كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

اللّمسة الروائية في أفلام الطبيعة

لندن/ عدنان حسين أحمد

 

ينتمي فيلم "دَببة" للمُخرِجَين البريطانيَين ألاستير فوذَرغِل وكيث سكولي إلى أفلام الطبيعة، أو أفلام الحياة البرّيّة التي تدور حول الحيوانات والنباتات والكائنات الحيّة الأخرى غير البشرية التي تعيش في مواطن وبيئات نائية ومعزولة إلى حدٍ كبير. 

تدور أحداث ووقائع فيلم "دَببة" على مدى 77 دقيقة في شبه جزيرة ألاسكا التي تقع على النتوء الشمالي الغربي لقارة أميركا الشمالية، وهي برّيّة مترامية الأطراف تُقدّر مساحتها بنحو 800 كم2 وتُعتبر محْمية بيئية تعيش فيها أنواع مختلفة من الدببة البُنّية والذئاب السمراء وغزلان الرنّة وأعداد كبيرة من الطيور اللافتة للانتباه.

لمسة روائية

على الرغم من أنّ هذا الفيلم وثائقي بامتياز إلاّ أنه لا يخلو من لمساتٍ روائيةٍ هنا وهناك. فلقد ارتأى كاتبا النص ألاستير فوذَرغِل وآدم تشابمن ومخرجاه فوذَرغِل وسكولي أن يمنحا بعض الدببة البنية والذئاب السمراء أسماء حقيقية حيث سُمّيت الدُبّة الأم بـ "سكاي" بينما أخذ "الديْسَمان" وهما صغار الدُبّة اسمي "سكوت" و "أمبَر". كما أَطلقا على دُب آخر اسم "ماغنوس"، وهو ذكرٌ كبيرٌ مُعافى، فيما سُمي الدُب الثالث بـ "تشينوك" وهو ذكر قوي وكبير السن في آنٍ معا. أما الحيوان الأخير الذي حظيَ بالتسمية فهو الذئب الرمادي "تيكاني". لقد مَنحت هذه التسميات الفيلمَ الوثائقي بُعداً روائياً جعلنا نتابع شخصيات معروفة بأسمائها وأدوارها وطريقتها في الحياة. كما لَعِب السرد الشيّق للممثل والمغني الأميركي جون كريستوفر ريلي دوراً كبيراً في تعزيز القصص التي تمحورت حول الأم "سكاي" وديسَميها الصغيرين "سكوت" و "أمبر" اللذين سيتعلمان الكثير خلال الأشهر الستة التي تبدأ من أوائل شهر أبريل / نيسان وحتى موسم سقوط الثلج الذي يضطرهم للعودة إلى ذات "الوجر" أو المخبأ الذي كان يحميهم من برد الشتاء القارس وثلوجه المتراكمة، كما يدرأ عنهم أخطار الذئاب المتوحدة الجائعة التي تبحث دائماً عمّا يسدّ رمقها خلال هذه الأشهر العصيبة.

تحتاج أفلام الطبيعة إلى مراقبة ورصد طويلين وربما يضطر المصورون إلى زرع كاميرات المراقبة في أوجار الدببة والذئاب، وعرائن الأسود، وجحور الأفاعي، وأعشاش الطيور تماماً كما حصل في العديد من الأفلام الوثائقية عن الحياة البرّيّة وربما تكون هذه الكاميرا السرّية قد امتدت إلى وجر سكاي وديسميها الصغيرين اللذين سمعنا صوتيهما في مطلع الفيلم وهما يرضعان الحليب من ثديي أمهما وينعمان بالدفء الذي توفره لهما في أشهر السبات الشتوي الستة.

الرحلة الشاقة

يتابع طاقم التصوير سكاي وصغيريها من لحظة خروجهم من المخبأ العميق الواقع في قلب الجبال النائية المُثلجة بُغية الوصول إلى السواحل التي ينحسر فيها المدّ في أشهر الصيف وإلى الأنهر والشلالات الكثيرة التي تزدحم فيها هذه المحمية الطبيعية بحثاً عن الغذاء الذي يتكوّن جُلّة من الأسماك الصدفية، وأسماك السلمون، والحشرات، والثمار، والحبوب، والأعشاب وما إلى ذلك.

ما أن تبدأ الأم سكاي مع صغيريها رحلتهم الشاقة التي قد تزيد على أسبوع أو عشرة أيام أو أكثر ربما بحسب بُعد الملاذ الآمن الذي اختارته حتى نكتشف جمالية هذا المشهد الأمومي الحميم حيث نرى الصغيرين يعدوان خلف أمهما التي تغذّ السير بسبب الجوع الشديد الذي سبّبه السبات الشتوي وحاجتها الماسة لتأمين الطعام. كما سنعرف منذ بداية الفيلم أن الديسم الصغير أمبَر متعلّق بأمه ولا يكاد يفارقها إلاّ لماما، بل أنه غالباً ما يتشبث بها أو يرتقي ظهرها في المسير العادي أو في عبور الأنهر وبعض المسطحات المائية. أما سكوت فهو بعيد عن الأم بعض الشيء وقد ضاع غير مرة أو بقيَ عالقاً بعض الوقت لكن دأبْ الأم وحرصها على حمايته من خطر الحيوانات المفترسة الأخرى هو الذي يساعد في كل مرة على العثور عليه وإنقاذه من الورطة التي يقع فيها آخذين بنظر الاعتبار أن الدَببة تمتلك حاسة سمع وشمّ قويتين كما أنهم يتخاطبون عبر "القهقعة" وهي الأصوات التي تطلقها الدَببة صغارها وكبارها على حدٍ سواء.

استشعار المخاطر

ولابد من الإشارة إلى أن الدَببة لها قدرة كبيرة على استشعار المخاطر الأمر الذي يجنّبها من خطر الانهيارات الثلجية التي تُسمى بـ "التيْهورات" والتي تصل سرعتها إلى 80 ميلا بالساعة. وقد كان مشهد التيْهور الذي شاهدناه في الفيلم جميلاً وآسراً وهو يندفع من القمم الثلجية الشاهقة ليغطي مساحات شاسعة من الوديان، والأشجار الباسقة، والأراضي المنبسطة.

وبعد هذه الرحلة الشاقة تلوح في الأفق الجبال التي ذابت عن قممها الثلوج وتكشفت الأرض المعشوشبة الخضراء، وبدأت الحياة البرية تلتقط أنفاسها من جديد. فلأول مرة يرى الديسمان الصغيران دببة وحيوانات أخرى مختلفة تُشكّل خطراً حقيقياً عليهما ولابد أن يُتقِنا فن الدفاع عن نفسيهما لكي يواصلا رحلة الحياة التي لا تخلو من مصاعب جمّة في كثير من الأحيان. وها هما يشاهدان أول مرة الدُب الضخم ماغنوس، والدُب الآخر الأكبر سناً تشينوك، ثم بدآ يستشعران الخطر الذي يشكّله الذئب الرمادي تيكاني. كما أخذا يتعرفان على الحيوانات الأخرى والطيور المتنوعة كالغربان والنوارس شيئاً فشيئاً.

الشيء اللافت للنظر أن الدَيْسمين الصغيرين يتعلمان الدفاع عن نفسيهما بواسطة الهجوم على تيكاني وكأنهما يعرفان بأن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع وبالفعل تنجح هذه الطريقة التي سيطورانها يوماً بعد يوم خصوصاً وأنّ الأخطار المُحدقة بهما كثيرة وأن الأم هي التي تتحمل القسط الأكبر من عملية الدفاع وتوفير الحماية الدائمة لهما، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الذئاب الرمادية مفترسة، خبيثة، وواسعة الحيلة والدهاء. وعلى الرغم من أن الأم سكاي لا تدخِّر وسعاً في الدفاع عن صغيريها إلا أنها تنسحب من منطقة النفوذ التي يتصارع عليهما الدُبّان الآخران ماغنوس وتشينوك، بينما تنقطع هي للبحث عن الأسماك الصدفية المدفونة في رمال الشاطئ الذي انحسرت عنه المياه. وفي الوقت الذي يدرب فيه "أنبر" نفسه على البحث عن الغذاء يسقط شقيقه سكوت في قيلولة صغيرة وحينما يصحو من غفوته يجد نفسه ضائعاً لكنه ينجح في خاتمة المطاف في الوصول إلى أمه. وربما يكون اللقاء مع أنبر هو الأكثر إثارة لأنهما يُعبِّران بصدقٍ لا مثيل له عن سعادتهما بعد هذا الفراق القصير. ثم تتكرر الحالة فيفترقان لبعض الوقت لكنهما سرعان ما يلتقيان ويجتمع شملها من جديد، ويقبّلان بعضهما بعضاً بطريقة حميمة لا تُخطئها عين الناظر أبدا.

إذا كان الديْسمان الصغيران قد رأيا بضعة دببة وحيوانات أخرى متفرقة في موسم الربيع فإن قدوم الصيف يحمل بين طياته عشرات وربما المئات من الدببة والذئاب الرمادية إلى الأنهار الضحلة والشلالات المائية حيث تتدفق أسراب السلمون بالآلاف صاعدة إلى أعالي الأنهار والينابيع باحثة عن الأماكن الضحلة كي تضع بيوضها هناك قبل أن تشرع في العودة مُجدداً إلى المياه العميقة لكن الدببة والذئاب تقف لها بالمرصاد وتصطاد منها بالعشرات. وربما تكون أجمل مشاهد الفيلم هي تلك اللقطات المثيرة التي يتمّ فيها اصطياد هذه الأسماك اللحيمة التي تشكّل الأكلة المفضّلة حتى للدياسم الصغيرة التي تدربت على الصيد أو أخذت فكرة عنه في الأقل. وإذا كان "أنبر" يأكل مع أمه على الدوام ويشاركها حصتها من السلمون الشهي فإن "سكوت" غالباً ما يخطف من الأم بعض صيدها ويأكله على انفراد. 

لا شك في أن الصيد بمخالب اليدين أو بأفواه الدببة جميل لكن اللقطات المثيرة واللافتة للانتباه هي تلك التي تقف فيها الدببة عند الشلالات والمساقط المائية ولا تكلف نفسها سوى عناء فتح الفم الذي تدخل فيه السمكة الكبيرة مباشرة وهي تجتاز الشلالات. وقد تكررت هذه اللقطات الجميلة غير مرة لتُنهي مصائر العديد من الأسماك التي لم تتوقع مثل هذه الأفخاخ المنصوبة عند المساقط المائية الساحرة للألباب.

لقد كَبُرَ الديسمان الصغيران، وتعلّما الصيد، وأدركا بالغريزة ربما أهمية الدفاع عن النفس، ودرء المخاطر، وتجنّب الحيوانات المفترسة الماكرة كي تنجو بجلدها وتبقى على قيد الحياة إلى أن يشتدّ عودها، وتقوى شكيمتها، وتصبح قادرة على العيش بأمان بعيداً عن رعاية الأم ووصايتها.

السُبات الشتوي

وما إن تبدأ أولى تباشير الشتاء بالحلول حتى تتهيأ "سكاي" وديْسماها الصغيران للشروع برحلة العودة إلى جبال "كاتماي" كي يلِجوا في مرحلة السبات الشتوي الطويلة، وقبلهما مباشرة كنا نشاهد الدُبّين الكبيرين ماغنوس وتشينوك وهما يلقيان النظرة الأخيرة على مضاربهما قبل أن يُيمِّما وجهيهما شطر الجبال العالية التي سوف تغطيها الثلوج بالكامل.

يستطيع المُشاهِد أن يعتبر قصة الفيلم برمتها تدور حول عائلة الدُبّة سكاي وطريقة عنايتها بصغيريها اللذين بدأ يتأهلان شيئاً فشيئاً. كما يمكن اعتبار الفيلم جولة في الحياة البريّة لمختلف الحيوانات سواء أكانت دِببة بُنيّة أم ذئاباً رمادية، أم عُقباناً وطيوراً جارحة أخرى، أم أسراباً من السلمون، أم أكداساً من الأسماك الصدفية المدفونة تحت رمال السواحل التي انحسرت عنها المياه. إنها رحلة ساحرة في تأمل صفحات الطبيعة الجبلية المغطاة بالثلوج، وهي استكشاف للغابات التي تكتظ بها الوديان والأراضي المنسبطة، كما أنها متعة بصرية لا تُضاهى وأنت تستمتع بمشاهد الدِببة البُنيّة والذئاب الرمادية وهي تصطاد أسماك السلمون في رحلتها المثيرة لوضع بيوضها في أعالي الأنهار والينابيع.

