حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نصرالله :

ذهاب الى عوالم مجهولة

القاهرة - فجر يعقوب

 

لم تقف الأمور عند حد مقنع بالنسبة للبعض من الصحافيين والنقاد، وهم يواصلون حتى اللحظة الحملة المنظمة على فيلم «بعد الموقعة» للمخرج المصري يسري نصرالله، على رغم أنه تسلّح بالوثائق اللازمة التي تؤكد «براءة» فيلمه من وجود الشريك الإسرائيلي في إنتاجه. وهي براءة لم يبحث عنها نصرالله ، لأن ما يهمه في السياق هو التقييم الفني للفيلم، وليس الإثارة السياسية التي لا ينكر أحد وجودها في طيات هذه الهجمة غير المسبوقة عليه. ونصر الله يدرك تماماً أن توزيع فيلمه قد تأثر بهذه المشاحنات التي فرضت عليه بعد أن عبّر صحافي اسرائيلي في الدورة الفائتة من مهرجان «كان» عن سعادته لو يعرض الفيلم في إسرائيل، وهو ما ألهب خيال البعض، فاستغل هذه الثغرة ليعبّر فيها عن مواقف شخصية مسبقة من صاحب «سرقات صيفية»، فيما يؤكد صاحب الفيلم أنه يرفض رفضاً قاطعاً عرضه هناك. هنا حوار يقرر فيه يسري نصرالله ألا يخوض ثانية في موضوع أصبح منتهياً بالنسبة إليه، لأن ما يهم بعد ذلك هو الانتقال إلى المشروع التالي «محطم القلوب»، الذي كان من المفترض أصلاً أن يبدأ تصويره قبل فترة، لو لم تهب رياح ثورة 25 يناير.

·     ماهي مشكلة بعض الصحافة الفنية المصرية - وحتى السياسية منها - مع فيلمك «بعد الموقعة»، إلى درجة التشكيك بخلفيات مفترضة لوصوله إلى مهرجان «كان»، والقول إن ذلك قد تم بسبب وجود طرف إسرائيلي في عملية الإنتاج؟

- هذا غير صحيح أبداً، فإسرائيل ليسن بأي حال طرفاً منتجاً في الفيلم. فيلمي من إنتاج مصري فرنسي، وقد أصبح معلوماً لدى الجميع أن الشركة الفرنسية المنتجة تملك ثلاثين بالمئة، فيما يملك الطرف المصري ممثلاً بشركة «نيو سنتشري» سبعين بالمئة. وللتوضيح ، فإن الطرف الفرنسي اقتصر دوره على عمليات الصوت والمكساج وطباعة نسخ العرض. وقد موّل هذا كله من قبل القناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي، وشركة أورانج الفرنسية للهواتف النقالة. وهي للعلم تملك شركة توزيع سينمائي اسمها «ستوديو37». بالإضافة بالطبع للإدارة المحلية لمحافظة باريس، ومؤسسة سند من مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي. ولا يوجد أطراف غير هذه ممولة أو مشاركة في إنتاج الفيلم. أما اللغط الذي دار من حوله، فهو لم يثر أحداً، أما ما أثير فكان بسبب سؤال وجهه إليّ صحافي إسرائيلي في المؤتمر الصحافي في مهرجان «كان» حول ما إذا كنت سعيداً مثله، بأن الفيلم سيتم توزيعه في إسرائيل. يمكن أن تلاحظ (هنا استعان يسري نصرالله بالعقود ليشرح وجهة نظره) أن عقد الإنتاج المشترك بين «نيو سنتشري» و»سييكل برودكشن» ينص صراحة على أن الطرف المصري فقط هو من يملك حق توزيع الفيلم في الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل لضمان عدم توزيعه في إسرائيل أصلاً. وهو بند موجود في كل عقود الإنتاج المشترك التي تتم بين مصر وفرنسا وألمانيا. اضافة إلى ذلك كان ردي في المؤتمر هو أنني لن اكون سعيداً بتوزيع فيلمي في إسرائيل طالما أنها تحتل الأراضي الفلسطينية، ولا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني. ناهيك عن أنني لا أجد في إسرائيل حليفاً في محاولات الثورات العربية التخلص من ديكتاتورياتها الثقيلة. وهذا قد تسبب لي وللفيلم بمشاكل كبرى في الصحافة الغربية. ومن هنا لا أستطيع أن أرى في هذه الحملة التي ووجه بها «بعد الموقعة» من قبل عدد محدود من الكتاب، إلا محاولة مغرضة، -أو في أحسن الأحوال غيرة مبيتة- ضده .

عداء للسامية!

·        ماهي المشاكل التي سببتها لك الصحافة الغربية؟

- لقد ترجم موقفي على أنه عداء للسامية، وهذا قد أثّر على توزيع الفيلم. وأنا لم أختبئ وراء العقد في المؤتمر الصحافي، بل حرصت في هذا المحفل الدولي على أن أستخدمه مجالاً لإعادة طرح حقوق الشعب الفلسطيني على الملأ.

·     بالنسبة إلى الفيلم من المفترض أن أحداثه تدور في الأيام التالية لموقعة الجمل الشهيرة. ولكن تبدو الأجواء المرافقة للفيلم، وكأنها متعلقة بأحوال سادت قبل 25 يناير، فالكذب والتجني والتشهير لاتزال مستمرة؟!

- الفكرة الأساسية التي خلصت إليها هنا، هي أن هناك أناساً قادرين على مماشاة الخطاب السائد، وأنا لم أكن مماشياً له أبداً. من قبل كانوا يثيرون مسألة التمويل الأجنبي، والآن يستمرون بذات الطريقة، وكأن الرغبة تتملكهم في حشر المثقفين ووسمهم بعقلية القطيع.

