حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مجدي أحمد علي:

سينمانا تخوض معركة حياة أو موت

نيودلهي - فيكي حبيب

 

ليس غاضباً تماماً، وليس راضياً تماماً. انه يراقب ما يحدث في وطنه مصر، ويسجل الملاحظات في رأسه، ربما من أجل اعمال مقبلة او من اجل معارك داهمة. مستقبل مصر يهمه قبل اي شيء آخر... لكنه لا يرى مستقبلاً لمصر خارج الحرية والوعي، ولا يرى مسقبلاً لهذين خارج الفن بالتالي خارج السينما. وهو على هذا الأساس يحدد «معاركه» وسلّم اولوياته. ويقول ما يتعين عليه ان يقول. مجدي احمد علي الذي التقيناه في نيودلهي حيث شارك كعضو في لجنة تحكيم مهرجانها، هو واحد من ابرز مخرجي السينما في مصر على رغم قلة عدد الأفلام التي حققها حتى الآن... وعلى قلة أفلامه فإن كلاً منها يشكّل حدثاً في الحياة السينمائية المصرية. هكذا كان حال «يا دنيا يا غرامي» وحال «خلطة فوزية» وبقية اعماله. هو اليوم، من دون ان يتوقف نشاطه الإبداعي، المسؤول «الرسمي» الأول في مصر عن السينما وهمومها من خلال رئاسته المركز القومي للسينما. ومن هنا جاء الحوار معه متشعباً غنياً... وغالباً مفاجئاً في صراحته من جانب «مسؤول رسمي»... ترى من قال ان ثورة الشعب المصري لم تمرّ من هنا؟

·        ماذا عن التحديات التي تواجه السينما المصرية بعد انزياح ثورة 25 يناير عن الخط الذي شكّل الشرارة الاولى للثورة؟

- قبل الحديث عن تداعيات الثورة على السينما المصرية، لا بد من الإشارة الى ان هذه الصناعة دخلت في دوامة المشاكل قبل فترة، وتحديداً نتيجة الأزمة المالية العالمية، ما أثّر سلباً في عملية توزيع الفيلم المصري في الخارج وشكل الإنتاج السينمائي. ثم أتت الثورة وضربت الصناعة السينمائية ضربة قاسية، وساهم الفراغ الأمني في انصراف الناس عن الذهاب الى الصالات، ما ادى الى انهيار موقت لهذه الصناعة، وما كان من النجوم إلا الاتجاه الى الدراما التلفزيونية، كونها تعود عليهم بمرتبات ضخمة. وللأسف لم يفكر احد فيهم ان يغير تصرفه تجاه السينما بعد الثورة. فمن المعروف في مصر ان النجم يستهلك غالبية موازنة الفيلم، ولا يصرف إلا القليل على بقية العناصر من سيناريو وإخراج وأمور تقنية. وللأسف فضّل هؤلاء اللجوء الى الحل الأسهل، وهو الهروب الى التلفزيون، وهكذا انتج 90 مسلسلاً هذا العام، وهو رقم غير مسبوق.

·        حكي عن نحو 60 مسلسلاً مصرياً لشاشة رمضان 2012؟

- صحيح عرض نحو 60 مسلسلاً على الشاشات، لكن 90 مسلسلاً انجزت هذا العام. وهو رقم كبير جداً، حتى في ظل عدم وجود أزمة. وأعتقد بأن منتجي التلفزيون استغلوا فرصة ابتعاد النجوم عن السينما كي يستفيدوا من حضورهم على الشاشة الصغيرة. تُضاف الى هذا الأزمات المزمنة التي لها علاقة بنمط الإنتاج السينمائي المعتمد على النجم، والذي لا يشجع كثيراً الانتاج المستقل. وطبعاً هناك ظروف الرقابة التي أضيفت اليها الرقابة الدينية او اذا جاز التعبير الرقابة الشعبوية. فاليوم صارت هناك تسميات جديدة مثل الفلول والسينما النظيفة، الخ... دخلنا في انواع اخرى من الحجر على حريات المبدعين. طبعاً، لسنا في افضل احوالنا. السينما المصرية ليست في افضل احوالها. ولكنّ هناك حراكاً أيضاً. وكثيرون لم يستسلموا. عدد كبير من السينمائيين الشباب يحاولون العمل. نجحنا هذه السنة في المركز القومي للسينما في تقديم دعم الى 36 فيلماً من اموال كانت عندنا من وزارة المالية. المركز القومي بنفسه ينتج أفلاماً تسجيلية وقصيرة وهناك موازنة جديدة لهذا العام. هناك تشجيع للمهرجانات المحلية، وقد خصصت وزارة الثقافة اموالاً لدعم بعض المهرجانات على ان تقيمها - وهذه أيضاً من آثار الثورة المصرية - جمعيات أهلية لا الدولة التي اكتفت بفكرة الدعم. وإضافة الى المهرجانات الموجودة على الساحة المصرية مثل «القاهرة» و «الاسماعيلية» و «الاسكندرية»، ولدت مهرجانات جديدة مثل مهرجان الاقصر للسينما الأفريقية الذي عقد على رغم سوء الأوضاع سياحياً وأمنياً. وهناك أيضاً مهرجان آخر في الأقصر للسينما الاوروبية ومهرجان في الغردقة للسينما الآسيوية، كل هذا إضافة الى أفكار مهرجانات اخرى لن ادخل في تفاصيلها الآن. ما اريد قوله اننا نحاول ان نحرك الوضع السيئ الموجود اليوم. نحاول ان نؤكد ان الفنانين والقوى الليبيرالية المصرية لن تسكت.

·        هل الحركة هذه تكفي كردّ فعل على الأصوات الرافضة لكل أشكال الفن؟

- هي ليست رد فعل انما معركة حياة او موت. في البداية كانت ضرورة بمعنى انه كان لا بد من الحراك لهزّ مجتمع هو بطبيعته محافظ وميال الى الاعتياد لا الى التمرد والتغيير. أضيفت إليه طبعاً قوة هي ليست محافظة فقط انما متطرفة ولها خطاب معلن شديد العداء للفن والإبداع وحرية المرأة وفكرة المواطنة: فكرة ان هناك عوامل مشتركة تجمع الناس القاطنين في وطن واحد، منها الدين، من دون ان يكون الوحيد. كلها امور تميز اي دولة حديثة. ووظيفتنا كلنا ان نصل اليها عبر الفن وعبر وسائل اخرى. هي معركة قديمة زادت حدّتها الآن نتيجة القوى السياسية التي قفزت على السلطة وخطفت في شكل او في آخر الثورة المصرية.