لابد من الإشارة إلى أن فيلم "دَببة" قد صُوِّر في "بارك كاتماي الوطني" في ألاسكا وهو موطن بِكر للحياة البرية ومحْمية من عبث العابثين، وخطر الصيادين الخارجين عن القانون. أُطلِق الفيلم في 18 نيسان من العام الماضي. كما قُدِّم ضمن برنامج عروض السينما العالمية في الدورة الثامنة لمهرجان أبو ظبي السينمائي وقد نال إعجاب المشاهدين الذين سبق لهم أن شاهدوا نتاجات المُخرجَين البريطانيين المعروفين ألاستير فوذَرغِل صاحب الأفلام الوثائقية المشهورة "أزرق عميق" 2003، "الأرض" 2007، "قطط أفريقية" 2011، و "الشمبانزي" 2012، وكيث سكولي الذي اشترك مع فوذَرغِل في إخراج "قطط أفريقية" و "دِببة".

أما أبرز الأفلام الوثائقية الطويلة التي تتمحور حول الحياة البرية أو الطبيعة فهي "نانوك ابن الشمال" 1922 لروبرت فلاهيرتي، و "الصحراء الحيّة" لجيمس ألغار. ويمكن الإشارة إلى فيلم "القارة السادسة" للمخرج الإيطالي فولكو كوليتشي، و "العالم الصامت" للمخرجين الفرنسيين جاك كوستو ولوي مال. و "الصياد الأخير" للفرنسي نيكولا فانييه. 

جدير ذكره بأن فيلم "مسيرة البطريق" 2005 لـ "لوك جاكيه" قد حاز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في العام ذاته. إنّ ما يجمع أفلام الطبيعية المُشار إليها سلفاً وفيلم "دَببة" موضوع البحث والدراسة هو توفرها على بناء رصين، وحبكة قوية، وشخصيات واضحة المعالم تتيح للمُشاهد فرصة التأمل أو حتى المشاركة في صنع الأحداث والتعاطف مع الأبطال وإن كان هذه الأخيرة ميزة خاصة تتمتع بها أفلام فوذَرغِيل وسكولي كما هو الحال في فيلمي "قطط أفريقية" أو "الشمبانزي" الذي أخرجه بالاشتراك مع مارك لينفيلد، هذا إذا ما وضعنا جانباً أن أفلام الطبيعة تتيح لمتلقيها سياحة مجانية إلى المضارب النائية في القارات السبع لكرتنا الأرضية، كما أنها توفر خطاباً بصرياً ينطوي على الكثير من الدهشة والمتعة والفائدة.

ذاكرة السينما: عربة السفر

عرض: كمال لطيف سالم

تمثيل: جون واين، جورج بانكروفت، توماس ميشيل، جون كارايني

اخراج: جون فورد

الفيلم مأخوذ عن قصة أرنست هيكوكس "عربة إلى لورد زيبرغ" . العربة هي أميركا وطن المنفيين الذي يمزقه الصراع والزمر المتناقضة. والهنود، وهم القوى الجامحة في الطبيعة، والمرأة الحامل هي الحرية والمصرفي هو المؤسسة الجمهورية الفاسدة والشريف الخير ذو الحصان والبندقية هو روزفلت، وجماعة بلمر هي قوى المحور، وباك السائق وزوجته المكسيكية (هوليتا) هما المزيج العرقي الذي يعطي البلاد طابعها الديمقراطي.

وفكرة فيلم "عربة السفر" هي طريد العدالة النبيل الرجل الجيد السيئ محدداً بجون واين أي أن مجموعة عربة السفر هي صورة معكوسة للمجتمع المتوازن فمن غير المنطقي أن غالبية الشخصيات ذات السمعة السيئة : الطبيب السكير والعاهرة والمدان ، يتصرفون على أفضل وجه في الأزمتين الرئيستين الولادة وهجوم الهنود، الحياة والموت، والفلم هو سلسلة من التهديدات المنذرة بالسوء لوحدة مجموعة (آل مورمون) ففي البداية يكون تماسكهم كاملاً، وفي الطريق تتعرض هذه الأسرة إلى تحد من قبل ثلاث أسر أخرى (آل كليغ، وفرقة العرض، وقبيلة من الهنود المسالمين).

ويظهر المخرج جون فورد معسكر تفريق المجموعة في لوحة رائعة عبر أشخاص يتحركون بصمت أطار الصورة، بعدها تتحرك الصورة نحو رتل طويل من العربات وهي تتحرك عبر الكاميرا، ويدور فورد الكاميرا على محورها على كل أسرة عند اقترابها ثم ينقل إلى اللقطات الجماعية المندفعة للرقص إلى سلسلة من اللقطات القريبة المنذرة بالسوء. بعد ذلك في قطار العربات وفي لقطة واسعة طويلة تقابل المنطقة الصحراوية العتيدة حيث صور الفيلم في غالبيته في أرض مسطحة. وبعد عبور الجبل ينهي المخرج فورد الفيلم الذي يستمر بشكل شاعري وآخره عبور النهر حيث يلتحم الأسلوب الحالم بالوثائقي، وتقوم الكاميرا بحركة مهتزة لتنتج لحظة الحدث ثم تظهر النهاية

اكتشف المخرج جون فورد الممثل جون واين ضمن فريق كرة القدم لجامعة جنوبي كاليفورنيا حيث منحه دورا في فيلمه الأول (المهمة) عام 1929 ثم قام بعد ذلك بأدوار شريرة كما في فيلم "السيد لنكولن الشاب" وكذلك في فيلم "الرجل الهادئ" ،"اشياء للذكرى" و"كانوا مستهلكين"، "قلعة الأباشي" و "الرجل الهادئ."

المخرج والصحفي الياباني تاكيهارو واتاي:

صنعته بعشر سنوات من الجهد بكاميرا فديو

د. فراس الشاروط

من ضمن العروض المفاجئة في مهرجان دبي السينمائي الـ11 ، كان عرض فيلم ( سلام على دجلة ، حرب العراق وعشر سنوات من العيش في بغداد) ، وهو فيلم وثائقي يرصد الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب في العراق على حياة الناس هناك ، والفيلم حصيلة تسجيل توثيقي امتد لأكثـر من عشر سنوات أمضاها المخرج في توثيق وقائع الحرب ، يبدأ الفيلم قبل اسبوعين فقط من بدء الحرب في مارس/ آذار 2003 ، ليعود المخرج في نفس الشهر من عام 2013، ليزور الاماكن والاشخاص الذين عرفهم ، ويرصد ما خلفته الحرب عليهم.

ومخرج الفيلم (تاكيهارو واتاي) صحفي متخصص بتغطية النزاعات في منطقة الشرق الاوسط ، وحائز على جائزة (فاون أويدا ) الصحافية اليابانية ، كما فاز فيلمه ( عصافير صغيرة) 2005 ، بجائزة حقوق الانسان في مهرجان (لوكارنو ) السينمائي الدولي.

·        في البدء أسأل: بعد جيل العمالقة في السينما اليابانية (ميزوغوشي و أوزو) وسينما (كوراساوا)، الآن هنالك موجة جديدة في السينما اليابانية ، هل تعتقد انك تنتمي لهذه الموجة؟ أو لجيلها؟

- لا أستطيع أن أقول إني ضمن الموجة ، لكن أستطيع ان أقول أننا كجيل نشكل موجة صغيرة ، ربما في نظرة مستقبلية ، وخطوة بعد أخرى على قلة عددنا ، ربما في المستقبل نشكل رؤية ما ، آمل ذلك .

·        أذن هل تنتمي للصحافة أكثر أم للسينما؟

- كلاهما، في البدء خلفيتي جاءت من الصحافة خصوصا في التصوير الفوتوغرافي، وكذلك الإعلام، قضيت ما يقارب الـ (17) عاماً مع الكاميرا، في بعض الأحيان أصور، وفي أحيان أخرى أعبر بطرق مختلفة، بعد حرب العراق ومنذ خمس او ست سنوات عقلي يذهب لصنع الأفلام أكثر من الصحافة وتحديداً لصنع الأفلام الوثائقية ، واعتبرها شيء مهم في حياتي.

·        أعرف أن فيلمك الاول حاز على جائزة (مهرجان لوكارنو)، حدثني عن تجربتك الاخراجية وعن وفيلم (سلام على دجلة) وما ترتيبه بين افلامك؟

- سابقاً صنعت بحدود (5) أفلام، وحصلت على جوائز قليلة، أيضاً هذا الفيلم صنعته أثناء حرب العراق من خلال قصص متعددة، صنعته بعشر سنوات من الجهد بكاميرا فديو وبعض الأحيان بصور فوتوغرافية، هذا العمل أحبه ومهم جدا في مسيرتي.

·        لماذا العراق؟ لم ليس افغانستان أو ما يحدث في سوريا الآن، هل في خلفيتك شيء عن العراق، فكان لابد من ان تصنع هذا الفيلم عنه؟

- قبل أن تبدأ حرب العراق كنت على اطلاع بأوضاع المنطقة وما يحدث في افغانستان، لكن حرب العراق، حرب خاصة، مشتعلة، هي حرب كبيرة في التاريخ الحديث، لهذا السبب كان عقلي في بعض الأحيان يذهب دائما الى هناك، لم اكن أريد الذهاب، بل يجب ان أذهب، لهذا اخترت العراق وهذه الحرب... أعتقد أن هذا الفيلم هو ليس فيلماً خاصاً، ليس عن حرب العراق، بل عن الحرب بشكل عام، هذا الفيلم عن نتائج الحروب وما تخلفه، صحيح انه فيلم وثائقي صغير لكن آمل ان يحدث تأثيراً كبيراً مثلما آمل أن يأتي السلام للعراق، هذا هو الشيء المهم بالنسبة لي الآن.

الشعب العراقي من جهة أخرى شعب محبوب عند اليابانيين، ليس عندي فقط بل اقصد عند عامة الناس، ربما لأنه شعب عنيد، وذكي.

·        كان فيلمك قاسياً، كان هناك الكثير من الدموع أثناء العرض، كيف كان الشعور أثناء المونتاج؟

- كان قاسياً، قاسياً، خصوصاً ليس من قبلي، فانا كنت أشاهد الأجساد، الألم، البكاء، كل يوم لمدة عشر سنوات، أما عند الآخرين فمشاهدته كانت مفاجأة، كان هناك كثير من الدموع، لذا يبدو فيلمي فيلما غير ممتع، لكن في النهاية هذه هي الصورة العامة للحرب، هكذا اخترت ان اقدم الصورة بلا رتوش، بلا قطع، فقط عرض عن الحرب.

·        بما انك تحولت لعالم السينما هل تحلم بصنع فيلم روائي مستقبلاً؟

- لم لا... في المستقبل، حقيقة لست متأكداً، لا أستطيع كتابة سيناريو، أو أدارة ممثلين، أفترض، هي هكذا، في الوثائقي أكون تحت ضغط أكبر، أستطيع رؤية ما خلف الحدث، خصوصاً وجهات نظر الضحايا، الاحداث وتنوع المعلومات، لا، أميل للوثائقي أكثر.

·        هل هذه فلسفتك في السينما الوثائقية؟

- أريد أن أغير وجهات النظر، وليس صناعة قصة، لا أريد تقديم عرض عادي، في كل وقت افترض أن أكون مع الناس، في آلامهم، في السلم والحرب، افترض اني أكون مع الاحداث دائما ً.

·        من هذه الفلسفة ماذا تفضل أو ما هو الأقرب اليك الموسيقى أم الرواية أم شيء آخر؟

- الموسيقى شيء جيد، لا احب الروايات اليابانية كثيراً، لكني اعشق سينما كوبريك وسينما هيتشكوك والموسيقى الأميركية، لا أقول الشعب الاميركي بل اقصد الموسيقى عندهم.