·     ولكن قد يرى بعضهم أن نقاشاً من هذا النوع هنا قد يؤثر على قضايا بالغة الأهمية ليس وقت التصدي لها الآن؟

- هذا ليس حقيقياً على الإطلاق. فأنت تتعاقد مع الطرف الآخر، وتضع الشروط التي تلائم توجهاتك. وبما يخص فيلمي ثمة بند ثابت لا يمكن تجاوزه يتعلق بتوزيع الفيلم. ولكنني أعتقد أن الإشكال الأساسي الذي نواجهه في هذه الحكاية هو نوعية النقاش، فهو من يضعف موقف المقاطعة بدل تقويته، وعندما ينشر هذا الكلام في جرائد كبرى، فماهي الرسالة التي تحرص على إيصالها للرأي العام العالمي؟. يبدو المثقف العربي وكأنه يتعرض لضغوط كبيرة جداً كي يقاطع، في حين أن الرسالة التي تريد إيصالها كمثقف له احترامه في المحافل الدولية، هي أن الموقف من إسرائيل نابع من المثقف نفسه، وليس من إرهاب وضغط، وبالتالي فإن الذين يدّعون أنهم حماة المقاطعة يجردون في الواقع المقاطعة من أهم سلاح فيها، وهي أنها نابعة من ضمير المقاطع، وليس من ضمير القطيع.

·        قلت إننا لا نملك ترف المقاطعة، فهل هذا يعني أننا ضعفاء إلى هذا الحد؟

- لم أقل هذا إطلاقاً بما يخص مقاطعة إسرائيل. هذا كلام ورد على لساني تعليقاً على مهرجان تورنتو الذي خصص مرة تظاهرة من تظاهراته لمدينة تل أبيب، وتلقى تمويلاً من وزارة الخارجية الإسرائيلية. لقد كان موقفي بأنه يجب الذهاب بأفلامنا لنفضح تواطؤ المهرجان وسكوته على المجازر الإسرائيلية التي ترتكب في قطاع غزة، لأنني أنا يسري نصرالله عندما أذهب إلى تورنتو بفيلم قد يعجب الجمهور هناك، فإنني أقوّي موقفي، لأنني أرى أننا لسنا ضعفاء عندما نستخدم قوتنا، إذ لا يجب أن نضع أنفسنا في موقع ضعف دائم. المقاطعة مسألة جديرة بالنقاش بين المثقفين بعيداً عن الطريقة التي استخدمت فيها المقاطعة من قبل الديكتاتوريات كورقة للضغط ولتخويف المثقفين، وفي حقيقة الأمر تمخض ذلك كله عن مقاطعة الفلسطينيين فقط.

بارانويا

·     هل تعتقد أن استهداف فيلمك بهذه الطريقة يخفي في جانب منه استهداف الفن عموماً في مصر؟

- هذه بارانويا. إذ ليس لدي إثبات على ذلك. ولكن هناك في مصر الآن حملة ضد الفن المستقل، وضد المثقف المستقل غير التابع للسلطة. هناك حملة ضد الصحافة ومحاولة للسيطرة على الإعلام والفن، وهذه أمور لدينا إثباتات واضحة عليها. أما القول إن الهجوم على الفيلم جزء من المؤامرة، فهذا ليس كلاماً صحيحاً. ولكن في المقابل، التشويه عبر استخدام إسرائيل في الموضوع غير مقبول إطلاقاً.

·     صناعة فيلم روائي طويل عن ثورة 25 يناير ألم يكن بحاجة لبعض التروي، وبخاصة أن يسري نصرالله لايزال يعيش داخل اللحظة؟

- عندما أنجزت فيلم مرسيدس كنت داخل اللحظة. وكذلك الحال بالنسبة إلى «صبيان وبنات» و»المدينة» و»باب الشمس» و»جنينة الأسماك». لقد استمدت هذه الأفلام قوتها من كونها جاءت من داخل اللحظة تحديداً، وأعجب بها من أعجب، وكرهها من كرهها. أما لماذا فقط موضوعة الثورة يجب أن يكون الفن الذي يحاكيها موضوعاً في ثلاجة أو في مشرحة؟، فهنا يكمن السؤال. في الأفلام التي ذكرتها محاولة اقتحام عوالم وشخصيات لا أعرفها، وهي ليست أنا. هي ذهاب نحو الآخر، ونحو من هم مختلفون عنك، وهنا يكمن مغزى الحكاية. ففيلم «بعد الموقعة» ذهبت فيه نحو منطقة لا أعرفها، وتحدثت إلى أناس بدا لي للوهلة الأولى أنهم ضد الثورة. وعبر محاولة فهم من أين يستمدّون كرامتهم ورغبتهم في الحرية، كان يتوجب إيجاد سكة ترى لأي مدى يمكن أن يكونوا مع الثورة.

·     هل سيمكن بعد ذلك التأريخ للسينما المصرية بما قبل وما بعد ثورة يناير، أم أن هذا تفصيل لأفلام ستفرض هذا التأريخ دون أي مسميات ؟

- الحالة الجديدة في السينما المصرية بدأت قبل الثورة، كما في أفلام إبراهيم البطوط وأحمد عبدالله وتامر السعيد وكاملة أبو ذكري، بالإضافة إلى جيل داود عبد السيد ومحمد خان وأنا. ولا أعتقد أن أفلامنا قبل الثورة هي غيرها بعد الثورة، لأنها كانت تملك موقفاً دائماً، كما أجزم أن رجعيي قبل الثورة لن يكونوا غير ذلك بعدها، لأن الفن هو علاقة ما بالعالم، وليس محض علاقة بحدث محدد.

الحياة اللندنية في

24/08/2012

 

أيام سينمائية مع إدغار موران في طنجة

إبراهيم العريس 

 تصدر هذه الأيام عن «المنظمة العربية للترجمة» في بيروت ترجمة عربية لكتاب الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران «نجوم السينما»... وقد أضاف مترجم الكتاب إبراهيم العريس الى متنه الأصلي قسماً جديداً يتناول حياة الكثير من نجمات السينما العالمية والعربية ومصائرهن في ما يشبه استكمالاً للفصول الأخيرة من كتاب موران. وهنا في المقدمة التي وضعها المترجم للكتاب بعض التفاصيل حول هذا الأمر. اما المقدمة في حد ذاتها فينطلق فيها المترجم من لقائه موران في المغرب قبل شهور لمناسبة مهرجان سينمائي وطني هناك كان المؤلف رئيساً فيه للجنة التحكيم التي ضمت المترجم في عضويتها:

< كانت عشرة أيام شديدة الغنى والتنوع تلك التي أمضيتها في صحبة إدغار موران في مدينة طنجة المغربية اوائل العام 2012.