·        الى اي درجة هناك خطر على الفن في مصر؟

- من اكثر الاخطار التي نواجهها اليوم الخطر على الفن. وتكمن الخطورة بشغل الناس بقضايا اخرى شديدة الالتصاق بحياتهم على سبيل اقناعهم بأن لا وقت الآن للخوف على الفن وأن هناك اموراً كبيرة أخرى لا بد من الاهتمام بها، بالتالي ان يبقى الفن مهمشا وننسى قضاياه في هذه الفترة، لأن «الأكل والشرب والأمن اهم من أي شيء آخر». الاقتصاد والأمن مشكلتان كبيرتان تجعلان هذه الامور على الهامش. لكن دورنا ايضاً اننا حتى في هذا الهامش الضيق لا بد من التحرك. فالثقافة دوماً كانت تعيش في المجتمعات الديكتاتورية على الهامش. من هنا لا بد من ان نستغل هذه الهوامش أقصى درجات الاستغلال. لكن المشكلة اننا فرحنا بالثورة وهللنا لها واعتبرناها نقلة جديدة لفهم عام عن الفن والثقافة والحياة، لكن هذا لم يحدث. من هنا لا بد من ان نعترف بسرعة بالواقع ونهضمه كي نتمكن من مقاومته. لا يجوز ان نبقى فاغري الأفواه وغير قادرين على تصديق ما يحدث امامنا. ما حدث هو ان الثورة المصرية العظيمة اختطفت من امام أعيننا بواسطة قوى اكثر تنظيماً، وهي للأسف قوى ان لم تكن متطرفة فهي على الاقل محافظة جداً.

سلاحنا روح الشعب

·        ما هي اسلحة مقاومتكم لهذه القوى؟

- نعتمد أولاً على روح الشعب المصري. فهو شعب متسق بتاريخه في الحضارة القديمة كلها، وهو شعب، لأنه يزرع الارض، ميال للسلام مع النفس ومع الجار والارض والمناخ. بمعنى انه يتعامل مع الطبيعة ويسيّر احواله بهدوء، فهو من هذا النيل الذي يصخب ويهدأ ويملأ الأرض ماء، يزرع ويجلس شهوراً ببطء شديد بانتظار المحصول قبل ان يحصده ويخزنه. شعب تعامل مع التاريخ في شكل هادئ فيه درجة راقية من السياسة. هو ليس شعباً متطرفاً. والاعتماد على هذا مهم ولكن الشغل على عدم حصول عكسه ضرورة، لأن هناك للأسف قوى تستعمل كل الوسائل بما فيها المال الذي يضخ من خارج مصر لأسباب سياسية ليست بريئة على الاطلاق وهدفها إنهاء دور مصر في المنطقة، لأنه لو اخذ هذا البلد دوره الطبيعي سيغير شكل المنطقة كلها وسيقودها الى تقدم وتنمية، ما سيضعها على خريطة العالم. من يقف وراء كل هذا، قوى ليست لها مصلحة في ان تلعب مصر هذا الدور. وأنا اشك جداً بتدفقات الاموال التي تعمل على هدر هذا الدور وتنهيه في شكل نهائي.

·        واضح انك متشائم من إمكان تبدّل الامور على المدى القريب؟

- قد لا اكون متشائماً، لكنني لست سعيداً بتطورات الامور على المدى القريب. ولكن على المدى البعيد، مثلما قلت، اؤمن بهذا الشعب، فهو ليس بسيطاً وليس سهلاً أخذه الى سكك لا تتّسق وطبيعته. ممكن ان ينسى نتيجة الظروف. ممكن ان يمنح صوته لقوى معادية لمصلحته، ولكن لن يطول الامر. عندما هبطت جماعة «الإخوان المسلمين» والقوى الاسلامية بـ «الباراشوت» على الثورة واختطفتها كان لديّ إحساس انهم لن يتركوا قيود السلطة بسهولة، وقلت في نفسي انه يلزمنا على الاقل 10 سنوات لنهزّهم من مكانهم لأنهم يقنعون الناس بأنهم يتكلمون باسم ربنا. لكنني فوجئت انهم من الحماقة بحيث انهم يمعنون بارتكاب اخطاء سياسية بشعة، ومن الجهل والغباء السياسي بحيث ان الناس بدأت تكتشفهم بصورة أسرع بكثير مما تصورنا.

·        ولكن مستوى الأميين في مصر كبير جداً، وبالتالي يشكلون بيئة حاضنة لـ «الاخوان»؟

- لا يهم، لأن الناس سيكتشفون في النهاية انهم لا يمكن ان يعيشوا ويقتاتوا من الكلام والايديولوجيا. هم يريدون ان يعيشوا ويستمتعوا بحياتهم، فالمصري شعب يحب الحياة. هو شعب متدين وفي الوقت ذاته محب للحياة. ليس شعباً كارهاً للحياة و «بايعاً» للدنيا من أجل الآخرة. ليس صحيحاً... هو شعب يعيش على المثل الذي يقول عش لدنياك كأنك تعيش الى الأبد وافعل لآخرتك كأنك تموت غداً.

الإسماعيلية بداية التحدّي

·        بالعودة الى المهرجانات، نظمت الشهر الماضي دورة جديدة من مهرجان الاسماعيلية على رغم الظروف الصعبة التي تعيشها مصر، والتي تولد هواجس حول عدم انعقاد المهرجانات؟