·        سؤال أخير، هل تحلم بالعودة للعراق؟؟

- في كل وقت أفكر بالعودة للعراق، للناس وبغداد، لكن الوضع غير آمن بالنسبة للناس أقصد، هناك إطلاقات ومفخخات، في كل وقت أفكر: كيف؟ ومتى؟ ربما في المستقبل أعود ثانية للقائهم، ربما أعمل فيلماً آخر أيضاً، في المستقبل طبعاً وليس الآن، بعد خمس أو عشر سنوات وسيكون مختلفاً سيكون هذه المرة فيلماً عن السلام وليس مثل سابقه يوم كان عن الحرب.

دعوى تأمل إلى المتطرفين الفرنسيين قبل فوات الأوان

شذا المداد

عبد الملك” ، مغني راب وشاعر حساس، من أصول أفريقية، يعيش في مدينة فرنسية بعيدة عن باريس العاصمة، التي تحتمل كل غريب، هناك تدور أحداث الفيلم الفرنسي(Qu' Allah bénisse la France)، الذي حقق نسب مشاهدة عالية، وتناولته الصحافة الفرنسية كفيلم إشكالي يعرض لمادة لحظية، أتى ليحمل أكثر من رسالة اجتماعية

بمضمون ينطوي على شيء من الذكاء التقني والفني، قدم الفيلم الذي وثق لعودة الروائية الطويلة في السينما، قدم رؤية جديدة لحياة المهاجرين في فرنسا من خلال قصة حب تربط بين رجل أفريقي وامرأة عربية ، ثم تتجه للحب الإلهي وسط روحانيات عالية.

المخرج الفرنسي الشاب الذي بدى مشبعا بالمواهب فضّل أن يقدم عرضه بالأبيض والأسود كدلالة على رمزية يتوقع أن تصل إلى المتلقي فورا، وليس كل المتلقيين، يبدو أن هناك رسائل خاصة، ورغم استهجان نقاد كثيرون على عرض فيلم بهذه الطريقة التي رآها البعض مقصودة مشوهة، والبعض اثنى من باب التقنية الجديدة كفيلم رومانسي يؤدي رسالة ما كان المنتجون الفرنسيون حريصين أن تصل في هذا التوقيت بالذات فالسينما رسالة في النهاية ورسالة خطيرة.

فالبطل يعيش تناقضات الهوية، وهو المهاجر الذي يركض وراء مغامرة تراجيدية وتحقيق المزيد، فمغني الراب يبحث عن مصادر للرزق لتكوين فرقة موسيقية مع مجموعة أصدقاء في الحي الفرنسي الفقير، لا يتوانون عن السرقة، وعن القيام بأعمال منافية، ظهر في بداية الأمر كبطل رومانسي حالم يتمتع بنية طيبة لتحقيق هدف مشروع، فالراب” موضة سادت بين أوساط الشباب الفرنسي، في مقدمتهم المسلمين.

تتدرج الشخوص في تناقضاتها وصراعاتها إلى مستويات عليا تصل حدود الجريمة، كأنّ الأمر بدا مخططا ليقول أنّ المجتمع الجديد عصي على المهاجرين، ففي فيلم “ بارك الله في فرنسا” الذي يقدم سيرة سردية ذاتية لمغني اعتنق الإسلام، تتدرج الشخصيات المركبة التي بدت متأثرة بالبيئة نفسها، لم ينف المخرج شرط البيئة ككيتونات للفقر والعنف غيرت أفكار المهاجرين.

يفقد صديقه في حادثة قتل غدرا، فيعتنق الإسلام، يتطرف في إسلاميته كثيرا ، ويذهب إلى أمكنة غير مرغوبة، وهنا يبرز العنف كوسيلة حياة، فمغني الراب والشاعر الرومانسي تر ك كل شي ورائه ليذهب إلى مدينته الأم المسلمة يؤدي فروض الصلاة، يرفض الاندماج بمجتمع غربي علماني حداثي، يصور المنتج بطريقة تقليدية آليات رفضه للعقلية الفرنسية المنفتحة ويعود منغلقا الى نفسه ليعيش التجربة الدينية الجديدة، ليتورط في لحظة ما مرة أخرى مع دولة القانون بسبب أعمال مخالفة.

رصد الفيلم بنية الشخصية المسلمة بين ذهنية محرمة وتارة متطلعة لتحقيق رغبات مرفوضة في أدبيات المسلمين، هو رفض صداقة إحدى الفرنسيات المعجبات بفنه وشعره، ليفضل حب أخرى مسلمة، “نوال” الحبيبة العربية التي بدت وسطية معتدلة لا تريد سوى العيش بكرامة في أي بلد كان, لا يهمها الدين بقدر ما تعنيها السعادة.

المدى العراقية في

08.01.2015

 
 

18 عاما من الصمت ..

حواء احتفلت معه بالعيد .. جورج سيدهم يتكلم !

حوار - طاهر البهي

 لأول مرة منذ 33 عاما تتزامن الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف مع احتفالات ميلاد السيد المسيح.. وكما احتفلنا بالمولد النبوى - مولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم - على الصفحات السابقة فغننا نشارك إخواننا الأقباط احتفالاتهم بعيد الميلاد المجيد و نحل ضيوفا على بيت الفنان القدير جورج سيدهم الذى امتعنا على مدار أربعين عاما .. و الذى تكلم لنا والسيدة زوجته عن ذكريات العيد ...

كلما قمت بزيارة إلى الفنان الكبير القدير جورج سيدهم تملكتني مشاعر متباينة من السعادة الغامرة أنني بصحبته، وإحساس ثان هو حالة من الحزن العميق تنتابني تعاطفاً وتوحداً مع حالته الصحية إثر الهجمة الشرسة من المرض التي هاجمته منذ العام 1997م  والتي لازالت تترك أثرها على مركزي الكلام والحركة وتتسبب له في حالة من العزلة الإجبارية مع زوجة مخلصة والاعتزال المبكر وهو في قمة نضجه وعطائه الفني.

18 عاماً من الصمت يا جورج ولكنك صامد صمود الجبل العتيد تقاوم بحبك للحياة مستمداً قوتك من إيمانك بالله، ومن أنفاس زوجة مخلصة قلما يجود الزمان بمثلها، تحول محرابك في قاعتك المفضلة التي تعيش فيها معظم ساعات النهار وبضعة ساعات من الليل تحولها إلى واحة غنَّاء أنت وهي مليكيها، تطلب بنظرة عين فتلبي دكتورة ليندا زوجتك المحبة طلبك قبل أن يرتد طرفك، وقد تحول جسديكما إلى كيان واحد.. روح واحدة، تسعد فيها الزوجة بخدمتك – وهي خدمة شاقة لمن لا يعرف – وتطمئن أنت إلى وجودها.. زوجة وأم وحبيبة وأخت وطبيبة، تعرف كل صغيرة وكبيرة عن حالتك، إلا أنها حتى يطمئن قبلها تجري عشرات الاتصالات بأطبائك المحبين قبل أن تمنحك قرصاً واحداً من العلاج بإخلاص ووعي وفهم لاحتياجاتك.. حقاً.. "حينما يكون الاثنان واحداً".

شددت الرحال إلى منزلك بعد أيام قليلة من خروجك من المستشفى على إثر أزمة صحية مفاجئة، ومن بين عشرات الاتصالات من صحف وقنوات فضائية اخترت أنت "حواء"  لتفتح لها أبوابك المغلقة على مدار الساعة نيابة عن كل الزملاء معللة ذلك بأن حالة المودة التي تجمعنا بجورج ستساعد في رفع معنوياته وعدم إحساسه بالضيق في وجودنا في جو من الألفة والصداقة.

وبالفعل ما أجمل استقبالك يا جورج، فقد تهلل وجهك ولسانك بالآهات مع دخولي وزميلي المصور الفنان سامح كامل..

كانت مفاجأة هائلة عندما استقبلني جورج سيدهم بجملة "كل سنة وأنت طيب".. قالها ببطء ولكنها واضحة تماماً، واغرورقت عيناي بالدموع، فهي الجملة الوحيدة التي ينطقها جورج – تقريباً – ولا يقولها إلا لمن يعتز بهم وفي المناسبات السنوية فقط.

ونحن جئنا ممثلين أسرة مجلة حواء لنقول لأجمل زوجين، لمن يتحديان المرض ببسالة ويعزفان معاً أجمل ألحان الحب والإخلاص ويمثلان أرفع درجات القيم النبيلة مجسدين المعنى الحقيقي لتوحد الزوجين والتفاني في خدمة الزوج "كل سنة وأنت طيب يا جورج"، "كل سنة وأنت طيبة يا دكتورة ليندا" بمناسبة عيد الميلاد المجيد.

ضحكنا وبكينا في صحبة جورج سيدهم، فهو الفنان الذي أضحك المصريين والعرب جميعاً، ضحكنا عندما قدمت دكتورة ليندا أكواب الشاي الساخن – وهي بارعة في صنعه – فاستسمحت أنا في كمية ضئيلة كعادتي، ولكن جورج ينصحني بعينيه المحبة وإشارة من يده بأن أطلب المزيد من السكر حتى أتغلب على نحافتي!

ما أجملك سيدي..

تحكي "ليندا" عن استمرار حب الأجيال الجديدة لجورج رغم ابتعاده عن الساحة منذ عقدين من الزمان، فتذكر لنا أن ابنة الجيران في الشقة المقابلة لمسكنهم طرقت الباب ولم تعرفها الدكتورة، فسألتها بحذر من تريدين، فقالت أنا جارتكم والتحقت بكلية الإعلام، وكانت فرحتي غامرة من المفارقة أن أستاذي في الجامعة طلب منا بحثاً عن الفنان جورج سيدهم، وهنا قبلتها دكتورة ليندا ومنحتها نسخة من الكتاب الذي يحوي سيرة الفنان الكبير.

العيــــد:

عن العيد حاول جورج التعبير عن فرحته وأساه في الوقت نفسه عن ذكريات العيد في عقله وذاكرته العفية، فأومأ برأسه وبإشارة من يده إلى صورة محددة في البيت، فهمت منها د. ليندا ماذا يريد أن يحكي، فقالت إنه يشير إلى آخر احتفال لنا بالعيد قبل مرضه – شفاه الله – وكيف دخلنا الكاتدرائية تتشابك أيادينا وسط ترحاب وحب صادق أحاطنا به جميع الحاضرين وهم عدد ضخم يحضر قداس عيد الميلاد، ومن شدة التصفيق اعتقد بعض الحاضرين أن قداسة البابا شنودة الثالث قد دخل من الباب الذي نقف على عتبته، وابتسم جورج بشدة وقام بتحية كل الحاضرين تحية حارة ثم توجهنا إلى أماكننا، وكان من عادة جورج – حتى قبل زواجنا – أنه كان يدخل قداس عيد الميلاد وتتشابك ذراعه مع يد الفنانة الكبيرة نادية لطفي وكانت هذه هي عادة سنوية لا يخلفها الاثنان، وبالفعل كان قداسة البابا شنودة الثالث يحب الفنانة نادية لطفي ويصافحها يداً بيد، وكان جورج يتفاءل بها في هذه المناسبة ومع بداية عام جديد.. (ملحوظة المحرر: كانت والدة جورج في آخر أيامها قد أوصت "بولا" – نادية لطفي – على جورج وأن تعتبره شقيقها).

وأسأل جورج عن صداقته بقداسة البابا الراحل..

-يشير إلى زوجته ليندا للحديث، فتقول إنه كان بينه وبين البابا كيمياء خاصة حتى أنه عندما فرضت العزلة على قداسة البابا فإن جورج كان دائم التردد عليه والتجول معه بين مزارع الفاكهة بالدير.

ومن كان أول المتصلين بكم في العيد؟

-لسنوات كانت المكالمة الأولى من الخواجة جورج نسيم وكانت تأتي إلى جورج ليلة العيد، وفي أول أيام العيد كان جورج حريصا على دعوة كل أقاربه ليأتوا إلينا في المنزل ونتناول الطعام والحكايات معاً، وهي عادته المفضلة التي لم تنقطع إلا بعد اشتداد المرض عليه.

ومن عاداته أيضا حتى الآن أنه يطلب منى أن يقترب من تليفون المنزل ويفتح الـ "سبيكر" ويأخذ دفتر التليفون ويشير إلىّ بالأسماء وأنا أقوم بالاتصال وعن طريق مكبر الصوت يفاجىء جورج أصدقاءه بـ "كوول س ن ة وانت ط ي ب" ثم يضحك من قلبه وإن كنت ألمح دموعاً في عينيه.