كنا وصلناها معاً على الطائرة من باريس للمشاركة في لجنة تحكيم المهرجان الوطني للسينما المغربية مع رفاق آخرين من فرنسا والمغرب. تعارفنا في الطائرة بعد ان عرفته من سحنته وابتسامته الفريدتين المظللتين شبابه التسعينيّ العريق. كانت في صحبته زوجته المغربية التي تصغره بثلاثة عقود، وكانا عادا لتوّهما من شهر العسل. كانت مفاجأته الأولى حين رحت بعد دقائق التعارف الأولى، اطرح عليه اسئلة حول بعض كتاباته التي كانت في الحقيقة تشغل بالي منذ زمن بعيد، اي منذ تعرّفت الى تلك الكتابات في سبعينات القرن العشرين وشرعت في ترجمة عدد من نصوصها السوسيولوجية...

رفيقا سفر

وفي المطار، حين كنا في انتظار سيارة تقلّنا الى الفندق المخصص لنا في المدينة، كانت المفاجأة الثانية: أخبرته انني نقلت الى العربية كتابه الأشهر «النجوم». كان عالماً بالأمر من خلال دار النشر الفرنسية، لكنه لم يكن يتصوّر ان رفيقه في السفر هو المترجم...؟ ومنذ تلك اللحظة زال كلّ تكليف بيننا الى درجة انه في السيارة طلب مني ضاحكاً ان أتحدث الى زوجته بالعربية التي تُتقنها: «اريد ان اسمع رنّة العربية على لسانها» قال... والمدهش انه سرعان ما راح يشاركنا العبارات العربية التي تبادلناها وقد فهمها وساهم بإجابات فرنسية. خلال الأيام العشرة التالية تحدثنا كثيراً، عن اسرائيل والفلسطينيين وبخاصة عن المعارك التي شنّها أنصار الصهيونية ضده في فرنسا، عن البوذية التي يعتنقها تقريباً، عن كمال جنبلاط الزعيم اللبناني الراحل الذي يعرفه ويقدّره كثيراً، عن الحياة الثقافية الفرنسية وعن المسألة الأرمنية، وبخاصة عن مدينة سالونيك التي كانت مسقط رأس أبيه ايام السلطنة العثمانية... لكننا تحدثنا اكثر من اي شيء آخر، عن السينما وطبعاً عن نجوم السينما. وكان واضحاً ان تركيز موران على السينما في احاديثنا المتبادلة طوال اكثر من اسبوع له ثلاثة دوافع: اولها كوني ناقداً سينمائياً ومترجماً لكتابه السينمائي الأجمل. ثانيها اننا كنا، تحت رئاسته، منهمكين في مشاهدة عدد كبير من الأفلام السينمائية للحكم عليها... ثم ثالثاً وبخاصة – وهذا امر لم يقله بوضوح ابداً – ان عدداً من الصحافيين المغاربة المعارضين للمهرجان السينمائي كانوا منذ ما قبل افتتاح المهرجان بأيام قد تساءلوا عن جدوى «الإتيان بعالم اجتماع وفيلسوف لا علاقة له بالسينما لترؤس لجنة التحكيم». ومن الواضح ان هؤلاء كانوا يجهلون ان لموران بالسينما علاقات تتجاوز حتى اشتغاله على النجوم ونظام النجوم في هذا الكتاب. فهو كان قبله قد اصدر كتاباً غاية في الأهمية عن «السينما والإنسان المتخيّل» يعتبر منذ ذلك الحين من المراجع الأساسية في نظرية الفيلم. كما انه دأب طوال سنوات على نشر دراسات نقدية حول السينما وسوسيولوجيتها ونجومها... وربما كتتويج لهذا كله، لا بد ايضاً من ذكر مشاركته المخرج التسجيلي الراحل جان روش في تحقيق فيلمه الكبير «مدونات صيف» الذي عرض في احدى دورات مهرجان «كان». كل هذا كان، كما يبدو، غير معروف للذين هاجموه – او هاجموا مهرجان طنجة من خلاله -. اما هو فإنه، ومن دون الردّ المباشر عليهم، عبّر طوال ايام المهرجان عن اهتمام بالسينما لا بد من ان يعترف ايّ منصف بأنه كان نادراً من جانب عالم اجتماع وفيلسوف من طينته. وقد تجلى هذا بخاصة في المحاضرة الافتتاحية للمهرجان حين استعرض موران طوال ما يقرب من ساعة تاريخ الفن السابع وتياراته ونظرياته النقدية بسلاسة وحصافة جعلتا سينمائية فرنسية جالسة الى جواري تقول: لو كانت لديّ آلة تسجيل لطلعت من هذه المحاضرة المرتجلة بكتاب عميق!

نظام لن يعود

مهما يكن، فإن الساعات الأكثر غنى خلال تلك الرفقة كانت مخصصة، تقريباً، للحديث عن النجوم ونظامهم... وذلك بالتحديد لأن عدداً ممّن شاركونا الجلسات سألوا موران لماذا لم يُحدث تطويراً وتجديداً في كتابه منذ صدور طبعته الأخيرة – التي يتضمن هذا الكتاب المنقول الى العربية ترجمتها - في عام 1972. وموران حين سمع هذا السؤال التفت إليّ وابتسم قائلاً: «من يقرأ الكتاب سيكون عنده الجواب بالتأكيد!»، ومن الواضح ان موران كان يشير في هذا الى ان جوهر الكتاب نفسه يفسّر كيف ان عقد الستينات كان آخر عقود زمن النجوم بالمعنى الذي خلقته هوليوود منذ اواسط سنوات العشرين من القرن الفائت حين اكتشفت ارتباط مفاهيم مثل «الحلم الأميركي» و «النهايات السعيدة» و «لعبة التماهي بين الجمهور ونجومه» بوصفها الأساس في تلك الحالة الاستثنائية التي خُلقت في عالم السينما جاعلة من النجوم أنصاف آلهة، وهو بالتحديد موضوع هذا الكتاب. «اليوم، قال موران، لم يعد نجوم السينما ما كانوا عليه. وليس فقط لأن نجوم الرياضة والتلفزيون وعارضات الأزياء... وسيدات المجتمع، صاروا جميعهم نجوماً تضاهي آلهة السينما والغناء، بل كذلك لأننا، اذا اخذنا بقول آندي وارهول، سنجد ان التلفزة تحوّل كل فرد في ايامنا نجماً ولو لربع ساعة من حياته...». وأردف قائلاً ان السينما نفسها تغيّرت كما تغيّر جذرياً مفهوم البطولة... والنجومية بالتالي.