- هذا صحيح. نحن دخلنا في هذا التحدي. وبالنسبة الى الاسماعيلية، كان هذا التحدي مباشراً لي كرئيس المركز القومي للسينما الذي ينظم المهرجان والمسؤول عنه في شكل مباشر. كانت الموازنة المخصصة لهذه الدورة نصف الموازنة التي اعتاد ان يصنع بها المهرجان، كما كان عامل الوقت في غير مصلحتنا، إذ تسلمت مهامي في كانون الاول (ديسمبر) والمهرجان يعقد عادة في تشرين الاول (أكتوبر). كان الموعد السنوي فات، وكان لا بد من ان أنظم دورة جديدة كي لا تذهب الموازنة المرصودة له، لأن السنة المالية عندنا تفقد في نهاية حزيران (يونيو). اما التحدي الثالث فكان أمنياً. كان هناك رفض كامل لعقد الدورة سواء على مستوى الوزارة او المحافظة فكانت هناك رغبة بالتأجيل. وهكذا واجهت مشاكل مالية ولوجستية وأمنية. لكنني كنت مصمماً على ان يُعقد المهرجان لكل الاسباب التي تناولتها في حديثنا. كنت أريد ان أبعث برسالة للعالم كله بأننا نقاوم ونؤدي عملنا. وفي الحقيقة كنت دائماً معجباً بتجربة الشعب اللبناني، وتغلبهم على الحرب، حيث كانت القذائف تملأ الأحياء في النهار وتراهم في الليل يسهرون ويحتفلون، حتى الاعداء كانوا يجتمعون في المكان الواحد وكأن شيئاً لم يكن. ومن هنا قلت للوزير والمحافظ ما الذي يضمن لكما ان الأيام المقبلة ستكون أفضل اذا أجلنا المهرجان؟ وكنت أرى ان اي تحليل عاقل لا بد من ان يستنتج ان امام مصر على الاقل 10 سنوات من اللاإستقرار. فهل سنكتفي بالمشاهدة او سنحاول ان نعيش حياتنا ضمن هذه الظروف وبقسوة هذه الظروف؟ طبعاً عقد المهرجان، على رغم اعتذارات اللحظات الاخيرة، فبعض الضيوف وأعضاء في لجان التحكيم اعتذروا قبل 48 ساعة عن عدم المجيء الى مصر بعدما نصحتهم سفارات بلادهم بذلك لأسباب امنية، وكان علينا ايجاد البديل بسرعة. وفي المقابل، كان هناك بعض الأشخاص الذين اصروا على الذهاب الى الاسماعيلية للوقوف مع الشعب المصري ودعمه. ولم يكن في حسباننا ان اعلان اسم الرئيس المصري سيتأجل. كنا متصورين ان الرئيس سيحدد قبل بداية المهرجان بأسبوع، ولكن صار التأجيل، واعتقد بأن لو كانت النتيجة لمصلحة احمد شفيق لكنا سنشهد كارثة امنية. وهنا ايضاً كان الله معنا. فأنا اؤمن بأن المرء حين يصرّ على النجاح في امر لا يمكنه ان يفشل، طالما اشتغل بإخلاص. اما المهرجانات الاخرى فمستمرة. لكن الموضوع ليس موضوع مهرجانات وحسب. فالبنية التحتية للسينما المصرية في حالة رديئة جداً، لذا نريد تحسينها وهناك محاولات مع الاتحاد الاوروبي لذلك. كما هناك محاولة لإنهاء موضوع الرقابة والوصول الى قانون جديد للرقابة على المصنفات الفنية اكثر حرية. وهناك محاولة لإصلاح المركز القومي نفسه ادارياً ولوجستياً، وإصلاح المجلس الاعلى للثقافة كله باعتباره لا يتناسب مع ظروف ما بعد الثورة في مصر. عندنا تحديات كبرى في مصر. وأنا اعتبر نفسي جزءاً من حركة الثقافة في هذا البلد. ودورنا جميعاً كمثقفين ان نحاول تحقيق مناخ يشجع على الإبداع وممارسة الأنشطة الثقافية والفنية لأنها الضمان الوحيد لمقاومة التطرف بكل أشكاله.

·        لكن ما يحدث على ارض الواقع اليوم يشير الى استبعاد اي دور للفن؟

- علينا ان نعترف اننا في بلاد محافظة. بلاد لم تنضج الدماغ السياسية فيها بعد. الصراعات الإيديولوجية التي تريد ان تجر منطقة بأكملها الى الوراء ستعمل بجد. ولكن بعد الاعتراف بهذا، علينا ان نعمل. الاستسلام والفرجة على ما يحدث خطران شديدان. علينا ان نتظاهر وكأن لا شيء يحدث ونعمل حتى أكثر من العادي لنقاوم الخطأ.

·        ما تقويمك لما اصطلح على تسميته «افلام الثورة»؟

- بصراحة لم تعجبني كثيراً. قليل منها مسّ روح الثورة في شكل حقيقي. وبرأيي ان الثورة كما انها ولدت من دون زعيم ولدت ايضاً من دون تعبير فني قوي. فالموسيقى والغناء والسينما التي خرجت منها لم تكن بمستواها. نحن شعب بطيء، ليس بالمعنى السلبي للكلمة، ولكن بمعنى الهضم. وأعتقد اننا سنهضم الثورة والتغيير الحادث وسنقدم أعمالاً جيدة مع الوقت.

·        هل ترى ان سبب رداءة الافلام ان بعضهم اراد ان يركب الموجة مهما كان؟

- صحيح كانت هناك موجة لم تكن لمصلحة الفن ولا في مصلحة السينما ولا حتى في مصلحة الثورة. بعضهم حاول ان يستغل الفرصة ويستعرض. كما كان هناك ضغط من الخارج، ما ادى الى نتائج غير ايجابية.

ثقافة البحث عن طريق

·        أي ثقافة اليوم في مصر بعد الثورة؟

- ثقافة البحث عن طريق. الثورة كانت تعرف ماذا ستهدم، لكنها لم تكن تعرف ماذا ستبني. البحث عن طريق سيأخذ وقتاً ونرجو ان يتم في شكل سلمي وهادئ وحقيقي وعميق لأن الأخطار مهلكة في هذه الأزمنة. وكأنك اليوم تسير في متاهة، لو سلكت الطريق الخطأ منذ اللحظة الاولى لن تتمكن من الخروج لسنين طويلة. من هنا لا بد من ان ندرك ان الخطوات الأولى مهمة جداً لتحديد المسار.

·        بعيداً من الثورة وأحوالها، تحضّر منذ فترة لمسلسل عن بليغ حمدي، ماذا عنه؟

- منذ خمس سنوات وأنا اعمل في هذا المشروع. كان متعثراً في مدينة الانتاج الاعلامي، وأعتقد انه بات اليوم بين مشاريعي الأقرب الى التحقيق، خصوصاً انني اعمل في السينما على موضوع صعب عن الحركة السلفية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهذا يستلزم وقتاً، لذا حركت مسلسل بليغ. وسأبدأ «الكاستينغ» بعد العيد.

·        هل سيكون جاهزاً للعرض في موسم رمضان المقبل، ام انه قد يعرض قبل ذلك؟

- لست من اولئك الذين يحرصون على عرض اعمالهم في رمضان، بل ارى ان الضغط الدرامي في هذا الشهر لا يلعب لمصلحة الأعمال التلفزيونية. هناك فوضى وعدد كبير من المسلسلات بحيث لا احد يتابع شيئاً.