وهو أشد حرصا على أن يفعل الشىء نفسه مع أصدقائه المسلمين في ليلة الرؤيا لشهر رمضان الكريم وفي العيدين الفطر والأضحى المبارك.

هل من المسموح به أن أسأل جورج عن الحريصين على متابعته حتى الآن؟

-يشير جورج بيده حتى خلف أذنه، فيما تقول الدكتورة ليندا إن هذا السؤال يحمل ظلماً للوسط الفني، فالظروف لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه، وزملاؤه منهم من أصابه المرض،ِ ومنهم من كبر، ومنهم من يصارع متطلبات الحياة، فأنا لا ألوم أحدا ولكن هناك من الأصدقاء الذين يسألون في المناسبات على رأسهم الفنانة الكبيرة نادية لطفي، ومشيرة إسماعيل، ودلال عبدالعزيز، الفنان حمدي أحمد الذي يفاجئنا في كل عيد باتصاله من أسقفية سوهاج ويهنئنا بالعيد من هناك.

أعرف أن قداسة البابا تواضروس قد زار جورج في منزلكم؟

-بالفعل.. وقد لمست تواضع ومحبة قداسة البابا الذي استطاع أن يحتوي الجميع.

يوم جورج كيف يمضى؟

-يصحى مبكراً جدا في الثامنة صباحاً يستمع إلى القداس ويتناول فنجان شاي بالحليب وبسكوتة خفيفة، الساعة 11 نبدأ الشاور، ثم الإفطار والأدوية ومحاليل توسيع الشعب الهوائية بسبب أزمته الأخيرة وهي ناتجة عن شراهته في التدخين أيام المسرح حتى أن أحد أصدقاؤه قال لي إنه كان "معين موظف" يمسك له السيجارة في كواليس المسرح!.

بعد الإفطار يقف جورج أمام صورة تجمع والديه الراحلين فيبتسم لهما وينحني ثم ينصرف، هذه الطقوس لم يتخل عنها جورج أبدا حتى اليوم.

بعد ذلك يتابع قنوات البث المباشر ويشاهد الأخبار باهتمام بالغ، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عن الاقتصاد والسياسة، ويعلم تحركات الرئيس عبدالفتاح السيسي ويبحث هو بنفسه عن طريق الريموت كونترول عن التقارير التليفزيونية التي تقدم وجبات إخبارية عن رحلات ومقابلات الرئيس السيسي.

وأسأل جورج عن قنوات الأفلام والمسرح القديمة، فيبدي إعجابه بها، ولكن أعاود السؤال عن الجديد الذي استوقفه للشباب، فيشير إلى شاربه، وتشرح لي الدكتورة أنه يقصد مسلسل (الكبير قوي) لأحمد مكي ودنيا سمير غانم، وتمتد أصابع جورج وبصره إلى غلاف كتابه ويشير إلى صورة الضيف أحمد ويرفع يده بالدعوة له بالرحمة والمغفرة، وتذكر الراحل الصديق الكبير طارق حبيب فدمعت عينيه.

وهنا تعلق ليندا مكرم: إن جورج رائع جداً كصديق وفي لأصدقائه حتى أن طبيبه في مستشفى الحياة دكتور/ سيف وهيب ينهي عمله بالمستشفى ويمر يجلس معه نصف الساعة يتحاكيان سوياً، وجورج يشعر جدا بالذين يحبونه ويمتن لمشاعرهم.

وعن آخر نزهة قام بها قالت: أنا لا أخرج إلا مع جورج، ولم نخرج منذ شهور إلا لدخوله المستشفى، وهو تمنى حضور افتتاح المسرح القومي الذي قرأ خبر افتتاحه في عناوين الأخبار.

سعيدة بتكريمها واختيارها رئيس لمجلس أمنائه ..

سميحة أيوب: سنعيد أمجاد المسرح القومى

حوار - شيماء أبو النصر

حفرت اسمها بحروف من ذهب، وزينته بعلامات مضيئة في تاريخ المسرح، تميزت بأدائها العبقري للأدوار الصعبة والمركبة، وقدرتها الفذة على تجسيد مختلف الشخصيات والتعبير من خلال عينيها وقسمات وجهها لتمهد لنفسها في عالم الفن طريقاً استحقت في نهايته وعن جدارة لقب "سيدة المسرح العربي".

رغم ضيق وقتها وانشغالها بالاستعداد لأداء العمرة اختصت الفنانة القديرة سميحة أيوب "حواء" بحوار مطول لم تنقصه الصراحة، طافت فيه بين صفحات الثقافة والفن والمسرح بشكل خاص انطلاقا من فرحتها بعودة الحياة إلى المسرح القومى بعد غياب ست سنوات, واختيارها رئيسا لمجلس أمنائه لوضع خطة تطويره مع كوكبة من رواد ونجوم المسرح, وامتدت خيوط الحديث إلى السياسة وحقوق المرأة.

·        فى البداية.. ماذا تمثل لك إعادة افتتاح المسرح القومى بعد غلقه من أجل ترميمه لأكثر من ست سنوات؟

- لا أستطيع أن أصف مدى فرحتى بوقوفى على خشبة المسرح القومى مرة ثانية أثناء تكريمى من رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب بعد الحريق المؤسف الذي تعرض له هذا المسرح العريق وغلقه ست سنوات كانت بمثابة الوجع فى قلوب كل الفنانين الذين وقفوا على خشبته وأبدعوا فى مسرحياته، وأنا شخصيا أعتبره كنز ذكرياتى الفنية التى لن أنساه أبدا.

·        كيف ترين تكريمك مع كوكبة من كبار النجوم وعمالقة المسرح فى حفل الافتتاح؟

- رغم تكريمى فى العديد من المناسبات محليا وعالميا، حيث كرمنى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ومنحنى وسام الجمهورية عام 1966، وحصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس السوري حافظ الأسد عام 1983، كما حصلت على وسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان عام 1977، ووسام من دولة تونس، بالإضافة إلى شهادة  تقدير من الرئيس الراحل أنور السادات عام 1979 إلا أن تكريمى على خشبة المسرح القومى له مذاق خاص ومعنى أجمل بالنسبة لى لأن بيتى الفنى رجع من جديد، ورأيته فى أجمل صورة بعد غياب طويل، والأجمل أن ليلة الافتتاح كانت أشبه بعرس جميل لجميع فنانى مصر وفى مقدمتهم من عملوا على خشبته.

·        ما أهم الملفات على مكتبك بعد اختيارك رئيسا لمجلس أمناء المسرح القومى؟

-إعادة أمجاد المسرح القومى الهم الشاغل لى منذ علمى بتولى منصب رئيس مجلس الأمناء، ولكنى لن أنفرد بأى قرار يخص المسرح، ولابد من التشاور مع جميع الزملاء والأعضاء بالمجلس وهم  الفنانون عبد الرحمن أبو زهرة ومحمود الحدينى، ومحمد وفيق، والناقدة آمال بكير، ود.نهاد صليحة، ود.حسن عطية، والمخرج عصام السيد، والمخرج خالد جلال، ومدير المسرح القومي بصفته، خصوصا وأنهم من الأسماء المحترمة، ولهم تاريخ طويل وخبرة فى مجال المسرح.

·        ومتى تبدأون العمل كمجلس أمناء لوضح خطة تطوير المسرح القومى؟

-سنجتمع قريبا لمناقشة ملامح هذه الخطة فى ضوء موقف جماعى من أجل تحقيق قفزة فنية ومسرحية فى الفترة المقبلة.

·        فى رأيك.. ما المشكلات التى تحول دون تطوير المسرح القومى ليعود إلى سابق مجده؟

-فى اعتقادى أن المشكلة الانتاجية ونقص الاعتمادات المالية للمسرح فى مقدمة معوقات انطلاقته، فالعمل المسرحى له متطلباته المادية اللازمة لإثراء أدواته وصنع مسرحيات ذات جودة عالية لجذب الجمهور من جديد.

·        كيف ترين حال المسرح فى الفترة الأخيرة؟

- المسرح المصرى مازال يحتفظ بمبدعيه الذين يريدون العمل بجد بغض النظر عن بعض المشكلات التى عانى منها خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب الظروف السياسية والأمنية التى تعرضت لها البلاد، فالمسرح المصرى يمكن أن يمرض لكنه لا يموت بحكم الأجيال المتعاقبة من الفنانين المصريين المبدعين.

·        على ذكر أزمة السنوات الأخيرة كيف تأثر المسرح والفن بشكل عام بفترة حكم الإخوان ؟

- المسرح مرآة المجتمع وأبو الفنون، ومن المؤكد أنه تعرضه لوعكة صحية كبيرة خلال تلك الفترة، لكن مصر كلها كانت فى ظلام وليس الفن أو المسرح فقط، وفى هذه الأجواء لم يكن ممكنا أن تبزغ شمس المسرح، وباختصار أقول: "كانت سنة منيلة"!

·        ما سر سقوط الإخوان السريع، وفشلهم فى حكم مصر رغم صراعهم على مدى أكثر من ثمانين عاما للوصول إلى السلطة؟

- الإخوان تنظيم يغلب عليه مبدأ السمع والطاعة العمياء، وبينهم وبين الثقافة والفكر والفن عداء شديد لأنهم لم يعتادوا التفكير وتذوق الجمال، وهم لا يفكرون بعقولهم، وإذا فكروا فهم مشغولون بحجب المرأة فقط، بل وهمهم " النص التحتانى"َ!

·        بحكم أنك سيدة المسرح العربى.. فى أى العهود السابقة كان المسرح أسعد حظا؟

- بالتأكيد أحوال المسرح كانت أفضل فى عهد الزعيم جمال عبد الناصر لأنه كان يقدر دور الفن، وكان يرغب دائما فى تهذيب وجدان الشعب، ويريد دائما أن يرى المواطن المصرى مرفوع الرأس، ومثقف، وفخور بوطنه، لذلك ازدهر الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص فى الستينيات من القرن الماضى بعكس ما حدث فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ويكفي أنني شخصيا تعرضت لمضايقات وصلت إلى حد منع مسرحيتين وهما "الأستاذ" للكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة، و"قولوا لعين الشمس" للكاتب الكبيرالراحل نجيب سرور.

·        وماذا تتوقعين للفن والمسرح فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى؟

- أنا شخصيا متفائلة جدا بمستقبل الفن والمسرح فى عهد الرئيس السيسى، وهناك الكثير من الشواهد التى تعزز هذا التفاؤل ومنها لقاءاته المتعددة بالمثقفين والفنانين من مختلف الأجيال للاستماع إلى وجهات نظرهم في عودة أدوات القوة الناعمة لمصر وفى مقدمتها الفن والثقافة، ولكن يجب أن نتمهل ولا نتعجل النتائج أو نقسو فى مطالبنا، فهذه الفترة تحتاج إلى مزيد من التروى، وإدراك قيمة ومعنى الوقت فى إنجاز الأولويات، فلا أحد يمتلك عصا سحرية لتغيير الواقع فى الحال.

·        بصراحة.. هل تشعرين بأن الدولة جادة فى النهوض بالفن؟

- نعم، هناك إرادة سياسية حقيقة للنهوض بالبلد كلها، والفن والمسرح بشكل خاص، وهو ما ظهر مع إعادة تطوير وافتتاح المسرح القومى و تكريم رواده ما يحمل رسالة إيجابية لأهل الفن، وكذلك تشكيل مجلس أمناء لهذا المسرح بفكر متعدد لإدارته بعيدا عن القرارات الفوقية.

·        مسرحة المناهج التعليمية كانت من أهم أفكارك التى تقدمت بها لأحد وزراء التربية والتعليم السابقين.. فما أهم ملامحها وماذا حدث لها؟

- هذه الفكرة لم تكن وليدة الصدفة لكننى عكفت على دراستها لأكثر من ثلاثة شهور، وأعددت دراسة كاملة عنها حتى أننى اقترحت تمثيل المناهج فى مبنى تابع لوزارة التربية والتعليم أمام مسرح البالون على أن يقوم الطلاب بتقديم القصص والروايات المقررة دراسيا لتحويلها إلى نصوص مسرحية للمساعدة فى اكتشاف المواهب وتنميتها، ولاستيعاب طاقات الشباب، وتحصينهم ضد بعض الآفات والأمراض الاجتماعية خصوصا الإدمان الذى انتشر بشدة فى فترة التسعينيات.