كان ما يقوله موران هنا واضحاً ونهائياً و - طبعاً - مبرّراً لاعتبار كتابه في طبعته الأخيرة مسك الختام في هذا الموضوع الذي كان اشتغل عليه في التزامن مع اشتغال رولان بارت على «الأساطير» وجان بودريار على تفاصيل الحياة اليومية (وهذا كله كان خلال النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين) -، ومع هذا، ما إن انتهى موران من توضيح فكرته حتى ابتسمت بنوع من الاعتذار وقلت له: «لكنني يا صديقي سمحت لنفسي بأن أضيف الى الكتاب». فنظر إليّ مندهشاً في تساؤل واضح لأسارع بالاستطراد: «لا تقلق... فقط أضفت بضعة فصول تحاكي فصولك عن مارلين وجيمس دين وآفا غاردنر في آخر الكتاب وفحواها الحديث عن مصائر عدد من أبرز نجوم السينما العالمية والعربية ايضاً...

وفي سياق اسلوبك نفسه». فابتسم موران هنا وقال: «أجل... يخيّل إليّ ان هذه هي الطريقة المثلى للإضافة الى هذا الكتاب». ثم التفت ناحية السيدة زوجته قائلاً لي: «وأرجو يا صديقي أن تبعث إليّ نسخة من الكتاب، الذي صار كتابنا معاً الآن، كي تقرأها زوجتي لي بالفرنسية...».

وهذا ما سوف افعله بالتأكيد.

وفي انتظار ذلك، ها هو كتاب «النجوم» بين يدي القارئ ينقل اليه بعض اهمّ الأفكار التي كتبت حول هذا الموضوع في القرن العشرين، وقد اضفنا اليه، إذاً، بموافقة الأستاذ موران، عدداً من الفصول التي تستكمل فكرة المصائر التي سرعان ما تكون من نصيب من كانوا أنصاف آلهة، في لعبة سيكولوجية اجتماعية طبعت ما يمكننا ان نســميه الآن ازمان البراءة.

الحياة اللندنية في

24/08/2012

 

 

لا تبحثوا عن موته في ثنايا أفلامه!

إبراهيم العريس 

لم يكن المخرج البريطاني الأصل العامل في السينما الهوليوودية منذ زمن بعيد، توني سكوت، من النوع الذي يأمل ان يحصل ذات يوم على «اوسكار أفضل مخرج».. كذلك، وبالتالي، لم يكن من المخرجين الذين يأملون لأفلامهم ان تدخل كتب تاريخ السينما الكبيرة من الباب العريض. في هذا كان على العكس تماماً من أخيه الأكبر ريدلي سكوت الذي يعتبر بنصف دزينة من الأفلام على الأقلّ، واحداً من كبار المبدعين السينمائيين في زمننا هذا. والحقيقة ان توني الراحل قبل أيام انتحاراً في لوس انجليس، لم يكن في «تواضع» تطلعاته الفنية، ليصدر في فعل مثل هذا، عن عدم كفاءة او عن عدم مقدرة فكرية. كل ما في الأمر انه منذ البداية اختار لغة السينما الجماهيرية الشعبية وبرع فيها بحيث صار عبر نحو عشرة افلام واحداً من اكثر مخرجي الصف الثاني تحقيقاً للمداخيل، كما واحداً من اهل السينما الذين لا يتوقفون عن العمل. كان «منتجاً» ناجحاً في اختصار.. وندر لأفلامه ان اصابها ذلك الفشل الشبّاكي الذي كان يصيب احياناًَ بعض افلام اخيه. اما الفارق بينهما في هذا السياق فواضح: افلام توني تنسى بعد عرضها الناجح. اما افلام ريدلي فتعيش طويلاً، بل تجد لنفسها حياة ثانية وثالثة مع مرور الزمن. من هنا لئن كانت سينما ريدلي محط اعجاب النقاد واهل النخب السينمائية.. على الدوام، فإن افلام توني كانت محط اعجاب الجمهور العريض.. ولعل في امكاننا هنا ان نقول ان هذا لم يكن بالطبع، الواقع الكامن في خلفية انتحار الشقيق الأصغر رامياً نفسه بهدوء وعزم من على الجسر الشهير في مدينة الملائكة.

يقيناً ان توني بانتحاره، حمل معه اسراره كلها حتى وان كان معروفاً الآن انه ترك في سيارته عند الإنتحار، رسالة قد تفسر الأسباب. فرغم وجود رسالة من هذا النوع – والمنتحرون يتركون عادة هذا النوع من الرسائل - سيصعب دائماً ادراك الدوافع الحقيقية التي تدفع امرئ الى وضع حد لأيامه. ومن هنا نترك التخمينات مهما كانت يقينية هنا، لنلتفت الى صاحب العلاقة نفسه، هذا المبدع السينمائي الذي وقّع من افلام الحركة والتجسس والتشويق والخيال العلمي ما اعجب الجمهور وبدا دائماً متماشياً، ولو مواربة، مع احداث الراهن وخلفياتها.. وذلك بدءاً، بالتحديد من فيلمه الأشهر «توب غان» الذي سيدان دائماً لأن كثراً نظروا اليه باعتباره دعماً لوزارة الدفاع الأميركية ومسانداً لجنودها ومبيّضاً لصفحاتهم إثر هزائم للجيش الأميركي في افغانستان...

وتوني سكوت المولود في انكلترا العام 1944 مثل اخيه ريدلي سكوت، ينتمي الى ذلك النمط من المخرجين الذين بدأوا حياتهم المهنية بتحقيق شرائط دعائية. وهو لئن كان ارتبط اسمه في هذا المجال باسم اخيه الذي بدأ مثله في مجال افلام الدعاية والفيديو كليب، فإنه ارتبط اكثر بمجايلَين له سلكا الدرب نفسها قبل ان يصبحا من المخرجين السينمائيين – والتلفزيونيين – الناجحين تجارياً، ادريان لين وهيو هادسون. والحال ان توني سكوت كان في وسعه ان يظل الى الأبد مخرجاً للشرائط القصيرة والتجارية، لولا النجاح الذي حققه اخوه الأكبر في انتقاله المبكر الى هوليوود، عشية النجاح الأسطوري الذي حققه بفيلم «بليد رانر» عن قصة للكاتب فيليب كي ديك.. ومعروف ان توني اشتغل منتجاً ومساعداً لأخيه في بداياته قبل ان يتحول شريكاً له في الإنتاج.. وهكذا بالتدريج، وبعد ان حقق بعض الشرائط القصيرة الأولى، وجد نفسه في خضمّ اللعبة الإنتاجية الكبيرة. ولعل من الطريف ان ننقل هنا ما قاله عنه يوماً اخوه ريدلي واصفاً بداياته: «كان توني يريد ان يكتفي اول الأمر بتحقيق افلام وثائقية. فقلت له «لا تذهب الى الـ «بي بي سي». بل تعال عندي اولاً... ولما كنت اعرف في ذلك الحين انه هاوي اقتناء السيارات الفخمة قلت له: تعال اشتغل معي ولسوف تحصل على سيارة فيراري خلال عام. ففعل وتحقق له ذلك بالفعل».