·        هل اخترت التطرف موضوعاً لفيلمك الجديد لتلحق بموجة الأفلام الكثيرة التي تطرق هذا الباب اليوم؟

- كنت دوماً مشغولاً بهذه القضية وأرى ان الشبان الذين يسيرون في هذا الدرب محبون للحقيقة والوطن، لكنهم أُخذوا الى سكك خاطئة. ولا ابالغ إن قلت انني احبهم، فهناك افراد من أسرتي ساروا في هذا الاتجاه، لذا احرص على ألا اكون سلبياً تجاههم. اريد ان أناقشهم لأن الموضوع يؤثر في مجتمعاتنا بشدة، ووصل الى الأعماق. انا حافظ القرآن كله وعندي علاقات وثيقة بالكتابة والقراءة حول موضوع الاديان وبالتحديد الاسلام. وأعتبر نفسي شبه متخصص في هذه القضايا. من هنا كان لا بد من ان اصنع فيلماً عن الموضوع، علماً ان أفلامي السابقة تعج بالإشارات، أما الآن فحان الوقت لفيلم كامل يرصد هذه الظاهرة.

·        في كلامك تعاطف بعض الشيء مع هؤلاء الشبان على رغم انك لا تشاركهم آراءهم. ألا يقودك ذلك الى منطقة خطرة؟

- في الماضي وعند الحديث عن الماركسية كان يقال ان الأفكار صحيحة لكن التطبيق سيئ. انا في الفيلم انطلق من فكرة معاكسة. فالمشكلة برأيي في الافكار، وأرى ان هؤلاء الشبان ضحايا وليسوا سبب المشكلة.

·        لماذا اتجاهك اخيراً للكتابة في الصحافة المصرية؟

- نتيجة انني لا اعمل (يقول ضاحكاً). انا غاوي كتابة. اول عمل لي في مساري الاحترافي كان في مجال السيناريو من خلال فيلم «ضحك ولعب وجد وحب» مع نور الشريف ويسرا. كما ان سيناريوات افلامي كلها اتدخل فيها. الكتابة ليست بعيدة عني، ثم انني دخلت السينما اذا جاز التعبير من سكة الادب. كنت أكتب شعراً في صغري، وعلاقتي بالوسط الادبي في مصر اكبر من علاقتي بالوسط السينمائي. طلبت مني بعض الصحف والمجلات ان اكتب ففعلت من دون ان يكون هذا احترافياً. وبيني وبينك فلوسهم لم تكن سيئة.

·        واضح ان التجربة أعجبتك؟

- مهم ان يعبّر الواحد منا عن رأيه في ما يحدث. فهو لا يتوافر له هذا دوماً، خصوصاً في المواضيع السياسية.

·        قرأنا لك مقالاً تواجه فيه علاء الأسواني ومواقفه الداعمة لـ «الأخوان». ماذا تقول للمثقفين الذين اختاروا دفة «الإخوان»؟

- موقف علاء ومجموعة من المثقفين الأصدقاء احترمه وأعتبر أن علاء صادق ومخلص لمصر ويحب وطنه جداً. ولكن هناك نوعاً من التخوف الزائد من فكرة سيطرة العسكر. حكم العسكر كلمة أطلقت بشكل فيه درجة كبيرة من العشوائية. اولاً نحن لم نعش حكم العسكر، وإذا اعتبرنا مبارك عسكراً فمخطئين، لأنه لم يعد كذلك منذ حكمنا، بل حاول ان يحيّد العسكر وأدى الى افساد شديد جداً للمؤسسة العسكرية. إفساد مقصود بهدف عزلهم وإلهائهم بأموال ضخمة. بهذا المعنى كانت المؤسسة العسكرية ضحية نظام ديكتاتوري فاسد وفاشل، وكان علينا مساعدتهم. هم ارتكبوا أخطاء هائلة في حق الوطن والثورة. وانا اعتبرها اخطاء لأنهم ليسوا طبقة مستفيدة بهزيمة الثورة. كانوا ضد ثلاثة امور: التوريث وفساد رجال الاعمال والداخلية. بهذا المعنى يمكن التعامل معهم لأن موقفهم هنا كان واضحاً. هم لديهم فساد ايضاً. تعاملوا بقسوة شديدة مع حركات التمرد الشعبي. وهذا غير مقبول. لكنّ علاء الاسواني ومجموعة الاصدقاء وصلوا الى قناعة بأن مرسي هو البديل. انا ارى ذلك خطأ لأن «الاخوان» بديل اكثر سوءاً، ومهما كان سوء المؤسسة العسكرية كبيراً، لا يمكن مقارنته على الاطلاق بمجموعات من الناس تعتقد بأنها تتحدث باسم الله وممولة من الخارج في شكل فجّ وأهدافها ليست نبيلة وليست هي الوطن. يتكلمون بأيديولوجيا لا علاقة لها بالتاريخ الحديث ولا القديم. يريدوننا خارج الزمن. لذا ارى ان هناك عمى سياسياً عن ادراك واضح. اخترت ألا اؤيد احد المرشحين. ولا يمكن ان يتحول موقفي الى تأييد «الاخوان» لأن عليّ ان ارفض الخيارين بالقوة ذاتها وأن اتعلم هذا الرفض وألا آخذ طريقاً واحدة. ولا يمكن ان اخدع بفكرة الانتخابات بمعنى ان هذا الرئيس منتخب ويجب ان نقف الى جانبه. كلا، نحن نعلم أن لعبة الانتخابات في البلاد المتخلفة هي لعبة أكثر منها تعبيراً حقيقياً عن رأي الناس. وطبعاً لا وجود لشيء اسمه ديموقراطية في ظل توزيع سكر وشاي على الناس وفي ظل احزاب قائمة على اساس ديني، احزاب ليست مع فكرة المواطنة، احزاب غير مؤمنة بفكرة الديموقراطية اصلاً. فحين تنظم انتخابات وتجعل الحزب النازي مثلاً يدخلها على رغم انه رافض اصلاً للديموقراطية، كيف تستغرب ان يقفز هتلر جديد الى السلطة؟ الديموقراطية لا بد من ان تكون لها قواعد. وأهم قواعدها ان يكون الجميع مؤمنين بها. لكن هذه القوى غير مؤمنة بالديموقراطية إلا باعتبارها وسيلة أكثر أمناً للوصول الى السلطة. وفي لحظة الحصول على السلطة لا ديموقراطية. قالها في الماضي عباس مدني في الجزائر ولم يتنبه اليه احد. قال ابتداء من غد لا ديموقراطية ثم قفز عليه العسكر. نحن لا نريد ان نصل الى هذا الحد.