·        وما مصير هذا المشروع؟

- تقدمت بالدراسة كاملة إلى الدكتور أحمد فتحى سرور وكان يشغل منصب وزير التربية والتعليم آنذاك، وبالفعل أعجبته الفكرة، وقال لى "هايل.. كلمينى بعد 15 يوما" وانتظرت شهرا كاملا ثم اتصلت به فأرسلنى إلى مسئولة كبيرة بالوزارة أكدت لى أنها تعمل فى مشروع مشابه، وستفتتح أولى مسرحياته فى مارس التالي لكن الغريب أن مارس هذا لم يأت منذ 15 سنة، ورغم أننى قمت بواجبى متطوعة ومتمنية أن يرى هذا المشروع النور لكن لا حياة لمن تنادى كما يقول المثل الشعبى المعروف.

·        ما رأيك فى تجربة تياترو مصر للفنان الكوميدى أشرف عبد الباقى؟

- فكرة تياترو مصر جميلة وبناءة، وأشرف عبد الباقى فنان شاطر ومجتهد، والفكرة يزداد عمقها بالتركيز على موضوعات تمس قضايا المجتمع والمواطن المصرى فى هذه المرحلة، كما أنها تقدم للمسرح مواهب شابة حقيقية فى انتظار الفرصة.

·        ما مشاريعك الفنية خلال الفترة المقبلة؟

- لا يشغلنى فى هذه الأيام سوى أداء رحلة العمرة، وبعدها سأبدأ تصوير دورى فى فيلم "الليلة الكبيرة" للمخرج سامح عبد العزيز، وأقدم فيه شخصية "خادمة مقام" وأثق تماما فى قدرات ورؤية سامح عبد العزيز، ويكفى أنه من أقنعنى بالعودة إلى السينما بعد غياب 17 سنة فى فيلم "تيتة رهيبة".

·        لا صوت يعلو خلال الأيام الأخيرة على صوت الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المقبلة.. فهل فكرت سيدة المسرح العربى فى الترشح للبرلمان للدفاع عن حقوق حواء؟

- لم أفكر أبدا فى مسألة الترشح فى الانتخابات رغم أن الكثيرين حاولوا إقناعى بذلك، لكني لم استجب لتلك المطالبات لأن الانتخابات "لعبة مش حلوة"، وأعتقد أن المرأة المصرية فى المدن نالت الكثير من مطالبها وانتهى زمن التلويح بأن مكاسبها منحة أو تفضل من أحد، فالمرأة المصرية حصلت على حقوقها بأظافرها لكن وضع النساء فى الأرياف مازال سيئا، ويحتاج إلى إصلاح.

حواء المصرية في

08.01.2015

 
 

قبل أن أذهب للنوم

محمد حمدي – التقرير

من يمكن أن يقف بجوارك، إذا تخليت أنت عن نفسك؟! وماذا تفعل لو اكتشفت أن كل من حولك يخدعك ويكذب عليك، وماذا تفعل إذا كان عقلك هو أول من يتخلى عنك؟ وما إذا كانت ذاكرتك تتلاشى بمجرد أن تخلد للنوم، فتستيقظ ناسيًا كل ما مر بك فى اليوم السابق؟!

 مـــن يقف معك إذا خانتك ذاكرتك؟!

 لا نعتبر أن قصة فيلم “قبل أن أذهب للنوم” قصة جديدة، الحبكة السينمائية نفسها تم استخدامها في العديد من الأعمال الدرامية الأخرى، ولعل طرحًا كوميديًا يناقش نفس القضية قُدم عام 2004 من بطولة “آدم ساندلر” بعنوان 50 first dates.

 يبدأ فيلم “قبل أن أذهب للنوم” بمشاهد افتتاحية للبطلة “كريستين”، والتي قامت بدورها المخضرمة “نيكول كيدمان”، تستيقظ “كريستين” من نومها لتكتشف أنها لا تتذكر أي شيء مما يجري حولها! تنظر بهلع للرجل الراقد بجوارها، تدخل دورة المياة لتكتشف مجموعة من الصور تجمعها لمن سيخبرها بعد قليل أنه زوجها “بن”، والذي قام بدوره “كولين فيرث”.

تعلم “كريستين” -ونحن معها- أنها تعاني مرضًا معقدًا ونادرًا، يدعى “فقدان الذاكرة السريع”، ستنسى كل ما حدث لها بمجرد أن تخلد للنوم، سيكون كل يوم يومًا جديدًا بالنسبة لها، وستستيقظ يوميًا في العشرينيات من عمرها فاقدة حوالي نصف عمرها الفائت!

 تتلقى اتصالًا هاتفيًا من الدكتور “ناش” قام بدوره “مارك سترونج”، يعرفها بنفسه بأنه المتابع لحالتها الصحية، و يخبرها أنه اتفق معها على أن تسجل يوميًا مقطع فيديو مصورًا لمُلخص يومها حتى لا تنسى مجددًا، ويخبرها بمكان وجود الكاميرا في ركن خفي من خزانة ملابسها. تشاهد “كريستين” الفيديو لتتعلم الحقيقة الأولى الصادمة: لا تثقي كثيرًا في زوجك “بن”!

 تتجه “كريستين” لمقابلة طبيبها الدكتور “ناش”، يخبرها ببعض المعلومات الإضافية عن مرضها، تعرضت لحادث بشع، عثر على جسدها عاريًا بالقرب من موقف سيارات قريب من المطار، ضربها أحدهم بضراوة على رأسها ما أفقدها الوعي والذاكرة، ولم تذهب تحريات الشرطة في أي اتجاه نظرًا لكونها الوحيدة التي تعلم هوية الجاني!

يأخذنا الفيلم في رحلة بحث مشوقة، بحث “كريستين” عن حياتها الضائعة، وذاكرتها المُضللة، تلك التي تتلاعب بها في أحد المشاهد وتوهمها أن الطبيب “ناش” هو من اعتدى عليها، إلا إنه يحقنها بعقار مهدئ ويخبرها أن ذاكرتها تحاول استعادة عملها من خلال إسقاط الجريمة على الطبيب، وندرك مع “كريستين” بعد عناء أن الطبيب بريء من تهمة الاعتداء عليها.

 مع استمرارها في التسجيل يوميًا وبانتظام، من خلال الكاميرا، نعلم بعض المعلومات الجديدة، “كريستين” لديها طفل صغير، مات في أحد الأيام نتيجة مرض ما، يخبرها “بن” بهذه الحقيقة فتنهار، تتجه للكاميرا وتسجل الذكرى، لكنها تكتشف في اليوم التالي أن زوجها أخفى حقيقة ابنها ووفاته، تتهمه بالخيانة ويتعجب هو من قدرتها على التذكر، لا تخبره بحقيقة الكاميرا شكًا في أمره، ويحاول التنصل من فكرة التلاعب بذاكرتها وتنقيحها لتعرف فقط ما يجب عليها معرفته، لكننا نعلم يقينًا أنه يخفي شيئًا ما.. شيئًا خطيرًا.

تستمر “كريستين” في حياتها الجديدة المضطربة، تقابل الدكتور “ناش” يوميًا، وتسجل يومياتها عبر الكاميرا الرقمية، وتحاول استكشاف ما يحاول “بن” إخفاؤه عليها، تقابل في هذه الأثناء صديقتها “كلير”، والتي قامت بدورها “آن ماري دوف”، تخبرها كلير بأن “بن” ليس الملاك الذي يضحي بوقته من أجلها، وتبدأ “كريستين” في اكتشاف جانب آخر لا تعلمه عن زوجها الذي تعيش معه تحت سقف واحد.

تقفز بنا الأحداث قفزًا بعد ذلك لنتكتشف الحقيقة التي يدخرها لنا الفيلم حتى اللحظات الأخيرة، ففي واقع الأمر “نك” الذي نعرفه نحن ليس هو “نك” الحقيقي زوج “كريستين”، بل في واقع الأمر الزوج الحقيقي والذي لعب دوره “آدم ليفي”، منفصل عن “كريستين” منذ حوالي 4 سنوات! بينما “نك” الذي يعيش مع “كريستين” تحت سقف واحد هو الجاني الحقيقي، وهو الذي يعاني مرضًا نفسيًا دفعه لاستلامها من المستشفى بأوراق هوية مزورة بعد أن تركها كل من حولها، ومن هنا انتحل شخصية زوجها وأقام معها سنوات عدة منتحلًا شخصية الزوج المحب لزوجته الساهر على راحتها!

لم يتركنا صناع الفيلم أمام التساؤل المفتوح حول ما إذا كان “نك” يستحق الشفقه كونه مريضًا عقليًا يهتم بحبيبته حتى عندما يهجرها الجميع، أم أنه مخادع استغل مرض “كريستين” ليوقع بها في حباله وينقح ذاكرتها على هواه، يقتحم الفيلم عقولنا وينحاز لنظرية “نك” المجرم الذي يستحق العقاب، ويدخر لـ “كريستين” نهاية سعيدة عندما تكتشف أن ابنها حيًا يرزق، وتتخلص للأبد من سموم “نك” الفكرية التي كان يبثها في عقلها ليلًا ونهارًا.

المخرج والمؤلف “روان جوف” صاحب أفلام مثل “28 weeks later” ،”the american” ،”brighton rock” قدم إخراجًا متميزًا للفيلم، على الرغم من الملل الذي تسرب لنفوس المشاهدين في بعض الأحداث وتكرارها على مدار الأيام، إلا إنه استطاع الحفاظ على حبكة الفيلم للنهاية مراوغًا الجمهور المتعطش لمعرفة حقيقة الجاني الحقيقي.

نيكول كيدمان استطاعت أداء دور “كريستين” المعقد بسلاسة تحسد عليها، السلاسة التي اكتسبتها من خبرتها الطويلة بنوعية معينة من الأدوار المعقدة مثل دورها في “eyes wide shut” ،”moulin rouge” ،”the others” وغيرها من الأعمال التي تميزت بأدائها، ونستطيع القول إنها كانت بطلة العمل الأولى والأخيرة بلا منازع.

يعتبر الفيلم انطلاقة وعودة قوية للفنان “كولين فيرث”، شاهدنا “فيرث” من قبل في “The kng’s speech” والذي يعتبر واحدًا من أفضل أعماله على الإطلاق، وفي رأينا أن هذا الفنان الهوليودي لم يأخذ حقه كاملًا، فأداؤه التمثيلي لا يتناسب مع الشهرة الباهتة التي حصل عليها في مشواره الفني، لكننا نعتقد أن الحظ قد يبتسم له في الأعمال القادمة خاصة بعد مشاركته في “Before I go to sleep”.

لم تقدم الموسيقى التصويرية جديدًا على صعيد الأحداث، على الرغم من التناغم بينها وبين المشاهد المتتابعة للفيلم، إلا إنها لم تترك داخل المشاهدين انطباعًا يذكر، على الرغم من تميز الديكورات واستطاعتها نقلنا كمشاهدين لعمق الأحداث بداية من المشهد الأول، الديكورات التي تميزت بالفخامة وبثها روح الألفة في بعض المشاهد، والاستعمال الدقيق للألوان على اختلاف الشريط السينمائي المتميز.

الفيلم على IMDB  - إعلان الفيلم

التقرير الإلكترونية في

08.01.2015

 
 

روبين ويليامز.. الرجل الأكثر غضبا في بروكلين

ياسمين عادل – التقرير

رحل روبين ويليامز، رحل صانع البهجة..

 دعونا نعود قليلًا للبدايات: ولد “روبين ويليامز” في 21 يوليو 1951 لأب من أصول أيرلندية إنجليزية وأم من أصول فرنسية، وقد نشأ بكاليفورنيا حيث التحق بثانوية ريدوود ثم بكلية ديترويت الصباحية، إلا إنه في عام 1973 اختير من بين ألفي طالب للالتحاق بمدرسة جوليارد للفنون والتي تُعَد واحدة من أهم معاهد العالم لفنون التمثيل.

بدأ روبين حياته الفنية مؤديًا لوصلات كوميدية فردية في بعض نوادي سان فرانسيسكو ثم قدم أول دور رئيسي في مسلسل “Happy Days”، وشخصية “Mork” الزائر من الفضاء الخارجي، وبسبب موهبته الفذة استطاع أن يؤدي الدور بطريقة يُشيد بها الجميع.