البداية الحقيقية لتوني سكوت كانت في العام 1983 حين عهد اليه بتحقيق فيلم «الجوع» المتحدث عن مصاصي الدماء ومن بطولة دافيد بوي وكاترين دينوف.. صحيح ان الفيلم يومها لم يحقق ما كان مرجواً له من النجاح، بيد انه عرف كيف يحقق لمخرجه مكانة بين المخرجين الحركيين والسريعين في تحقيق افلام لا تتجاوز حدود موازناتها.

ومن هنا لم يستغرب الأمر كثر حين عهد اليه بعد ذلك بثلاث سنوات بتحقيق العمل الذي اطلقه حقاً وكان واحداً من اكبر النجاحات التجارية الهوليوودية في ذلك العام 1986، اي «توب غان» الذي هوجم كثيراً من الناحية السياسية، لكن الجمهور اقبل عليه محققاً في طريقه نجاحاً خرافياً لبطله الشاب توم كروز.. والحقيقة ان المخرج، وعلى ضوء المكانة التي حققها الممثل تزامناً مع الفيلم تعلّم منذ ذلك الحين، وكما سوف يقول لاحقاً، ان للنجوم الشعبيين دوراً لا يزال كبيراً في نجاح الأفلام، وان الإنسجام بين الممثلين والمخرج امر شديد الأهمية في نجاح الفيلم.

ومن هنا نراه في افلامه التالية إما يعود الى العمل مع كروز نفسه وإما يعمل مع نجوم راسخين لهم شعبيتهم – حتى هنا ايضاً من دون اي امل في الحصول على اي اوسكار او المشاركة الجدية في مهرجانات «المثقفين» مثل «كان» و «برلين» و «البندقية» او حتى «ساندانس» – من امثال ايدي مورفي ودنزل واشنطن وكيفن كوستنر وحتى روبرت دي نيرو... ومع هؤلاء كما مع غيرهم لا يقلّون اهمية عنهم، توالت افلام توني سكوت خلال ربع القرن التالي ومنها العمل القاسي والرائع الذي حققه انطلاقاً من سيناريو كتبه شاب اميركي من اصول ايطالية كان شبه نكرة في ذلك الحين: كوينتن تاراتتينو، - وهو طبعاً فيلم «ترو رومانس» (1993)- الذي عرف كيف يجمع في اداء ادواره اكثر من نصف دزينة من كبار الممثلين الهوليووديين.

ومنذ ذلك الحين لم تعد سينما توني سكوت قادرة على التراجع. صارت اشبه بماكينة طاحنة تسير قدماً بالتواكب مع عشرات الشرائط الدعائية والغنائية والأعمال التلفزيونية. ولئن كان من الصعوبة بمكان هنا تعداد كل ما حققه توني سكوت في هذه المجالات، سيكون ممكناً وعادلاً ان نعدّد افلامه الطويلة التي قد يكتشف القارئ انه شاهدها كلها حتى من دون ان يتنبه احياناً الى اسم الخرج. فهي افلام تنتمي الى حبكاتها واجوائها الفاتنة، ثم بخاصة الى ابطالها، اكثر بكثير من انتمائها الى مخرجها: «انتقام» (1990)، «ايام الرعد» (1990)، «الكشّاف الأخير» (1991)، «ترو رومانس» (1993)، «المدّ القرمزي» (1995)، «المعجب» (1996)، «عدو الدولة» (1998)، «لعبة الجاسوس» (2001)، «رجل على نار» (2004)، «دومينو» (2005)، «شوهد مسبقاً» (2006)، «الإستحواذ على بلهام 123» (2009)، وأخيراً «لا توقف» (2010)... ناهيك عن أن توني سكوت كانت امامه يوم اختار الموت انتحاراً، عشرات المشاريع التي تنتظر التحقيق عدا عن العودة في جزء ثانٍ الى «توب غان» الذي سرت في الآونة الأخيرة انباء عن سحبه من بين يديه واسناده الى مخرج آخر، ما دفع البعض الى الإعتقاد بأن هذا كان وراء انتحاره!

مهما يكن من أمر سيكون من اضاعة الوقت البحث عن اسباب انتحار الرجل في هذا الواقع، ولا حتى طبعاً في ثنايا افلامه ومواضيعها.. وذلك ببساطة لأن هذه الأفلام ليست من النوع الذاتي الذي قد يحمل مزاج المبدع او اسراره او اي شيء من هذا القبيل.

الحياة اللندنية في

24/08/2012

 

من الشعبوية إلى الضحك بأيّ ثمن

الدار البيضاء – مبارك حسني 

في عبارة وردت خلال العرض ما قبل الأول لفيلم «الطريق إلى كابول» ورد توصيف للفيلم بأنه «فيلم عائلي»، وهو الأمر الذي يثير سؤالاً حرجاً وفي غير محله، إذ إنه يفترض أن هناك بالمقابل فيلماً غير عائلي! في حين أن السينما ليست سوى إبداع لا يفترض تحديد وجهات لجمهور معيّن، بقدر ما ينصبّ الاهتمام على احترام هذه الإبداعية لا غير. ولكن هي موضة سقطت علينا مع نسمات ربيع عربي مفترض يرى أن السينما يجب أن تراعي حشمة العائلة، وكأن العائلة العربية ترتاد حقاً قاعات السينما التي تغلق تباعاً حتى لم يعد منها إلا بعض الأمكنة التي تقاوم رياح الفراغ.

هذا الفراغ الذي صرح ذات مخرج الفيلم أن فيلمه جاء في إطار محاربته وملئه، وذلك بتحقيق «مصالحة الجمهور العريض مع القاعة». الوسيلة؟ فيلمه «الطريق إلى كابول» الذي تخيّر له نوع الكوميديا الاجتماعية الخفيفة المليئة بالمقالب والقفشات والوضعيات الساخرة المضحكة والمفارقات غير المتوقعة.