·        حدثنا عن مشاركتك في لجنة تحكيم مهرجان نيودلهي للسينما؟

- سعيد جداً بمشاركتي في المهرجان، وقد فوجئت بأنه منظم بدرجة فاقت تصوري. وعلى رغم ان الجو حار لكننا مستمتعون. هناك عدد كبير من الفئات في البرنامج. ومن يريد ان يشاهد أفلاماً سينمائية يشاهد تنويعة هائلة من الافلام.

الحياة اللندنية في

10/08/2012

 

كريس ماركر: وحدة عضوية بين الصورة والحياة

إبراهيم العريس 

حتى وإن كان يمكن، في اختصار، التحدّث عن كريس ماركر بوصفه واحداً من كبار السينمائيين في العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإن هذا التوصيف لن يعدو كونه مجتزأ، ذلك ان ماركر الراحل قبل ايام عن واحد وتسعين عاماً، كان اكثر من هذا بكثير. كان مبدعاً شاملاً ووفير الإبداع في مجالات شديدة التنوع بحيث اننا لو شئنا، فقط، تعداد انجازاته طوال ما يزيد عن سبعة عقود في المجالات كافة التي ابدع فيها، سنحتاج الى ما لا يقلّ عن صفحتين من صحيفتنا هذه. ومع هذا سيكون منطقياً ان نتوقف عند الأبرز بين تلك النشاطات... ولكن، طبعاً، ليس على غرار بعض الإعلام الأميركي الذي إذ تحدث عن رحيل ماركر خلال الأيام السابقة، ذكر بعض تلك الأعمال، لكنه اعتبر مأثرته الأساسية تحقيقه فيلمه الأشهر la jetee الذي ربما كمنت قيمته بالنسبة الى تلك الصحافة في كونه الأساس الذي بنى عليه تييري جيليان فيلمه الشهير «12 قرداً». هذا الكلام صحيح طبعاً، ولكن الأصح منه هو ان عالم، او عوالم - كما سنرى بعد قليل – كريس ماركر، كانت اوسع كثيراً من ان «تختصر» بتلك الخبرية!

معانقة شاملة للإبداع

كان كريس ماركر سينمائياً وكاتباً ورجل تلفزة من الصنف المميز والذي اضاف الى الشاشة الصغيرة كثيراً وأكثر مما يمكنها الزعم انها اضافت اليه. وكان كاتباً ومصوراً فوتوغرافياً ورساماً وفنان «تجهيز» عرف كيف يستفيد من امكانات هذا الفن الجديد والما-بعد-حداثي كي يقدّم تطبيقات عملية في مضمار المزج بين الفنون والآداب. وكان ماركر مناضلاً سياسياً وسوريالياً وواقعياً، ومناصراً للقضايا العادلة الكبرى في العالم. وكان ماركسياً وناقداً للستالينية في الوقت نفسه... تُرى، أوَليس من الأسهل علينا هنا والأوفر للوقت، ان نضع لائحة بما لم يكنه هذا الذي عاش القرن العشرين وآماله وإحباطاته وثوراته الفكرية وخياناته مسجلاً معظمها بكاميراه ونصوصه؟

وألن يكون من المنطقيّ اكثر النظر اليه على ان فعل الصداقة قاد خطاه منذ البداية الى النهاية؟ فعل الصداقة الذي جعله يحقق اعمالاً شديدة الأهمية – انتهت بأن تعرض في التلفزة غالباً – عن مبدعين فنانين كانوا أو صاروا اصدقاء له؟ فمن «عزلة مغني الأعماق» عن ايف مونتان، الى فيلمه «AK» عن المخرج الياباني الكبير آكيرا كوروساوا، الى الشريط عن سيمون سينيوريه («ذكريات الى سيمون») الى «قبر الكساندر» عن المخرج الروسي الكساندر مدفكين، وصولاً الى فيلمه الفريد عن آندريه تاركوفسكي بعنوان «يوم من حياة اندريه آرسينيفتش» عرف ماركر كيف يجعل السينمائي والفنان نفسه مادة غنية للسينما حتى وإن صنعت اصلاً للتلفزيون. وقد يكون في وسعنا هنا ان نقول ان كريس ماركر كان، الى جانب روبرتو روسليني، واحداً من كبار فناني السينما الذين ادركوا باكراً اهمية التلفزيون في حياة الفن السابع وبقائه. وهذا ما عبّر عنه في أعماله وفي تصريحاته أيضاً.

رجل سينما اولاً وأخيراً

ومن هنا حين الحديث عن ماركر لا ينبغي ابداً ان ننسى للحظة انه كان اولاً وأخيراً رجل سينما. ولكن سينما من نوع خاص جداً، وبالتالي من نوع شديد الشمولية. اما خصوصيته، فإنها كانت هي ما جعل سينماه تسمى بسينما «الفيلم/الدراسة»... في تزامن في هذا مع كبار من سينمائيي النوع ارتبط اسمه باسمهم ليعتبروا من ورثة روبرت فلاهرتي وجون غريرسون وربما ايضاً جان فيغو، الشرعيين، ونعني بهم جوريس ايفنز وفردريك وايزمان وحتى ريمون ديباردون بين آخرين، وكلهم مبدعون سينمائيون جمعهم معاً استخدام جمالي مميز للصورة المتحركة يخبئ وراءه – وليس دائماً وراءه – مواضيع انساسية متقدمة تقول الزمن الراهن بقوة تعبيرية جعلت للسينما التوثيقية في احيان كثيرة، مكانة تفوق مكانة السينما الروائية العظيمة في العالم... بل تمزج في شكل خلاق بين الصنفين في بوتقة اقل ما يقال عنها انها عصية على اي تصنيف.