قدَّم بعد ذلك العديد من الأعمال التي لفتت الانتباه له، وقد رُشح خلال مشواره للعديد من الجوائز: فحصل على جائزة الإيمي مرتين، الغولدن جلوب 4 مرات، وغرامي 5 مرات، كما رُشح للأوسكار عن دوره في “Good morning Vietnam” دون أن يُحالفه الحظ، ثم فاز بها عن دور الطبيب النفسي في “Good Will Hunting”.

وليس هناك أي مجال للشك من أن روبين ويليامز صاحب موهبة فريدة لا يتمتع بها إلا القليلون جدًا من ممثلي هوليود، فهو لطالما امتلك الجرأة على تقديم شخصيات غريبة وغير متوقعة لم يكن ليصلح لها غيره، كما أنه نجح في إقناع جمهوره سواءً في الجانب الكوميدي لما تمتع به من خفة دم تلقائية وقدرة هائلة على الارتجال واختلاق الأصوات، أو في الأعمال الإنسانية حيث استطاع أن يلمس قلوب مُتابعيه بمنتهى الصدق حتى حين قدم دور السايكوباتي المُخيف.

وللأسف عانى روبين من الاكتئاب فترات مثل معظم ممثلي الكوميديا ما يجعل الأمر مُثيرًا للحزن، كما أنه أدمن الكحول والكوكايين في السبعينات والثمانينات قبل أن يُقلع عنهم ويتعافى، وقد عُثر عليه 11 أغسطس 2014 في منزله بكاليفورنيا منتحرًا شنقًا عن عمر 63 عامًا، ثم أعلنت زوجته بعد وفاته أنه كان في المراحل الأولى من الشلل الرعاش وهو ما لم يكن مستعدًا لتقبله أو إعلانه للجميع فأصيب باكتئاب حاد قرر على إثره الانتحار.

من أهم أعماله

 Aladdin

Good Will Hunting

Dead Poets Society

 The Fisher King

Awakenings

One Hour Photo

 Man of the Year

Mrs. Doubtfire

Bicentennial

Jumanji

 Insomnia.

حقائق لا تعرفها عن روبين ويليامز

درس العلوم السياسية فترة قبل أن يُقرر السعي خلف حلمه ودراسة التمثيل.

في 1997 حصل على لقب الرجل الأكثر مرحًا على وجه الأرض.

عندما تقدم لتجربة الأداء لمسلسل Happy Days طلب منه المنتج أن يجلس، فجلس على رأسه فقُبل على الفور حيث قال المنتج عنه إنه الفضائي الوحيد الذي تقدم للدور.

في مسلسل Mork&Mindy اعتاد روبين على الارتجال حتى إن المنتجين توقفوا عن محاولة إلزامه بالنص مُستخدمين ببعض المواقف جملة مفاداها “هنا يستطيع روبين الارتجال”.

في 1998 اختير أحد أفضل 25 ممثلًا.

فاز عام 2003 بجائزة الغرامي عن أفضل ألبوم كوميدي بعنوان “Robin Williams-Live “.

فيلماه Jumanji وThe Birdcage تخطوا حاجز الـ 100 مليون دولار فور عرضهم بالولايات المتحدة الأمريكية ما كان رقمًا خرافيًا وقتها.

كان روبين طفلًا يُعاني من السِمنة المُفرطة فلم تكن الأطفال تُحب اللعب معه، ما جعله وحيدًا طوال الوقت فبدأ في التحدث بأصوات متعددة لتسلية نفسه.

دور الجنِّي بفيلم “Aladdin” معظم حواره كان ارتجالًا من روبين ورغم أن النقاد رأوا أنه استحق الترشح عنه لجائزة أوسكار أحسن ممثل مساعد، لكن هذا لم يحدث لأن الأكاديمية رأت دوره مجرد أداء صوتي، وبسبب ارتجال روبين لمعظم دوره لم يتم ترشح السيناريو والحوار للأوسكار أيضًا.

رغم موهبته اللانهائية في تقديم الأصوات المختلفة، لم يقم بالأداء الصوتي إلا لـ6 أفلام فقط طوال حياته وإن كان قد استغل موهبته ببعض أفلامه.

حصل في المدرسة على لقبي “الأكثر خفة دم” و”الأقل فرصة للنجاح بالحياة”.

اعتاد المخرج “ستيفن سبيلبيرغ” مكالمته هاتفيًا أثناء تصويره “Schindler’s List” وجعله يلقي النكات على طاقم التصوير حتى لا يُصابون بالاكتئاب بسبب أدوارهم.

عرضت الـ BBC في الليلة التي سبقت انتحاره حلقة “Family Guy” والتي فيها يتمنى “بيتر غريفين” لو أن كل الناس كانوا روبين ويليامز.

والآن دعونا نستعرض معًا آخر فيلم عُرض لروبين ويليامز بينما كان مازال حيًا..

 “كل شخص لديه يوم سيء، أما هنري فكل يوم بالنسبة له هو يوم سيء“

“الرجل الأكثر غضبًا في بروكلين”.. إنتاج 2014  تم عرضه فى مايو الماضي، بينما توفى روبين في أغسطس. يبدأ الفيلم بمشهد لأسرة عادية، الزوج “هنري ألتمان” يقوم بدوره “روبين ويليامز”، الزوجة “بيت ألتمان” تقوم بدورها “ميليسا ليو”وطفليهما يمرحون جميعهم في حديقة عامة، وحين تسأل الزوجة زوجها فيما يُفكر يُخبرها أنه يُفكر كم هو سعيد.

ثم تظهر جملة “بعد 25 سنة” فإذا بـ “هنري/روبين” يقود سيارته وقد شاب رأسه ويبدو عابسًا للغاية لنستمع لصوت الراوي يُخبرنا بما يدور بعقل “هنري” وكيف أنه صارت عنده قائمة لا نهائية للأشياء التي تُزعجه مهما كانت تافهة أو بسيطة. جدير بالذكر أن صوت الراوي هو “هنري” نفسه.

يصطدم سائق سيارة أجرة بسيارة “هنري” الذي يغضب ويُقرر أن يبدأ عراكًا مع ذلك السائق فإذا بـ “هنري” يتفوه بالكثير من السباب ويبدو حانقًا جدًا من كل شيء، يتوجه بعد ذلك للمستشفى لمقابلة طبيبه من أجل معرفة نتائج بعض الفحوصات غير أنه يُفاجأ بأن طبيبه في إجازة وأن طبيبة أخرى هي التي ستتولى أمره.

تظهر دكتور “شارون غيل” والتي تقوم بدورها “ميلا كونيس” لنستمع مرة أخرى لصوت الراوي، لكنه صوت “ميلا” هذه المرة، وهي تحكي عن الطبيبة “شارون” وكيف أنها تمر بوقت عصيب بسبب قفز قطها من النافذة ووفاته.

تُقابل “شارون” “هنري” وتُخبره أنه مصاب بالتمدد في الأوعية الدموية وأن عليه أن يذهب لطبيب أعصاب ستوصي له به، لكنه ينزعج ويتهمها بعدم الاهتمام ويُطالبها بإخباره بالمدة المتبقية له من حياته، ترفض “شارون”، فيُصر فتنفعل قائلة إنه لم يتبق له من العمر إلا 90 دقيقة!

يخرج “هنري” ساخطًا لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، في الوقت نفسه تستوعب “شارون” ما ارتكبت وتبدأ في محاولة البحث عن “هنري” ليتم حجزه في المستشفى أولًا، وألا يٌقدم فيها أي شكوى فتُسحب منها رخصة مزاولة المهنة ثانيًا، وهنا ينقسم الفيلم إلى خطين متوازيين: خط تسير فيه الأحداث بهنري، والآخر تبحث خلاله الطبيبة عن المريض.

يتجه “هنري” لمكتبه حيث هناك اجتماع هام لكنه يُقاطع الجميع ويسألهم ما الذي سينصحون به شخصًا تبقى له من العمر ساعة ونصف، تتوالى الاقتراحات الساخرة إلى أن يُخبره أحدهم أن على هذا الشخص قضاء ما تبقى مع أسرته، فالأسرة هي الحياة، فيُهرول “هنري” عائدًا لبيته على الرغم من الخلافات الطويلة الممتدة بينه وبين زوجته والتي سيتضح بعد ذلك أن سببها كان وفاة ابنهم قبل عامين ما لم يستطع “هنري” تجاوزه ليتبدَّل حاله ويصبح غاضبًا طوال الوقت، لا يُرضيه أحدًا/ شيئًا.

يعود لمنزله لممارسة الحب مع زوجته إلا إنه يجد جارهم العجوز هناك ليكتشف أن زوجته على علاقة به فيرحل مُحاولًا محادثة ابنه “تومي” والذي يقوم بدوره “هاميش لنكاتير” هاتفيًا، حيث انقطعت علاقتهما بسبب رفض ابنه للعمل معه بعد تخرجه من كلية الحقوق واتجاهه لممارسة الرقص، يرفض “تومي” استقبال مكالمات الأب. فيحاول “هنري” دعوة أصدقائه، معلميه، حبيباته القدامى ليقضي معهم ما تبقى، إلا إنهم جميعًا لا يظهرون إلا واحدًا فقط وسرعان ما يتعاركان فيترك “هنري” المكان ليجد نفسه وحيدًا لا يعرف ماذا عليه أن يفعل.

في الوقت نفسه تتجه الطبيبة “شارون” لمكتب هنري ثم بيته ثم مكان تجمعه مع أصدقائه لكنها في كل مرة تفشل في الوصول إليه، وتضطر أن تُخبر أهله بمرضه لتصبح مهمة إيجاد “هنري” هدف الجميع.

يُقرر هنري شراء كاميرا وتسجيل رسالة لابنه حيث لن يستطيع الوصول إليه قبل انقضاء الوقت المُتبقي له، جاعلًا أحد المُشردين يُصوره، حيث يُخبر ابنه أنه يُحبه منذ ولادته وحتى الآن وأن هؤلاء الذين يقولون إن الحب طاهر ومعطاء مُخطئون فهو صغير وأناني. وأنه الآن فقط يُبارك أحلام ابنه واختياره كيفما كان راجيًا منه المسامحة وإن جاءت متأخرة لكن أليست تلك هي سنة الحياة! فوحدهم الحمقى والمجانين من لا يندمون.

ولكن سرعان ما ينفعل “هنري” حين يتذكر ابنه الذي توفى ولم يترك له شيئًا سوى الغضب فيسقط مُغشيًا عليه من شدة الضغط العصبي وحين يفيق يتجه لجسر بروكلين للانتحار تاركًا الكاميرا والرسالة دون إرسال.

بالصدفة تكتشف الطبيبة أن “هنري” ينوي الانتحار فتتجه لجسر بروكلين لمُحاولة إثنائه عن ذلك، تلحق به فعلًا وتُخبره أنها كذبت في أمر الـ 90 دقيقة حيث كانت تمر بيوم سيئ لكنه يرفض أن يستمع لها قائلًا إن التسعين دقيقة قد لا تكون ذات معنى لها لكنها أمر عظيم بالنسبة له إذ جعلته يتوقف ويرى ما وصلت إليه حياته وكيف أصبح، ثم يقفز بالفعل!

تُحاول الطبيبة إنقاذه وتنجح فعلًا، بل إن “هنري” نفسه بعد قفزه ومحاولة تركه نفسه للغرق يكتشف أن كل دقيقة وكل لحظة لديها شيء ما تهبه للحياة ما يجعله غاضبًا حَد تشبثه بعدم الموت. يتوجه هنري مع طبيبته لمكان عمل ابنه لمقابلته للمرة الأخيرة قبل وفاته، ثم يتوجه للمستشفى لتحدث المعجزة ويستطيع “هنري” أن يبقى على قيد الحياة لمدة 8 أيام يقضيها مع أسرته.

يتحدث بالساعات مع زوجته، يتناول الغذاء للمرة الأخيرة مع أخيه، ويلعب الكوتشينة مع ابنه ليخبره وقتها أن “شاهد قبره” سيُكتب عليه هنري ألتمان 1951- 2014، لكنه الآن فقط قد اكتشف أن التواريخ ليست مهمة بل عمره هو ما يهم وكيف قضاه، لينتهي الفيلم بأسرة هنري وطبيبته وهم يُلقون برماده في النهر الشرقي كما أوصى عالمًا أنه سيبقى للأبد في قلوب من أحبوه.