ولكن هذا كله في قالب سطحي لا يروم الإثقال بالفنية الزائدة ولا الخطاب «المثقف» على ما يـبدو على اعتبار أن السينما هي إمتاع آنيّ فقط.

وبالفعل فـ «الطريق إلى كابول» هو عبارة عن كوميديا مضمخة بالدراما في مزيج يأخذ من مكونات «السيتكوم» أسسه مع إضافة التحسينات السينمائية الواجبة من ديكورات موافقة تملأ العين، وتشييد لفضاءات مناسبة تشد النظر، واللعب على الملابس والماكياج والمونتاج المتسارع التشويقي الإيقاع كما الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة في مجال المؤثرات الخاصة التي يسهل حالياً اعتمادها وتوظيفها في تصوير مشاهد الرعب والحرب والكر والفر في مجاهل الجغرافيا المتنوعة.

وهذه الأخيرة هي مجال الحركة لحكاية أربعة أصدقاء شباب عاطلين يحلمون بالهجرة إلى هولندا بطريقة سرية هرباً من حياة فاشلة بلا هدف ولا أمل. وهم سيشرعون في تحقيق الحلم فعلاً، بتدبير رحلة «حريك» مدفوعة الثمن لن تسير كما خططوا لها بداية، بل سيجدون أنفسهم في أتون الحرب الدائرة في كابول الأفغانية ما بين القاعدة والسلطات الحاكمة برفقة الأميركان. هي باروديا خفيفة توظيفية للخبر التلفزيوني الإعلامي كما يسمع/ يشاهد في نشرات الأخبار والتي يعرفه العالم كله.

مغامرات منتظرة

والحال أن هذا يحوّل الفيلم إلى متوالية من مغامرات منتظرة هي فقرات الشريط الذي يدوم أكثر من ساعتين. بحيث أن الشريط يصبح في النهاية سلسلة من المطاردات يتعرض لها الأصدقاء من طرف مفتش شرطة يكن لهم ضغينة سوداء، ومن طرف إرهابيي المنطقة كما من جهة الأميركان، كمن يسقط في فخ حرب عداوات متعددة، فيكونون الغرباء غير العارفين الذي يُشك فيهم طولاً وعرضاً، كما شوهد مثيلها من قبل في الكثير من الأفلام الأميركية التجارية. تارة هم جواسيس للقوات الغربية يتعرضون للقصف بالرصاص ويقبض عليهم ثم يحكم عليهم بالإعدام، وتارة أخرى يجدون أنفسهم عراة في قبضة الأميركيين كإرهابيين في لقطة «أبو غريبية», إلى غير ذلك من المواقف الخطيرة التي تتحول إلى مشاهد مضحكة بفعل عدم اتساق وجودهم النافر مع جدية الوضع. ويتكاثف الأمر بما طعمه السيناريو من ردود أفعال مغربية صرفة منتقاة من الواقع المجتمعي المغربي الذي لا يعرف الأبطال غيره، وبما أن جمهور الفيلم مغربي بالأساس. وهنا لا يسعنا إلا ربط هذا المعطى بالدراما التلفزيونية الكوميدية والحركية والبرامج الفكاهية التي تعرفها القنوات المغربية في السنوات الأخيرة والتي يشكل المخرج إبراهيم الشكيري أحد مخرجيها الموهوبين. جيل من الشباب المشبع بالصورة الأميركية في المسلسلات البوليسية والمثيرة الشهيرة، والذي يتقن التقنية إلى حد بعيد، والذي وجد في شركات إنتاج جديدة ضالته التجريبية المناسبة التي كللت بأعمال تلفزيونية ناجحة جماهيرياً وحكائياً، على غرار شركات المخرج المعروف نبيل عيوش الذي شكل المخرج أحد أفراد طاقمه الإخراجي لسنوات في شركته «عليان» للإنتاج السمعي البصري والسينمائي. ونفس الروح الفنية الإخراجية وذات الأدوات هي التي استعملت في شريط «الطريق إلى كابول». لكن الجديد هنا هو المساحة الأكبر والوقت الأشمل، وتوظيف التقليد العالمي في المجال محلياً ومغربياً.

سينما شعبية!

من هذا المنطلق لا يمكن للفيلم أن يسعف في التحليل الموضوعاتي ولا الشكلي كاختيارين، ولا أن يُجعل منه منطلقاً للتفكير في الإبداع والتصور والرؤية، فكرياً وسينمائياً. إنه يأتي في مسار السينما الشعبية التي بدأت تغزو سوق الفرجة، وبدأت تجد قبولاً كبيراً من لدن شريحة كبيرة من الناس. والدليل أن الشريط لقي إقبالاً على المشاهدة تجاوز رقم المئة وخمسين ألف متفرج في الأسابيع الأربعة الأولى لعرضه في شهر نيسان (أبريل) الماضي، وهو لا يزال لحد الساعة يعرض في القاعات.

وبالتالي فهو يرسخ في الأذهان تياراً سينمائياً واجب الحضور وأساسي لإنعاش الحرفة وتطوير المجال بما يسمح بالتفكير دوماً في التراكم ونبذ الإحباط. ألم تفعل أشرطة عادل إمام وبخاصة أفلام محمد هنيدي نفس الشيء ولا تزال حين أنقذت السينما المصرية وقاعاتها وأعطت الدرس للآخرين كي يحذو الحذو ذاته؟

لكننا إذ نضع هذا المعطى المطلوب جانباً، لا نملك في الوقت ذاته إلا التنبيه إلى ضرورة عدم الخلط الكبير الذي يقع فيه المخرجون الشباب الذين ارتضوا هذا الخيار السينمائي المحترم. فالإضحاك شيء والباروديا شيء آخر، التطبيق المتقن لمنتج التكنولوجيا في مجال السمعي البصري ليس غير أداة ولا يمكنه أن يكون هدفاً في حد ذاته.

قضايا المجتمع وأعطابه حقيقة من الجائز استعمالها للضحك في إطار سردي خاص، مثل النكتة، لكن الحديث عنها فنياً للتعريف في أفق التحسيس بها والمساهمة في معالجتها عبر آلية السخرية تتطلب الرؤية المسبقة والدراية.