وكريس ماركر كان على اية حال عصياً على اي تصنيف هو الذي ولد العام 1921 في نوايي سور سين غير بعيد من باريس، وبدأ حياته المهنية وهو في بداية عشرينياته، رحالة وكاتباً ومناضلاً سياسياً ومقاتلاً في صفوف المقاومة ضد النازية ثم مناصراً للحزب الشيوعي الفرنسي انما على طريقة مجلة «إسبري» اليسارية الشخصانية تحت رعاية الفيلسوف ايمانويل مونييه. وبعد الحرب وإذ شعر ماركر (وكان اسمه في ذلك الحين لا يزال كريستيان فرانسوا بوش فيلنوف) ان في وسعه الآن ان يبحث عن آفاق تعبير جديدة، التقى آلان رينيه الذي كان يحضّر بداياته السينمائية غير بعيد من اجواء النقد الفرنسي الجديد الذي كان يتحلق من حول شيخ النقاد السينمائيين في ذلك الحين، آندريه بازان. وعاون كريس ماركر، رينيه الذي بات صديقاً له في تحقيق فيلمه «التماثيل تموت ايضاً» بعدما عمل لفترة في احضان اليونسكو عبر افلام تعليمية. ومع ذلك التعاون الأول مع آلان رينيه سيولد على الفور السينمائي الذي سيكونه ماركر خلال اكثر من نصف قرن تال... ولكن بالتزامن مع ولادته كروائي اذ انه كان قد نشر رواية له عنوانها «القلب النقي» مع جملة أشعار كتبها.

ومنذ ذلك الحين لم يتوقف ماركر عن الإنتاج ولم يخبُ لديه فضول راح يقوده في دروب بدت دائماً من غير نهاية ومن غير حدود. فهو كان دائماً في الصف الأول من الأحداث، السياسية وغير السياسية، يصوّر، يؤفلم، يكتب، يرسم... وكذلك يشارك في الصخب السياسي. في اختصار، هنا يمكن القول انه كان دائماً نموذجاً مبدعاً راقياً وطليعياً لما كان الفيلسوف الإيطالي انطونيو غرامشي (مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي، ومن اول المعترضين على الستالينية وجمودها العقائدي) يطلق عليه اسم «المثقف العضوي». ومن هنا نرى ماركر بين المثقفين الفرنسيين المعارضين للحرب الفرنسية في الجزائر. ثم نراه من المعترضين على «العدوان الثلاثي» على مصر – حتى وإن كان وقع ذات لحظة في إغراء اعتبار «التجربة الصهيونية في فلسطين تجربة نضالية!! -، في وقت كان فيه يحقق شرائط عن اوضاع ونضالات الطبقة العاملة. وهو، اذ حث ثورة الشباب في ايار 1968 الفرنسي والأوروبي في شكل عام، رأيناه «يمتشق» كاميراه ويصوّر – وغالباً هنا بالتعاون مع مجموعات عمل نضالي/فني على النمط اليساري الذي ساد آنذاك. غير انه كان خلال تلك السنوات قد كوّن لنفسه رصيداً كبيراً ولا سيما عبر سفرات آسيوية (كوريا الشمالية، فييتنام، الصين...) وأفريقية، كان يعود منها دائماً بأفلام تراكم مزيداً من الأعمال السينمائية التي تضيء هموم العالم. ومن هنا، حين راح في الستينات يتعاون مع مجموعات عمل نضالي/ فني مثل «سلون» ثم «ايسكرا»، كان من الواضح ان ثقله النوعي يعتبر رفداً اساسياً لتلك المجموعات... والحقيقة انه هو نفسه سيعود الى التعبير عن تلك المرحلة كلها في واحد من اهم وأجمل افلامه: «عمق الهواء أحمر» (1979) الذي يعتبر اشبه بمحصلة توليفية لعمليه السياسي والفني، ولكن ايضاً لمسيرة جيل كامل من اصحاب الفكر التقدمي واليساري الفرنسي.

عمل لا يحدّ

غير ان «عمق الهواء أحمر» ليس مأثرة ماركر السينمائية الكبرى الوحيدة بالطبع... بل يمكننا هنا ان نضع لائحة في عشرات الأسماء، لكننا سنكتفي ببضعة عناوين فقط، على سبيل المثال خالطين بين شرائط وأعمال تجهيزية، على الطريقة التي كان ماركر يفضلها: فمن «بدون شمس» الى «ميراث البومة» ومن «المستوى خمسة» الى «حين تشكّل القرن» مروراً بـ «فيلم صامت» و «ليلى تهاجم» و «مختار في كوسوفو» و «20 ساعة في المعسكرات»... الى عشرات غيرها من العناوين تراكم على مدى تاريخ هذا المبدع متن سينمائي/كتابي/تصويري/تجهيزي يمكن اعتباره قريناً صلباً للزمن الذي أبدع فيه.

الحياة اللندنية في

10/08/2012

 

التراكم الذي لا يضيف جديداً

الدار البيضاء – مبارك حسني 

مرة أخرى تعود المخرجة المغربية نرجس النجار إلى حضن الجبل العميق لتجسّد فيه حكاية فيلمها الطويل الثالث في مسيرتها السينمائية «عاشقة من الريف». وذلك بعد قفزة فيلمية غير محمودة عبر فيلم «انهض يا مغرب» الذي كانت قد أخرجته كردّ «مغربي وطني» على الانتقادات الكثيرة التي كانت في محلها تجاه شريطها الأول «العيون الجافة» الذي يتحدث عن ظاهرة البغاء في جبال الأطلس من وجهة نظر غرائبية، أتت مثيرة على رغم جمالية الصورة المتوخاة والمعروضة. وقد اختارت نرجس هذه المرة جبال الريف الشامخة في شمال المغرب التي تطفح منها رائحة التاريخ والمقاومة. فهل تفادت الكليشيهات والردود بعملها هذا؟ وهل أضافت قيمة سينمائية جديدة إلى مسارها؟

الفيلم الجديد مأخوذ عن رواية لنفيسة السباعي، وهذا الاختيار الاقتباسي الأدبي يبدو كعربون محايدة في الموضوع قد يسمح للإخراج بالحرية الكاملة للتحقق شريطة الإتقان، عبر حكي قصة نساء وعوالم في محيط مدينة جبلية شهيرة بنقاوتها ومعمارها وأزقتها الضيقة الملتوية وألوانها الزرقاء والبيضاء، لكنها تخفي في الوقت ذاته عالماً اجتماعياً موازياً تحتل فيه حقول المخدرات وكل ما يرتبط بها مساحة واسعة بكل ما يستتبع ذلك من حيوات غير عادية وأقدار لا مألوفة، كما تحتل فيه الهجرة نحو التحرر الذاتي بدورها حيزاً له أيضاً خصائص وتأثيرات على الحياة والإنسان.