الفيلم جيد على المستوى الفني إذ أبدع أبطاله في أداء أدوارهم، وقد تألق “روبن ويليامز” في تجسيد شخصية الشخص الغاضب من كل شيء بعد أن حرمه القدر أحد أسباب سعادته فهربت جميعها، بالطبع لم يخلُ الفيلم من بعض اللقطات المُضحكة لكنه ضحك كالبكاء خاصة ونحن نعلم أن روبين قد مات فعلًا، ولم يكن هناك من مُنقذ له كما جاء بالفيلم.

ظهرت “ميلا كونيس” في دور مميز حيث الطبيبة الإنسانة والتي تنعكس مشكلاتها الشخصية على تصرفاتها بالحياة، وجاء دورها عارضًا موهبتها التمثيلية بعيدًا عن الأدوار الأخرى الخفيفة أو التي تعتمد على إبراز جمالها كعامل مساعد.

باقي الشخصيات لعبت دورها جيدًا بالرغم من قصرها، وجاءت فكرة الراوي مُلفتة ومؤثرة، وكان من النقاط الإيجابية فكرة أن يكون الراوي عن كل شخصية هو لسان حالها هي ما يعكس الصراع  الداخلي وتعدد الشخصيات بداخل كل منا.

أما الموسيقى التصويرية فكما لو لم يكن لها وجود، لا أعرف هل كان هذا سوء تقدير أم هو عن قصد لتسليط الضوء على الحدوتة نفسها، الانفعالات، وتيمة الحياة/ الموت.

 رُبما إذا كان روبين مازال حيًا أو على الأقل مات ميتة طبيعية لكان الفيلم مجرد فيلم جيد وإنساني يستحق المشاهدة، أما وقد حدث ما حدث فالفيلم يبدو أكبر من ذلك كما لو أنه نبوءة أو تحضير مبدئي لما سيحدث!

تُرى.. هل حاول روبين ترك رسالة لنا في الحقيقة يُخبرنا فيها بسبب مغادرته للحياة؟! أم أنه حاول وفشل مثل الفيلم؟

تُرى.. هل لو علم أحدهم أنه كان ينوي الانتحار لتغيَّر الأمر؟!

تُرى هل كان يتكلم روبين بجدية بشأن شاهد القبر خاصته وكتابة 1951-2014 عليه، حيث هذا هو ما حدث فعليًا!

أسئلة كثيرة ستتسارع في ذهنك أثناء وبعد مشاهدة الفيلم لن نعرف إجابتها أبدًا.. ويبقَى السؤال الأهم والأخير: تُرى هل كان ذلك الفيلم هو من وضع روبين على الحافة ومنحه الدَفعَة الأخيرة أم كانت تلك مجرد مصادفة!

التقرير الإلكترونية في

09.01.2015

 
 

محمود حميدة:

ثورة يناير لن تتكرّر.. وأنا من حزب الكنبة

القاهرة ــ مروة عبد الفضيل

فنان قليل الظهور، فنياً وإعلامياً، لا يتحدث إلا عند الضرورة، بعيد عن المشاكل والشائعات، صريح، أدواره جريئة. رفض الوجود في ميدان الفن سنوات، لأنّه لا يليق به، كما رفض الوجود في ميدان التحرير لأسباب كثيرة. "العربي الجديد" التقت الممثل الكبير، محمود حميدة، وأجرت معه هذا الحوار: 

·        تعود للسينما بقوة من خلال ثلاثة أفلام لم تُعرض بعد، ما الذي دفعك إلى قبولها؟ 

دفعني إلى قبولها الشيء نفسه الذي كان يدفعني دائماً إلى الموافقة على أعمال ورفض أخرى، فأنا لا أرضى بعمل إلا بعد بحث وتنقيب في تفاصيل الشخصية. أنا رجل عاشق للتفاصيل، لست "اللاوي" أترك كل شيء يأتي بظروفه، وحين يعرض عليّ عمل لا أرفض أو أوافق عليه بسهولة. 

·        كبرياء؟ 

ليس كبرياءاً أو تعالياً، فالفن مهنتي وهوايتي وموهبتي واحترافي، لكنها الدقة في الانتقاء لا أكثر، واحتراماً للجماهير التي تثق بي، وستدفع ثمن تذكرة سينما لتدخل لمشاهدتي؛ لا لشيء سوى لأنّهم يثقون في محمود حميدة. 

·        ماذا عن شخصياتك في الأفلام الثلاثة (ريجاتا، وقط وفار، ويوم للستات)؟ 

(يضحك)، لقد وصلت إلى درجة لا يمكنني فيها أن أقول إنني أجسد شخصية كذا وكذا، فأنا في الأساس لا أجيد الحديث عن الشخصية، فقد أظلمها من دون أن أدري، أو يمكن أن أشرحها بشكل هامشي لا يعطيها قدرها، ولا يعطي لكاتبها حقه. دعوا الأعمال تُعرض، ومن ثم احكموا أنتم، واعرفوا شخصياتي فيها. 

·        في فيلم "ريجاتا"، تترافق مع الفنانة إلهام شاهين التي سبق وقدمت معها أعمالاً أخرى، فهل ترتاح نفسياً للعمل معها؟ 

بالفعل، إلهام شخصية مريحة جداً، وإنسانة جادة في العمل، حريصة على كل شيء في ما تقدّمه، وهي صديقة أحترمها، وأخت عزيزة على قلبي، وأحترم اختياراتها في الأعمال، سواء في السينما أو التلفزيون، وهي تحترم فنّها. فعلى الرغم من حرصها على الحضور تلفزيونياً كل عام، إلا أنّها حين وجدت أنّ المعروض عليها لا يليق بها، توقفت منذ عامين عن الحضور تلفزيونياً، وركّزت في السينما، وأنا أحترم مثل هذه الشخصيات الفنية. 

·        فيلم "يوم للستات" نسائي، تأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً، فماذا تقول عن هذا العمل؟ 

أيضاً، في هذا العمل تشارك الفنانة إلهام شاهين، وهو بالفعل فيلم نسائي، يعطي نظرة مغايرة للمرأة، وهو يقدم اقتراحاً: ماذا لو هناك يوم يكون فقط للنساء! (يضحك حميدة): "على أساس أن النساء غير مسيطرات على كل الأيام مثلاً"!

الفيلم جميل فعلاً ومختلف، ويعطي نظرة جديدة للمرأة، وأنا مؤمن جداً بالمرأة، وأنّها ليست فقط نصف المجتمع، بل هي المجتمع كله. هي التي تدير الحياة، هي أمي وأختي وصديقتي وزوجتي وابنتي. فكل المعاني تتجسد في المرأة، ومَن ينكر دورها، هو بلا شك إنسان غير مدرك لحقيقة من حوله. 

·        تردد أنّ فيلمك "قط وفار" يرصد الأحزاب السياسية المتعددة في مصر، هل هذا صحيح؟ 

لا يتطرق نهائياً إلى هذا الموضوع، والفيلم في مجمله كوميدي اجتماعي، تشاركني في بطولته الممثلة السورية سوزان نجم الدين وسوسن بدر، والقصة للكاتب الكبير العبقري وحيد حامد، وإخراج الشاب تامر محسن، ومن المحتمل عرضه في إجازة منتصف العام. 

·        ألا توجد أي مقاطع سياسيّة على الإطلاق كما تردد؟ 

كلنا سياسيون، والجميع الآن يتحدث في السياسة، من دون أن يدرك أنّها سياسة، لأنّها أصبحت مقحمة في حياتنا بشكل كبير جداً. لذا، من الطبيعي، ونحن نقوم بأي عمل فني، أن يتنكّه بـ"رشّة" البهارات السياسية، لكن من دون تركيز. فحين تجتمع الأسرة اليوم، بماذا يتحدّثون؟ أليس عن وضع البلد؟! أليس عن غلاء الأسعار؟ كل هذا في النهاية يصب في قالب السياسة. 

·        وأنت ماذا تمثّل السياسة بالنسبة لك؟ 

مثلي مثل أي فرد في المجتمع، أتحدث في السياسة بما أفهمه فقط، فأنا لا أجيد الشعارات والتفلسف بلا داعٍ، فكم هم كثر المتفلسفون ممّن يوهموننا بأنهم يتحدثون بالمنطق. 

·        مَن تقصد؟ 

لا أقصد شخصاً معيناً، لكن فعلاً نحن نعيش في زمن الغوغائية، كل من يريد أن يقول شيئاً يضعه في إطار فلسفي، ولا يقتنع بأي رأي آخر، وكأنّ رأيه مُنزّل من السماء، وهذه هي آفة المجتمع، ليس المصري فقط، بل العربي بشكل عام. 

·        ماذا تمثّل لك ثورة 25 يناير؟ 

لنكن صريحين، أنا لم أنزل إلى ميدان التحرير طيلة الـ18 يوماً من عمر الثورة، ليس لأنني غير مؤمن بها، بل على العكس، هي ثورة لم ولن تحدث مجدداً في تاريخ أي من الشعوب العربية والأجنبية، فهي حدث جلل، عمل على انهيار نظام فاسد ظلّ ينهش في أحشائنا وأحشاء أولادنا، لكن أولادنا ـ الحمد لله ـ لم يرضوا ونزلوا وطالبوا بإسقاط النظام وأسقطوه. أعود وأقول إنني لم أنزل، لأنني مؤمن بأنّ ثورة يناير هي ثورة أولادنا فقط، ثورة الشباب في العشرينيات، ممّن يملكون النظرة للمستقبل، أما أنا وجيلي، فقد انتهى الأمر بالنسبة لنا ولم يعد المستقبل بأيدينا. 

·        في أيام الثورة، كان يطلق عليك أنّك من أنصار حزب الكنبة؟ 

نعم، فأنا فعلاً لم أشارك وسمعت هذا الكلام، لكن كما قلت إن إيماني بالشباب هو ما أجلسني في منزلي. 

·        بصدق شديد، هل كنت تؤمن بأن الشباب يستطيع إسقاط النظام؟ 

لا، كنت أعرف جيداً جبروت النظام، وفي أول وثاني وثالث يوم، قلت إن الأمر سيكون مثل أي تظاهرة وسيتم فضّها، وكل شخص يذهب إلى حال سبيله. لكن مع مرور الأيام، بدأ المشهد يتضح وينجلي، وبدأ الأمل يتسرّب إلينا أنّ هناك شيئاً قد يحدث، والحمد لله حدث. 

·        لماذا لم نشاهدك تلفزيونياً منذ تقديمك مسلسل "ميراث الريح"؟ 

كان هذا العمل غلطة، كنت أظن أنّ العمل مكتوب بشكل أقوى ممّا ظهر به على الشاشة، لكن لم يحدث. أعترف بأن المسلسل لم يحقق أي نجاح، سواء على المستوى النقدي أو الجماهيري. 

·        إذاً لن تكرر التجربة؟ 

لم أقرر، فقد يأتي الدور الذي لا يمكن رفضه. وللعلم فأنا أساساً لا أحب التلفزيون منذ طفولتي، حتى إنني لا أحب مشاهدته. لكن في رمضان الماضي، شاهدت مسلسل "سجن النساء" للمخرجة كاملة أبو ذكرى ونيللي كريم التي أبدعت في هذا الدور، وشاهدت أيضاً مسلسل "تفاحة آدم" لخالد الصاوي، ومسلسل "دهشة" ليحيى الفخراني، و"جبل الحلال" لمحمود عبد العزيز، وكلها أعمال كانت لائقة ومحترمة بشكل كبير، أعادت الدراما المصرية إلى الروح العائلية الجميلة.

العربي الجديد اللندنية في

09.01.2015

 
 

فيلم "الاتفاق".. الاحتلال باتفاق شفهي

محمد هاشم عبدالسلام

مع انتهاء الفيلم الألماني "الاتفاق" (Die Abmachung)، للمخرج الشاب بيتر بوسينبرج، يجد المرء إجابة شافية عن مغزى المشهد الافتتاحي الغريب في أول الفيلم، حيث تسبح الكاميرا لفترة طويلة في حركة علوية فوق منطقة سكنية، ثم تمسح تجمعات من المنازل المتجاورة والمتشابهة في تصميمها بأحد الأحياء شبه المقفرة وسط أجواء جد ساكنة وسماء رمادية لمدينة ألمانية ما، حتى تتوقف بنا الكاميرا أمام أحد المنازل.