لا يكفي الضحك كي نعالج ونبدع. أشرطة مثل «الطريق إلى كابول» تضحكنا حين تُخفف من المعاناة الجسدية ومن التعب ومن القلق اليومي، ممتعة في وقت عرضها فقط. ولا نريد لها ولأصحابها أن يسقطوا في الادعاء الذي هم في غنى عنه. فيلم عائلي أو فيلم يعالج مشاكل مجتمع، هذه أمور مختلفة جداً ولها سياقات أخرى.

الحياة اللندنية في

24/08/2012

 

نوافذ باريس كلها تطل على «برج ايفل»

باريس- ندى الأزهري 

كم مرة استيقظت البطلة على مصيبتها بعد تناولها «حاجة صفرا»، وكم مرة أبعدت الشبهات عن المجرم الحقيقي ليظهر قبل نهاية الفيلم بقليل أن الشرير هو الذي كان طيباً (لا سيما حين كان المعني هو محمود المليجي). وكم ترددت «لازمة» من نوع :أحمد؟! أحمد مين؟؟ وتأتأ الممثل: عشا...عشان... ليرد من يقابله: عشان ايه؟؟، كم مرة أدرك الجمهور من نظرة للبطل أو مجرد كلمة، ما سيلي وتنبأ من بداية الفيلم بمجرياته وخاتمته؟ كم مرة راودنا الشعور بأن كاتب السيناريو لم يجهد نفسه حقاً لا في القول ولا في الفعل، فلم يزد نصه عن مجموعة من العبارات المتداولة والمواقف المكررة...؟

ولكن، سواء تعلق الأمر بلازمة أو بمواقف نمطية أو أحداث لا تصدق، فإن ما يعرف بـ «الكليشيه» لا يقتصر فقط على السينما المصرية. فها هو كاتب فرنسي يصدر أخيراً في بلده كتاباً حول» كل كليشيهات السينما»، كل أنواع السينما، الويسترن والأكشن والكوميديا... في هذا الكتاب ها هو فيليب مينيافال، الروائي والكاتب الذي اختص بكتب الفكاهة، لا يترك وضعاً مثيراً للسخرية أو حماقة تتردد باستمرار في الأفلام، من دون أن يوردها في كتابه، إنه يحصي على السينما أنفاسها، ومواقفها المكررة والمتوقعة كهذا القاتل الذي يتنقل بجثة الضحية في صندوق سيارته والذي ستوقفه الشرطة بسبب... سرعته الزائدة. والحارس الذي سيدير رأسه عن شاشات المراقبة تماماً عند اللحظة التي يتغلغل فيها من لا يجب أن يتغلغل في المكان. والهارب الذي سيلجأ إلى مقهى في الوقت نفسه الذي يبث فيه التلفزيون صورته كمطلوب.

أما الحالات التي لا ريب في نهاياتها فلا أكثر منها فالجندي في ساحة الوغى الذي يرى صورة خطيبته قبل الهجوم سيموت بالتأكيد في العشر دقائق التالية، والبطل مهما تردد في البداية لقبول مهمة «مستحيلة» لإنقاذ العالم، فإن الجميع يعرف، ومنهم المشــاهدون، انه سينـــتهي بالقول: نعم! فيما الرجل والمرأة اللذان يكرهان بعضهما في بداية الفيـــلم سيتزوجان في نهايته، وعند تجمع أناس ليودعوا أقرباء سيستقلون الــقارب أو الطــائرة لكن الرحلة لن تمر بخير.

وفي أفلام الكوارث يبدو دائماً وكأن المصائب تختار اوقاتها كي يكون هناك أكبر عدد من الضحايا، وبالطبع سيكون البطل هو الشخص الوحيد الذي يدرك بأن الكارثة ستحل حتماً، وحين تحل تلك فستكون هناك لا ريب امرأة على وشك الولادة وجدة بطلة وأحمق يضع مجموعة من الناس في خطر لأنه اراد استرداد غرض ثمين له...

دجاج العالم الثالث

وتمتلئ الأفلام بالأفكار النمطية التي يورد المؤلف العديد منها، ففي حافلة في العالم الثالث هناك باستمرار دجاج وعنزات مع المسافرين، ولا بد لكل هندي من أن يتحلى بالحاسة السادسة، ولكل آسيوي بمعرفة فنون القتال. ولعل من أطرف الأمور التي يبتكرها كتاب السيناريو هي تلك التي لا تصدق، فهذا أحدهم في طور النزاع يتهادى بخطوات مترنحة لكنها لا تمنعه من التقاط فتاة وهي تركض.

وفي قمة ثوران بركان يجد العاشقان دوماً فسحة من الوقت لينظر أحدهما في عيني الآخر، وحين ينتهي البركان من هيجانه فإن السحب الضخمة المحملة بالغاز والغبار تختفي في ثوان وتشرق الشمس! فيما لا يتهاون سمك القرش عن ابتلاع أربعين شخصاً ويبقى مع ذلك جائعاً، مع أن عملية الهضم لدى هذه الحيوانات بطيئة! ويدخل البطل الخارق ضمن ذلك التصنيف،

وهكذا فكل ما لا يستطيعه جيش الولايات المتحدة و اف بي اي والسي آي ايه والناسا والقوى الخاصة... فإن بوسع رجل وحيد فعله. وسيكون هذا البطل في مكان بعيد عن كل شيء، لاشمئزازه من جنون البشر ولذلك فعلى مسؤول رفيع في الدولة أن يذهب ويجده ( إذ لا هاتف لديه) في كوخ ما على ضفاف بحيرة في الاسكا.. وحين يصل اليه أخيراً سيكون هذا المنقذ المستقبلي، بصدد تقطيع الحطب مرتدياً قميصاً من المربعات وسيرد بعد سماعه للكارثة التي تهدد العالم بجواب واحد» إذا نحن في...البراز».

الليل بعد الظهر

ولا يفوت الكاتب كل ما يستخدم في سيناريو المصائب من صرير الأبواب والليل الذي يهبط فجأة عند الثانية والنصف من بعد الظهر والعاصفة التي تهب والبرق والرعد... كما يكرس قسماً للهاتف في الأفلام، فحين تعطى مواعيد في مكان عام عبر الهاتف فهي غالباً في سنترال بارك من دون توضيحات إضافية. ويخصص الكاتب قسماً للكوميديا والمسلسلات، والسرير في الداخل والخارج، والأطفال والحيوانات والنظرة إلى فرنسا من الخارج وحينها فإن كل بيوت باريس تطل على برج ايفل!