رؤية خاصة؟

تدور القصة حول الشابة آية التي تجد حياتها في أجواء أخوية وعائلية لا تستطيع منها فكاكاً في خضم هذا العالم السري المخيف ما يجعلها ترتبط بأحد بارونات المخدرات وتقدم على جريمة قتل تعتقل على إثرها لتسجن عشر سنوات ليتم بذلك الانتقال إلى أجواء أخرى أكثر سرية وحبلى بشتى المفارقات غير المعهودة هي أجواء السجن الرهيبة القاتلة للكرامة والأدمية. وهكذا نرى الشريط «يجري» في اتجاهات درامية شتى ومجالات حكي متعددة. وهو ما قد يخلق التشتت والانزياح عن الأساسي والمهم والمراد قوله. وذلك ما حدث في أحيان ليست بالقليلة.

في الوقت ذاته وبتواز مع هذه العوالم وما يمت إليها بصلة وثيقة، تعمدت المخرجة زرع رؤيتها الخاصة الشخصية للعمل السينمائي كما أظهرته في أعمالها السابقة. الرؤية المبنية على جرأة من حيث البحث عن الصورة العارية وغير المحايدة والمباشرة. ينتصب في مقدمها الجنس بتلاوينه الشاذة والفاضحة في ارتباط مع تحقيق اللذة خارج - وفي صراع مع - ثنائية الحرام والحلال. وطبعاً يتم اختيار الوضع الذي يصدم العين ويشحذ النقد إن إيجاباً وإن سلباً. ولا يهم أن يكون ذلك حسب توالي التسلسل الدرامي ومفروضات منطق الأحداث والوقائع ومتطلبات السلوكات الحقيقة للأشخاص.

في كل الأحوال لا تتوخى نرجس النجار التقية والمداراة والتأني، بل تستشعر رغبة قوية ودافعاً في كل ذلك. وهو أمر مفهوم من جهة أن الإبداع يفرض الحرية شريطة أن تكون مقيدة بإملاء داخلي واجب وغير متكلف ولا مقحم. وهو ما لم يتحقق. بل أتى ذلك كاستطراد ودفع صوري كثير ومثير، كمعطى مادي مرئي لا غير.

نعم، من المؤكد أن أمراض المجتمع الكبرى كما تجلت وركّبت على حكايا الشريط ليست بالشيء الذي يمكن التغاضي عنه كأنه غير كائن، أو تلوينه لإخفائه أو المرور إلى جانبه بذكره قولاً فقط. لكن هذه الأمراض موجودة أصلاً في الخبر الصحافي اليومي وفي المعيش اللحظي. وليس جديداً الحديث عنها. إلا أن جعلها مادة سردية فنية بكل مواصفات العمل الفني تروم التأثير العاطفي من جهة أولى، واستغلالها لإبداء رأي في أعطاب مجتمع واتخاذ موقف من جهة ثانية، والركوب عليه لتحقيق تفرد سينمائي من جهة ثالثة، فإن هذا هو الذي يخلق السؤال ويوجب القول بضرورة اتخاد الحيطة وعدم المبالغة أو التكلف. السينما هي هذه الجهات الثلاث حين يريد مخرج ما أن يتحول من مجرد تقني إلى صاحب سينما المؤلف كما حال نرجس النجار التي ما تفتأ تلح على أنها مخرجة لها رأي.

بين الموضوع وسينمائيته

«عاشقة من الريف» يخلق حرجاً كبيراً من حيث موضوعه. لكنه من حيث سينمائيته لا ينفك يدور في حلقة الأفلام المتواضعة الحالمة. تلك التي تراهن على الإثارة الكبرى من دون التوفر على وسائل إبداعية كبيرة أو رؤية فنية مؤسسة على إدراك التفاصيل الصغيرة الخفية القادرة على إنبات الأثر من دون بالونات ملونة كبرى تخفي المطبات والأخطاء. وهو من حيث الشكل يندرج في خانة إبداع أوروبي - أدبي أولاً وسينمائي ثانياً - متكاثر يحتل فيه الجنس غير العادي وعوالم السر والشر والمحرّم وغير القانوني المرتبة الأولى مبحوث عنه كثيراً لأنه مسوّق أكثر. وبما أن الشريط إنتاج مشترك بلجيكي مغربي فرنسي، فمن المحتمل جداً وجود تأثير نظرة غربية لسير الكتابة وسير التصوير والاختيارات كما عهدنا ذلك في أفلام مغربية مماثلة سابقة. ومرة أخرى ليس في الأمر أية مؤاخذة شريطة أن يتوافق العمل في النهاية مع الفن ومع السينما الجميلة المطلوبة المرغوبة. قد يروقنا في الفيلم، بعض الشخصيات كما رُسمت بتفرد ما وانفلات حر في وضع سجن ومأساة، وقد تروقنا أجواء رقص وطبيعة خلابة، وتُلهب الخيال بعض اللفتات المزروعة هنا وهناك، على رغم عدم محلية مرجعيتها الفكرية والجمالية. لكن هل تراها تتمكن معاً من أن تصنع فيلماً كبيراً، وتمنح العين والعقل عالماً متكاملاً جميلاً بالقبح الذي يعري والجمال الذي يكشف في ذات الوقت؟. ذاك ما يطرح السؤال ويدعه معلقاً طويلاً مع حسرة كبرى.

لا نظن الشريط أضاف قيمة معنوية فارقة. هو تراكم في فيلموغرافية محددة تروم الجرأة، صورة أخرى لا غير.

الحياة اللندنية في

10/08/2012

 

أحلام تتكسر على صخرة الواقع

لوكارنو - حليمة خطاب 

يأتي مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي هذا العام في دورته الخامسة والستين بحيويته المعتادة، محاولاً تقديم وجبة سينمائية عالمية متنوعة. ففي قسم «المسابقة الرسمية الدولية» وهو الأهم في المهرجان يجتمع تسعة عشر فيلماً من بينها 13 تعرض للمرة الأولى عالمياً. أما قسم «أبواب مفتوحة» والذي يحاول فيه المهرجان كل عام فتح الأبواب أمام سينما آتية من أماكن بعيدة لم يعتدها الجمهور الأوروبي، فقد تم تخصيصه في هذه الدورة للسينما الإفريقية، حتى وإن كانت فرنسا قاسماً إنتاجياً مشتركاً في معظم الأفلام. وفي قسم «فهود الغد» يتبع المهرجان النهج نفسه في كل عام، وهو البحث عن ابداعات سينمائية جديدة، في أعمال حديثة سواء أكانت روائية قصيرة أم طويلة، تسجيلية أم درامية فالهدف واحد والجدة والابتكار هما المعيار.