بعد ذلك تنتقل الكاميرا إلى داخل ذلك المنزل، حيث نرى ذيول حدث يومي عابر يدور على هامش حياة "كارولا" ذات الخامسة والأربعين عاماً وابنتها "ستيفاني" ذات الستة عشر عاماً، نفهم من خلاله أن ثمة مشكلة بالتدفئة وأن ذلك العامل القادم لتوه، يدعى "روجر" وهو في الأربعين من عمره، سيعمل على إصلاحها بصحبة ابنه المرافق له الذي يدعى "كيفن".

ثم نعلم لاحقاً أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يتم إصلاح التدفئة، هنا ليس ثمة ما هو غير عادي أو يستدعي الريبة أو انقلاب الأمور رأساً على عقب لاحقاً، لكن بضعة جمل حوارية تبادلتها كارولا مع روجر تجر بكرة الخيط على أقصى مداها.

"يعجبني منزلك"، يقول روجر في مستهل جمله الحوارية بالفيلم مع كارولا عندما تسأله عن السبب الذي دفعه وشركته للإقدام على أعمال مجانية ومنها مهمة إصلاح منزلها دون مقابل، وبالطبع لن يتوقف المرء قليلاً أمام تلك الجملة العابرة، فالمنزل أو الفيلا الشديدة التميز بطرازها وديكورها لافتة فعلاً، ومن ثم فإن المعنى المزدوج للعبارة يمر مرور الكرام، دون أن ندرك نحن ولا كارولا، الهاوية الكامنة خلفه، إلا مع تقدم الفيلم من منتصفه تقريباً.

بعد عام على وفاة زوجها، تجد كارولا، الممثلة الدنماركية الرائعة (ستين ستنجايد)، ذاتها على نفس الحالة التي عليها بيتها، كلاهما بحاجة ماسة للترميم والإصلاح الفوري، فالسقف يُسَرِّبُ والتدفئة لا تعمل والأرضية الباركيه تعاني من التضعضع وغيرها من الأمور، لكن كارولا ليس لديها ما يكفي من المال لمغادرة المنزل وشراء آخر أو حتى إصلاحه على الوجه الأكمل.

أول الأمر، هناك إصلاح للتدفئة، وفيما يتعلق بهذا، فثمة تفهم كامل وواضح، روجر سيصلح وكارولا ستدفع لاحقاً، عندما يتوفر معها المال، والأمر مغوي بالفعل بالنسبة لها، لا سيما وأن الاتفاق يسمح لها بالبقاء في منزلها والاستمتاع بحياتها الأسرية اليومية دون الحاجة لتركه أو إيقاف روتينها اليومي حتى انتهاء الإصلاحات.

وفي المقابل، فإن كل ما يريده روجر هو وجبة دافئة، دش ساخن بين الحين والآخر، والنوم العابر بالمنزل إن اقتضت الضرورة، لذا تضعف كارولا أمام عرض أو صفقة "روجر"، الممثل البارع (أليكس برندمول)، العامل الوسيم، الصغير السن، المنفصل عن زوجته، كما يُخبرها.

بعد فترة يضاف إلى هذا انجذاب جنسي فيما بينهما، ولا نعلم حقاً إن كانت كارولا تشعر فعلاً بالاحتياج إليه أم لا؟ خاصة وأنه لن يتكرر لاحقاً طوال الفيلم، على أية حال هذا الاحتياج يلبيه روجر عن طيب خاطر، وباعتباره حدث عادي بين اثنين، وليس ضمن إطار خطة ما خفية ومُحكمة، فإننا لا نتوقف أمامه كثيراً.

يستغرق روجر وابنه كيفن (مو هوليسكين) الكثير من الوقت في العمل، ويأخذان تدريجياً في التنقل بحرية داخل منزل كارولا، ويُقدمان على الكثير من الأمور الغريبة التي تضطر معها ستيفاني (أنطونيا لينجمان) لاستدعاء والدتها، وبعد ذلك، توبيخ كيفين على مراقبته وملاحقته لها، وذات يوم تضع أغراضهما أمام المنزل طاردة إياهما، لكن روجر لا يقبل بعدم الترحيب هذا من جانب ستيفاني، الاتفاق اتفاق، ويبرر سلوك ابنه بأنه كان محاولة من جانبه هو لدفع ابنه لعمل علاقة مع سيتفاني ليس أكثر، وأنه سيكف عن هذا.

الأمر رهيب وكابوسي بالفعل، فالفيلم الذي بدأ بحدث شديد العادية يقع عرضاً ضمن الكثير من الأحداث اليومية العابرة، وكان المفترض أنه لا يترك أي أثر يذكر، تطور واتخذ منحاً خطيراً بفعل ذكاء الحبكة وقوة والسيناريو، فقد تبدل الحال كلية بعد عدة مشاهد، على نحو تدريجي حثيث، وتقريباً دون أن يشعر المتفرج بكل هذا، فرويداً رويداً يكتشف مع بطلة الفيلم أن العودة إلى الوراء والنكوص عن ذلك الاتفاق قد باتت بالفعل متأخرة جداً.

وأن الاتفاق الذي بدأ بمنتهى اللطف والبراءة والسعادة والأريحية بين الطرفين، سرعان ما ينقلب، على امتداد تسعين دقيقة، إلى دراما شديدة الإثارة تجعلنا بالفعل نمسك أنفاسنا طوال الفيلم، ومع النهاية نكتشف أننا لم نكن بصدد فيلم إثارة أو حركة أو رعب صرف، وإنما مزيج من كل هذا في إطار يغلب عليه بالأساس الطابع النفسي الشديد القوة، والبالغ التعمق في أغوار الشخصيات التي يقدمها لنا على الشاشة دون أي افتعال من جانب المخرج ولا الممثلين.

تحاول كارولا أن تتراجع بعدما أخذت تدرك ما يحيق بها، لكنه تراجع غير حاسم، فهي بحاجة للاعتماد على شخص في حياتها وليس للاستقلال، إنها عاجزة فعلاً بمعنى الكلمة، وتعيش حالة من الوهم يبدو معها أنها لا تريد الخروج منها ولا أن تُصدّق الواقع، وروجر بدوره، يدرك هذا جيداً ويملأ كل تلك المناطق، فهو يعرف هدفه جيداً، وبهدوء شديد الإفراط يبسط نفوذه على كل أوجه الحياة الأسرية كأنه حقاً هو رجل البيت، وبالفعل، نراه ماثلاً في أغلب المشاهد، وحتى في حالة عدم وجوده، نرى آثار ما خلفته يداه هنا وهناك بالمنزل.

والمثير في الأمر أن المنزل الجميل حقاً، قد تحول على امتداد الفيلم إلى موقع بناء وهدم وتبدلت معالمه كثيراً، وبالرغم من ذلك فلم تعمل التدفئة، الأمر الذي يثير عند كارولا الشك في مدى مهارة وحرفية روجر، فتبدأ ترتاب فيه وفي نواياه، التي لا تعرفها حقاً، لا سيما وقد أخذ بالفعل يدخل تعديلات هنا وهناك على تصميم وديكورات المنزل.

هذا الشك يطلعنا على حقيقة روجر، بعدما تتبعته ذات يوم بعد انصرافه، وعلى ظروفه البائسة وكذبته الكاملة، واكتشافها أنه مجرد متشرد يبحث عن مأوى وأسرة، وكيف أنه حتى بعدما اكتشفت كارولا أمره، لم يبال قط، بل وواصل ما اعتزمه منذ أول يوم دخل فيه المنزل، وهو احتلال حياتها ومنزلها احتلالاً كاملاً بموجب ذلك الاتفاق الشفهي بينهما.

ومع ذلك، لا يتصاعد الصراع إلا مع اشتداد وطأة الضغوط من جانب ابنة كارولا، النافرة منذ البداية من روجر وابنه، والتي تترك لها المنزل بالفعل، وعندما بات الأمر متعلقاً بالأمان الشخصي المُهدد بالانهيار، وبالدمار النفسي الوشيك، الذي لا يقل عن دمار المنزل، أخيراً تتحرك كارولا، وتُقدمُ حتى على التجرأ على اقتراف جريمة تُنهي وتُجهزُ بها على حياة ذلك الكابوس المدعو روجر، الذي أدخلته لحياته بكامل إرادتها الحرة.

وحتى مع نهاية الفيلم لا تتنفس كارولا الصعداء، إذ تعرف عبر الهوائي الخاص بأحد الشرطيين أن روجر لم يمت، وأنه لم يتم العثور على أحد بالمنزل، الأمر الذي نرى تباعاته على عيون كارولا وابنتها الجالستين في عربة الإسعاف، أي أن التشويق لا يتوقف حتى مع نزول التترات الختامية.

إن "الاتفاق" يُمسك بأنفاسك فعلاً، ويجتاحك تدريجياً منذ مشاهده الأولى، برغم البناء الخطي للقصة، ووحدة المكان والزمان، وقلة الشخصيات والأحداث.

والفيلم الذي لا يمكننا تصنيفه نوعياً، كفيلم إثارة أو نفسي أو رعب خالص أو كل هذا معاً، يصعب علينا فك شفرة رسالته، فقد يعتبر رسالة عن تصدع الطبقة البرجوازية بالمجتمع الألماني أو رسالة تنبيه ضد ما لحق أو قد يلحق بالطبقة البرجوازية على أيدي الحاقدين المتطفلين، فالجدية الشديدة التي تتملك روجر، المتجهم طوال الفيلم، مفعمة بالأسى أو المرارة، وأحياناً تتصور أنها نابعة من حقده على كارولا وطبقتها وحياتها ومنزلها وابنتها اليافعة الذكية المتمردة، مقابل حياته البائسة وتشرده وابنه شبه المضطرب عصبياً ونفسياً، وكيف أنهم على النقيض في كل شيء.

وربما يكون الفيلم رسالة تحذير للمجتمع الألماني برمته ضد العناصر الدخيلة عليه، والطامعة في مكتسبات المجتمع والراغبة في انتزاعها دون وجه حق. أما المُرجح أكثر، أن الفيلم عن الضعف الإنساني، ومغبة الاستسلام لهذا الضعف من ناحية، ومن ناحية أخرى رسالة تنبيه لمدى خطورة بعض الأفعال أو التصرفات الحياتية التافهة التي لا يلقي لها المرء بالاً، وتتسبب لاحقاً في قلب حياته رأساً على عقب.

وربما أراد المخرج، بيتر بوسينبرج في ثاني أفلامه الروائية، أن ينسج لنا واقعاً كابوسياً على غرار عوالم كافكا، ناهيك بالطبع عن إمتاعنا بفيلم رائع على جميع المستويات، البصرية والتكوينية وحتى ملابس الأبطال التي لم تتغير على امتداد الفيلم، وبالطبع الأداء التمثيلي الشديد القوة في أغلب مشاهد الفيلم.

وفي نفس الوقت، وبرغم البراعة التمثيلية، إلا إن البطل الحقيقي فيه، هو المنزل، ذلك المكان الذي تدور فيه أكثر من تسعين% من أحداث الفيلم، والمثير للدهشة، أنه ومع انتقال الكاميرا إلى الخارج لضرورات درامية قليلة، يؤدي هذا إلى إثارة الضيق البالغ، لمفارقة المنزل لدقائق جد قليلة، دون معرفة ما الذي تعرض له أو طرأ عليه من تغيير خلال تلك الدقائق. وتلك كلها تُحسب للسيناريو المكتوب ببراعة.

إن الاهتمام الدقيق بكتابة السيناريو، الذي اشترك فيه مخرج الفيلم بيتر بوسينبرج مع كاتب السيناريو والمخرج "يال رويفيني"، والعناية بالتفصيلات الصغيرة، والمكان، وحركة الكاميرا المتميزة في ذلك الحيز المُحكم، بجانب قوة التمثيل، نقلت لنا صدق مقاومة كارولا، ممثلة المسرح والسينما المتميزة ستين ستنجايد، العاجزة فعلاً عن مقاومة سلوك روجر، الممثل أليس برانديمول، الذي شاهدنا له أكثر من أداء تمثيلي قوي حقاً بأفلام ألمانية متميزة المستوى، وبالتأكيد سيكون مستقبله واعداً بالسينما الألمانية.

موقع "24" الإماراتي في

09.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)