هذا الكتاب الطريف والذكي يمكن اعتباره دراسة شاملة استقصائية وجردة للجمل التي ابتذلت والمواقف التي أشبعت استخداماً والتي لا يعرفها كل الجمهور العريض للفن السابع فحسب بل أيضاً جماهير التلفزيون والإعلانات وحتى الأدب الشعبي.

الحياة اللندنية في

24/08/2012

 

«فرتيغو» هتشكوك في مركز الصدارة

لندن – «الحياة» 

كعادتها مرة في كل عقد منذ العام 1952 اصدرت مجلة «سايت اند صاوند» الإنكليزية عدداً خاصاً قبل ايام يتضمن لوائح بما تعتبره – ويعتبره معها عالم الفن السابع في انحاء عديدة من العالم – اعظم الأفلام في تاريخ الفن السابع.

والحقيقة ان لوائح هذه المجلة السينمائية المتخصصة والعريقة والتي تصدر بانتظام واناقة عن معهد الفيلم البريطاني، تعتبر عادة معتمدة، لأن من المعروف انها لا توضع بعشولئية وبتسرّع، بل هي تستند الى اسئلة تطرح على مئات النقاد واهل السينما في العالم، كما انها تترافق عادة مع لوائح مشابهة توضع من قبل السينمائيين انفسهم... السيرورة في منتهى البساطة حيث تطلب المجلة، قبل نشر النتائج بشهور طويلة، من كل اصحاب الأسماء المعروفة في عالمي النقد والإبداع السينمائيين ان يضع كل واحد منهم لائحة بالأفلام العشرة التي يرى انها الأهم في تاريخ هذا الفن... من دون اية شروط او اعتبارات موضوعة مسبقاً... وهنا كي لا نخلق تشويقاً مفتعلاً، نورد بعض النتائج قبل ان نتوقف عند بعض دلالاتها.

فبالنسبة الى اختيار النقاد لأعظم عشرة افلام، جاءت النتيجة على الصورة التالية بترتيب عدد الأصوات:

- المركز الأول: لفيلم «فرتيغو» (1958) لألفريد هتشكوك...

- الثاني: «المواطن كين» (1941) لأورسون ويلز

- الثالث: «حكاية طوكيو» (1953) للياباني يوسيجيرو أوزو

- الرابع: «قواعد اللعبة» (1939) للفرنسي جان رينوار

- الخامس: «الفجر» (1927) للألماني مورناو (حققه في اميركا)

- السادس: «اوديسة الفضاء» (1968) للأميركي ستانلي كوبريك

- السابع: «الباحثون» (1956) للأميركي جون فورد

- الثامن: «الرجل ذو الكاميرا» للروسي دزيغا فرتوف

- التاسع: «آلام جان دارك» (1927) للدنماركي دراير

- العاشر: «ثمانية ونصف» (1963) للإيطالي فلليني

ولعل اهم ما يمكن تسجيله، موقتاً وفي انتظار تحليل اكثر اسهاباً، على هذه اللائحة مقارنة باللوائح الست السابقة للعقود الماضية، هو غياب فيلم «الدارعة بوتمكين» للروسي ايزنشتاين الذي كان اعتاد الحلول في مواقع متقدمة، ليكتفي هنا بالمركز 11.. وكذلك غياب «سارقو الدراجة» للإيطالي دي سيكا والذي كان احتل المكانة الأولى في استفتاء 1952 ليهبط بعده تدريجاً فلا يحتل هذا العام سوى المركز الثالث والثلاثين. ولئن كان «فرتيغو» قد ازاح «المواطن كين» عن مركز اول ظل يشغله خمس استفتاءات متتالية، فإنه لم يزحه سوى مركز واحد فاحتل المكانة الثانية.

ولافت هنا ان «فرتيغو» الذي لم يظهر في اللائحة العقدية الا بعد موت صاحبه عام 1980، ليحتل المركز السابع في العام 1982، دأب على التقدم منذ ذلك الحين بوتيرة متسارعة: المركز الرابع عام 1992، ثم الثاني عام 2002، قبل ان يصل هذا العام الى الصدارة المطلقة. واللافت ان هتشكوك نفسه احتل المركز الأول في استفتاء طاول اعظم المخرجين – لدى النقاد – تلاه جان لوك غودار ثم على التوالي: اورسون ويلز، اوزو، رينوار، جون فورد، دراير، كوبريك، تاركوفسكي، بريسون، كوبولا، برغمان، مورناو...الخ.

وإذا كان هتشكوك جاء اول، كما حال فيلمه «فرتيغو» في استفتاء النقاد، فإنه اتى ثامناً فقط في الإستفتاء الذي اجري بين المخرجين، ليكتفي «فرتيغو» بدوره بالمركز السابع. ولقد جاءت لائحة الأفلام في هذا الإستفتاء الأخير على الترتيب التالي:

- «حكاية طوكيو» للياباني اوزو أوّلاً

- «اوديسة الفضاء» لكوبريك ثانياً

- «المواطن كين» لويلز، ثانياً ايضاً

- «ثمانية ونصف» لفيلليني، رابعاً

- «سائق التاكسي» لسكورسيزي خامساً

- «يوم الحشر الآن» لكوبولا سادساً

- «العراب» لكوبولا ايضاً سابعاً

- « فرتيغو» لهتشكوك سابعاً ايضاً

- « المرآة» لتاركوفسكي تاسعاً

- «سارقو الدراجة» لدي سيكا عاشراً..

وأخيراً نضيف هنا، في انتظار عودة تحليلية الى هذه الإستفتاءات اللافتة، ان اختيارات المخرجين المعاصرين لزملائهم في لائحة أعظم مبدعي السينما في تاريخها اتت على الشكل التالي:

فدريكو فلليلي في المقام الأول يتبعه ستانلي كوبريك ثانياً، فإنغمار برغمان ثالثاً، وفرانسيس فورد كوبولا ثالثاً ايضاً.

وفي المركز الخامس يأتي الروسي اندريه تاركوفسكي ثم الفرنسي جان لوك غودار ومن بعده الأميركي مارتن سكورسيزي. ثم تباعاً: الفريد هتشكوك والياباني آكيرا كوروساوا ثم أورسون ويلز.

الحياة اللندنية في

24/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)