذا الكلام جرى على لسان المخرج منذ 34
سنة، وليس الآن.. فالمهرجان المذكور في حديث المخرج عُقد في صيف 1973، وليس
في صيف 2007، والمخرج قال كلامه هذا عام 1974، بينما الكتاب من منشورات
2008.
وأخيراً..
قد يقول قائل، إن المخرج هو من أراد هذا.. بمعنى أنه من اختار الشخص
والموضوع، ووافق على العنوان.. ربما لأن الشخص يعنيه شخصياً!.. عندها لا
نملك إلا القول: تعالوا نصفق لـ «نوارة عمر باشا»، ونكرمها مع المخرج
«الناصر الخمير».. فالمخرج «عاوز كده»!.. وما كان من مهرجان أبو ظبي سوى
الطاعة.
موقع "إيلاف" في 28
ديسمبر 2008 |