يغيب معظم العالم العربي ولا يغيب عن لوكارنو، وكأن رياح «الربيع العربي» أبت أن تصل بموجة عربية من الأفلام المتعددة. أربع هي فقط الدول العربية التي يتردد اسمها في أرجاء المهرجان، حتى وإن تشاركت دولتان في فيلم واحد كما هو الحال في الفيلم اللبناني /الفلسطيني «ربما» للمخرج ركان مياسى، والمستلهم من قصيدة شعرية للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. يحكي الفيلم قصة لاجئ فلسطيني يدعى كريم، تحمله أحلامه الوردية إلى اليأس بعد أن تبددت على أرض الواقع وباتت سراباً. أما الدولة الثالثة فهي الأردن ويمثلها فيلم «حمى عائلية» للمخرج وكاتب السيناريو عمرو عبدالهادي، الذي يحاول من خلال فيلمه القصير والمشارك في المسابقة الدولية لقسم «فهود الغد»، أن يقدم حالة انسانية شديدة التكثيف تتكشف فيها هشاشة العلاقات العائلية وضياع أفرادها كل في عالمه، ففي سيارة عائلية صغيرة يتنقل الفيلم بين أفراد العائلة على خلفية أغنية مصرية. فنرى الأب المتأفف من زوجته، زوجته التي تختال بزينتها لنكتشف خلف الزينة أنها تعاني الهلاوس النفسية، بينما الابن والابنة الشابان في المقعدين الخلفيين كلاهما منفصل عن الآخر، الابنة في حالة هيستيرية نفهمها من الرسائل الهاتفية القصيرة التي توالي إرسالها لرفيق ما تخبره بأنها حامل ولا بد من حل عاجل قبل أن ينكشف المستور، بينما تنكشف حالة الابن الشاب على الجانب الآخر في حوار متخيل بينه وبين قرينه الذي يسخر منه ويطالبه بألا يندمج في دور الابن المهذب المطيع لرغبة والديه. وعندما تصل الأسرة إلى المكان المحدد سلفاً نكتشف أن للأب عشيقة شابة. يدخل الجميع إلى بيت وبعد فترة وجيزة كأنها مرور للزمن يخرج الابن والابنه في شكل مغاير ليكررا الأدوار، دور الأب والأم في حمى عائلية يبدو أنها لا تنتهي.

يحمل الظهور الرابع لدولة عربية اسم مصر، ولكن في فيلم من إنتاج رباعي مشترك بين أميركا وفرنسا وتركيا ومصر ومن توقيع المخرج فيرن سيلفا وهو فيلم «مقامرة واقعية» الذي ينفتح على عوالم المهمشين والمنسيين في باريس حيث الحياة تحملك إلى ما لا تعلم وينتظرك دائماً ما لا تعرفه. أنه، في شكل إجمالي، ظهور عربي متواضع في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي هذا العام، لا يقل عنه تواضعاً الظهور الإسرائيلي، حيث تشارك إسرائيل هذا العام بفيلمين أحدهما طويل ويشارك في مسابقة قسم «سينمائي الحاضر»، وهو فيلم «ليس في تل أبيب» للمخرج نونى جيفن، أما الثاني ففيلم قصير ويشارك في المسابقة الدولية لقسم «فهود الغد» ويحمل عنوان «الحفرة» للمخرج ايتامار لابيد. يجتمع الفيلمان في دلالة لافتة، وهي الحياة الاجتماعية في المقام الأول، حياة ترتكز على ذوات شخوصها ولا يبدو فيها للصراع العربي- الإسرائيلي أي مكان. فالفيلم الأول يتناول حياة مدرس ثانوي ملَّ حياته البائسة، فقرر أن ينتقم لنفسه بإفساد حياة الآخرين. بينما يأتي الفيلم الثاني على النقيض حيث يحاول فيه شابان أن يساعدا مجموعة من العمال المهاجرين إلى إسرائيل حتى ينالوا حقوقهم المسلوبة. حقوق تضيع في عالم تزداد فيه الهوّة يوماً بعد يوم بين فقرائه وأغنيائه، ليبدو وكأن كليهما يحيا في عالم آخر حتى وإن سكنا البناية نفسها. فحياة الفقراء تتطابق تماماً سواء كانوا في كولومبيا، كما قدمها فيلم «الملامح» للمخرج ايفا د.جاونا، حيث تخرج العجوز باولينا لتبتاع شيئاً من الطعام لها ولزوجها المسن ولكن المال لا يكفي فتشارك في اليانصيب وتفوز بكاميرا تصوير فوري، تعود إلى زوجها وعندما يسألها ماذا سنأكل تخبره: «صوراً لكلينا بهذه الكاميرا»، رفاهية يبدو أن العجوز عجزت عن فهمها في تلك الحياة البائسة.

هو البؤس ذاته الذي يحمل الفتاة السمراء دايوانا في الفيلم السنغالي «فتاة سوداء» للمخرج عثمان سمبينا كي تبحث عن أي نوع من الأعمال لتتكسب قوتها، فتعمل لدى أسرة فرنسية، لكن أحلامها بالثراء والعيش الرغد تصطدم بقسوة الواقع، فينتهي بها الحال إلى خادمة وعاهرة في الوقت ذاته. إنه الواقع الغريب الذي لا يخلو من الكآبة والألم حتى وإن أتى من عالم مغاير لعالم الفقراء، عالم الضياع وتبدد الأحلام كما يقدمه الفيلم الإيطالي «أصحاب البيت» للمخرج ادواردو جابرليني والذي يشارك في قسم المسابقة الدولية، ويحكي قصة أخوين يعملان في مجال البناء ذهبا في مهمة عمل لدى مطرب إيطالي مشهور يقطن احدى البلدات الإيطالية الصغيرة، فينكشف لهما عالم من الخيوط المتشابكة، ينتهي نهايات مأسوية إذ يموت الأخ الأول في حضن فتاة مراهقة على يد غريم متيم بالفتاة، بينما يقضي على هذا الغريم الأخ الثاني بعدما يكتشف موت أخيه ونفهم أنه يقتل نفسه في النهاية، قبلها يترك الفنان المشهور زوجته تموت أمام عينيه في نوبة صرع حادة بينما ينشغل هو بالتهيؤ لحفل كبير في البلدة سيغني فيه، وعلى إيقاع موسيقى وكلمات شاعرية يتغنى بها المطرب الشهير تتبدى دموية الحياة وبشاعة النهايات، وكأننا جميعا ندور في فلك من الأوهام المرعبة.

الحياة اللندنية في

10/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)